يثب

حرب مع الإرهاب ! .. أم تبادل للكراهية

د. كمال اللبواني 

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

يسمونها في أمريكا والغرب الحرب على الإرهاب ، ويسمونها في المجتمعات الإسلامية جهادا لإقامة دولة الاسلام في مواجهة الهيمنة والغزو والاحتلال. بينما نحن لا نستطيع حتى الآن أن نرى فيها الا تبادلا للكراهية والعنف بين طرفين لم يثبت أي منهما أنه أرقى قيميا وسلوكيا من الآخر …

في السابق كانت الدول والامبراطوريات المختلفة قوميا أو دينيا، تحارب وتغزو بعضها البعض، وكانت الحدود بينها عدائية ومحروسة بالجيوش والجند، وتنتهي أرض السلم والعدالة داخل تلك الحدود … وفي أحسن الحالات يقوم تجار وسطاء بتبادل بعض السلع بينها. ولكن ومع دخول عصر الرأسمالية تزايد التبادل والتداخل بين الامبراطوريات والحضارات والدول، فاستخدم الغرب مصطلح الانتداب لتغطية احتلاله للدول الأضعف واستغلالها، ثم طور أسلوبه هذا باعتماده على تنصيب أنظمة تقوم بعمل جيوش الاستعمار، وبنتيجة ذلك صار هناك تداخل سكاني كبير بين المجتمعات والدول التي صنفت: لدول العالم الأول ( الغرب ) ، ودول العالم الثاني ( الشرق )، ودول العالم الثالث( النامية)  أي المتخلفة عن ركب المنازعة على سيادة العالم …

ومنذ انهيار الامبراطورية العثمانية فقد العالم الاسلامي الذي يشكل ربع سكان العالم استقلاله بشكل نهائي، ووقع تحت الهيمنة وصار التخلف والاستبداد والفساد سياسة دائمة عنده … وكلما سارت الدول نحو الاستقلال، أو انتفضت الشعوب ضد حكامها الوكلاء للمستعمر أو الأجنبي… كلما وجد العالم الأول الأسباب والأيديولوجيا التي تبرر تدخله، وشن الحرب ضد الشعوب بعناوين وشعارات مناسبة … ( محاربة الشيوعية ، محاربة الديكتاتورية، ثم محاربة الارهاب ).

بالتأكيد سيجدون المبرر الذي يبحثون عنه ( بسلوك هذه الجماعة أو تلك …التي قد تكون مدارة من قبلهم . ويركزون الاعلام عليها)، وسيستخدمون الأدوات الأسهل والأقل تكلفة في حربهم ، وهم اليوم قد وجدو في سلوك داعش ما ينتظرونه للقضاء على ثورة الشعب السوري المطالبة بالحرية والكرامة، وتدمير وحدته ودولته بشكل كامل ونهائي … وهكذا يعملون على الزج بالأخوة الأكراد في حرب ليست لهم، باسم الحرب على الارهاب ( وأي ارهاب ومن يحارب من ) فكل القوى المتقاتلة على الأرض تصنف عندهم ارهابية بداية من ال ب ك ك وتفريعاته ، إلى داعش والجماعات الاسلامية، إلى حزب الله و الحرس الثوري ، إلى الجيش النظامي الذي تحول لعصابات ، والجيش الحر الذي لم يعد موجودا بسببهم، فالمعركة كما وصفها السفير الأمريكي فورد أمام الكونغرس ( القاعدة تحارب القاعدة ) يقصد النسخة السنية والنسخة الشيعية للإرهاب ، واليوم يزج بالنسخة الكوردية ، وغدا النسخة الدرزية … فالحرب كما نراها نحن ليست كما يقولون هم بين حق وباطل وشر وخير ، بل إن الباطل والشر يمارس منذ مدة على الشعب السوري ولم يهتم به أحد، ولو هم فعلا يقاتلون من أجل قيم ومبادئ لفعلوا ما يتوجب عليهم تجاه الشعب السوري أو تجاه الشعب الكوردي، لكنهم تجاهلوا عقودا من التمييز والاضطهاد والقمع ، إلى أن صار استخدام القضية الكردية يقع في خدمة وظيفتهم في الهيمنة والتسلط والاستغلال … وهذا ما أتوقع من الأخوة الأكراد تفهمه وتجنبه، وعدم الذهاب بعيدا في هذا الطريق ، لكي لا يقال عنهم (ملحدين) يقاتلون أخوتهم المسلمين ، فالدول الحليفة لا تخطط لعلاج مشاكل المنطقة بل لإدارة الصراع فيها لسنوات وسنوات، ولم تثبت أنها الحليف الذي يمكن الوثوق به.

اليوم الغرب والتحالف يسمح بل يطالب بفتح باب لدخول المتطوعين للقتال في سوريا دفاعا عن أخوتهم الكورد، و يقوم بمساعدة تلك الجماعات التي رهبت الشعب الكردي ووجهت بندقيتها لظهر الثورة خدمة للنظام، وإذا تغاضينا عن تاريخ هذا الفصيل، فماذا عن فتح الباب للميليشيات الشيعية التي دخلت للدفاع عن المقامات والمقدسات ( نظام الأسد ) وقامت بتهجير المدن وافراغها ؟ وطالما أن سوريا مفتوحة كساحة مواجهة عالمية ، فلماذا يحارب التحالف من دخل فعلا للدفاع عن أخوتهم السنة العزل الذين تركوا لسنوات عرضة لبراميل النظام ومجازره … ولماذا يسميهم ارهابيين؟ وليس مدافعين عن أخوتهم … أسئلة كثيرة ليس لدينا إجابات عنها ، مطروحة على الرأي العام اليوم ،… لكن من وجهة نظر هذه المجموعات :

{ الحرب عليهم لأنهم ذكّروا الغرب ( بشكل صارخ ومتحدي ) بحقهم في الكرامة والاستقلال كبقية أمم الأرض ( فصار اسم الدولة الاسلامية خطرا يهدد الأمن القومي الأمريكي) .. لكن الدولة الشيعية في ايران لا ، والدولة اليهودية في اسرائيل لا ،والدولة العلوية لا، والدولة المسيحية في لبنان ، ولا دولة البي كي كي الملحدة،  ولا الدورزية والحووثية القادمة ، فقط اسم العروبة والاسلام السني هما السبب الحقيقي لتهمة الإرهاب …}

ومن وجهة نظرهم أيضا: { الغرب يمارس ضد المسلمين أينما كانوا حتى في دياره سياسة تمييز واهانة مستترة بمظاهر كاذبة لحقوق الانسان والتسامح ، وهذا هو السبب الذي يجعل البعض من المسلمين الذين يعيشون في الغرب ، متحمسين للعودة والقتال في الشرق من أجل الهوية والسيادة وكرامة الأمة. بالشكل الوحيد المطروح أمامهم ، والذي لم تتغول عليه الأنظمة وتشوهه، كما فعلت مع كل مشروع قومي أو ديني ديمقراطي }

ومن وجهة نظرهم أيضا : { إذا كان سلوك الدولة الاسلامية ارهابيا وغير اسلامي، فهل يقول لنا علماء الدول الاسلامية  المعتدلة؟؟ أين يكمن هذا الخطأ؟  ألا تنص الدساتير على أن القرآن والسنة هما مصادر التشريع في بلادنهم . لكن الغالبية لا يحترمون دساتيرهم ولا يهتمون بالواجب الشرعي في اختيار الحاكم بالبيعة وليس بالوراثة ( خليفة ) . الارهابيون يريدون بشكل واضح وصريح تبيان الخلل الشرعي الذي يرتكبوه : .. الجلد ، قطع اليد ، قطع الرأس ، الرجم … فرض الصلاة ،الأمر بالمعروف ، حجاب المرأة ،منع الاختلاط ، تحريم الخمر والفاحشة … هل هذه هي الشريعة أم هي الارهاب ؟؟. عندها سيفهم شبابنا ما هو الفرق بين الدين والارهاب. هل يخرج علينا أصحاب (الاسلام المعتدل المزعوم )  من سلفيين وإخوان وشيوخ افتاء وحكام ويشرحوا لنا علنا ما هو شرع الله؟

هل يسمح لنا الدين بحرب من حاربنا ، وإخراج من أخرجنا من ديارنا ؟؟ ألم يفعلها الرسول ، وهل لنا قدوة غيره … أما أن يستخدم الدين بيد الحاكم لقمع الشعوب فهذا مسموح ووسطي واعتدال، بينما عندما يستخدم من أجل حريتها وسيادتها وتخلصها من نظم التبعية والفساد والاستبداد  فيسمونه ارهابا … هل نموذج الخلافة صحيح شرعا وواجب أم هو بدعة وضلالة ؟ … وبالتالي البديل الشرعي عنها هو الملكية المطلقة  والسلطنة القاهرة ، هل نريد دولة تطبق الشرع وتحكم باسم الإسلام ، أم لا بد من نظام مدني علماني ديمقراطي … }

أسئلة كثيرة تتطلب الإجابة إذا كنا فعلا نعمل على محاربة التطرف والارهاب كأيديولوجيا . وليس قتل الناس انتقاما وكراهية لمجرد هويتهم  ودينهم … ومع ذلك لا أتوقع شخصيا وجود أي جواب ، أو وجود أي حاكم شجاع يواجه هذه الأسئلة … لأنهم جميعا يتعيشون على اغفال العقل واغلاقه . ثم يلومون الشباب على التطرف والغلو والارهاب .

فلو التزمت أمريكا والغرب ودول التحالف بأي معيار لتعريف التطرف والشرعية والدين والارهاب ، أو لتعريف الضحية والجاني ، والحق والقانون … لكنا ممن سيتحمسون للخير ضد الشر والقانون ضد الجريمة،  أما أن نشهد تبادل عنف وكراهية وانتقام بأسلحة مختلفة، من دون أي معيار ولا منطق ولا قيم، مع الاصرار على ترك بقية المجرمين والارهابيين يرتعون ويروعون ملايين البشر هنا وهناك .. فهذا ما يجعلنا نقف على الحياد في صراع همجي وحشي، لم يثبت فيه طرف أنه أرقى من الثاني أو يفوقه خلقا وقيما وحضارة … وعليه وفي هذه الحال أرى بكل أسف أن العالم يتجه لفوضى عارمة وحروب منتشرة ، بسبب ضياع البوصلة القيمية الأخلاقية، التي أضاعها الغرب قبل الشرق ، والعالم المسيحي قبل الإسلامي ، والعالم الأول والثاني قبل العالم الثالث، المنكوب بهم وبسياساتهم المتوحشة رغم ادعائهم أنها لمحاربة الارهاب .

أسأل دول التحالف وعلى رأسهم أمريكا .. أين هو المشروع الذي ينتظره الشعب السوري والذي يعطيه الأمل ويشجعه على المشاركة في هذه الحرب .. ما هو مصير بقية القتلة والمجرمين والارهابيين الذين يسرحون ويمرحون … أين هي النظم والقوانين والمعايير التي ستعتمد في هذه الحرب … بكل أسف نحن لا نرى سوى ممارسة للحقد والانتقام وتبادل للكراهية والعنصرية والدينية  وتباري بالبشاعة والترهيب … وهو ما يشهد به كل سوري هارب من الموت، وهائم على وجهه في كل أصقاع العالم دون مغيث.

إذا كنتم تحاربون الارهاب كأيديولوجيا، ولا تريدون قتل أبناءنا (فقط لكونهم عربا،  أو مسلمون هبوا لنجدة أهلهم، والبحث عن حريتهم وكرامتهم بما يملكون من فكر وعقيدة وثقافة) ، فهل تتفضلوا وتمطرونا بأجوبتكم الذكية  قبل صواريخكم الغبية… ؟  وتكفوا عن ضرب الناس ببعضها وتخريب حياتهم وبلدانهم . وهل تعتقدون بهذه السياسة أنكم ستربحون ، ولن تدمروا استقرار العالم ونظامه… وأخيرا  ما رأيكم بهشاشة دول التحالف ، واحتمال تفككها ؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.