يثب

تعقيب على مقال “فادي أ. سعد” …عن دور “ اسرائيل ”

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

قرأت مقال  فادي.أ.سعد: دور اسرائيل في ماضي ومستقبل سورية

الذي نشر يوم أمس في “كلنا شركاء”، وبصدده أردت أن أوضح بعض النقاط التي تغني النقاش العقلاني الذي ابتدأه حول إسرائيل ودورها :

1- من الطبيعي لأي عدو أن يسعى لرشوة الحكام غير الوطنيين المستبدين في الدول المعادية واستمالتهم، فالمشكلة ليست في كون اسرائيل صديق يخفي العداوة، بل في من يتستر بشعارات المقاومة ثم يقدم الخدمات للعدو، والتي لم تكن فقط الفرار السخيف وتسليم الجولان التي شاركه فيها القيادة القومية والقطرية لحزب البعث والتي اتخذت قرار اعلان سقوط القنيطرة للضغط على مجلس الأمن لكي يشمل وقف اطلاق النار سوريا أيضا، خوفا على النظام التقدمي فيها… يومها استغرب الروس والأمريكان هذا الإعلان الذي بلغهم اياه مندوب سوريا… فما كان من النظام إلا أن أمر قواته بالانسحاب الكيفي وتهجير السكان … حدث ذلك ضمن حالة من الهيستريا تسبب بها انهيار الجيش المصري بقيادة البطل القومي عبد الناصر، ووصول اسرائيل لقناة السويس بثلاثة أيام …  كيف يكون تسليم الجولان قد حدث بصفقة مع مجرد وزير للدفاع !!! وكيف استطاع فرض رأيه واعطاء أوامر للجيش بالانسحاب، رغم كل من يحيط به، ولماذا لم يعترض رئيس الأركان أو رئيس الجمهورية أو الحكومة، أو وزراء آخرين…! ثم ماذا عن تسليم سيناء والضفة، وما حاجة عبد الناصر لهذه الصفقة التي استقال بسببها، وما حاجة الملك حسين لهذه الكارثة على مملكته الصغيرة التي غرقت بكم هائل من اللاجئين الذين لا يمكن طردهم. أعتقد أن التفكير بهذه الطريقة هو جزء من العقل البعثي الحاكم، يهدف لإعفاء الذات من المسؤولية خاصة عناصر النظام وكوادر الحزب الثوري القائد للدولة والمجتمع ، ومن ورائهم الجماهير الغفيرة.

2- ما قدمه الأسد لإسرائيل فاق طلباتها، وكرمه هذا ناجم عن جبنه وعدم شرعيته وخوفه الدائم من شعبه، بل ناجم عن تبادله الحقد مع هذا الشعب، وهو الذي وزع جيشه منذ سنين طويلة حول المدن استعدادا لحرب معها توقعا لتكرار تجربة حماه… لذلك كان أمن الأسد من أمن اسرائيل، لأنه لا يستطيع البقاء في السلطة كمستبد من دون حسن سلوك ورضى غربي، وليس العكس أي أمن اسرائيل من أمن الأسد . فزوال الأسد لن يغير الكثير في معادلاتها الأمنية، كما وجود التطرف على حدودها، فهو موجود في أكثر من جبهة أكبر واعقد من جبهة الجولان.

3- الصحف الاسرائيلية كبقية الصحف تتمتع بالحرية، وأحيانا ترتشي وتسرب مقالات، والبعض منها يحصل بطريقة مموهة على تمويل ايراني، ولا يجب أن نستغرب مثل هذا لأن اليهود يشبهون العرب كثيرا، وقول صحيفة لا يعني أبدا موقف اسرائيل، ولا حتى تصريح مسؤول فيها، لأن ادارتها متعددة الرؤوس والمراكز ، ولا توجد فيها استراتيجيات ثابتة رغم كل ما يقال عنها ، فهي عرضة للتغير والتبدل ، وما يحدث فيها يشبه عملية تصريف أعمال على مدى زمني قصير بعكس التوهم الذي نملكه. وهناك تيار مناصر للأسد في اسرائيل يتزعمه يهود سوريون سمح لهم بالمغادرة وحفظ أملاكهم وما يزال يستثمر أمواله معهم ( مخلوف ) ويتواصل معهم ويزكونه عند المؤسسات اليهودية والادارة الأمريكية… لذلك خرج مخلوف عن صمته وصرح ذلك التصريح العاتب على شركائه بالمال … والأمن ؟.

4- لا يجوز المبالغة في قدرات اسرائيل خاصة على التحكم في الشعوب، فذلك مرتبط بمدى البعد عن الديمقراطية، ومع ذلك كل حاكم حتى لو جاء بانقلاب مرتب استخباراتيا، فهو سيجد نفسه محاصرا ضمن مجموعة من الضغوط  والظروف الموضوعية تجبره على أداء ما تطلبه هي منه .. وهناك عوامل مجتمعية وثقافية واقتصادية تشكل اكراهات ملزمة لأي حاكم … لا يمكن لإسرائيل أو لغيرها التحكم بها. قد يمكنها توجيه وتمويل حملة اعلامية، واستخدام شبكات استخباراتية، ودفع أموال وتمويل نشاطات ومنظمات … لكن هذا لا يكفي للوصول للسلطة والتحكم بالشعوب، إلا إذا كان المجتمع في حالة سبات، لكن بعد خروج الشعوب للشوارع وبالسلاح، سيصعب كثيرا قبول فكرة أن حاكم سوريا يجب أن يأتي عبر تل أبيب … وهم يفهمون ذلك، ويقولون أنتم تبالغون في قدراتنا، وهذا يريحنا إذا كانت العلاقات سلبية ،لكنه غير منطقي ولا يمكنكم البناء عليه إذا أردنا علاقات إيجابية .

5- الغالبية هناك يشعر بالقرف من سلوك الأسد، ويقارن بين ما يحصل في سوريا وبين الهولوكوست، والبعض وبدافع الخوف لا ينظر للموضوع الا من باب أن الأسد حمى حدود اسرائيل، فعقله منغلق على موضوعة الأمن . لكن نقاشا يوسع دائرة التفكير كاف لإقناعه بأن الأسد قد خرب المنطقة وساهم في بناء مخاطر استراتيجية أكبر من اطلاق نار أو صاروخ محلي عبر الحدود . خاصة شراكته مع النظام الايراني وسعيهم المشترك  في مشاريع الأسلحة غير التقليدية، وتنمية واستثمار منظمات الارهاب ، ونشرهم الفوضى في المنطقة… فالذي حمى حدود الجولان أشعل حدود لبنان، والذي يدعي السلام، يكرس ثقافة الكراهية والعداوة التاريخية ويتعيش على استثمارها ليقول أن شعبي متطرف وحاقد، وأن البديل عني حتى لو كان منتجا ديمقراطيا فسيكون التطرف …

6- هم عقلانيون ولا يتعاملون بالشعارات ، وعندما شرحنا لهم لماذا الثورة أخذت طابعا مسلحا، ولماذا تلونت بلون ديني مذهبي، ولماذا لا يجب معاملة النصرة كداعش ، فهي رغم أيديولوجيتها ما تزال بسلوكها تقف في موقع التصدي للنظام وحماية السنة من شروره ، ولم تمارس الارهاب عليهم… لذلك لا نستطيع اعلان الحرب عليها، بل نحتاج لبرامج مختلفة في التعامل معها، كأن نسعى لاستعادتها واستيعابها في صفوف الاعتدال، ومنع  انحرافها نحو الارهاب ، وأن الغالبية الساحقة من مقاتليها سوريون لهم صلاتهم الوطنية والقبلية التي يمكن من خلالها التفاهم معهم … تفهموا بعكس الأمريكيين ( لاحظ تصريحات وزير الدفاع موشي يعلون عن أن النصرة جزء من النسيج المجتمعي السوري ).

7- العامل الخارجي مهم بسبب الحرب الاقليمية التي نخوضها ، واسرائيل مسموعة الصوت عند الكثير من الدول الفاعلة . ليس لديها أطماع جديدة فهي في حالة دفاع ، وجعلها ترفع الغطاء عن نظام الأسد، قد يفتح باب الفرج عندما نقدم نموذجا لسوريا خالية من التطرف ونظام الجريمة معا … لكن العامل الداخلي هو الأهم والحاسم. ومن دونه سيفشل كل مشروع خارجي كائنا من كان وراءه كما فشل الأسد وغيره…

8- كل ما نحاوله هو مساعدة العقل الاسرائيلي على الاقتناع بأن الأسد قد أصبح من الماضي وأن الاستثمار به خسارة سياسية وعسكرية وأخلاقية، وأن فرصا أخرى للأمن والسلام يمكن ايجادها عبر التعامل البناء مع الشعب السوري و عبر مساعدته على الخلاص من محنته، وأننا منفتحون على هذا الاحتمال، ويوجد استعداد عند الرأي العام لتقبله في حال لمس منكم موقفا وسلوكا ايجابيا واضحا. وأن مشاريع التقسيم هي مشاريع حروب وارهاب واستبداد وتطرف وعدم استقرار، وأن المنطقة متعددة الثقافات تاريخيا ومتداخلة المكونات جغرافيا، ولن يحفظ السلم والأمن فيها الا مسار اتحادي توافقي يعطي الفرصة للازدهار والحرية والكرامة للجميع .

قريبا… سوف أضع بين يدي القارئ الكريم دراسة عن اسرائيل تنشر على شكل عدة مقالات في هذا المنبر، يمكنها أن تساهم أكثر في تطوير النقاش السياسي في هذا الموضوع الحساس، وهي جزء من نشاط مركز دمشق للدراسات والبحوث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.