يثب

لماذا يفشل التحالف ضد الارهاب؟ 4 أجزاء

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

1- من 4 عيب في التشخيص 

لقد حاربت أمريكا الارهاب بصيغته الأولى ( القاعدة ) في أفغانستان، ولم تنجح حتى الآن بالقضاء عليه بالرغم من دخولها الحرب واحتلالها للبلاد واستمرار تواجدها العسكري في هذا البلد. كما تسبب الاحتلال الأمريكي للعراق في نشوء نوع أشرس من الارهاب هناك، و ما يزال موجودا بعد حرب عشر سنوات، مما استوجب عودة القوات الأمريكي للعمل في العراق بعد فشل الجيوش المحلية في التصدي له. وفي دول عديدة فاشلة كالصومال واليمن وليبيا ولبنان ومالي وسيناء ما يزال الإرهاب بصيغه المختلفة يجد المكان المناسب والملاذ الآمن … وفي سوريا تسبب سلوك النظام وتدميره المنهجي للدولة والمجتمع ( ضمن سياسة : الأسد أو نحرق البلد )  في جعلها (تورا بورا ) أي الملاذ المطلوب لوجود الارهاب الذي يزداد شراسة وتنظيما وخطورة… وبالنظر لتنامي ظاهرة الارهاب بشكل عام كما ونوعا وتطور تنظيماتها وتكتيكاتها، وازدياد درجة خطورتها المتزامن مع استمرار الحرب عليها، وبالنظر لتوسع امتدادها في طول الشرق الأوسط الكبير وعرضه، وبالنظر لتزايد الأرضية المناسبة لها في الكثير من الدول الفاشلة الميالة للازدياد باستمرار ، حيث الفشل هو المصير الذي تتقدم نحوه معظم دول المنطقة، ضمن مسار انهيار شامل لأنظمة المنطقة واستقرارها…

بسبب كل ذلك من الطبيعي الاستنتاج أن العوامل المولدة والمساعدة على تكون الإرهاب هي في تزايد مستمر، ولا تحظى بالعلاج الناجع، الذي يكمن في تطوير النظم والدول والاقتصادات والمجتمعات، بما يستوعب حاجات الشعوب ومتطلبات الحياة العصرية، و نستنتج أن القفز فوق هذه المسألة الأساسية سوف يجعل من الحرب على الإرهاب حرب خاسرة مع الزمن ، تظهر نتيجتها واضحة منذ الآن على منحى الخط البياني  … 

فالإرهاب ظاهرة مرضية تعبّر فيها المجتمعات عن مرضها وفشلها وعجزها عن التطور… وهو ما لحظته إدارة بوش بعد أحداث 11/9  ، وقررت على إثره السعي لدمقرطة الشرق الأوسط الكبير ( الخزان الطبيعي للإرهاب الإسلامي المحتمل) لكن هذه الدمقرطة نفذت بأدوات وبطريقة غير مناسبة، ثم توقفت بعد انتصار الاسلاميين في أول انتخابات، حيث جرى اختزال الديمقراطية إلى مجرد صندوق اقتراع، من دون تطوير صيغ المجتمع المدني وتطوير صيغ الحياة الحزبية السياسية، وتطوير صيغ التعبير والسلطة ونظم القضاء، وأهم من كل هذا الإصلاح الديني والانفتاح العقلي، والتطوير الاقتصادي. كلها عوامل لعبت دورا في إجهاض مسيرة الديمقراطية، التي هي الوسيلة الوحيدة لتفكيك وحل أزمات المنطقة.

فالإسراع في اعتماد صندوق الاقتراع قبل نضوج ثقافة وآليات الديمقراطية… هو من جعل الغرب يعيد الاعتماد على وكلائه المستبدين، الذين هم سبب التخلف والجهل والفقر والقمع الذي يولد الارهاب، وينتهون بدولهم للفشل عندما تتصدى الشعوب لهذه الأنظمة وتحاول اسقاطها، بشكل عفوي وغير منظم، كما حدث في الربيع العربي الذي فتح بوابة الفشل واسعة أمام دول كانت قد تحولت لأشباه سجون، فانهارت بمجرد تحطيم أبواب هذا السجن وانطلاق المجتمع خارجه نحو الحرية ، فالجميع كان يعرف عدوه وهو السجن والسجان، لكن القليل منهم يحمل الرؤية الجامعة القادرة على إعادة بناء المجتمعات والنظم  والدول الديمقراطية على أنقاض تلك السجون وتحت أشعة الشمس … وبالتالي نجحت هذه الشعوب بالتدمير، وفشلت في اعادة البناء، فتحولت بلدانها لساحة صراع وتجريب ، وجدت فيها المنظمات المتطرفة الملاذ الآمن والبيئة المناسبة، التي فهمت على أنها نتيجة للحرية والربيع ! وليست نتيجة لغياب الحرية والعدالة ودمار المجتمعات على يد المستبد المجرم. الذي أصبحت عودته للسلطة هي الحل السهل لمواجهة الارهاب بنظر الغرب، مما سيعطي بدوره للإرهاب ما يحتاجه من شعبية وتبرير، ويجدد دورة الاستبداد والتخلف والارهاب ذاته والموجه نحو الغرب الذي يدعم السلطات المجرمة.  

لقد عاش نظام الأسد كغيره في المنطقة على مقولة واحدة هي أن الإصلاح الديمقراطي مستحيل عليه ( الشعب غير ناضج ) ، والبديل عنه حتما هو التطرف والارهاب، في الوقت الذي يدمر فيه كل أسس وبنيان المجتمع المدني، وكل فكر وعقل وحداثة وازدهار معرفي وانفتاح ثقافي، فهو يعيش على عسكرة المجتمع وترهيبه ونهب وتجهيل الشعب، ثم يمارس ضده كل أنواع العنف الهمجي ليستولد ردود الفعل المتطرفة، ليثبت نظريته الشيطانية التي يميل الغرب لتصديقها…  وهكذا ولأن الأسد هو المشكلة الكبرى للمجتمع السوري، فإن هذا المجتمع سيرحب بكل من يعادي الأسد ويحاربه، ويعادي كل من يتواطأ من أجل بقائه… لذلك كان تخاذل الغرب في نصرة الشعب السوري، هو من فتح الطريق أمام دخول الارهاب وتغلغله. 

إن فشل هذه دول المنطقة المصطنعة الهزيلة، يعكس فشل التحديث المصطنع المدار من قبل نخب مستبدة فاسدة تحكم هذه الدول بدعم ورعاية غربية، ولا يعكس فشل الأمم والشعوب ذاتها، بل يعبر عن ضرورة احترام حاجتها للكرامة والحرية والحداثة والتقدم … ومن دون العمل الناجح في هذا المجال يجب علينا توقع استمرار الارهاب وصموده طويلا بل تطوير وسائله وتنظيماته، إذا لم تتغير المقاربات الحالية للموضوع برمته. والتي تتصف بالضعف الذي ينذر بالفشل لأسباب عدة منها ما هو مفهومي ومنها ما هو إجرائي.

حاليا يكتفي الغرب بشيطنة هذه المنظمات واتهام أفرادها بكل صفات الانحراف والشر، ولا يفهم لماذا يترك الارهابي حياته ويذهب للقتال ، أو لماذا يصور الارهابي جريمته بينما يخفيها المجرم الجنائي، ولا يدرك أن ما يفعله هذا الارهابي هو عبارة عن رسالة تحدي وانتقام وتعميم وترجيع للألم والخوف. وهذا ما يجعل له قبولا عند الضحايا الذين تركوا لمصيرهم البائس، وما يبرر أفعاله عندهم، ويوظفها في دغدغة مشاعرهم، تلك الأفعال التي ما كان ليفعلها لولا وجود حاضنة مجتمعية معلنة صراحة أو مضمرة تقول له (أحسنت صنعا يا هذا )، وهو ما يحتاج إليه ليقوم بالتضحية بحياته مقابل حياة أخرى، هو مقتنع أنه يخدمها بفعلته الارهابية، بسبب الصدى المجتمعي المتوقع لها المصرح عنه أو حتى المهموس به، عندما يؤيدها جموع من المظلومين البائسين المغلوبين على أمرهم من ابناء دينه وقومه، ومن دون هذه الموافقة الاجتماعية، لا أتصور أن أحدا يذهب لوحده، ويقتل نفسه بصمت وتذمر مضاد طمعا في أي شيء دنيوي … 

يدرك المسلمون هذه القوة الاحتياطية التي يعطيها لهم دينهم. ويدرك الآخرون الذين خاضوا حروبا تاريخية معهم ذلك ويخشونه. ولديهم الحق في هذه الخشية، فما يفعله الارهاب الذي يحاول أن يلامس بشكل أو آخر عنفوان هذه الأمة خطير بشكله وسائله، لأنه بذات الوقت الذي يدغدغ مشاعر الأمة هو يدمر جوهر الدين وغاياته، وجوهر الضمير الذي يزرعه هذا الدين في نفس المؤمن، ويضع الاسلام ليس فقط على نقيض الآخر، بل على نقيض الحياة والعصر، ويشوه الدين الذي يصبح على المسلمين أن يعيشوه بتعصبه وانغلاقه وتشدده وتكفيره كالقابض على جمر، فقط بسبب الظروف القاهرة التي وضعوا فيها، والتي تفقدهم الأمل في العيش الحر الكريم ، فيفضلون الموت المدوي… 

الارهاب إذا ظاهرة تفاعل روحي بين الفرد والأمة، عميقة الأسباب السياسية والعسكرية والمجتمعية والثقافية والاقتصادية والمعرفية والنفسية… وعليه لا يمكن اختصارها بشخص أو بتنظيم هنا أو هناك … ثم تشكيل حلف عسكري ضده والقضاء عليه. فهذا التنظيم أو ذاك يكشف المشكلة، وهو ليس كل المشكلة… التي يجب أن تدرس وتفهم كعلم له منهجه … 

كما أن هناك فارق كبير بين الانتقام وبين العلاج، بين القضاء على الأيديولوجيا وظروفها ومسبباتها، وبين قتل أشخاص معينين وابادتهم والتنكيل بهم. لأن ذلك سيفاقم هذه الأيديولوجيا ويزيدها عنفا وشراسة، إذا حصل من دون برنامج متكامل يغير الأرضية التي ولدتها وبررتها عند المجتمع، الذي يغذي هذه الظاهرة بالمزيد من أبنائه. وهذا هو عيب الحرب على الارهاب التي تساهم في تفاقمه منذ أفغانستان حتى الصومال وليبيا وسوريا. 

من البداية نرى مقدار التشوش والخلل والهشاشة وازدواجية المعايير، ونرى الكراهية القومية والدينية التي مورست من كلا الطرفين، و التي حرضت ردود فعل متناسبة معها، فالحرب حتى الآن هي حرب الارهاب ضد الإرهاب ، ولم ترتق بعد لسوية أخلاقية أرقى حتى تعامل كل المجرمين وكل الجرائم بمعيار واحد . وما نراه في الواقع هو إرهاب لكنه مضاد للظلم والتمييز، ومضاد لإرهاب الأنظمة المسكوت عنها. إنه ارهاب المنظمات والأفراد في مواجهة ارهاب النظم والدول. وهؤلاء الإرهابيون يسألون لماذا لم يتشكل تحالف دولي لمنع النظام السوري من قتل شعبه بكل صنوف الأسلحة، وماذا كانت ردة الفعل على استخدامه السلاح الكيمياوي ضد عاصمته وشعبه… أليست الميليشيات الشيعية منظمات ارهابية أجنبية دخلت سوريا، ولماذا لم تحارَب … هل حياة مواطن أمريكي أهم من حياة مئات آلاف البشر من المسلمين؟ هل الضحايا هم فقط من يموتون على يد الاسلاميين؟ لماذا يتعطل النظام الدولي برمته عندما يتعلق الموضوع بحقوق شعب مسلم يذبح ويهجر؟ بينما تشن الحروب خارجه ومن دونه عندما يكون العكس؟ هل تتوقعون أن نسكت عن ذبح أطفالنا ونسائنا من دون ردة فعل … وهل من المعيب أن ينصر الإنسان غيره تحت أي علم للأخوة والصداقة … أين هو النظام الدولي، وأين هي المعايير وأين هو القضاء الحكم في مثل هكذا جرائم ..  

إنها أسئلة أيديولوجية تبرر وتعزز أيديولوجيا الارهاب… والعجز المتوقع عن علاجه كظاهرة ناجم عن العجز عن فهمه، الذي ينجم عن عدم الرغبة في نقاش أسبابه، بسبب عدم الرغبة في اكتشاف أن من يحارب الإرهاب، قد ساهم هو نفسه في تهيئة الشروط اللازمة لنموه وازدهاره وانتصاره.. لا أقصد فقط التغاضي المقصود عن جرائم الأسد ومذابحه المنهجية ضد السنة العرب في سوريا، ولا تدخل المليشيات الشيعية من دول أخرى، ولا مساعدة كثير من الدول لهذا النظام عسكريا وماليا للامعان في قتل وتشريد شعبه، بل أقصد ما هو أبعد من هذا وهو  تكريس ظروف التخلف والتبعية والفقر والجهل والاستبداد، التي انتشرت بفعل السياسات الغربية الراغبة في الهيمنة والتبعية، وبفعل القيادات والنظم التي رعوها وساندوها في المنطقة خدمة لمصالحهم. فالذي يحارب الارهاب هو المسؤول الأساسي عن صناعته ووجوده … وهذه الحقيقة المرة يتهرب منها المسؤولون الغربيون بسياساتهم قصيرة النظر والتي تتبع المؤشرات الانتخابية ، وليس المصالح العليا والبعيدة، ولا المسؤوليات الحضارية والأخلاقية والقيمية التي عليهم تحملها ، مما يشجع بعض الشبان على ضربهم وتنبيههم بطريقتهم العنيفة  (الارهاب الذي هو باطل أريد به حق)

من الصعب فصل الحرب ضد الارهاب عن الحرب والتنافس بين الشعوب والثقافات، من دون نظام معياري دقيق وصارم يلتزم فيه الجميع، ومن دونه سيصبح الارهاب هو الممثل الشرعي لمصالح شعوب لا تشملها المعايير التي تطبق بشكل انتقائي ومتباين. لذلك نقول من دون فهم عميق ومتأن لظاهرة التطرف والإرهاب، ومن دون وقفة نقدية موضوعية جريئة وتشخيص موضوعي لها … لن نصل بالعلاج لجذر المشكلة، وسوف تكون مقارباتنا لها سطحية وقاصرة، وسوف نبقى في إطار الضربات الانتقامية التي تعبر عن كراهية وحقد وتزيد من خطورة وانتشار الارهاب، بدل أن تقضي عليه بعلاج أسبابه ومبرراته. 

 

2- من 4  عيب في المفهوم :

عندما كنت أستمع في السجن لروايات السجناء الجنائيين الطويلة التي تروي ما حدث معهم وساقهم لدخول السجن ، اكتسبت خبرة في فهم الدوافع والأسباب والظروف التي تحيط بحدوث الجريمة، وبعد حذف كل المحسنات والأكاذيب الممكنة التي يسوقها عادة من يمارس البوح، كنت غالبا انتهي لنتيجة بسيطة هي  أن المجرم ليس هو الوحيد المسؤول عن جريمته، فطبيعة الفرد ذاتها هي نتيجة ظروف تنشئته، وسلوكه مرتبط كثيرا بظروفه و بسلوك الآخرين، والعدالة في النهاية غير معنية بمحاسبة الظروف والعوامل فهذه مهمة السياسي، لذلك تقتصر العدالة على القصاص من المرتكب وحده، وتهمل كل من ساهم في تنشئته على الشكل الذي هو فيه، و ساهم في حدوث الجريمة أو في تهيئة شروطها، التي أحيانا تكون قاهرة لا يستطيع الفرد الفكاك منها بإمكاناته وحدها… فيصبح هو أيضا (من وجهة نظره) ضحية لسلوك الآخرين الذين ولد بينهم، ويصبح على القاضي بنظره تبرئة المتهم والحكم على المجتمع، إذا أراد أن يوزع المسؤولية بشكل منصف ليس على سلوك الأفراد فقط، بل على من أنتجهم وجعلهم كذلك بعد أن ولدوا أطفالا بريئين. 

وعندما اتهم الأمريكان نظام الأسد الأب بدعم الارهاب، طالب بسخافته المعهودة المجتمع الدولي بتعريف لكلمة ارهاب، طبعا كان يريد ادخالهم في متاهة التعريفات، ويحاول أن يضم ما قامت به دولة اسرائيل والجيش الأمريكي، ويميع الموضوع بذلك … لكن الطرف الثاني أيضا كان فعلا يخشى تعريف الارهاب لذات السبب، ويخشى تشكيل محكمة حقوق انسان مختصة بالمنطقة، كما يخشى الافصاح عن تعريفه الخاص به للإرهاب (لأنه تعريف معادي للإسلام ضمنا)، فالخوض في تفاصيل الظاهرة قد تنتهي بإدانة القاضي أيضا وليس المتهم وحده … 

الارهاب :(الذي هو استهداف المدنيين وترهيبهم بقصد تحقيق غايات سياسية)  ينطبق أولا وبشكل منهجي على نظام الأسد الأب والابن، ويلامس أغلب بقية الأنظمة، التي تمارس القمع والترهيب والاعتقال والتصفية للاحتفاظ بالسلطة، وهو ارهاب الدولة القمعية الذي تمارسه الأجهزة الأمنية وبقية المؤسسات الديكتاتورية، وهي الأنظمة المعتمدة كحلفاء للغرب في المنطقة للسيطرة على شعوبها ، وفي الحرب على الارهاب أيضا… والنوع الثاني من الإرهاب هو ارهاب الأفراد والجماعات الذي تمارسه عنفا ضد هذه الدولة وضد المجتمعات التي تساندها … كرد فعل انتقامي على سياساتها وسلوكها القمعي الترهيبي، و الذي هو بشكل أو آخر انتقام الضعيف من غطرسة القوي المدجج بالسلاح والمستعين بالمؤسسات، فهو ترجيع للعنف وتعميم للشقاء… و شكل من أشكال انتقام الجماعات التي تهان وتمتهن وتستباح وهي مكبلة اليد، وعاجزة عن شن الحرب… وهكذا لا يمكن فهم هذه الظاهرة من دون البحث عن أسبابها ومحفزاتها ودورها الاجتماعي … على أن يتم ذلك بموضوعية ومن دون اتهامات. 

بالفعل يصعب اليوم على التحالف مقاربة مفهوم الارهاب بجذوره وبمفهومه الواسع، لأنه يراه فقط كعدو عسكري، وليس كظاهرة ثقافية اجتماعية سياسية لها أسبابها وعوامل قوتها أو عناصر زوالها … ويصعب على الغرب تفهم دوره هو في صناعة الارهاب… حتى الآن هو يكتفي بتجسيده في تنظيم محدد هو في هذه المرحلة (داعش التي قتلت الصحفي الأمريكي)، فيركز على أفرادها فردا فردا ويتقصدهم، وكأنه بذلك لن يواجه أفرادا آخرين في ظروف أخرى ومكان آخر … لأنه يصعب على الغرب فهم دوافع الارهابيين الذي يأتون ايمانا بأيديولوجيا جهادية، لها مقولاتها ومبرراتها التي تقنع البعض من الشباب المسلم، فهم لا يجرؤون على الجهر بالقول (أن الاسلام بحد ذاته مسببا ومناسبا للإرهاب، لأنه يبيح جهاد الدفع كفرض عين)، ويفضلون مجاملة المسلمين بتكرار مقولة أن الدين الإسلامي هو دين تسامح، ويقصدون بهذا التسامح :(التعامل المذعن مع الطغيان والإجرام) … مع أن الدين هو منظومة معرفية فلسفة قيمية تعتني بالمعرفة وتوظيفها وصولا للحقوق التي يجب أن تحترم، ومنها وعلى رأسها حق الحياة الكريمة الحرة، والتي لو هددت وجب الدفاع عنها بالطريقة الناجعة التي تلغي هذا التهديد، فالحق في الحياة هو حق من حقوق الانسان الذي وهبه الله له، وهو يشمل الحق في الدفاع عن النفس ضد كل من ينتهك هذا الحق، أي أن الدين الإسلامي غير متسامح مع الجريمة والظلم، ويسمح باستخدام القوة والعنف، وهو ما يميز الإسلام الذي يحتوي من النصوص ما تبرر، بل تأمر بالقتال والحرب في حال هددت الحياة الانسانية وقيمها. 

(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) ، 

 (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ) ، 

(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ) 

(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا  ) 

والمسلمين هم كاليهود والنصارى أمة كتاب وعهد، جمعها الله على قول لا إله إلا الله، وتعدادها اليوم قد بلغ 1.5 مليار،  والمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه.. و على كل مسلم واجب تجاه أخيه اذا تعرض للعدوان أو الحاجة الماسة. لذلك كان تكرار استباحة هذه الأمة واهانتها وقتل ابنائها وتحكيم المستبد والفاسق فيها، أمرا استفزازيا يستلزم توقع حدوث ردة فعل عليه ( عاقلة كانت أو غير عاقلة ). وطالما هذه الأمة لم يسمح لها بتشكيل مرجعية سياسية شرعية محترمة من قبلها، فيجب توقع أن يتنطح هنا أو هناك من يدعي ذلك ويلغي الآخرين الذين تحولوا بنظره لمتواطئين وجبناء وخونة … ومن هنا يجب توقع حدوث تفاعل على المستوى العالمي مع أي حدث محلي، وهذا ناتج عن ثورة التواصل والعولمة التي أعادت الحياة لوجود هذه الأمة المعنوي. ولذلك لا يُستغرب أن نجد التمويل والدعم بل المقاتلين يهجرون بلدانهم ويهبوا لتلبية نداء الدين والأمة ( بالشكل الذي هم يقتنعون به) وهذا لا يخضع لقراري أو قرار أي دولة، بل يخضع لقدرة أيديولوجيا ما على تحريك البشر. ومن هنا ضرورة التعامل مع هذه الظاهرة كأيديولوجيا وليس كهدف عسكري فقط، وضرورة استخدام وسائل مقاربة اجتماعية وفكرية ومعرفية مختلفة تسحب البساط من تحتها قبل استفحالها.

لذلك فالحرب على الإرهاب يجب أن تسير على محورين : محور تنويري تعليمي فقهي يشرح الاسلام بحقيقته ودوره، ويميز بين الدين والارهاب، فنحن نعلم الشريعة في الكتب (الجزية و الرجم والجلد وقطع الرأس واليد وتحريم الخمر و…. ) ثم نتهم من يطبقها بالإرهاب. 

 ، ومحور سياسي اقتصادي حقوقي يمنع عن المسلمين الاضطهاد والاهانة والظلم والاستبداد… بعد ذلك قد لا نجد من نحتاج لشن الغارات عليه، سوى أنظمة الفساد والبؤس والجريمة. فمن وجهة نظرنا يكمن النصر على أيديولوجيا الارهاب في احداث ثورة معرفية في فهم وقراءة الدين تشمل العقل القارئ، الذي سيكتشف في هذا الدين كل ما يناسب صيغ العيش الانساني الحضاري، والمشاركة مع الآخر والملاءمة مع الحرية والحداثة ، ومن دون هذه الثورة سيبقى الاسلام مصدرا للإرهاب والترهيب والتشدد والتخلف، كلما جاءت الظروف الصعبة وتكررت صور المجازر والابادة …  ومن يفكر في هزيمة الاسلام كدين ومعتقد وازالته من الوجود هو كمن يحارب الرياح، لأن الأسس المعرفية التي يقف عليها راسخة وثابتة وعنيدة ككل دين استطاع الانتشار والبقاء عبر التاريخ. كما لا يمكن تجاهل رغبات وحاجات وطموحات وحقوق الشعوب، التي ستجد الوسيلة لتحقيقها، أو حرب من يقف في طريق الوصول اليها . 

لن يقبل الغرب هذه المقاربة المختلفة لموضوعة الارهاب، لأنها تقول لهم أن سلوكهم هم أيضا أحد أهم الأسباب التي توجده وليس الإسلام بذاته ولذاته، ولأنها تقول أن شركاءهم في التحالف من أنظمة هم أيضا يمارسون ارهاب الدولة المستبدة القمعية الفاسدة المنظم ضد شعوبهم، فهم عندها سيظهرون كمن يدين نفسه، ويقول أن الارهاب هو الوجه الآخر لصورته، وأن داعش والتحالف المضاد لها هما وجهان لعملة واحدة، يتشاركان ذات الوسائل، و يتقاربان في السوية الأخلاقية والحضارية، ولن ينتصر أحدهما على الآخر لأنه ليس أفضل منه. لماذا لا تمتنع طائرات التحالف عن ضرب أهداف مدنية إذا كان العدو يحتمي خلفها، كذلك ولذات السبب لا يمتنع الارهابي عن استهداف المدنيين لإصابة عدوه في مقتل. والعجز عن امتلاك الطائرات والصواريخ يستدعي اللجوء للخطف والتسلل والتفخيخ والعمل الانتحاري … فكلاهما يقتل وكلاهما لا يحيد المدنيين ، وكلاهما يستخدم السلاح المتوفر لديه .  

فالنصر الحقيقي الذي أتوقعه هو في تجاوز أخلاقيات ووسائل هذا الصراع لصيغ حضارية أرقى .. وكما سمعت من زعماء دينيين واجتماعيين محليين أن داعش هي الجواب الوحيد الذي يفهمه الغرب الأعمى .. سمعت أيضا من الطرف الثاني أن هذه الشعوب لا تستحق الحرية وأن نظام الأسد هو أفضل الخيارات المطروحة التي تناسبه… وهكذا ومن داخل هذا المنطق الجهنمي لا يمكننا أن ننتظر سوى المزيد والمزيد من الوحشية والبربرية… فقد ولّدت مذابح الشعوب المسلمة المسكوت عنها خاصة في سوريا ظاهرة الارهاب، كما ولد ذبح المواطنين الغربيين على أيديها نزعات القتل والتدمير والتحالفات العسكرية، وبنفس الطريقة فقد سبق أن ولد تعمد اهانة الأمة الجرمانية في الحرب العالمية الأولى كل نزعات عنفها و وحشيتها التي بدت في الحرب الثانية، وهكذا نستنتج أن عدم المقدرة على الفهم والتحليل وادراك الظروف والعوامل، هي سبب استمرار  هذه المأساة ، واستمرار هذه الحلقة المفرغة من الهمجية والهمجية المضادة ، التي تسير بنا نحو حرب كونية جديدة تدق طبولها في كل العواصم .

 
 

3-من 4 عيب في  الفاعلين :

الادارة الأمريكية والحكومات الأوروبية تتصرف بطريقة ردة الفعل المتأخرة جدا والمترددة، ولا تملك رؤية ولا أدوات غير القوة العسكرية التي قد تفاقم الوضع بدل أن تنهيه، كما أنها مصابة بفوبيا الارهاب، وتتصرف بشكل انفعالي عنصري وتمييزي، وبالتالي تفقد حلفاءها الأهم وهم الشعوب المعنية، أقصد إجمالها كل العرب والمسلمين حتى القاطنين فيها بممارسات متشددة وتمييزية ومبالغة بالحذر، وهو ما سيعزز الشعور بالعنصرية والتمييز والكراهية، مما سيتأجج لو وقعت حوادث ارهابية …. مما يوقعنا في حلقة مفرغة.     ومع ممارسة عنف مفرط وسقوط ضحايا في المنطقة سيتعزز الشعور بالعدوان والاجتياح، وبالسكوت عن مسببي الفوضى والجرائم، سيحظى الإرهاب بالمزيد من الدعم والشرعية، وبوجود حلفاء فاسدين ومستبدين وارهابيين ستتحول الحرب على الإرهاب إلى إرهاب من نوع آخر يبرره لدى الشعوب، وهكذا نرى الساحة تتوسع وتتحضر لحرب كونية تشمل على الأقل نصف العالم كون المسلمون المستهدفون يشكلون ربعه  … 

  • – أغلب الدول الاسلامية المشاركة في التحالف وبسبب هشاشتها مهددة بالانهيار اذا أمعنت كثيرا في سياسات خارجية لا تجد شعبية وتفهم داخلي، خاصة إذا وقفت ضد المزاج العام الذي يرتاب بأهداف التحالف و بسلوكه التمييزي ومعاييره المزدوجة التي يفهم أنها تخدم النظام وايران وتتغاضى عن ارهابهما ، وتسعى لنصرة الأقليات فقط، بهدف تقسيم البلدان، ضمن استراتيجية شاملة لمنع قيام وحدة اسلامية فاعلة.
  • – لا تشكل القوى والدول المتحالفة حتى الآن جسد تحالفي موحد ومنسجم، فالخلافات بينها تصل أحيانا لدرجة القطيعة، والتنافس والمزاحمة تصل درجة الصراع، نحن هنا لا نتحدث عن خلافات دول الخليج ولا الخلافات العربية – العربية، بل الخلافات مع تركيا والتباينات الأوروبية والأمريكية وما بينهم جميعا …
  • – عدم الثقة وضعف التعاون والتنسيق بين معظم المتحالفين بسبب المواقف المترددة السابقة ( كيوم التهديد بالضربة بعد استعمال الكيمياوي) وفي أغلب المستويات، ومعظم المجالات حتى في مجال تبادل المعلومات.
  • – نقص كبير في فهم وتحليل المعلومات، واعتمادها المفرط على التكنولوجيا، والتخصص الجزئي من دون رؤية عامة متوازنة ومنطقية… (الجزء يصبح كل، والخاص يصبح عام، والصغير كبير، والأساسي ثانوي، والنوع كم، والمتغير ثابت) … وكل هذه الأمراض والعيوب في عملية تقييم وتوظيف الكم الهائل من المعلومات المختلفة، سببه عدم وجود منهج علمي جامع، أو اعتماد خبراء وحلفاء معايشين للحدث والظاهرة، يملكون القدرة على الحكم والتقييم، والاعتماد على اختصاصيين غرباء أو حلفاء تافهين متعيشين على الوكالة والتبعية. 
  • – ضعف الموارد الاقتصادية والعجز المالي الذي تعاني منه الدول، ووضع أغلب العبء المالي على دول الخليج العربي، التي عليها أيضا أن تتحمل عبء تمويل الضربات العسكرية الباهظة التكاليف على الطريقة الأمريكية ، وعبء انشاء وتدريب جيش وطني، وعبء امداد الجيش الحر، وعبء اغاثة الشعب السوري في المهجر والداخل، وكذلك اعادة بنية الاقتصاد ومؤسسات الحكومة للعمل …. والتي هي ضرورة لملء الفراغ بسلطة وطنية تتشغل الأرضية التي يستعملها التطرف… لذلك نتوقع وجود صعوبات مالية تقلص حجم الضربات وتقصر أمدها إلى الحد الذي يتسبب بفشلها. 
  • – ضعف الادارة  المتعددة الأقطاب، والتي يفترض أن يكون فيها الأمريكي هو القائد، ونحن نعلم كيف تعمل إدارة أوباما ومدى ترددها، و نعلم ماذا سيحصل لو تدخل الخليج الذي هو الممول في الإدارة على طريقته، و نعلم أن الغرب هو المساند سياسيا ومنسحب عمليا لتراكم أزماته وتنوع مشاربه، ولكل من هؤلاء أجنداته ووسائله المختلفة، ناهيك عن الشعب السوري صاحب العلاقة الذي لا يرى في الإرهاب ذلك الخطر الذي يراه في النظام، والغير مستعد لخوض حرب ضد التطرف تصب في صالح النظام، ناهيك عن فقدانه لكل أنواع التنظيم والمؤسسات بسبب القيادة المغتربة المعتمدة للمعارضة السورية المدنية والعسكرية. 
  • – عيوب بالغة في طرق تقديم الدعم تجعل هذا الدعم يصل في النهاية للمتطرفين، ويوظف في خدمتهم و في بناء تحالفاتهم … هذا بسبب اعتماد معارضة منفصلة عن الأرض فاسدة لا تعمل عبر مؤسسات، وتقديم الدعم العشوائي الهادف لشراء الولاءات، والذي لا يمر عبر صناديق ومؤسسات مراقبة وشفافة.
  • – عدم الانتباه الكافي لوجود دول في المنطقة والعالم تسعى لتخريب كل جهد وكل تحالف دولي. وتعطل كل منظومة دولية، وتستثمر في هذه الفوضى على أمل أن تمد نفوذها إليها عبر ميليشياتها ونظمها المجرمة، ولها امتداداتها حتى داخل المنظمات الإرهابية ذاتها. 
  • – عدم  وجود حليف قوي على الأرض ، وتصارع قوى الأرض وتباينها وتوزعها على مصادر التمويل، وتغير ولاءاتها بسرعة، ولكي نوجد قوة عسكرية منضبطة قادرة تعمل على الأرض، نحتاج لبذل جهد إداري وتنظيمي كثيف ومركز كي يتحول التشرذم لتعاون، وكي تقوم هناك سلطة مركزية قادرة على ضبط الأمور وضمان حسن سير العمل، وهذا يتطلب وجود المجتمع الذي يشترط تحقيق الأمن، ويحتاج لوجود مناطق آمنة والتي تحتاج بدورها لقرار دولي وجهد عسكري، كما يتطلب وجود مؤسسات اجتماعية وسياسية وأمنية وقضائية وبنية تحتية اقتصادية خدمية، وكل ذلك مهمل وغير متوفر وغير ملحوظ في الخطة… وبالتالي قوى الأرض ستبقى غير قادرة على دخول التحالف. الذي سيستخدم الضربات الجوية فقط والتي يمكن لقوى التطرف تحملها والتكيف معها.  أي أن الخطة الحالية بإمكاناتها الراهنة تفتقد منذ البداية لأهم عناصرها وهو الحليف الأرضي … ودخول جيوش أجنبية سيكون عنصر تعقيد للمسألة وقد يفتح باب حرب اقليمية وعالمية . ناهيك عن كلفتها الباهظة التي لا تتحملها أي دولة، كما أن تدريب جيش في الخارج وادخاله يحتاج لوقت طويل ولا توجد ضمانات لاستمرار ولائه بعد دخوله، من دون قيام سلطة فاعلة على الأرض تقف خلف صفوفه، ولو وجدت هذه السلطة لنظمت القوى الحالية، وانتفت الحاجة إليه … لذلك نحن نعتبر أن النقص ليس في التدريب بل في القيادة والتحكم ، وفي الامداد والتموين. 
  • – حتى الآن نلحظ عدم مشاركة الشعوب وعدم مساعدتها على  بناء سلطتها، فهي الشريك الحقيقي في الحرب ضد التطرف، وهي صاحب الأمر في العمل ضد الإرهاب، لكن هذا الشعب هجره وقتله النظام المستمر في فعلته، وقد تشرد وتعطل وتحطم دوره ووجوده السياسي، ولا توجد خطة للخلاص من الأسد أو النظام الإيراني أو لجمه للتوقف عن حربه المنهجية الهادفة لتدمير المجتمع، ولا توجد خطة لاستعادة هذا المجتمع فوق أرضه … والنتيجة أن المدن والحاضرات السورية قد تحولت لمدن أشباح أهم وأعقد من مغارات تورا بورا، وأصبحت مرتعا ومكانا خصبا جدا للتوحش والعنف، وملاذ آمن ومناسب لمجموعات التطرف وأمراء الحرب… 

أي أننا في الظروف الحالية نحن ما نزال ندور في حلقة مفرغة لا يمكننا الخروج منها، و ليس هناك خطة ناجحة موجودة فوق الطاولة، ولا أدوات وعناصر قادرة وفاعلة … بل الجميع ينتظر انهيار التطرف بعوامل أخرى لا يتحكمون هم فيها… وعليه إذا هزم الارهاب فهذا لن يكون بجهود التحالف بل بأمراض داخلية فيه. 

 

4- من 4 مقترحات للمعالجة

1. لا تدرس ظاهرة الارهاب لوحدها وباستقلال عن الظروف التي وصلت اليها بلدان الشرق الأوسط الكبير سياسيا واقتصاديا وثقافيا .

2. لا تدرس هذه الظاهرة باستقلال عن الفقه الديني الرسمي والشعبي والسري و العقل الذي تتم به قراءة الدين ، أو بالتغاضي عن ضرورة الاصلاح الديني الجذري عقلا ومؤسسات وأحزاب تعمل معا على تحضير أرضية مناسبة للتطرف والارهاب .

3. لا تفهم هذه الظاهر باستقلال عن سلوك الغرب وممارساته ومواقفه المستفزة ومعاييره المزدوجة 

4. لا يمكن معالجة الارهاب باعتباره ملفا أمنيا عسكريا فقط ، بل هو أيديولوجيا لها فلسفة وتخدم غايات.

5. لا يمكن النصر عليه من دون شريك على الأرض يملأ الفراغ ويسحب البساط من تحت الارهاب .

6. لا يمكن النصر عليه كأيديولوجيا من دون مشاركة المجتمع، وهي النقطة الأهم التي تستوجب التعامل مع هذه المجتمعات بطريقة أخرى غير استعمال الوكلاء المستبدين والفاسدين  والمجرمين. 

7. الحضارة إما أن تكون أخلاقية وعادلة أو لا تكون، والبديل عنها هو الهمجية التي تتعدد بالأشكال وتتساوى في الهوية، واستمرار البحث عن المصالح بغض النظر عن القيم سيكون ثمنه باهظا جدا، فالمصلحة الكونية كامنة في احترام القيم، ومن خلالها تصبح المصالح الجزئية شرعية ومقبولة.   

8. سوريا مفتاح المنطقة، تختزل وتختصر مشاكلها، وشكل الحل فيها سيكون رافعة للمنطقة ومثال يحتذى للآخرين، وهي النموذج العملي الآن والامتحان الفعلي. ولعنة سوريا ستطال الجميع أيضا لذات السبب. 

9. عمليا فيما يخص سوريا يجب تطوير خطط التحالف للقضاء على الارهاب ، لتشمل وضع خطة لمنع النظام من قصف شعبه وتهجيره، وخطة بالتوازي لإعادة المهجرين واعادة الحياة القضائية والقانونية والاقتصادية للمناطق المحررة، وهذا يتطلب الاستثمار في الادارة والتنظيم، والتخلي عن المعارضة الهزلية في الخارج، ووضع ميزانية تخدم كل ذلك…   وهذا البناء الداخلي على الأرض ينتهي بتنظيم وإدارة القوى العسكرية المحلية لتتحرك بالتزامن مع الضربات الجوية التي تضعف البنية العسكرية للمنظمات المتطرفة، وتفتت تمركزها، مما يسهل على القوى المحلية تفكيكها واستيعابها من جديد، حيث أغلب عناصرها تركوا هذه المجموعات بسبب نقص التموين والذخيرة وليس لدوافع عقيدية، لذلك وبدل ادخال جيوش أجنبية في الأرض المحروقة، يجب تدمير طيران النظام، للسماح بعودة المجتمع ومساعدته على اعادة بناء سلطته، والتي تعبر عن حاجته للاستقرار واعادة البناء، وقوى المجتمع ستكون قادرة على لجم التطرف وتفكيك مجموعاته، فقوة المجتمع الحر أكبر من قوة أي جيش احتلال، ولا يستطيع الارهاب الاستمرار من دون موافقة هذا المجتمع علنا أو سرا. 

10. باختصار أكبر : تزامن الضربات العسكرية المركزة والنوعية، مع تقديم دعم فعلي للمقاتلين المعتدلين، على أن يكون مشروطا  بجهد تنظيمي يسبقه و يضمن حسن استعماله، بما يخدم الغايات السياسية المحددة، مع حماية الحاضنة الاجتماعية المعتدلة من ضربات النظام. هذه هي الطريق الصحيح نحو محاربة الارهاب.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.