يثب

لماذا لا يحاكم الممثل الشرعي الوحيد ؟

د. كمال اللبواني 

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بالأمس تحركت الأسرة الدولية لاتهام داعش والنصرة وليس المعارضة السورية بارتكاب جرائم فاقت جرائم النظام كما ورد الخبر على نشرات الأخبار ؟؟؟؟

والسبب في ذلك أن النصرة ومحاكمها الشرعية ، كما داعش تعمل على التطبيق الحرفي للشريعة الاسلامية وبكامل حدودها وبقسوة مفرطة ، وهذا ما يعتبر بنظر الغرب شناعة وبربرية بل ارهابا وجرائم ضد الانسانية ، و هو بالضبط محتوى التقرير المقدم للأمم المتحدة ، والذي سيحظى بالدعم والتأييد بعكس ما حصل مع جرائم الأسد وشبيحته ،التي حظيت بالسكوت عنها وبالحصانة الدولية ضد المحاكمات حتى الآن، وهو ما أحدث عند الضحايا ردود فعل مختلفة ليس أكثرها تشجيع الانتقام وبكل الوسائل المتاحة ، والتي منها دعم منظمات مثل داعش والنصرة ، بل والانضمام اليها والقتال في صفوفها .

ولست هنا لأقارن بين ارهاب داعش وارهاب النظام ، لا نوعا و لا كما فالنظام فاقها بكل شيء ومارس وبشكل منهجي كل أنواع القتل الهمجي والعشوائي والتعذيب والتفنن به وترويع الناس واستخدم كل أنواع الأسلحة ضد المدنيين ، ولكن الغرب شعر فقط بمرارة ذبح الصحفيين وشعر بسكين داعش تمر على رقبته  يومها ، ولم يشعر بمرارة ذبح وتعذيب حتى الموت ل400 الف إنسان سوري .. لأن الغرب ليس جهة قانونية لتقيم الجريمة تقييما نزيها، بل ربما كان هو طرف مستفيد من هذه الجريمة ، عندما رأى في تجاهلها مصلحة قومية لبلدانه ، لكن عندما يصل الموضوع للمحافل الدولية فإنه يتوجب علينا أن نرفع الصوت ضد هذه المعايير المزدوجة التي تحطم كل شرعية أو قبول بالعدالة . ليس دفاعا عن داعش ، بل دفاعا عن العدالة والانسانية التي قتلت في ضمير ومؤسسات المجتمع الدولي، وتسبب قتلها في تحويل العالم لساحة للجريمة والارهاب …

ولست هنا لأدافع عن تطبيق الشريعة الاسلامية بهذه الطريقة ، لو كان الوضع في الداخل يتحمل تطبيق عدالة أخرى ، أو لو وجدت عدالة أخرى تعمل وتفرض نوعا من النظام والأمن يحمي ما تبقى من أعراض وأموال وأرواح … تخيلوا شبيحة النظام أو شبيحة حسن نصر الله أو أبو الفضل يحكمون مناطق معادية لهم … كم من النساء ستغتصب وكم من الأطفال ستذبح أمام أمهاتهم وكم رجلا سيبقى على قيد الحياة ؟؟؟ انظروا لما يفعله النظام بالمدن والقرى والبلدات التي تحت أمرته ، ناهيك عن تلك التي يحاصرها ، بل حتى البعيدة عنه … أنظروا كيف مارس سياسة الجوع والركوع ثم الانتقام والتهجير … فكيف سيحارب الناس داعش والنصرة ليعود النظام ويحكمهم ؟؟ … وأي عاقل سيقارن بين هذا وذاك ….هذا من جانب

من جانب آخر من هو الذي طبق في الداخل شريعة أو قانون أو عدالة من أي نوع ، وماذا فعل الجيش الحر والائتلاف والحكومة والمجالس في المناطق المحررة  قبل ظهور داعش والنصرة ، كيف أداروها وكيف حكموها وهم يعلنون أنهم الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري ، ألم تضرب الفوضى العارمة كل المناطق التي تحت سيطرتهم ، ألم تستباح الممتلكات والأرواح ، ألم يتصارعوا على المغانم والمكاسب ، لدرجة أن تشكل أمراء حرب وتهريب واتجار بالبشر وتشبيح على الناس عندما صارت السلطة بيد مسلحين لا ضابط ولا نظام ولا مرجعيات تحكمهم … ثم شهدناهم يفرون من أمام قوات الدولة أو النصرة كالأرانب … من دون دعم حتى من أهالي قراهم التي مارسوا عليها ما مارسوا … ولا مؤازرة جنودهم الذين سرقوا رواتبهم وعتادهم … إذا من الطبيعي أن يقبل الناس بأي سلطة وعدالة وشريعة عندما تقارن بالفوضى والوحشية  المطلقة … فكيف إذا كانت شرع الله الوارد في كتابه وسنته (مع اختلاف القراءات والاجتهادات ) أليس الوضع الاستثنائي يستدعي التشدد في تطبيق الحدود ، وهي ذاتها التي تدرس في كتب المدارس ، وهي مطبقة في بعض الدول العربية التي لا تعاني من عدم استقرار ، ولا أحد يقول أنها دول متوحشة أو تمارس الإرهاب لأنها تطبق عقوبة قطع الرأس والرجم والجلد ( طالما هي تبيع النفط بسعر رخيص )… نعم بنظري هذه العقوبات خاصة بزمن ومرحلة تاريخية معينة وقد تجاوزتها الحضارة … لكن أي حضارة تعيشها سوريا … التي أصبحت موحشة أكثر من أدغال الكونغو ومغاور تورا بورا …

من يضع حدا لأمراء الحرب وقادة الميليشيات الثورية وما أكثرهم وهم خريجي مدارس وثقافة الأسد رغم ثورتهم عليه ، أو لشبيحة الجيش الحر ولصوصه وعصابات المجالس المحلية والائتلاف والحكومة المؤقته الذين يتعيشون على حساب قوت الشعب الجائع ، و كل العصابات الحزبية التي تسمي نفسها ثورة، وتجار المال والغذاء الذين يدعون الدين والاغاثة ، وناهبي البيوت والمصانع والثروات والآثار …. وخاطفي أبناء الذوات … وطالبي الفدية ….

بل أكثر من ذلك من يضمن عدم اعتداء مقاتلي النصرة وداعش ذاتهم ، على أرواح وأعراض الناس … غير القسوة في تطبيق الشريعة وعدم التساهل بها …. لذلك وبسبب كل ذلك يرى الكثيرين أن ما تفعله المحاكم الشرعية التابعة للنصرة أو التابعة لداعش ضروري ومفيد ، وأنه قد قلص وبشكل ملحوظ نشاط الجريمة والمجرمين الذين ساعدتهم أو دفعتهم الظروف الاستثنائية لممارسته على نطاق واسع … وهو ما يجعل الناس يفضلون حكمهم على كل الخيارات الأخرى المتاحة … فهل عرضنا عليهم خيارا أفضل ورفضوه ، ألم يطلبوا تدخلا دوليا ومساعدة خارجية بل لجان رقابة وتفتيش دون جدوى . ألم يطلب أهل الرقة من الائتلاف تسلم السلطة في المدينة المحررة ؟

نعم ما يجري في هذه المحاكم قاسي وربما وحشي ، لكن ما أوجده النظام من ظرف هو أقسى وأكثر وحشية ، مع غياب أي جهد حقيقي فاعل لتقديم بديل عن هذا القاسي والوحشي ، لقد أهملت أحوال الشعب السوري لسنوات ، واهمل ممثلي وقادة الثورة واجباتهم لأنهم فضلوا الوكالة للآخرين ، ونسوا مسؤولياتهم في الادارة وبناء المؤسسات ، لذلك هم أكثر من يتحمل مسؤولية ما ترتكبه المحاكم الشرعية … لأن أحدا لم يمنعهم يوم كان الجيش الحر وحده يحكم المناطق المحررة من اقامة سلطة ونظام قضائي … لكنهم  فضلوا سكن الفنادق في العواصم  وأنا هنا أخص بالذكر قادة المجلس الوطني والائتلاف والحكومة والأركان وأحملهم كامل المسؤولية القانونية عن الجرائم التي وقعت في الأراضي التي يدعون تمثيلها وقد أقر بذلك 120 دولة ، فالاعتراف الدولي ليس فقط بهم كركاب طائرات ، بل كمسؤولين عن أرض عليها شعب وعن ثورة تقاتل ، إنهم المجرمون الحقيقيون ، وهم المسؤولون عن تفشي ظاهرة الارهاب والتطرف ، وليس الشعب السوري ولا حتى مقاتلي النصرة و داعش الذين خيروا بين الموت على يد شبيحة ايران وحزب الله  وجنود الأسد ، أو القتال تحت راية البغدادي التي تقول لا إله إلا الله وتؤمن لهم الذخيرة والطعام لكي يدافعوا عن أعراضهم وعائلاتهم وبلدانهم …

لماذا لم يوجه الاتهام لقادة الائتلاف بارتكاب جرائم ضد الانسانية ؟   هم مسؤولون عن ماذا ؟؟؟  فقط عن قبض العملات وتبديدها … ولماذا لم يوجه للحكومة السورية المؤقتة … أليست حكومة تنفيذية ؟ كيف تكون حكومة كل سوريا كما تدعي ، ولا تكون مسؤولة … أنتم يا من تتسابقون على المناصب أنتم تتسابقون على صقر في جهنم  وعلى أقفاص الاتهام الدولي وغدا محاكم الشعب السوري ؟  بل إنها أمانة ومسألة ومذلة يوم القيامة …

سؤال أخير : هل موت إنسان ذبحا يختلف  عن موته قصفا ،أم عن موته فسادا كما يحصل عندما يموت الأطفال بلقاح مسموم ، ويموت الجرحى بسبب سرقة تمويل علاجهم ، ويموت المحاصرين بسبب سرقة حصصهم الغذائية ، وهل مصير بنات حمص الذين خطفهم شبيحة العلويين أفضل من النساء السبايا التي بيعت في أسواق داعش ؟؟؟ وما هو حجم جريمة من سرق تمويل جهاز الشرطة والقضاء وعطل تشكيله من قادة المجلس الوطني والائتلاف والحكومة ….

لسنا هنا في صدد التسابق في الجريمة ، أو تبرير واحدة بأخرى … لكننا بصدد التوازن لكي نسمي أنفسنا عدالة … فقط عندما نشاهد بشار ونظامه يحاكم ، والائتلاف ونظامه يحاكم ، وكل المسؤولين عن مصائب الشعب السوري من دول وزعماء يحاكمون … عندها  نقبل بمحاكمة البغدادي والجولاني … هذه هي العدالة . وإلا فلن نفهمها الا حربا واعتداء على الحق والحقيقة واستمرارا في الجريمة وإخفاء لمعالمها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.