يثب

شريعة إسلامية .. أم إرهاب وبربرية؟

د. كمال اللبواني 

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

ترجم هاشم صالح عن د. محمد أراكون الكاتب المغربي الفرنسي عدة كتب .. كان يشرح فيها أعمال الفيلسوف الفرنكفوني فوكو الذي أعلن موت الانسان بعد أن سبقه الفيلسوف الألماني نتشه بإعلان موت الاله في الحضارة الحديثة ( العلمانية ) التي أنكرت كل متعالي وروحي ورمته في حيز الأسطوري التخيلي الطفولي غير الواقعي ، بعد أن اكتشفت حقيقة الواقع بواسطة العلم التجريبي من دون اضافات ولا تهيؤات …. لأن الانسان  بنظر فوكو  غير موجود إلا على صورة إله ومن روحه وليس مكون فقط من جسد حيواني وتراب …  كتب أراكون عن الفلسفات المعاصرة والمدارس الحديثة في علوم اللغة والنصوص والبيان والسرد والدلالة والقراءة وعلوم المقدس والمتعالي والأسطوري ، وتحدث عن تراكم كم هائل من اللا مفكر فيه ، والممنوع التفكير فيه ، والمستحيل التفكير فيه … أمام الوعي العربي الراهن بعد قرون من الانغلاق ومنع العقل والاعتماد فقط على النقل، وهو ما تطرق اليه أيضا د. محمد عابد الجابري في كتبه نقد العقل العربي .

في هذا السياق نواجه اليوم موضوعة بسيطة وسهلة ، لكنها تعبر عن هول ما نعاني منه وما يتسبب في خراب حياتنا بل يتسبب بتناقض تكويننا لدرجة الجنون …  فكل الدساتير العربية تقر بأن القرآن والشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع ، وكل الكتب المدرسية تدرس هذه الشريعة كشريعة منزلة من عند الله، مطلقة الصحة لا تقارن بما يصنعه البشر ، ويجب أن تطبق كما طبقها الرسول عليه الصلاة والسلام . وأن من يخرج عنها أو يرغب عن ملته يخرج عن الدين … وكذلك ولذلك نشاهد أن السعودية تحتفظ بهذه الشريعة كأساس في النظام القضائي الشرعي ، وقد شكلت هذا القضاء لكي يحكم بها، وهو فعلا يطبق أحيانا هذه الحدود لكن بشكل مخفف  وخجول ، ويستبدلها عادة بعقوبة التعزير التي هي الحبس، والتي لم ينص عنها الشرع كحد لأي جريمة، ولم تذكر في القرآن ولم تمارس زمن الرسول ، بل إن استعمالها هو اجتهاد وتأويل وابتداع ، وهو ما ينكره الأصوليون والسلفيون … (كل بدعة ضلالة )

وعندما طبقت الدولة الاسلامية في العراق والشام في عهد الخليفة (المعظم الظاهر بأمر الله) أبو بكر البغدادي، أو محاكم النصرة التابعة لأميرها الفاتح الجولاني المنتصر بالله ، أو بقية الجبهات الاسلامية بأئمتها التي صارت معروفة للقاصي والداني … التي اعتمدت القضاء الشرعي بدل المدني … عندما طبقوا هؤلاء هذه الحدود كما وردت في القرآن والسنة وكتب الفقه و وشروحات العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وهم أولى بالاتباع ، كابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب وصولا لحسن البنا و لسيد قطب وسعيد حوى والظواهري، اتهموا بالإرهاب ، ( راجع مثلا باب الجنايات في كتاب فقه السنة للدكتور سيد سابق صادر عام  1365هجري  والذي قدم له المرشد العام للإخوان المسلمين  د. حسن البنا وأشاد فيه وأثنى عليه )

ربما تشددت دولة الخلافة الاسلامية أكثر من غيرها  في تطبيق الأحكام بسب حالة الفوضى والوحشية التي سادت في المناطق المحررة ( المتحررة من كل سلطة ورقابة وشريعة وقانون ) .. مع العلم أن هذا الفلتان حدث بسبب تغيب القيادة السياسية للمعارضة عن الأرض السورية واصرارها على العمل انطلاقا من الفنادق والطائرات مبتدعة طريقة القيادة من مكاتب السياحة والسفر وبحسب أوقات الفراغ ككل سياحة  … وتاركة الشعب والناس لهمهم وحزنهم وغمهم … أي عندما طبقت الدولة الإسلامية والخلافة الجديدة شرع الله كما ورد وبحذافيره ، المنصوص عنها : ( بحد التطويع بالعصا ، وحد الجزية ، والجلد ، وقطع اليد ، وقطع الرأس ، والرجم ، والتقطيع والصلب ، كما ورد في النصوص الدينية ، وفي الكتب التي تحفل بها الأدبيات القديمة وما تزال تدرس لطلاب المدارس … ومدارس الشريعة وكليات الحقوق … والتي تقرها الدساتير … قامت الدنيا وقعدت واتهموا خلافة الاسلام الجديدة التي تقلد السلف الصالح بالإرهاب والبربرية ،  وحولوا ممارساتها لمحكمة الجنايات الدولية … من دون تحويل ممارسات النظام معها  (نظرا لوحدة الأرض ووحدة الموضوع ووحدة المجني عليه )، لأن هذا النظام ما يزال يحظى بالحصانة لأنه خارج القانون وخارج أي شريعة يقتل ويعذب كما يشاء ، بل بقانون القوة المعاصر الذي يحكم العالم بعد موت الإله … حتى أصبح قتل الانسانية نتيجته الطبيعية المباشرة كفعل عادي لا يحاسب عليه القانون العلماني الدولي المعاصر، الذي يعتبر أن العنف هو محرك التاريخ ، والدولة أداة استعباد وقهر ( ماركس ) والسيطرة والمصلحة الخاصة هي أهداف الإنسان ( هوبز )، والشهوة هي دوافعه ( فرويد ) ثم ما ورد عن أوباما  وبوتن  وما أتحفونا به من خطوط وسياسات وتصريحات تبرر أي جريمة ضد الانسانية بمصالحهم القومية العليا … في سياق قيادتهم العالم لحرب كونية جديدة إنشاء الله .

السؤال ببساطة هل تطبيق الشريعة الاسلامية وحدود الله ارهابا  وبربرية ؟

إما أن تغيروا دساتيركم وكتب الفقه وكتب التربية الدينية ، أو تبايعوا البغدادي لأنه أقام شرع الله في الأرض فعلا وقولا ؟ ونفذ ما أقر به حسن البنا المرشد العام للإخوان ومؤسس الحزب ( الاسلامي المعتدل )

في حال الصمت كما هي العادة ، عليكم اعادة التفكير بما حرمتم أنفسكم من التفكير فيه،  ووضع جانبا كل الفقه الموروث والبحث عن فهم وتفقه جديد بعقل اليوم ولوازمه … لتنظروا كيف يكون الدين صالحا لأزمنة مختلفة … أليس باعتماد أشكال تطبيق مختلفة باختلاف هذه الأزمنة والظروف وتطور الحضارة … حيث يصبح الشكل مع تغير الأحوال مخالف لغايته ، ويصبح تجديد الشكل هو من يحقق  الغاية والمقصد والجوهر ، وتغير الشكل التطبيقي هو عمل وصناعة بشر هم أعرف بأمور دنياهم ، وأن المنزل والثابت والمحكم هو مقاصد الشريعة وليس حرفها ، وأن أشكال التطبيق يجب أن تخضع للظروف كما طبقها الرسول وأخضعها لظروف قومه وتفاصيلها برمانه ومكانه … لأن هذه الحدود قد أصبحت اليوم تقع في باب البربرية والوحشية وأصبحت عمليا لا تتناسب مع هذا الزمان، مع أن مقاصدها هي ما نحتاج اليه فعلا في هذه الفوضى العارمة … فهل اتباع مقاصدها وليس شكلها (الذي علينا أن نطوره ونهذبه ونجتهد فيه وبشكل ديمقراطي ) ، هو ابتداع وخروج وكفر ، أم أن من نتهمهم بالخوارج هم من يطبقونها بحذافيرها ويكفروننا لتجاهلها ؟…

لا أعتقد أنه يمكن الخروج من هذا الاشكال من دون تطوير عقل الدين ودراسة  علاقة الشكل التطبيقي بالمقصد ، والمحكم بالمتشابه ، وكيف نعقل تغير ظروفنا مع ثبات نصوصنا … ما هو الدين الوسطي ، وما هي الشريعة الوسطية ؟… هل الاسلام المعتدل هو الذي يستبدل حدود الله بعقوبة السجن ؟ هل حدود الله متطرفة وغير معتدلة ؟ وهل القضاء المدني معتدل والقضاء الشرعي ارهابي … ؟ وفي سياق مشابه هل من الصحيح الاستمرار في فرض الاحتجاب على المرأة … وما يرافق ذلك من تعقيدات وأزمات وتمييز واضطهاد لنصف المجتمع ( ما تزال عورة تلزم بالكيس الأسود وتمنع من الخروج والكلام وقيادة السيارة وهذا هو التعزيز والتكريم الحقيقي من وجهة نظرهم ) … وغير ذلك الكثير من مسائل تتعلق بالنظام السياسي والاجتماعي …. هل الشكل ملازم للمقصد ؟ أم هو شكل تطبيقي له يخص زمان وجغرافيا ومرحلة قد تكون مضت وتغيرت جذريا … وكم تتوقعون أن تصمد تلك الشكليات طالما حدود الله ذاتها قد فقدت امكانية التطبيق… وصارت سببا للاتهام بالإرهاب . كم عدد من يلتزمون بالحدود اليوم من المسلمين والمسلمات وما نسبتهم .. فلو طبقنا حد الزنا كم سنرجم من زعماء المسلمين …؟

لمرة واحدة شغلوا عقولكم  و أجيبونا جوابا نقوله لأولادنا الذين لا نريد لهم أن يصبحوا ارهابيين ولا كافرين ملحدين ؟؟؟

أو فلتدرسوا كتب محمد أراغون بدل كتب سيد قطب وسيد سابق في مدارس التربية الدينية التي تخرج منها كل مشايخ أهل الشام  ومصر الذين يدعون الاعتدال ، لكن الظواهري والبغدادي و الجولاني  هم من طبقوها بصدق وإخلاص ، وباستعارة طريقة وأشكال المطاوعة ،  بعد أن نظمهم حزب الإخوان وفقههم وعلمهم أصول دينهم ، فافترقوا عنه بشيء واحد أنهم صادقون يطبقون ما يؤمنون به ، بينما هو يفعل عكس ما يقول، ويتاجر في الدين في مسعاه للسلطة  ومن أجلها، فيتسلم السلطة ليفسد في الأرض بعد أن أفسد في الروح وفي فهم الدين و عطل العقل الذي نتعرف بواسطه على الله الواحد الأحد الغفور الرحيم ( وليس الخليفة الإرهابي المستبد الذي يتصرف كإله يحيي ويميت ويحاسب على المرجأ و على النوايا ويضع الاسلام على نقيض الانسانية والحضارة وينغمس في شيطان القوة والغلبة الغربي العلماني حتى النخاع ويقلد مجرميه من نازيين وشيوعيين وعنصريين باسم الدين وباسم الاسلام الذي هو هدى للناس كافة ورحمة بهم أجمعين ) أليست مبايعة الخليفة المتأله ، والحاكم المستبد … هي  نوع من الشرك …

أسئلة كثيرة جدا بحاجة لإجابة وتعقل وتفكير قبل الفعل … الذي جعلني أعوذ بالله وأستغفره وأحمده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.