يثب

فلسفة ديمستورا

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

دأبنا على رفض أي حل لا يسقط الأسد ونظامه ، وتمسك الروس والايرانيون ببقائه ، فالأسد شخصيا رمز نفوذهم وتحكمهم … وبالنسبة لنا هو رمز الجريمة والخراب … وعجزنا عن حسم الصراع عسكريا بسبب الفشل في قيادة الثورة ، وبسبب سياسات أصدقاء سوريا المريبة التي ترمي للهيمنة عليها أو تقاسمها ، ثم بفعل تآكل الثورة من الخلف على يد المتطرفين، وبذلك أغلقت الأبواب أمام أي حل، وتراجع الغرب عن مبدأ اقالة الأسد كبوابة للحل السياسي والتوافق على مرحلة انتقالية ، فهم يرون في اضعاف الأسد تمددا للتطرف، فعدوهم الوحيد هو الارهاب، والنظام على الأقل يحتفظ بأرض لا يتواجد عليها هذا التطرف، في حين أن الجيش الحر ( المنظمات العسكرية التطوعية المحلية ) يسلم أرضه بسهولة لمنظمات دينية يطلق عليها صفة الارهاب : من قبيل داعش والنصرة وأحرار الشام والجبهة الاسلامية فهي منظمات تحمل أيديولوجيا دينية عنيفة تقع ضمن التصنيف الارهابي المعتمد غربيا ودوليا … بكل أسف .

وطالما أن الغرب سيدعم فقط من يقاتل الارهاب . ولن يدعم من يقاتل( النظام والارهاب معا )كما صرح بذلك علنا لأن في ذلك تناقض منطقي حسب قولهم .. لذلك وجب علينا التعامل بعقلانية وواقعية مع الظرف الجديد الذي قد يطول وتطول معه معاناة السوريين … من دون أن نراهن على جدية والتزام النظام بأي شيء .

من هنا نرى أن عدم البحث عن حل نهائي هو استنتاج منطقي استنتجه ديمستورا ، واستعاض عنه بالبحث عن اجراءات تخفف معاناة أهلنا الرازحين تحت سلطة النظام ، أو المعرضين لقصفه وهجماته في المناطق الغير خاضعه له .. وهي فلسفة منطقية إذا لم تقع في سياق اعادة الشرعية للنظام ، بالطريقة التي يقترحها الروس وحزب الله ويسير فيها معاذ الخطيب و هيئة التنسيق ومن في ركبهم ممن يبحثون عن أي حل وبأي ثمن ضمن مقولة وقف القتل وفقط، حتى لو عبر مكافئة القاتل وتطمينه لكي يتوقف ، مما يشجعه أكثر وأكثر فيعتبر سياسته ناجحة وسوف تأتي بالشعب الى عند حذائه…

ما أقترحه هو قبول مبدأ تحييد المناطق المأهولة واعتبارها مناطق آمنة بغض النظر عمن يحكمها ، (حلب درعا ادلب حماه ريف دمشق ) خاصة تلك التي تقع خارج سلطة المنظمات الارهابية … ،بالتالي دفع العمليات القتالية خارج مناطق السكن الكبيرة وتقليص استهداف المدنيين ما أمكن … .. فهي خطة مفيدة وعملية … فنحن بأمس الحاجة لاستعادة بناء المجتمعات في المناطق المحررة ، واستعادة الحياة فيها ، فهذا سيخفف كثيرا موجات الهجرة والحاجة للمعونات، ويسمح بذات الوقت بملء الفراغ ودفع المتطرفين بعيدا عن المدن المأهولة ، لكون المجتمع هو حاضن طبيعي للاعتدال والسلم …

فتكريس مبدأ الهدنات (من دون المصالحات) وفتح المعابر الإنسانية في الحاضرات المدنية الكبرى، تحت أي غطاء أو حماية، هو مبدأ مقبول بانتظار حسم الصراع الاقليمي أو تغير الموقف الدولي ، الذي يرجح أن يراوح مكانه حتى انتهاء فترة حكم أوباما ، أي سنتين على الأقل إذا لم تحدث حرب واسعة خلالها كما يشير اتجاه المسار الحالي .

نحن سعينا ونسعى مع دول مجاورة لفرض منطقة آمنة في الشمال والجنوب بالنظر للمصالح المشتركة في وجودها . فإذا كان هذا المشروع يمكن تحقيقه ضمن مسعى ديمستورا فما المانع … المهم أن يتوقف النظام عن قصف السكان ، والمهم بنفس الوقت أن لا نسقط أهداف الثورة ولا نقبل باستمرار النظام كما يقترح فريق معاذ والتنسيق وجزء مهادن من الائتلاف ومعهم كل الطابور الخامس .

حتى عندما نريد تحرير المناطق التي تقع اليوم في يد النظام فلا يجب علينا استهداف المدنيين ، بل يجب عقد هدن معهم وتأمين ممرات انسانية لهم إذا لم يكونوا من أنصار الثورة ( السويداء مثلا ) ، بانتظار حسم مسألة السلطة وتطبيع العلاقات بين المناطق المختلفة في تكوينها العرقي أو الطائفي أو حتى السياسي . فموضوع الحسم العسكري ضد مكونات مجتمعية أمر خطير ومدمر للوطن ، ويهدد بارتكاب جرائم ضد الانسانية نحن لا نرضى بها لأننا عانينا منها في حمص والغوطة … واستعادة الوحدة لن تكون بهذه السهولة ، بعد سنوات من الصراع ، وإجراء المصالحات مرهون بحوار وطني موسع بعد سقوط النظام ونشوء سلطة انتقالية ، هذا إذا لم تتقسم سوريا … وكل الدول التي شهدت حروبا أهلية مرت بهذه المراحل ولنا في لبنان خير مثال حيث لم تنفتح بيروت الغربية مع الشرقية الا بالتدريج وضمن مسار طويل من الهدن ثم التطبيع …

لنفكر معا كيف نستفيد من مسعى ديمستورا … ولا نتخذ مواقف حماسية حمقاء، و لنكف عن المزاودات التي يدفع ثمنها نساء وأطفال وشعب سوريا… فالمجتمع الدولي لن يساعد الثورة السورية ، وسياسة كل شيء أو لا شيء سياسة غبية وخاسرة عادة . بينما سياسة الانخراط في مسارات ومراكمة المكتسبات وتطوير المواقف هي ما يتناسب مع أي واقع مجتمعي يتصف بالتغير والتبدل والحركة الدائمة. وهذا لا يعني أبدا أن نقبل ببقاء نظام الأسد ضمن أي هدنة أو اتفاق مقترح ، والذي يفضل أن يكون على شكل اتفاقات محلية وإجرائية . ولا تمر عبر المعارضة المؤتلفة التي تدعي تمثيل الشعب السوري ، وهي أبعد ما تكون عنه وعن معاناته ، التي تتاجر بها …

هذا لا يعني أن نتوقع نتائج عملية مضمونة (بسبب غدر ونكص النظام ) ، لكن هذا يفيد في زيادة ضغط الأمر الواقع ، وفي التراكم الضروري لفرض رأي عام مطالب بمناطق آمنة للمدنيين على أرضهم … وهذا يتطلب منا التعامل بمرونة مع مشروع ديمستورا، باعتباره يتحدث عن مناطق آمنة ، وهنا بيت القصيد (أمن وسلامة الشعب السوري التي أغفلت طويلا ).

معركتنا مع النظام هي معركة استنزاف حاليا ، بينما يخوض النظام معركة ابادة أو تركيع ، ولكي نجعل الزمن لصالحنا علينا أن نحفظ ونجدد قوتنا وقدرتنا على الصمود ، ولندع الفرقاء المتقاتلة تستنزف بعضها ، ولنعقد هدن أيضا مع النصرة وغيرها ، ونعد ونبني ما يمكننا من قوة ومن مجتمع ومؤسسات ثورية محلية ووطنية … ونستعد للقادم من الأيام …

وبدل أن نطلق البيانات المعادية لديمستورا كما قرأت عن الائتلاف وغيره ، علينا أن نقرأ جيدا فلسفة هذا الرجل ونتعاون ايجابيا مع طروحاته بحيث نبحث عما يمكننا الحصول عليه منها… فالرجل ليس ابن النظام العربي الفاسد كسابقه ، والمسعى ليس مسعى جنيف المشبوه لإنقاذ الأسد أو نظامه ، بل هو يركز كل جهوده على تقليل معاناة الشعب السوري الذي هو هدفنا … مع التشديد على ضرورة التمسك بعدم تقديم أي تنازل على المستوى الاستراتيجي ، وعدم التعهد بوقف القتال الشامل قبل اسقاط الأسد … لكوننا نؤمن بأن الشعب السوري مستمر في كفاحه حتى اسقاط النظام المجرم بكل الوسائل والسبل مهما غلت التضحيات ..

أو كما قال محمود درويش :

يا دامي العينين والكفين

إن القيد زائل

لا غرفة التوقيف باقية

ولا زرد السلاسل

نيرون مات

ولم تمت روما

بعينيها تقاتل

وحبوب سنبلة تجف

وتملأ الحقل سنابل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.