يثب

فلسفة الثورة

د. كمال اللبواني 

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

عندما يفشل القوي في تحصيل ما يريده من الطرف الآخر بالضغوط الديبلوماسية والاقتصادية والحيلة، قد يحاول أن يحصل عليها بالحرب، لأنه يشعر بالقوة الكافية لهزيمة خصمه وأخذ ما يريد منه بالقوة ، لكن الضعيف الذي يشعر بأنه سيخسر الحرب، قد يفضل ألا يعطي عدوه ما يريد من دون جعله يدفع ثمنا باهظا ، وهو يقبل أن يدفع ثمنا مضاعفا في مقابل أن يكون الثمن الباهظ للحرب الذي يدفعه المعتدي هو الرادع أمامه من استمرار تغوله ، فيخوض حربا خاسرة من حيث النتيجة ضمن الحسابات التجارية القريبة، لكن هدفها البعيد هو الأهم وهو نصرة الحق ، فعندما يتسبب ايقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف المعتدي ، يجعله لا يهنأ بما حصله بالقوة ، فيشعر الضعيف رغم خسارته بالفخر، لأنه قاتل ولأنه لم يسلم الا مرغما ( يوسف العظمة ومعركة ميسلون وكل حروب المقاومة الشعبية ضد الاحتلال ) وهذه هي فلسفة النضال الذي يخوضه فرد أو أفراد أو منظمات يقررون خدمة مبدأ معين ويقارعون لفرضه واحدا إثر الآخر ومرة بعد مرة وجيلا بعد جيل . فالنضال أو الكفاح من أجل انتزاع الحقوق يمر عبر جهد ومعاناة وتضحيات وحروب تنتهي بانتزاع هذا الحق وفرضه محروسا بالقوة، التي بذلها الضعفاء وليس الأقوياء، فالحضارة بما تعنيه من قيم ونظم وقوانين هي حاصل نضال وجهاد ، وليس حاصل تخاذل. وهي عرضة دوما لغطرسة القوي ، فالحق والحقيقة هي الضامن للخير في المستوى العام والبعيد والانتصار لهما هو التقوى .

(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)

وهكذا بالنضال والتضحية والجهاد تنتصر القيم وتصبح هي الطريق الصحيح لتحصيل رغبات وحاجات أي فرد أو جماعة، فالقيم والمعايير والنظم والأخلاق هي من تحدد لنا وسيلة تحصيل ما نريد من دون خوض حرب مع الآخر، ولو امتنع الضعيف عن الحرب وتخاذل عنها، ولو توقف النضال وعز المناضلون، لسادت الوحشية وانهار كل اجتماع انساني. فالحرب نوعين حرب تخضع لحسابات الربح والخسارة المادية ، تخوضها جيوش منظمة منضبطة مسيطر عليها،  وحرب كفاحية تطوعية جهادية تدافع عن الحق والقيم وهي لا تخضع لحسابات الربح والخسارة، لأنها خاسرة مرحليا وجزئيا، ومنتصرة دوما في المدى البعيد، كون الخلق محكوم بالارتقاء والخير وقائم على الحق الذي هو اسم من أسماء الخالق جل وعلا.

( من مات ولم يجاهد أو تحدثه نفسه بالجهاد، مات على شعبة من النفاق ) .

فالمناضل يتبنى المصلحة العامة ويضحي من أجلها لذلك يعتبر عمله جهادا، وموته شهادة وليس كأي موت عادي، وهو باب مغفرة لكل الذنوب والخطايا عندما يحتسبه الله بين المجاهدين من أجل ما خلق الله الخلق وأمرهم به، ولو فكر كل مناضل في مصلحته الخاصة مستقلا عن ذلك لفضل التخاذل، ومن يفكر بمصالحه الشخصية يصبح تلقائيا خارج ساحة النضال ( وهذه حال المعارضة وشخوصها ومؤسساتها ) فهم انتهازيون وليسوا مناضلين، يقودون الثورة بعقلية البزنس والمصالح الشخصية، ويتصارعون على المناصب والامتيازات. ولو كانوا مناضلين لتوحدوا تلقائيا في خدمة هدفهم المشترك، وسارعوا لبناء المؤسسات التي تخدمه، ورحبوا بكل من يريد العمل والمساهمة، لذلك نعتبر أن وجود انتهازيين في قيادة الثورة هم في الواقع مجرد وكلاء مأجورين للغير، هو السبب الرئيس في فشلها حتى الآن. وليس ما يجعجعون به من نقص في المساعدات، فالثورات لا تنتصر بالمساعدات لأنها تستخدم طاقات البلدان ذاتها وتحولها من خدمة النظام لقوة تغيير.

فالنضال روح ومنهج وظرف ومناخ، من يخرج منه يعود لروح الانغلاق والأنانية الذاتية، و النضال ليس مورثات أو موروثات نحملها أو نورثها أو نعطيها، بل حاصل قناعة ذاتية نكونها وحاصل انتصار على النفس ونوازعها، ولو كانت المعارضة السورية  في الداخل، أو تعيش ظروف الثورة، لما انفصلت عنها وتحولت لشيء قميء ومقزز يغطي وجهها … وقد دأبت على القول أن الخطأ فيها يكمن أولا في الجغرافيا ( الاغتراب )، والثاني في آلية انتاجها ( التعيين ) والثالث في طريقة عملها ( الانتهازية ) ، لذلك لا يمكن اصلاحها بتبديل شخوصها، ولا بالتوفيق بينهم ، لأن هذا التوفيق ما هو إلا توافق على باطل وتقاسم للحرام وتغاضي عن فشل واساءة وفساد.

وهكذا يستمر التناقض بين الأناني والعام ، فينتصر الأناني على القيمي المشترك ، رغم أن العام في النهاية سيعود بالخير الخاص على الجميع وسيقسم لحصص فردية … ولهذا كل مناضل حتما سيتشاجر مع زوجته التي تفكر فقط داخل دائرة منزلها الذي وقرت به. ولولا أن وصلت روح الثورة للمنازل والنساء والأمهات لما كانت ثورة ، و لبقيت كفاحا فرديا . فالثورة تستحق اسمها عندما يتحول عدد كبير من المجتمع لمناضلين، وعندما تطلب الأم والزوجة من الرجال أن يخرجوا للمواجهة وعندما تذهب الأخت وراءهم لمساعدتهم، وعندما يتسابق الثوار للبطولة والفداء، وليس للمصالح الخاصة المحسوبة بقانون تجاري. ومن شهد منكم أيامها وتظاهراتها يعرف معنى ذلك .

الجنود النظاميون يقومون بمهتهم مرغمين ، فوظيفة التربية العسكرية هي تحويل الجندي لآلة قتل مطيعة، وهم ليسوا مناضلين يقاتلون من أجل قضية، بل هم عبيد مأمورين باعوا حريتهم من أجل الراتب ، لذلك هم يعملون كمؤسسة ميكانيكية، ويقاتلون حيث يؤمرون حتى لو كان ضد شعبهم، ومن يصحوا ضميره يفر من هذه المؤسسة عندما تنحرف، و تنهار عندما تفقد السيطرة عليهم، فتراهم يتوقفون عن القتال ويفكرون بالفرار أو الاستسلام حتى لأعدائهم ، وتحميهم كأفراد معاهدات الحرب لأنهم شبه آلات وليسوا مناضلين أحرارا، ومن يريد تحويل الجيش الحر لجيش نظامي ، هو كمن يبحث عن مأجورين ومرتزقة يبيعونه طاعتهم ، وليس عن مناضلين خرجوا للتضحية ايمانا والتزاما ذاتيا كما هو الجيش الحر الذي يحمل تماما معنى اسمه، وبالتالي سيفتقد لكل ميزات الثورة وروحها ،ويتحول لآلة تقاد من قبل جهة ، تحت ضغط المصالح والراتب أو الخوف من العقاب ، وعندما يدخل هذا الجيش في معركة قاسية تزعزع تواصله، ينهار ويسلم سلاحه.

في المعارضة من يسعى لتشكيل جيش نظامي ، بينما حول بشار جيشه النظامي ذاته لعصابات طائفية أيديولوجية أينما أمكنه ذلك ، وهو يعتمد عليها أساس في الاشتباك والاقتحام حيث فشل جيشه… مع ذلك يسعى أغبياء المعارضة لتحويل الثورة لجيش نظامي مأجور، يقاتل من أجل الراتب ويقدم الولاء لمن يدفع … (جيش وطني مع أنه خارج الوطن، ويقبض رتبه من الأجنبي وينفذ طلباته، ويقاد من قبل مخابرات أجنبية…) أي يريد أن يحول ثوارنا لجيش احتلال استعماري، بدلا من تعزيز الثورة والمقاتلين وتنظيم أمورهم، وترتيب مؤسساتهم لكي يصعد لقيادتهم من هو أكثرهم اخلاصا وتضحية …

فالحرب التي هي مظهر من مظاهر الوحشية ، هي أيضا وسيلة لتسويد القيم والأخلاق، عندما لا تخضع فقط لميزان الربح والخسارة ، بل تخاض دفاعا عن القيم والكرامة ، لأن عدم خوضها سيجعل المعتدي يتمادى ويتمادى حتى لا يترك لغيره شيئا سوى العبودية .. وقد سبق وقال سقراط :

(إن الفارق بين العبد والحر هو أن العبد يفضل الحياة على الحرية … )

أو كما قال الشاعر أحمد شوقي :

سلام من صبى بردى أرق      ودمع لا يكفكف يا دمشق

و للحرية     الحمراء    باب      بكل    يد   مضرجة   يدق

وهذا المنطق ينطبق تماما على خيار الكفاح المسلح ضد النظام الذي أراد كسر ارادة الشعب وعدم تقديم أي تنازل مهما حصل، وهو مستمر بذلك حتى الآن، لأن تقديم أي تنازل من قبله يتناقض مع طبيعته الشيطانية، و يعني له انحناءه أمام القيم تشجيع  طلب المزيد باستمرار الثورة … وبذلك يفقد النظام هيبته وقوته وهويته وانتماءه  للشيطان الرجيم ، وينتصر ألد أعدائه ، أي القيم والأخلاق التي ينضبط بها الانسان ككائن اجتماعي متدين يقدس ويعبد ما هو فوق مصالحه.

(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)

وعندما ضاق الحال في الشعب السوري وحرم من الدعم المجدي الذي يوازن قوة النظام وحلفائه، وعندما خذله النظام  والقانون الدولي ، وتجاهله الصديق والشقيق… طور أساليب قتاله تنظيما وعتادا وعقيدة بما يتوفر لديه… وهكذا وجد أن الجهاد الديني هو ما ينطبق على حالته كونه يخوض حربا غير متكافئة، ويحارب الشيطان الرجيم من أجل العزة والكرامة والقيم، وليس أمامه إلا مكسب وحيد هو تقوى الله ومحاربة الظلم… فحسابات الربح والخسارة لم تكن ولن تكون هي ما فكر أو يفكر به ثوار الشعب السوري … وهذا الحال جعله يخلص عمله لوجه الله ( ما لنا غيرك يا الله ) ، فيزداد اخلاصه أكثر وأكثر عندما تتخلى عنه الدول التي تخضع لمصالحها الخاصة، إلا اللهم تلك التي  تبتغي في سياساتها مرضاة العزيز الغفور.

لقد تحولت الثورة ضد النظام المستبد لحرب دينية أخلاقية بين الحق والباطل، بين الرحمن والشيطان… وانتصر لها من انتصر وجاهد بها من جاهد بالنفس والمال والولد ليس لكسب شخصي مادي أو دنيوي… واستمرت الحرب وتغيرت الوسائل تبعا للظروف، وكلما انسد طريق فتح آخر، وكلما أفلس تنظيم رتب غيره، وهكذا تطورت الحال لتصل أخيرا للتطرف الديني والعقيدي، والتشدد المطلق الذي ترجم عمليا بقيام بما يسمى ظاهرة الارهاب …

من راهن على استسلام الشعب فقد خاب، لأنه يوجد في ثقافة هذا الشعب ما يعطيه من القوة والقدرة على التكيف والصمود، وما يمنع عنه شرب كأس الاستسلام المر ( اقصد العقيدة الاسلامية التي تبيح جهاد الدفاع والذود وتعتبره أعلى درجات العبادة، لأنها حرب ضد هيمنة الشر والشيطان كما شرحنا ) ولهذا بالضبط يعتبر خارجا عن الدين من يفكر بعقلية تجارية وحسابية حتى لو كان شيخا معمما ( أقصد مشايخ المصالحات والمبادرات المعروفين، الذين لا يفهمون معنى الجهاد ولا يميزون بين الحق والباطل ، ويفكرون بعقلية بائعي البسطات في سوق تفضلي) . فما يمارسه هؤلاء هو بمثابة الردة عن الدين، فالذين تسلقوا الثورة متوهمين أنها ستنتصر قريبا، سرعان ما ركبوا باصات العودة للنظام عندما حقق لهم مصالحهم وظهر أنه له حظ بالبقاء.

ولهذا السبب أيضا يتهم غير المسلمين الاسلام بأنه مصدر الارهاب، لأنه لا يفكر بعقليتهم التجارية، ويصر على أن يبقى مصدر القيم والحقوق، التي إذا أريد لها أن تداس بالقوة والغطرسة الشيطانية فيأمر بالدفاع عنها بالقوة … فتطرف المقاتلون في ذلك تحت ضغط الظروف القاسية، حتى وصلوا درجة عالية من التشدد والقسوة (الارهاب)..

ونسي من يتهم الثورة بالإرهاب أن الشعب لن يهزم بإذن الله،  طالما وجد في صفوفه من هو متكل عليه ويضحي في سبيله وحده، ونسي المصالحون المهرولون أن تقوى الله خير وأبقى من حسابات الدنيا الزائلة، وأن شقاء الشعب السوري وتضحياته ليست خسارة، إلا في حساباتهم هم ، بل هي أجر كبير عند الله وفوز ونصر، فالحرب في سوريا ليست تجارة في سوق المنافع ، وليست احصاءً لعدد القتلى والجرحى والخسائر المادية، بل هي حرب بين الحق والباطل وامتحان نموذجي لتمييز الخبيث من الطيب ، و ودرس قاسي جدا للناس وللعالم سيكون بعده ما بعده ، المرحلة هي مرحلة اختيار بين الحق والباطل وتمييز بينهما، وكشف لمن يخلط الباطل بالحق… وكشف المنافقين الذين لا يعرفون معنى الجهاد. ويسمونه عنفا ويريدون وضع حد له بأي وسيلة …. والا لماذا تخرج الناس للشهادة جماعات وفرادى ( هل هم حمقى ، يدمرون أوطانهم وحياتهم !!!  أم ينتصرون لما هو أغلى منها، للغاية الإلهية من وجودهم فيها ) . فالذي يجب أن ينتصر هو الحق والقيم والأخلاق  التي ضاعت وديست بالأقدام … فهيأ الله من يديم هذه الحرب و يعمم العذاب والشقاء حتى تسود، فلا ينتصر النظام الذي هو الشيطان الرجيم بصورته البشرية ولا نتصالح معه ونشاركه بجرائمه وشروره .

( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )

فمشيئة الله أن يهزم الشيطان، ومشيئة الله أن يجعل ذلك على أيدي هؤلاء الذي أرادوا الشهادة في مواجهته، بعد أن تخلف وتخلى عن ذلك العالم كله… صحيح أنهم أضحوا متطرفين ومتشددين، ويستخدمون الدين بطريقة مفرطة في القسوة، ويستعملون أدوات مفرطة في الوحشية… وكل هذا صحيح. لكنهم في ظروف أشد قسوة، و يحاربون الشيطان الرجيم بكل تحالفاته وتجلياته، وهذا ما لا يريد أن يفهمه  من لم يعاني من هذا النظام أو لم يفهم طبيعته ( فيذهب للحوار معه أو التصالح وكأنه شيء عادي وبراغماتية سياسية)، ويتجه من يتظاهر بالظرافة واللطف (الغيور على الحجر والمال وليس الحق) لمساندته أو التغاضي عنه … أيهما أفضل أن تكون لطيفا حليفا للشيطان، أم تكون غليظا تحاربه ؟ لمن خلق الله اللين والتواضع والرحمة، ولمن خلق الشدة والبأس والحزم…؟    فالذي تسمونه الإرهاب في سوريا ما يزال يقارع النظام الأكثر ارهابا وشناعة ، طبعا نقول هذا بعد استبعاد الارهاب المأجور الذي دس في صفوف المجاهدين من قبل النظام وحلفائه ودول أخرى ويستخدمه كل لغاياته ، نقصد فقط المتشددين الذين يدافعون عن أهلهم وحقوقهم مهما بلغوا من هذا التشدد.

يوم أشعل الكفار نارهم الكبيرة في ابراهيم عليه السلام، انقسمت المخلوقات جميعا بين من ينفخ تلك النار وبين من يحاول اخمادها، فالشيطان أراد أن يحرق الحق والقيم والأخلاق، وأن يقتل رسالة ابراهيم في عبادة الله الواحد (التي عاشت حتى شهدناها) ، وفي تلك المعركة كانت هناك نملة صغيرة تأتي بالماء بما تستطيع حمله في فمها لتطفأ نارا هائلة … ليس لجدوى ما تقوم به ، بل لأنها تعرف ماذا تريد وما تسعى إليه ، وهذا حسبها من دون حسابات للربح والخسارة … والكميات والتوازنات … وهكذا يفعل من يريد أن ينصر الحق، (يا مشايخ وعلماء دين: نصرة الحق أولى من حسابات تجارتكم). الحق الذي سينتصر في النهاية ليس بحساباتنا ولا بعملنا، بل بإرادة الله الغالب أمره، بعد أن يمتحن خلقه، فينجح من ينجح، ويسقط من يسقط… لكن على من يسقط  أن يسقط بشخصه وليس باسم الدين والوطنية والسلام ووقف القتل عبر الخضوع للشيطان.

(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)

مهما اشتدت المحن وعظمت التضحيات ومهما بدت النار كبيرة، واختلط الحابل بالنابل فالشعب السوري على حق ولأنه على حق فهو سينتصر ، وما يجري في النهاية هو امتحان وبلاء واختيار بين الحق والباطل، والصراط الفارق الفيصل فيها ليس لون الأيديولوجيا ولا الشعار السياسي الذي يحمله المناضلون والمجاهدون ويتغير ويتبدل تبعا لتغير وتبدل الظروف. بل هو الخندق الذي يقف فيه المرء:( منتصرا للحق والعدل والأمانة والصدق، أم ساكتا عنه ومتواطئا مع الشيطان الرجيم)، مبررا ذلك ومموها بكل الخدع الممكنة وبحسابات الربح والخسارة التي تحكم الأسواق وليس الحقوق والأخلاق …

باب جهنم مفتوح للجميع لمن اتبع شيطان هواه، وباب الجهاد مفتوح للجميع وبقدر امكاناتهم … يمكنكم أن تلعنوا الشيطان في دواخل أنفسكم ، وبلسانكم ، وبيدكم ، بتنظيم مدني أو ديني أو عسكري معتدل أو متشدد فهذا يعود لكم ولظروفكم ، والمحظور الوحيد هو عدم تقديم المساعدة أو التبرير للشيطان  تحت أي باب وأي عذر . فلستم من يسير الكون ولا من يحيي ويميت ، ولا من يرسم التاريخ، ولا من ينزع الملك ، ولا من يشعل الحرب أو يطفئها ، ولا من يوزع الأقدار … إنها ارادة الله فقط . بل أنتم عبيد لله طوعا وكرها، مكلفون بالسعي للحق والجهاد من أجل التقوى … ومن يسعى لتبرير العودة للنظام وبيعة الشيطان والردة عن الحق والدين ، فهو يقدم الدليل على عدم ايمانه بالقدر وبالقادر الذي لا تشاؤون الا أن يشاء .

( دعوها فإنها مأمورة )

عادة الحياة تقوم على وحدة وصراع الأضداد ، والنظام المتوحش الشيطاني لن يضع له حدا سوى القوة التي تقارعه وتفوقه ، فلماذا أنتم حزينون … إنها سنة الكون … والشر هو من يصنع خصمه بيديه… أليس حزب الله هو من برر وشجع وجود النصرة التي أذاقته البأس… ألا ترون أن لعنة الجريمة التي تم التغاضي عنها في سوريا ،ستوقع الحرب بين كل الدول التي فعلت، وأن روح الثورة ستطال جميع من حاول تفاديها بإفسادها.   . ولا يشترط في الثورات تحول جميع الناس لمناضلين، بل نسبة منهم تكفي، فأعظم الثورات اشترك بها 10% من المجتمع وتحولوا لمقاتلين من أجلها. فالكرام قليل عديدهم ، والكثير من الناس غير قادرين وغير مؤهلين لهذه النقلة النوعية وهذه التضحية. والبديل عن التسرع في ايجاد حلول خبيثة تلبس الحق بالباطل ، وتريح هؤلاء المتخلفين عن ركب الجهاد ، والذين لم ينتصروا في الجهاد الأكبر داخل النفس ، هو تحلي المجاهدين بالصبر ومصابرتهم حتى يأذن الله . وأجر الصبر كأجر الشهادة .

( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )

الأخلاق ليست زهورا ترش على مواكب السلوك بل هي قوى موضوعية وجدران خفية في المجتمع الانساني لا يكتشف منعتها الا من يحاول تجاوزها، وعندما يدرك النظام ومن وراءه علنا وسرا أن الباطل زائل ، وأن الأخلاق يجب أن تحترم ، ويطرد الشيطان من نفسه … عندها يمكننا أن نقيم اجتماعنا على الحق والعدل الذي هو أصل السلم … وبانتظار ذلك لن يفل الحديد سوى الحديد … ولن يهزم هذا الشعب بإذن الله طالما هو يطلب الحق والشهادة في سبيله، وليس لنا أن نختار لمجاهد يطلب الموت لون العلم والشعار الذي يريد الشهادة تحت لوائه، طالما هو في خندق الحق وليس خندق الباطل … لأن الأعمال بالنيات  و لكل امرئ ما نوى …

عندما تعرضت أمريكا لضربات يابانية موجعة استخدمت السلاح النووي ضدها، وعندما تعرضت لضربات أيلول هاجمت واحتلت دولتين اسلاميتين ، وأمريكا تلوم الشعب السوري على الدفاع عن نفسه بالسلاح والتشدد، من منظورهم ومنظور الجبناء الأذلاء في المعارضة يجب على الشعب أن يدافع عن نفسه بالطرق السلمية فقط ، وبالزهور والرياحين التي يرميها على الشبيحة وكتائب أبي الفضل وسرايا حزب الشيطان …لكن لماذا أمريكا لا تحارب الارهاب بالرياحين وبالطرق السلمية ، بل ترسل عليهم طائرات وصواريخ جهنم . أعتقد أن من يدعوا للسلمية يخفي رغبته ببقاء النظام .

لن يهزم الشعب لصالح النظام . مهما مورس عليه من تقييد وحصار ، ومهما فرض عليه من قيادات انتهازية مأجورة . ومهما سعى السفهاء منه بمبادرات استسلامية تعطي للشيطان الحصانة والبراءة … فهذا يدفعه أكثر وأكثر نحو التشدد والتطرف والعناد  … لذلك نقول :لن يهزم الارهاب الا بالحق والعدل. فهل أنتم تريدون شركاء مع الشيطان  في مواجهة الحق . أم تريدون للشيطان أن يحارب الارهاب وهو الذي أوجده وهيأ له ، أم تختارون السعي للحق قاطعين الطريق على الغلو والتشدد والتطرف والارهاب الذي هو سلاح طارئ اضطرته الظروف .

الارهاب ليس ظاهرة عادية ناتجة عن أي دين أو قومية … إنه ردة فعل طارئة واستثنائية جدا في ظروف قاهرة، يلجأ إليها الضعيف الذي لا يريد الاستسلام . فهي أيديولوجيا مرحلية محددة لذاتها وضيقة النطاق … قد تجد في الثقافة والدين رداء تلبسه كأي أيديولوجيا .. وقد أخذت من العقيدة الاسلامية ما يناسبها من دون غيره ، وهذا ليس ذنب العقيدة بل ذنب من اضطر المعتقدين بها لاستعمالها بتلك الطريقة … وذنب من دفعهم لحافة اليأس فصاروا يختارون بين الموت الذليل وبين الشهادة .

القوي يستعمل أدوات أخرى (شرعنها بقوته ) للعدوان، بينما الضعيف يستعمل أدوات صنعها من جسده للرد على ذلك العدوان ، فيرى القوي المهيمن على الاعلام أنها ارهابا وبربرية ، والضعيف يرى أنها وسيلة دفاع ضد غطرسة القوي تستغل نقاط ضعفه … لكنها في النتيجة هي شكل من أشكال الحرب لن نجد لها حلا إلا عندما تكون هناك وسيلة لتحكيم القيم التي لم توجد من دون عنف الضعيف ، فما يسمى أخلاقا لم تنتجها شفقة القوي بل ارهاب الضعفاء له .

ما عرضته فلسفة تهدف لتقديم السياق المنطقي لظاهرة ما من داخلها وبمنظورها الداخلي، ( اقصد علاقة الثورة بالإرهاب ) لمن له لب ويريد أن يفهم، وهي ليست موقفا ولا رأي يقدم في سياق المعركة المحتدمة لخدمة أي طرف… فرأيي الخاص في ظاهرة الارهاب أنها وسيلة دفاع سيئة، سوف تجعل مستخدمها يدفع ثمن باهظا فيما بعد، لأن الناس عبيد أدواتهم  التي تحدد هويتهم أيضا… قل لي ماذا تستعمل أقول لك من أنت… وأن الله هو المبتغى وتقواه هي الوسيلة، ويجب أن يتقى في الغاية وفي الوسيلة أيضا … لذلك أفضل عليها الوسائل الأخرى طالما توفرت وهذا اتقى ، لكنها تبقى وسيلة أخيرة بيد من يضطر لاستعمالها لمنع انتصار الشيطان والشر ، عبر استعمال شر بربري يقارعه، فالحرب في النهاية والبداية هي نوع من الهمجية في كل حال وليس هناك قتل انساني مهما كانت الوسيلة القاتلة… لكن ذلك مشروط  بحدود الدفاع المشروع عن النفس ولا يتجاوزه، وهذا غير مضمون عادة، لذلك هي من وجهة نظري قوة هدم وتحطيم تسعى لتعميم الألم والخراب وترجيع الخوف يقوم بها من دفع لليأس، وعجز عقله وتدبره عن ابتداع وسائل وطرق أخرى لا تنحط لهذا القدر من الوحشية، والصراع معها يتطلب فهمها ومعالجة أسبابها ، يجب أن لا يكون لصالح الشيطان، بل لصالح الحضارة والحق، وهذا يتطلب موقفا متوازنا من السبب والمسبب ، من الفعل قبل رد الفعل . أي لا شيء يبرر الحرب عليها إلا الحرب على النظام أولا، والشعب السوري الثائر لن يقف ضدها قبل أن يطرح عليه مشروع حضاري يتجاوزها ويتجاوز النظام معا. وهكذا يضرب الله الباطل بالباطل لينتصر الحق ، لكن لا يفوز بمرضاته إلا من اتبعه واتقاه في الغاية والوسيلة معا وآمن به واتكل عليه، ولم يجبن ولم يتقاعس عن الجهاد في سبيله ،

( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.