يثب

ممارسة الحوار في موسكو 1

د. كمال اللبواني 

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

منذ اندلاع الثورة على النظام السوري المستبد  وهذا النظام يدأب على طرح طاولة الحوار  بديلا عن الشارع ، لأن مجرد الجلوس على الطاولة هو بحد ذاته وقف وتبريد لجذوة الثورة ، مما يسهل عملية سحقها في الشارع ، لذلك كان الجلوس إلى طاولة الحوار هو هدف دائم ومستمر للنظام وحلفائه،  فما هو الداعي لهذا الحوار إذا كان النظام يعرف تماما مطالب الشعب ، ويستطيع تلبيتها لو أراد، ومن دون الحاجة لعقد الحلقات والمؤتمرات الهزلية، فالحل كان وما يزال بيده وهو معروف جيدا للقاصي والداني، لكنه يرفضه كليا وجملة … وما يزال يصر على هزيمة الثورة بكل أشكال الحرب وبكل أنواع الأسلحة، التي يصبح الحوار أحدها،  فهو يريد ممارسة الحوار للحوار ، ويريد أن يطيل أمده لأطول مدة ممكنة تساعده على الاستمرار في قمع من لم يتوقف طوعا، ويجلس على الطاولة هادئا وديعا منتظرا هزيمة الثورة وخبر اعتقاله .

سابقا استضاف النظام عددا هائلا من الوفود الشعبية للحوار مع الرئيس شخصيا، رتبت هذه الوفود برعاية من العقيد حسام سكر ضابط الأمن السياسي الذي كلفه بشار بهذه المهمة المخابراتية، وفهم كل من ذهب في هذه الوفود أن النظام لا يريد أن يغير أي شيء.

ثم عقد النظام طاولات الحوار في منتجع صحارى وغيره مع معارضين انتقاهم من جماعته ( هيئة التنسيق والمنبر الديمقراطي المنشق عنها) الذي صار اسمه اتحاد الديمقراطيين عندما دخل الائتلاف كحصان طروادة يروج لجنيف والحل السياسي ، و كذلك تيار البناء وغيره من الأسماء التي اخترعتها المخابرات ، ومن لف لفهم  من ناشطين ومثقفين ومخبرين لم يشكلوا  أي حالة حزبية تمثيلية جماهيرية في كل عمرهم ، ولم يصعب عليه في أي وقت ايجاد العدد المطلوب من هؤلاء الذين يسمون المعارضة ؟؟؟ بسبب شيوع ظاهرة الانتهاز التي زرعها النظام في الثقافة السورية خلال عقود من الفساد والافساد.

 لكن المشكلة الدائمة التي تعترضه هي أن الثوار لا تمثلهم هذه المعارضة الا بحسب وسائل الاعلام والدول التي تديرها، والتي تريد فرضهم بشخوصهم كزعماء للثورة، ( حسب المبدأ الدعائي النازي : كرر الكذبة تصدقها أنت )  مرة عبر تشكيل مجالس وطنية وهيئات خُلّبيّة مفترات  ومعينة من الخارج  ومنتقاة من الوكلاء والانتهازيين والمأجورين وصغار الكسبة ، ومرة عبر الاعتراف بهم كممثلين شرعيين وحيدين … وكل ذلك بهدف اقناع الشعب الثائر بحتمية تفويضهم هؤلاء ( القادة؟ ) للجلوس على طاولة الحوار مع النظام، كهدف بحد ذاته  من دون أي ضمان لتوصل هذا الحوار لنتيجة عملية، بسبب تعمد اغفال المسألة الأساسية التي اندلعت من أجلها الثورة وهي اسقاط النظام ،

وهكذا صُمم الائتلاف الوطني تفصيلا لخدمة التوافق الروسي الأمريكي على عقد جنيف ، وجيء في رئاسته من يقول نعم (يس سير ، و سَمْ يا طويل العمر) للسفير والأمير ، ومع ذلك استمرت الثورة بعيدا عن هذا الكيان المصطنع الكراكوزي وعن كل هذه القيادات الهزلية الأخرى، التي لم تفعل شيئا سوى لجم ومنع واعاقة تشكيل قيادة حقيقية للثورة السورية، عبر احتجازها للشرعية والاعتراف الدولي وهيمنتها على الدعم والإعلام والمنابر ،

وهكذا استمر التآمر ، ولكن استمر أيضا تمرد الثوار ، ومنهم من ذهب وبايع من لا يريد هذا الاعتراف الدولي المزعوم من أصله ، بل يريد محاربته كشريك في هذه المذبحة بالمساعدة كما هي ايران وروسيا وبعض الدول العربية، أو بالتغاضي والامتناع عن القيام بمسؤولياته كما هو حال أصدقاء سوريا ( وأكرم بها من صداقة ) …

يقول المثل : من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ، وهذا ما حصل ، فبدلا من  تسليم الثوار بقيادتهم المفروضة عليهم  المتخاذلة الفاسدة ، التي تلبي مطالب الدول ، وتختلف باختلافهم ، ظهرت في الداخل الجبهات الجهادية البعيدة عن السياسة، التي وجدت في الدين ذاته سياستها المبدئية، ثم  ظهرت الدولة الاسلامية  وانتشرت كما النار في الهشيم ، بسبب المناخ المناسب الذي عملت الدول على تحضيره عن جهل وحقد ، فأعلنت هذه الدولة الجديدة نفسها كسلطة قائمة تريد محاربة هذه الدول كلها، باعتبارها دولا  عدوة ، وأصرت على رفع كل الشعارات والأسماء والرايات المعادية لهم، وأصبحت هي المشكلة الجديدة التي تقض مضاجع الدول والأنظمة التي هربت من الدلف لتقع تحت المزراب ، والتي شكلت مؤخرا تحالفا دوليا للحرب على ما صنعت أيديهم . ( يمكرون ويمكر الله )

 وهكذا تجددت المبادرات والدعوات للحوار مرة أخرى وبشكل هيستيري ، من حلفاء النظام إيران ثم روسيا وبعض الأنظمة العربية وشخصيات معروفة بولائها وتنسيقها مع النظام والتي تعمل كطابور خامس وراء الثورة …  وفجأة شعرت روسيا بضرورة وقف معاناة السوريين ، وهي ذاتها من عرقل وعطل النظام الدولي ومجلس الأمن والعدالة الجنائية الدولية لسنوات ، وهي من زودت النظام بكل الأسلحة والخبراء … وتلاقى ذلك مع خوف المجتمع الغربي من منتجات الأزمة التي عملوا جاهدين على إطالتها واستغلالها ، والذين صاروا يبحثون عن أوسع حلف ممكن على الأرض يقاتل نيابة عنهم هذا الإرهاب ( أي الثورة بالشكل الذي أجبرت على اتخاذه )، وفي النهاية لم يجدوا من يقود هذا الحلف سوى الجيش العربي السوري وأجهزة الأمن والشبيحة والمرتزقة ووو … ليتشكل هذا الحلف  تحت شعار الحل السياسي الذي يحافظ على الدولة السورية ومؤسساتها ( وأي دولة وأية مؤسسات … !)

تخيلوا أن الحوار قد نجح وأن رئيس الإتلاف (القائد المناضل ذاته) شكل حكومة وطنية عند بشار الأسد … ما هي الأدوات التنفيذية التي يملكها غير أجهزة الأسد … وما هو دور هذه القوات غير محاربة الثورة … كم من العناصر المسلحة يستطيع هذا المعارض أن يأمر من المعارضة لكي يحقق التوازن في بنية مؤسساته الوطنية المزعومة ، وكم ذرة وطنية أبداها هذا الجيش النظامي أو هذه الأجهزة الأمنية لكي نقبل الحوار معها من أجل الوطن ومشاركتها في حفظه ؟؟؟.

كل ما يستطيع فعله هو فقط ما استطاع فعله رياض حجاب قبل أن ينشق ، وهو اعطاء الشرعية لحرب الأسد ضد الشعب السوري . وهو ذات السبب الذي جعله ينشق كما انشق غيره ، فكيف نعود لتجريب المجرب إذا لم يكن عقلنا مخرب ؟

ما يريده الأسد من هذا الحوار هو القول: بأن الثورة الشعبية التي قامت عليه قد انتهت وتمت تلبية مطالبها ( كراسي في الحكومة ) وها هم قادة الثورة والمعارضة  يترأسون الحكومة ، في ظل بقاء بشار رمزا وطنيا لوحدة البلاد ،  لذلك أصبح من واجب العالم كله أن يقف وراء هذا النظام الوطني الذي ينخرط في حرب ضروس ضد الارهاب الذي يهدد العالم … الارهاب الصافي المتمثل بكل من لا ينتمي لهذه المعارضة المعتدلة التي عادت لدمشق بعد حوار شفاف … فكل من لا يدعى أو يذهب لموسكو عليه أن ينتظر تهمة عالمية له بالإرهاب حتى لو كان ممن ينتقم لمقتل أسرته ودمار منزله . بينما ينعم القاتل المجرم الارهابي الأول بالسيادة والشرعية والحصانة .

الثورة تريد اسقاط النظام ومحاكمة القتلة الذين استباحوا سوريا وشعبها وفعلوا فيها ما لم يفعله هولاكو ، وهم سيستمرون بالقتال تحت أي راية (مهما كان لونها )  من أجل هذا الهدف … وغالبية عناصر المنظمات الارهابية هم من الثوار السوريين الذي سدت في وجههم بقية الطرق ودفعوا دفعا لسلوك هذا الطريق، والثورة السورية لم تنحرف ، بل دفعت عن عمد وسابق اصرار وترصد وتدبير وبفعل فاعل لهذه المعضلة … ومع ذلك هي ليست في وارد الحرب مع الارهاب في الظروف الحالية ، بدليل سهولة تسليم المقاتلين له ومبايعته تفاديا لسفك الدماء ، فخلاف الثورة مع من يتهم بالإرهاب هو ما يزال في غالب الأحيان خلاف سياسي وفكري ، خلاف رايات وزعامات، يحل بالحوار والنضال ، وليس خلافا جنائيا يستدعي الحرب .

بينما الغرب يرى في هؤلاء العدو الأكبر الذي خرج عن السيطرة، ومن هول الفظائع التي ارتكبت في سوريا ، ويريد أن يجمع كل القوى ويحشدها في مواجهته ، ولا تعنيه مسألة العدالة ولا مطالب الشعب السوري ، لذلك لا مانع عنده من صفقة مع النظام الذي أصبح موضوعيا شريكا يقاتل في صفوف التحالف المضاد للإرهاب بحسب وجهة نظره ونظرهم ،   بعد أن نجح في لصق صفة الارهاب بالثورة ، ويريد اطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى منها . لذلك هو يبحث جادا عن شخصيات معارضة مرتزقة تؤمن له الغطاء اللازم لإلغاء صفة الثورة عن التمرد المسلح ،ووضعه كليا تحت عنوان الارهاب  تمهيدا لقتله ، ولإعادة بناء وترميم ذاته أي تحقيق كل غايات النظام عبر بوابة موسكو حليفه .

فالهدف الحقيقي من عقد حوار موسكو كائنا من كان يسير فيه هو خيانة الدم السوري وتكريس النظام واعادة الشرعية له واعادة بناءه ، وتكريس هزيمة الشعب السوري ، وتحويل كل من يطالب بالعدالة والقصاص من القتلة لإرهابي يجب قتله، والنتيجة هي قتل الناس ثم قتل من يطالب بدمائهم ، واخفاء معالم الجريمة التي تكتمل تماما بمكافأة الجاني، وكل هذا  تحت عنوان السلام والحوار والحل السياسي … وبمشاركة انتهازيين وحمقى ومتطاولين ومهووسين يسمونهم معارضين ، ولا عجب لأن نظاما مثل نظام الأسد كفيل بتحويل أغلبية شعبه لمجانين .

خلاصة القول : من يريد الخيانة والعار يمكنه حجز مقعده في باص موسكو العائد لحضن بشار … لكن لعنة الله و لعنة الدم البريء الذي سفكه هذا المجرم ستلاحقه أينما ذهب وأينما حل .

في معركة بدر طلب المشركون نزول نظرائهم من المسلمين عند المبارزة… وهكذا نزل حمزة وأبو عبيدة وعلي ليبارزوا زعماء قريش … وفي مواجهة موسكو القادمة بين المعارضة والنظام ، تعمد هذا النظام بوقاحته المعهودة ارسال ( حسناواته اللاتي  يمارسن البغاء المقدس في معابده وفي عرض الشارع ومن دون خجل أو تستر يوصي به مذهبهم ) ارسالهن هن بالذات لكي يحاوروا نظرائهن من المعارضة السياحية وفقط من الذين يختارهم الروسي بمزاجه وعلى كيفه وبشروطه ومواصفاته المعتمدة في دور الأزياء والدعارة التي اكتسبت سمعة عظيمة في كل العالم ، ليقيم برعايته الباترونية  حفلة ممارسة الحوار بورنو  بين السوريين والسوريات ، فوق الأسرة الخضراء التي فرشتها أمريكا ، داخل  الجدر الحمراء التي نصبتها إيران ، ضمن كرنفال راقص في كازينو الساحة الحمراء ،  حيث يفترض ديبلوماسيا أن ينتهي هذا الحفل الزفافي بالحمل سفاحا بجنين الحل السياسي ( المحدد الجينات والمواصفات مسبقا في الأنابيب ) ، والذي في حال نجاح تلقيحه و اكتمال حمله  يفترض أن تتم ولادته في مصحة موسكو  أو جنيف أو القاهرة ، وبرعاية دولية وعربية وبقرار ملزم من مجلس الأمن يعطيه الشرعية ليكون هو الوجه القادم لسوريا الجديدة اللقيطة التي ستنهض من بين الرماد والأطراف السفلية الرطبة…

أي عار  يا شعب سوريا ، أي مهزلة يا ثوار سوريا … أن يتقرر مصير وطننا بهذه الطريقة بعد أن دفعنا نصف مليون شهيد . وقاتلنا فوق كل شبر من ترابه . !!!!!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.