يثب

دراسة نقدية في بيان مجموعة عمل قرطبة

د. كمال اللبواني 

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

أعلنت بالأمس مجموعة عمل قرطبة عن توجهها للتحول لحالة حزبية بعد أن كانت تعمل على عقد مؤتمرات تشاورية طالت كل مكونات المجتمع السوري القومية والدينية والطائفية … وبهذا تجمع بين مفهوم العمل الوطني الدستوري ، ومفهوم العمل الحزبي ، فالعمل الوطني هو عمل فوق حزبي وهو نوعين إما أهلي يتحدث عن مكونات وانقسامات عامودية تبحث عن صيغ العيش المشترك فيما بينها ، وهو ما عملت عليه هذه المجموعة فعلا ، وإما مدني طبقي حديث لا يبني عقده الدستوري على هذه الانقسامات ويتجاوزها لحالة المواطنة المتساوية التي تحفظها الحقوق الواحدة والنظام المطبق على الجميع ضمن دستور وطني يحقق بتكوينه صيغ العيش ويعززها ، وهو ما كنا ننتظره منها الآن ، بينما الحالة الحزبية التي تريد التحول اليها هي نشاط مختلف في المكان والطريقة ، فهو عمل تنظيمي بين الجماهير على الأرض ، وليس في المهجر ،عمل بين جماهير ترغب بتحقيق هدف سياسي معين فتتحزب وتتعاون مع أقرانها، والعمل الحزبي نوعين: أحزاب انتخابية تعمل في دولة ديمقراطية هدفها حشد الدعم والتأييد الانتخابي لبرنامج وأشخاص يصبحون هم سياسة وسياسيي الدولة في فترة بين انتخابين ، أو أحزاب نضالية عندما لا تتوفر لها وسائل شرعية للوصول للسلطة ، فتتحول للعمل التراكمي في الشارع والاعلام والتنظيم وتستعد  لإحداث تغيير قسري في الدولة ونظامها وسياستها وسياسييها … بالاحتجاج السلمي أو بالثورة .

لذلك من دون سياق وجدنا البيان يسارع لإعلان تمسكه بثوابت الثورة ، فهو يعترف بأنه سيتحول لحزب نضالي ثوري تغييري … وليس جامعة وطنية تعتمد الحاضر كما قدم عندما كان يحضر لعقد مؤتمر وطني يشمل الجميع …  وفي هذا تناقض بين عمله في السنة الماضية، وبين توجهه الجديد، وفي حال وضع أولوية للعمل النضالي الثوري على العمل الوطني الدستوري، وفي حال احتواء الثاني بالأول لكون الثورة قامت من أجل السياسة وحق المشاركة واختيار البرامج والقادة… فإن ذلك ينقلنا مباشرة للسؤال عن  تحديد الوسائل التي يعتمدها ويؤيدها هذا الحزب الجديد ، و القوى السياسية أو العسكرية التي يناصرها وتناصره ، وكل ذلك لم يتم التطرق اليه في البيان … مع أنه هو أساس العمل الحزبي النضالي… فكم مناضل وكم مقاتل يملك هذا الحزب، لنحدد حجمه النضالي، أو كم صوت يستطيع أن يحصد في الانتخابات لو كان هناك ديمقراطية ؟ …

إن مجرد اجتماع  عشرات الناشطين في مؤتمر في المنفى قرطبة أو فيينا أو استانبول ، يعتمدون نظريا على التمثيل الافتراضي للرأي العام ، وجل نشاطهم اعلامي  … لا يمكنه تحويل الرغبة والحلم لواقع مادي حزبي قادر على توظيف الطاقات الشعبية وتغيير السياسة و تغيير ميزان الجبهات . كيف يمكن لقيادة أن تتحول لحزب من دون مؤيدين ومؤمنين ومفوضين لها … لم تجيبنا المجموعة عن وسيلتها بالتحول لحزب أي لبناء مؤسسات حزبية سياسية وعسكرية مخلصة ومضمونة الولاء والطاعة على الأرض … طبعا بعيدا عن المجاملات والبيانات التي تنهار كالعادة عند أول تقاسم للمكاسب بين السياسيين … لا أدري إذا كان التشابه في الأفكار كافيا لاعتبار ذلك حالة حزبية ، أو توافق المصالح الافتراضي .. هذا يشكل ويصيغ أيديولوجيا ، لها عمل اعلامي سياسي ، وليس حزبي … أي أخشى أننا نسير نحو جمعية اعلامية حزبية تعمل على صياغة برامج وكتابة خطط وأيديولوجيا ، وهذا هو حال كل القوى السياسية في سوريا ، والتي يزيد عددها على 100 ولا يزيد عدد أعضائها عن ال 1000 بمعدل عشر عناصر في كل حزب وكلهم مثقفين وسيلتهم الكلمة. بما في ذلك اعلان دمشق ، واتحاد الديمقراطيين وهيئة التنسيق والإخوان والمنبر والتيار والجبهة … ولا تنتج بالرغم مما تستهلكه من تمويل غير البيانات والمقابلات . فما تسمى أحزابا وقوى سياسية هي مجرد منابر اعلامية ودكاكين مفصلة على قياس أصحابها … لذلك كنا دائما في نقاش وما نزال … هل تبحثون كشخصيات عن دكان تسمى باسمكم ، أم عن عمل سياسي حقيقي . وكنا نوصف المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف بأنه تحالف انتهازي  بين دكاكين لا علاقة لها بالسياسة ولا بالعمل الثوري ، والتي من الطبيعي أن تتقاتل على الواجهات والكراسي فهذه طبيعتها ، وأن من يريد انهاء هذه الحالة ، عليه تمثيل القوى والناس وليس تجميع أصحاب الدكاكين تحت سقف واحد في سوق (تفضلي) أو حمام (كل من إيدو إلو) .

أخشى أن يكون حماس المجموعة يهدف ليس تفعيل عملها فقط بل بذات القدر تحويل وجوده الغير محدد الملامح لحالة سياسية متمايزة ، تحتوي الكراسي والتراتب والصفات الاعتبارية ، التي يحسب حسابها في سوق السياسة السورية الرائج وحماماتها ، فالغالبية هم من الناشطين المداومين في معظم مؤتمرات المعارضة ، والذين حرموا من حقهم في المشاركة والتمثيل في مؤسساتها ، التي احتكرت شرعية التمثيل ، واحتكرها سرا الإخوان ووزعوا بطريقتهم الحصص والمناصب تبعا للوائح الخضراء والحمراء التي وضعوها على الناشطين في الخارج ثم في الداخل ، بعد أن سهلت  لهم الدول الصديقة السيطرة على توزيع كل مصادر الدعم … فهم أقصد الإخوان يحاولون أيضا بناء حزب من قيادة في الخارج وباستخدام سلاح المال والدعم.

و محاولة كسر احتكار التمثيل، لا يفترض أن تتم بذات الطريقة التشرذمية ، أي خلق مجموعة جديدة من الكراسي والألقاب لتعرض في دكان جديد في سوق البزار والصراع ، والعامل الذي وحد المجموعة ( حق المشاركة والتمثيل ) هو ذاته سيصبح عامل تفرقها إذا أعلنت عن نفسها كهيكل فيه رئيس ومرؤوس وحكيم واستشاري وعضو عامل ونصير ، وبذلك تفتح على نفسها باب مدمرا دمر كل أحزاب ومؤسسات المعارضة وهو التنافس على الكراسي والمنابر والواجهات ، لأن الديمقراطية التي تطبقها أي مجموعة محددة منتقاة غير منتخبة من الجماهير ، ستكون محكومة بأمرين هما طريقة انتقاء هذه المجموعة ، ومصدر تمويلها … وهذا المرض لا يمكن أن يزول إلا عندما يكون للحزب عدد كبير جدا من الأعضاء من المواطنين العاديين ، وهم من يختار من السياسيين في الحزب من يرغبون لقيادته ، عندها لن يتصارع السياسيون بل سيتنافسون على كسب ود الجماهير بطريقة العمل وزيادة القدرات أو بالديماغوجيا والشعارات التي سرعان ما تنكشف ، ولأن العيب الأساسي في أي حزب معارض هو عدم انطلاقه من الناس ، وعدم تعبيره عن رغبتهم وعدم وجوده بينهم ، لذلك فالحالة الحزبية عادة تختصر بقيادة من دون قاعدة اجتماعية مرتبطة وملتزمة ، رأس من دون جسد ، رأس مصطنع  يعيش على التغذية الخارجية يتنافس فيه السياسيون بطريقة غير نزيهة، مما يدمره ويحوله لدكان سلطوي مشخصن يصدر الأوامر والتوجيهات الحكيمة ويوزع بعض السلات الغذائية على الجماهير والأتباع على طريقة ومنهج زوجة مصطفى طلاس في كل عام وعلى فقراء العلويين فقط …

وبدل استمرار المجموعة في النضال ضد الحالة السوقية للمعارضة السورية كلها ، أخشى أنها تتجه للنكوص  نحو مشاركتها الصفات والمغانم ، وباستخدام مفاهيم مغلوطة عن السياسة والحزب ، في ظل نقص كامل في عناصر تكوين الحالة الحزبية الحقيقية على الأقل جغرافيا، وأنها تقع تحت ضغوط ضمنية شخصية تتسرع في الوصول للكراسي المعلقة بحبال التمويل من دون أرضية مجتمعية ( حاكمين وقادة من دون محكومين وجماهير ) حالهم كحال الإتلاف والمجلس وحكومة الثورة وأركانها وكل قوى المعارضة السياسية…

ما هي الأيديولوجيا التي سيتبناها الحزب ويروج للتنظيم حولها ومن أجلها والتي سيتحمس لها كل مكونات المجتمع التي عددوها ويتركوا انتماءاتهم لصالحها ؟  كم عدد منتسبي الحزب الذين يدفعون الاشتراكات التي يجب أن تكون هي وحدها من تمول الحزب ( يجب أن لا يقل عن 100 الف في بلد تعداده 25 مليون ) بمعدل 25 حزب تقريبا وهذا رقم كبير جدا . بحساب أن 10% فقط يشاركون بالسياسة .   ما هو اللون السياسي الذي يميزهم ( إذا كانوا حريصين على اغفال كل خلاف ويبحثون عن وحدة وطنية تضم كل الأطراف )، أي يعملون باتجاهين  متعاكسين نحو الوطنية والحزبية معا ، أو باتجاه  واحد جامع هو حزب وطني واحد شامل ،  هو الأمة والوطن والدولة والجماهير  التي تختصر جميعا بشخص ( بعث جديد آخر ) .. فكلمة حزب تعني جزء ، ( part ) في حين أن مسار قرطبة هو مسار وطني أهلي دستوري ، وليس مدني قطاعي طبقي حتى الآن . فكيف فجأة نراه يتحول لحالة حزبية في المنفى ( حزب سياسي ، ومع ذلك مكون من عرب وآشوريين وكرد وسريان ويزيديين وأرمن وشيشان وشركس وتركمان ومغول واخشيديين ، ومسلمين ودروز وعلويين ومسيحيين روم وكاثوليك وبروتوستانت واسماعيليين ومندائيين وصابئة وشيعة سبعية وإثنا عشرية وشمر وجبور وطي ونعيم وحريرية وزعبية وكلبية وحدادين وخياطين وبقارة وماخوسين ) كلهم أجمعين في حزب سياسي ذو لون واحد ومنسجم موحد المصالح ،  مع أنه يشبه الأمم المتحدة   ..

أخشى أنه الشوق للظهور وولع الكرسي عند البعض الذين عملوا طويلا دون أن يتحولوا لمكون سياسي (دكان له ماركة تجارية) يحسب حسابها في كل بازارات ومعارض السياسة السورية التي هي إما أنها متطفلة وبعيدة عن الناس ، أو تستبد بهم وتجبرهم على الطاعة، وفي كلا الحالين يعتبر حالها وعملها  ضد السياسة ونفي لها .

فالشيء الوحيد المتاح لنشطاء الخارج هو ليس العمل السياسي ولا الحزبي ( بسبب افتراق الجغرافيا) بل النشاط الثقافي والاعلامي والفكري والبرنامجي ، لذلك وبحسب الامكانيات المتوفرة أرى أن تتابع هذه المجموعة عملها لصياغة مسودة توافق أهلي ، ثم مسودة توافق مدني ، وجمعهم في مسودة دستورية موحدة تجمع بين البنية الأهلية الطاغية والحالة المدنية المرجوة . وتركز على النوع بدل الكم ، وعلى انجاز الملفات التي ينشغل عنها المناضلون المنخرطون في صراع عسكري وظروف عيش تستهلكهم … وهذا انجاز مهم وضروري يسرع عملية البناء بعد سقوط من يهدم ويخرب ، بل يساعد في هذا السقوط عندما يكون البديل على الأقل واضحا ومقنعا لعدد متزايد من الناس ، فعمل هذه المجموعة كما تصورته هو انجاز الوثائق ثم شرحها وحشد التأييد لها في أوسع فئات الشعب … فهي بالتكوين والهدف والوسيلة يمكنها أن تكون حزب وطني دستوري وليس حزب أيديولوجي … إلا إذا كان ذلك ما قصدوه من دون تصريح فأحببت التوضيح .

البيان التأسيسي لمن فاته قرأته 

البيان التأسيسي لمجموعة عمل قرطبة

عقدت مجموعة من الشخصيات السورية المعارضة لقاءاً في 8 و9/1/2014 بمدينة قرطبة، ضم ممثلين عن مختلف المكونات الاجتماعية والفعاليات السياسية السورية، وأصدرت “إعلان قرطبة”، أكدت فيه على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وعلى استعادة القرار الوطني المستقل، والعمل على عقد مؤتمر وطني عام من أجل اختيار الممثلين الحقيقيين للشعب السوري، وتوحيد صفوفهم وجهودهم في العمل على إسقاط النظام الاستبدادي ومن يمثله، ورفض رموزه في أية عملية انتقالية، من أجل تحقيق تطلعات السوريين في الحرية والكرامة، والوصول إلى نظام مدني تعددي وديمقراطي، يعبر عن التنوع المجتمعي والسياسي، ويضمن الحريات لكافة المكونات في التعبير عن نفسها واحترام لغتها وثقافتها ورصيدها الحضاري.
وعملت مجموعة عمل قرطبة على عقد لقاءات تشاورية لمختلف المكونات والفعاليات السورية، ثم عقدت ورشة عمل في فيينا يومي 27 و28/12/2014، شارك فيها مجموعة من نخب الحراك السياسي والثوري، من أجل الإشهار السياسي للمجموعة، بوصفها جزءاً من الثورة السورية، ولتحديد الرؤية والأهداف والنظام الداخلي والمهام السياسية القادمة.
وتتطلع المجموعة إلى تشكيل تنظيم سياسي ديمقراطي، يهدف إلى تأطير قطاعات واسعة من الشعب السوري بكافة مكوناته، من عرب وأكراد وتركمان وسريان وآثوريين وشركس وإيزيديين وأرمن باختلاف دياناتهم ومذاهبهم، كي يكون له ثقل حقيقي بين قطاعات الشعب السوري على الأرض، ويتوجه إلى تعزيز وجوده في الداخل وفي دول المهجر، بغية العمل معاً من أجل دعم ثورة الشعب وتحقيق أهدافها، وحمايتها وتصحيح مسارها، واستعادة السيادة والسلطة للشعب السوري.
تعاهد المجموعة الشعب السوري على العمل من أجل ابراز وجه سوريا الوطني والحضاري أمام العالم، وأن تكون عامل استقرار في المنطقة، والعمل على خلق فهم صحيح لدى الدول الفاعلة عن الثورة السورية، وعن تطلعات السوريين إلى الحرية والكرامة والعدالة.

الرحمة لشهدائنا والشفاء لجرحانا والحرية لمعتقلينا
عاشت سوريا حرة لجميع مواطنيها

فيينا في 1/1/2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.