تجديد نظام الجريمة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

قام نظام الأسد الأب على سحق كل معارضة وتصفية كل منافس ، وشراء الولاء الشخصي مقابل تقديم المنافع للموالين عبر السماح لهم بممارسة التشبيح والجريمة المتعلقة بالرشوة والفساد والنهب والسطو والتهريب والدعارة …. ، وتعهد بحمايتهم من سلطة القانون طالما هم موالين للأب القائد الذي أفسد بنظامه هذا كل ما يمكن إفساده … وعندما قامت الثورة على وريثه اعتمد في قمع الشعب السوري على أخوته أبناء القائد الذين تربوا في طلائعه ومزارعه وحاناته وثكناته وحزبه القائد، وأطلق يدهم ليفعلوا ما يشاؤون  بهذا الشعب المسكين … ليشكل هذا النظام بتركيبته وسلوكه مدرسة للجريمة وتعبيرا عنها، وليصبح بقاءه رمزا لاستمرار الوحشية حاكما للشأن العام وناظما للعلاقات الاجتماعية ، وليصبح اسقاطه برموزه ومنطقه ورجاله ومؤسساته ضرورة لا بد منها للخروج من الوحشية والجريمة والعار ، ولاستعادة سوريا لانسانيتها . فكل حوار أو مهادنة أو صلح أو مشاركة لهذا النظام، لن تعني سوى تحمل مسؤوليات جرائمه السابقة والقادمة أمام الله والشعب والتاريخ .

المزيد في المقال التالي :

عندما قامت عصابة البعث بانقلاب 8 آذار 1963 اتهمت السلطة السابقة بأنها انفصالية ورجعية عميلة ، وفي 22 شباط  1966 انقلبت مرة أخرى على نفسها واتهمت قيادتها السابقة الثورية من مؤسسي الحزب بالرجعية والتآمر وباليمين العفن ودكتها في السجون ، ثم في 16 تشرين الثاني 1970 انقلبت مرة أخرى واتهمت قيادتها الثانية بالمغامرة والديكتاتورية وادعت رغبتها في التصحيح الدستوري ، وهكذا وجدت تكرارا ومرارا  في قياداتها من هو عميل ومتآمر من أمثال رفعت والزعبي وخدام و النجار وكنعان وشوكت وبعضهم مات منتحرا إثباتا للتهمة … وهكذا وبشهادة حزب البعث بنفسه فإن أغلب قادته ومؤسسيه هم من العملاء والمتآمرين والرجعيين والخونة … وكذا الحال بين بعث العراق وبعث سوريا فشهادة كل طرف بالآخر تكفي لتوصيفه ، والجار أدرى بجاره ونحن نقبل بكل هذه التقييمات ونعتمدها ونثبتها كشهادة في محضر تفكيرنا … ومن فمك أدينك يا ابن الانسان .

زُجّ بالرئيس السابق نور الدين الأتاسي في السجن بعد أن انقلب عليه وزيره حافظ أسد مستعينا بابن عمه جمال الأتاسي الذي وقف على يمينه مؤيدا الحركة التصحيحية، على المنصة التي خطب منها حافظ أسد في ساحة البحرات السبع معلنا نجاح انقلابه وتسلمه السلطة … وبعد أن طال سجنه طلبت زوجة الدكتور نور الدين ( أم علي ) مقابلة حافظ زميل ورفيق زوجها الذي كان رئيسه ، وفي المقابلة سألته عن وضع زوجها … فقال لها بالحرف : أما زلت على ذمته … وأعطاها رقمه الخاص وقال لها أي طلب شخصي سيلبى … وهكذا فهمت أن زوجها دخل في الباب الأسود لسجون النظام الذي رأسه زوجها سابقا .

وعندما عين حافظ اسد زميلا قديما له من الطائفة في مقعد الدراسة الابتدائية ، مديرا لمرفق مهم في اللاذقية تكريما للصداقة والقرابة ، حفظ هذا الصديق هذا الود وعمل جاهدا وبإخلاص ونزاهة، فما كان من حافظ إلا أن استدعاه وأنبه قائلا ، ( يا مجنون أنا حطيتك بهالموقع لتستفيد ) قال له صديقه مستغربا على بساطته :  يعني اسرق ؟  ، فرئيس الدولة يطلب من أتباعه استغلال وجودهم في السلطة للفساد والرشوة .

وعندما استدعى علي دوبا رئيس المخابرات العسكرية أحد السجناء عنده في بداية التسعينات سأله أنت من أين في دمشق فقال له من حي الميدان ، فقال دوبا له : ياعرصه سأصنع بكل  بيت في الميدان مخبر وقحبة … ليك ولا إذا رب العرش بشخصه نزل لهون مارح نترك الحكم… منحرق البشر والشجر والحجر  وما منترك السلطة.

وعندما توسط الشاعر عادل محمود شقيق العقيد عدنان محمود رئيس فرع التحقيق ( الفيحاء ) في الأمن السياسي لزملائه عند صديق العائلة اللواء عدنان بدر حسن رئيس شعبة الأمن السياسي في عام 2001 طالبا منه التسامح مع لجان احياء المجتمع المدني التي كانت تضم 13 شخص فقط بينهم ثلاثة علويين هم يوسف سلمان ،وعادل محمود، وعارف دليلة… قائلا هم لا يطلبون سوى بعض الاصلاحات قال له بالحرف ، نحن هنا في دمشق لنفعل كذا وكذا في أمهم وليس لنجري اصلاحات يا فهيم يا معارض!.

وعندما حضر وفد كبير من أعيان دمشق وتجارها ومشايخها لقصر حافظ في عام 1986 شاكين جماد الاقتصاد ومنع الاستيراد والتضييقات الكثيرة وحالة الفقر وقلة فرص العمل… نظر لهم بلؤمه المعهود ووجهه الكالح الشاحب وقال: هل اشتغلت نساؤكم خدامات في المنازل ، وغادر الاجتماع ممتعضا .  فرئيس الدولة ينتظر بنتيجة حكمه أن يرى نساء دمشق تعملن كخدامات في منازل ضباطه … وهو لا يحركه سوى الحقد علي شعبه ، لأن أمه سبق وعملت خدامة في أحد بيوت دمشق .

وعندما كنا نقارن بين نظام حافظ أسد  ونظام صلاح جديد الذي سبقه أو  صدام حسين جاره ، وكلاهما يقود نسخة من حزب البعث العربي الاشتراكي ومؤسسات أمنية وعسكرية قمعية متشابهة … كنا نعترض على المساواة بينهم لسبب وجيه ، هو أن نظام صدام ككل نظام أوتوقراطي يستخدم الترغيب والترهيب لفرض الإذعان ويستعمل القمع للبقاء في السلطة والمال لشراء المؤيدين … وهو كأنظمة الخليج وغيرها يوزع الهبات والمنح والامتيازات تبعا للولاء .  لكن الفارق بينه وبين حافظ هو أن حافظ لا يعطي شيئا من فوق الطاولة ولا من تحتها، بل يترك لتابعه ومؤيده الجائع ، فرصة استغلال منصبه لارتكاب الجريمة والتمتع بما تعود به عليه هذه الجريمة من منافع بدءا من الرشوة والاختلاس وصولا للتهريب والتشبيح والسلب والاغتصاب … على أن يبقى متمتعا بالحصانة من القانون طالما بقي ضمن خيمة الولاء ( فبحسب مدرسة حافظ  : القانون لنا وليس علينا ) …. والولاء للقائد الخالد الآب والابن والمشاركة في نعيم نظامه تشترط ممارسة الجريمة الاقتصادية والإدارية والأخلاقية والجنائية ، ونظامه يتعمد تغييب سلطة القانون ويستعملها مزاجيا كوسيلة ترهيب لمن يعارضه فقط، ويتعمد نشر الفساد والجريمة كطريقة شبه وحيدة متاحة لزيادة الحصة من الثروة والسلطة، فالشخص لا يتقدم في سلم السلطة إلا بقدر وساخته ودناءته، ولا يحصل على ميزاتها إلا على شكل حرية ارتكاب الجريمة من اختلاس وسرقة ورشوة واستغلال نفوذ وتهريب وتشبيح على الناس ، ولا يرتفع في سلم الثروة إلا من ذل وحرام ، لأن الرواتب على الدوام لا تكفي معيشة أسبوع … وكل ذلك ضمن خطة شيطانية لتجويع وتركيع الشعب وافساده، والهيمنة على مؤسسات الدولة والموظفين عبر إفقارهم ثم توريطهم بالفساد، وهكذا وبذات الطريقة تم توريط الطائفة التي يدعي الانتماء إليها بكل ما يرتكب من جرائم وفساد لتدافع عنه وتنتمي لمذهبه…

وقف وزير النقل مفيد عبد الكريم على درج الطائرة يلقي الخطب العصماء التي تمجد بالقائد الرمز بعد أن أنجز صفقة الفساد التي أدخل بها طائرات قديمة قدمت كهدية  بعد تعميرها ودهنها على أنها جديدة في ملاك شركة الطيران العربية السورية بالاتفاق مع محمد مخلوف . فالولاء للقائد وتأييد مسيرته ورفع صوره هو على قدر الرشوة والاختلاس . ضمن معادلة اعطيني الولاء واخرق القانون كما تريد ، وكلما تسرق مليون ابني تمثالا لحافظ . وعندما فضح محمود الزعبي هذه الصفقة في نوبة خبل وثرثرة. سجن مفيد … وانتحر محمود برصاص قناص في البناء المقابل لشرفته .

وهكذا نشر نظام الأسد الفاسد المستبد ثقافة الفساد والخوف والترهيب وعممها حتى شاعت وأصبح الانحراف وسيلة للعيش المشروط بالولاء والذل والجبن والهلع من السلطة المتعسفة، فكلمة أمن كانت تثير الرعب ، أما الشرف والكرامة فهي تعني الموت جوعا ، و أما الجرأة وقول الحق فيعني الموت تعذيبا في السجون… و هكذا … ولهذا السبب ثار عليه الشعب، ولهذا السبب فشلت هذه الثورة في احداث انشقاقات في الحلقة المحيطة ببشار والمستغرقة بالجريمة …

ثم فشلت أيضا هي ذاتها في تقديم صورة بديلة مختلفة وأرقى من صورة النظام لأنها لا تعرف ثقافة أخرى غير ثقافته… فالذين تابعوا بعد الجيل الأول من الثوار الذي انقرض (بعمليات القمع المنهجي للنظام ، ثم بالتصفية على يد من ركبوا الثورة) صاروا  يمارسون عفويا ما تعلموه في مدارس الأب القائد من فساد وتسيب وقلة شرف و غياب أمانة تجلت في كل مؤسسات المعارضة ومجالسها ، ليبدو وكأننا بحاجة لجيل جديد وقيم جديدة لكي نخرج من حالة الفوضى التي وقعنا فيها بسبب شيوع ثقافة الفساد والخسة والسلب والجريمة . أو علينا أن ننتظر حصول ثورة فكرية اجتماعية ثقافية تطيح بهذا الموروث كاملا من النفوس. لأنه حتى الذين حاولوا تغيير شكلهم وارتدوا الأزياء الاسلامية مارسوا ذات الثقافة الاجرامية التشبيحية ، ولم تنفع الذقون الطويلة ولا الأقنعة ولا مسرحيات تطبيق الشريعة الترهيبية في تغيير سلوكهم الإجرامي المشوه المنحرف الذي عايشوه ولم يتعلموا غيره . فثقافة المؤسسة والانضباط القانوني مفقودة تماما عند الشعب السوري الذي عاصر الآب المعلم والابن القائد ، وهذه الثقافة لن تنتج غير الوحشية والفوضى.

بعد قيام الثورة استعان النظام بكل مؤسساته العسكرية والأمنية المتمرسة بالقمع والجريمة والفساد، ودعمها باللجان الشعبية مستفيدا من تاريخها التشبيحي الجرمي في منظمات الحزب والدولة والاتحادات المهنية …ووو ، بل بكل عصابات الجريمة ، وأصبح عقاب كل من يرتكب جريمة اليوم في مناطق النظام هي سوقه لخدمة العلم ، واطلاق يده لفعل ما يريد لكن بالشعب الثائر ، من ( قتل وسلب واغتصاب واذلال وتهجير وتفنن في التعذيب والقتل ) … والسلطة ما تزال تبحث ليل نهار عن المزيد من المجرمين لكي تستخدمهم ، حتى لو كانوا ممن عمل بالثورة والجيش الحر وتابع وعاد لحضن الوطن …  فمنذ بداية الثورة صدرت تعليمات فورية لإدارة السجون بإعادة كل الموظفين المسجونين بارتكاب جرائم مهما كانت لوظائفهم فورا ومن دون أي اجراء قانوني ، كما صدرت التعليمات بإخراج كل الشبيحة و أغلب المجرمين مهما كان جرمهم بشرط الالتحاق في صفوف القوات المسلحة واللجان الشعبية … وهكذا وبعد أن درّس هذا النظام الجريمة وحماها عاد لاستخدام المجرمين من طلابه في الحفاظ على نظامه المجرم .

وقصة صاحب الصورة الذي يظهر الثاني من اليسار وهو رواد العلي الذي نعرفه جيدا لأنه كان معنا في سجن عدرا قبل الثورة ، والذي كان ككل شبيحة الساحل ذو ولع شديد بالعنف والعضلات والملاكمة معبرا عن قلة العقل وجبن القلب كما وصفهم زعيمهم يومها أبو علي سلهب الذي كان صديقا شخصيا لماهر ويقود عصابة تشبيح كاملة تدير سجن عدرا وتمتص ما يمكنها منه … ورواد العلي المولع بالملاكمة  سليل عائلة جل رجالها ضباط وعناصر في الجيش والوحدات والسرايا … حكم عليه بالمؤبد مع عصابة نمير الأسد وجلها من القرداحة ، التي حرضها أحد فروع الأمن بإدارة حافظ مخلوف على السطو المسلح على مركز الهرم بالقرب من مكتب وزير الداخلية يومها، لاستخدام تلك الحادثة كخرق أمني خطير من أجل اتهام الوزير بالفشل والتسيب … والسبب أن أمريكا وفرنسا طالبت الأسد بدمج وتوحيد المؤسسات الأمنية بمؤسسة واحدة وجعلها تحت اشراف وزارة الداخلية، وتحت سلطة القانون والقضاء ، ضمن خطة الاصلاح الإداري التي اقترحها عليه خبراءهم  ، والتي كان وزيرها غازي كنعان ، وفهم النظام من ذلك رغبة من الغرب بتقوية غازي ، مما جعل بشار يستشعر الخطر منه شخصيا ويخطط للتخلص منه ، كذلك بقية أركان النظام ومراكز القوى الأخرى ، خاصة وأن غازي بنى صداقة جيدة مع الأمريكيين أثناء خدمته في لبنان بتكليف من حافظ أسد وبعلمه، واستثمر ثروته التي جمعها من التشبيح على شعب لبنان ورجال أعماله  في أمريكا وتقدر بالمليارات والتي سيتم الحجز عليها بعد تصفية مصطفى التاجر الذي وشى به غازي كمسرب معلومات عن المتسللين إلى العراق الذي كان يسهل لهم النظام ذلك ، فأرسل حافظ مخلوف وماهر الأسد  شبيحة القرداحة عصابة نمير هؤلاء لارتكاب جرائم في وضح النهار وسط العاصمة وقرب مقر الوزير للقول أن هذا الوزير لا يصلح .. وهكذا استنفر غازي واعتقل العصابة بعد ثلاثة أيام وأصر على أن تنال العقوبة القانونية من القضاء العسكري ، و بالفعل تراوحت أحكامها بين الإعدامات والمؤبدات ، لكن غازي سارع بعدها للانتحار باستخدام مسدسه الذي صوبه لنقرته  في مكتبه ذاته في 12/10/2005  بعد أن لمح للمحقق ميليس أن بإمكانه الادلاء بشهادته خارج سوريا وتقديم الأدلة التي تثبت تورط  النظام السوري بقتل الحريري طامحا أن يحظى برضا دولي يحمله للسلطة بدلا عن نظام الأسد الذي قتل ما لا يقل عن 40 زعيم لبناني غيلة وارهابا بينهم صحفيون أهم من صحفيي باريس …

ثم حاولت ذات الجهة التي تشغل عصابة نمير تهريبها من سجن عدرا بافتعال استعصاء قادته ذات العصابة عام 2006 . وهكذا فشلت عملية تهريب العصابة لكنها بقيت في السجن تسرح وتمرح وتشبح على السجناء وعلى الشرطة والضباط … حتى قرر رأس النظام اطلاقها وتشغيلها لخدمة دولته ونظامه ، فهي بالنسبة إليه ثروة وطنية حيوانية (تظهر في الصورة) ، لتشكل أحد فرق السطو والقتل في أحياء دمشق والتي يقودها نظام بشار الذي اعتمد منذ البداية على الجريمة منهجا وارتضى التشبيح دينا .

واليوم عندما يقوم النظام بما يقوم به من قتل وابادة وتعذيب وتصفية وقصف وخطف وتدمير منهجي ، فهو يمارس طبيعته الجرمية، بواسطة عناصره المجرمين ، لذلك نعتبر أن الخلاف معه خلافا جنائيا وليس سياسيا ، لا يحل الا بتوقيف المجرمين ومحاكمتهم وانهاء نظام الجريمة بعقله وقيمه ومؤسساته وشخوصه وأدواته وعناصره …  ومع ذلك نصطدم بمن يريد فتح حوار سياسي ، وتقديم الضمانات والحصانة ، بل من يهدف للحفاظ على مؤسساته وأمنه وجيشه … فندرك مدى قصور ادراك هؤلاء، وندرك مدى فداحة الخيانة لكل الضحايا الذين ذهبوا ضحية اجرامه ، وندرك أن مثل ذلك الحل لن ينقذ البلاد بل سيحتفظ بعناصر خرابها وتخريبها … فلا توجد أمة في التاريخ ولا مجتمع ولا حضارة انسانية قامت على شرعنة الجريمة واعفاء المجرمين ، لأن ذلك يعني فقط العودة للوحشية . ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )

سردت كل هذا السرد لأضعه في مواجهة كل من يستخدم مصطلحات مثل الحل السياسي وحل توافقي ( يقصد مع النظام ) والحفاظ على الدولة والدولة العميقة والمؤسسات ، والجيش السوري ، وقاعدة النظام ، ( يقصد مؤسسات القتل والتشبيح ) . وتأليف حكومة وحدة وطنية يقصد مشاركتهم في جريمتهم المستمرة … وكل ذلك باسم المعارضة  وأية معارضة …

في اجتماعات القاهرة 3تموز  عام 2012 التي دعت اليها الجامعة العربية ، كنت من أدار الجلسة النهائية التي أقرت فيها الوثائق ومن صاغ البيان الختامي الذي أكد أن الحل السياسي يبدأ بعد اسقاط النظام بكامل بنيانه ومحاكمة رموزه . ثم قرأت هذا البيان  في المؤتمر الصحفي الذي عقد في ساعة متأخرة من الليل للتأكيد على أنه ثابت من ثوابت الثورة، بالرغم من تدخلات الدول ومحاولاتها ثنينا عن هذا الشرط، ثم أصريت على اعتماد مضمونه في الوثيقة التأسيسية للائتلاف بعد طول جدل وأخذ ورد ، والتي انقلب عليها أول رئيس للائتلاف بمبادرته المشبوهة في زمن مشبوه ، حصل فيه توافق روسي أمريكي ، فكنت أول المجمدين لعضويتي فيه لهذا السبب حتى عاد الائتلاف وشطب تلك المبادرة ، ثم استقلت منه نهائيا بعد موافقته المشينة على حضور جنيف ومخالفته للأساس الذي قام عليه الائتلاف وللمبادئ التي قامت من أجلها الثورة، بأمر وضغط أمريكي صريح، ومع ذلك فشل جنيف … ليعود اليوم نفس الأشخاص الذين ينتمون للطابور الخامس المتضرر من الثورة والذين لا مشكلة لديهم مع بقاء النظام ، لتكرار فعلتهم بطرق وأساليب مختلفة.

وعليه نحن نعتبر كل من ينكر طبيعة هذا النظام ، وما ارتكبه من جريمة وكل من يتغاضى عن مرتكبها، أو يلتقي معه أو يقدم له الضمانات ، هو خائن للشعب ومفسد في الأرض تحت أي مسمى وتحت أي شعار … بل هو شريك في هذه الجريمة والشريك تقع عليه عقوبة الفاعل. ( والله لو اجتمعت أهل صنعاء على قتل امرئ لقتلتهم به ) ، ولأنه نظام للجريمة والمجرمين روحا وجسدا وسلوكا ، لذلك يردد الشعب السوري هتاف يلعن روحك يا حافظ .

اليوم لم تعد هناك فوارق تذكر بين الثكنة والسجن فالثكنات تحولت لسجون والعساكر لمجرمين وبالعكس ، ولم يعد هناك فارق بين الشبيحة والحزب والدولة والأمن والقضاء ولا بين الشيخ والعرصة والمعارض الانتهازي والنظام، فالمعارضة تصبح نظاما والنظام ينتج معارضة وبالعكس ، وهم يلتقيان ويمارسان ثقافة الحوار في الداخل والخارج وغرفة النوم والمطبخ … لكن المجني عليه هو الشيء الوحيد الثابت دوما :  إنه المواطن المحاصر المهجر المعذب، المنكوب بمعارضته التافهة والمقتول بدولته ونظامه الذي هو نظام للجريمة يبحث عن التهرب من جريمته وتجديد نفسه عبر حوار موسكو أو جنيف أو دي مستورا ، ليبقى الحل الوحيد معه ما جاء في الآية الكريمة .

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }  التوبة (14)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.