يثب

لا حلول قبل التفاهمات والمصالحات!

النظام الأسدي وسّع دائرة انتشاره في «الملعب السوري». تشتّت المعارضة وضعفها التنظيمي والتجهيزي من العتاد والمال، وصراعات «داعش» و«النصرة»، وقرف السوريين من تحوّل وطنهم إلى «ملعب» لا يظهر فيه أي أفق للحل، ومن ممارسات الطرفين، النظام من أجل السلطة إلى الأبد، والثاني باسم الشريعة التي لا علاقة لها بالشرع زماناً ومكاناً، لا يعني أبداً انتصار بشار الأسد. كل شيء موقت، وكل المعادلات قابلة للتعديل والتغيير، حتى ترسو تفاصيل المعادلة الكبرى والنهائية نتيجة للتفاهم الروسي الأميركي من جهة، والسعودي الإيراني من جهة أخرى.

موسكو تزاحم واشنطن إلى درجة الوصول إلى «حرب باردة» منمنمة. لكن هذا التزاحم لا يصل إلى درجة التنكّر الكامل لمصالح هذا الطرف من الآخر والعكس صحيح. الاحترام بينهما قائم ومستمر. واشنطن مثلاً لا تريد إخراج موسكو من البحر المتوسط، ولا موسكو تريد الذهاب إلى درجة الحرب في اوكرانيا لكسر الحضور الأميركي الأوروبي فيها.

المشكلة في الشرق الأوسط الجديد، الذي يعيش منذ بدايات «الربيع العربي»، حالة من عدم التوازن الكامل والمتداخل. أساس المشكلة أنّ كل طرف من الأطراف الاقليمية يريد إلغاء الطرف الآخر، وعدم الاعتراف به مهما كان حضوره واسعاً أو محدوداً، إيجابياً أو سلبياً، بنّاءً أو هدّاماً.

أخطر ما يغذّي هذه المعادلة، أنّها تقوم في معظمها على خلافات وأحقاد تستند إلى قصص وأساطير متداخلة مع وقائع خارجة من الواقع الصعب الممتزج بمرارات بعضها حقيقي وبعضها الآخر مبالَغ فيه، وهي بمعظمها عابرة للحدود ومختلطة بالشعوب إلى درجة الانصهار على نار عالية يعود بعضها إلى 1400 سنة.

أي قراءة باردة لكل ذلك تؤشّر إلى ضعف عربي شامل وغياب استراتيجية عربية ولو محدودة في الزمان والمكان. سوريا والعراق وليبيا في خبر كان بكل ما يعني العرب وقضاياهم، لأنّهم مكوّن أساسي من الضعف العربي، مصر والجزائر منخرطتان في مواجهة وقائية على الصعيد الداخلي، خروجهما من الوضع الصعب والدقيق وحتى الخطير الذي يعيشانه يلزمه إلى جانب الجهود الضخمة الكثير من الصبر والحظ معاً.

تبقى السعودية، وحدها العضو السليم في الجسم العربي المريض. مشكلة السعودية أنّها وحدها، وهي قادرة على تغيير المعادلة، الخطوة الأولى للنجاح ما قامت به وهو الشراكة مع مصر.

إيران تزداد قوّة وحضوراً، لأنّها تمتلك استراتيجية مفتوحة على الشرق الأوسط الكبير، وهي استطاعت أن تثبت حضورها في استثمارها لكل المربّعات التي لها فيها حضور مذهبي أو ايديولوجي إسلامي يستند إلى القضية الفلسطينية. وهذا الاستثمار لا حدود له في تعامله مع الواقع الموجود في كل المربّعات من دون الأخذ في الاعتبار للكلفة وللرأفة. تكفي ملاحقة استثمار علاقاتها مع آل الأسد طوال 35 سنة الذي وصل إلى درجة وضع كل إمكاناتها المالية وهي التي تعاني من أزمة اقتصادية عميقة وحقيقية، والعسكرية بالخبراء، وبالجنود من «الأبناء« (حزب الله) والشركاء من العراق إلى اليمن، وصولاً إلى تحويل بشار الأسد نفسه إلى «سلاح» يُشهَر في وجه الجميع من عرب إلى قوى اقليمية ودولية، حتى مفاوضاتها مع «الشيطان الأكبر» حول الملف النووي، تريد جعلها «جسراً إلى دور قوي وفاعل على الصعيد الدولي».

إيران ليست وحدها. توجد إسرائيل التي تشعر أنّ «ذراعها« طويلة وحرّة طالما العرب مشتّتين وضعفاء. تركيا التي تنافسهما على الدور، تعرف حدودها وقوّة «الخطوط الحمر«. مشكلة تركيا أنّها كانت قادرة على أن تكون أقوى وأكثر حضوراً، لو لم «تأسر« نفسها في «المشروع الإخواني» الذي وضعها في منافسة وخصومة واضحة مع مصر والسعودية.

المواجهات الثنائية والثلاثية مستمرة، بلا حساب للخسائر، إلى حين التوصّل إلى المصالحات والتفاهمات بعد رسم الحدود والخطوط النهائية.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.