غرام في استنبول وموت في دوما

د. كمال اللبواني

لم يكن أحد ليتوقع ما يجري الآن في سوريا ، ولم يكن أحد ليتوقع أي نوع من المعاناة سيتعرض له هذا الشعب ، ولم يكن أحد ليتوقع أي نوع من البطولة تنتظر شبابه … أو أي نوع من الصبر والجلد والمثابرة سيظهرها غالبية هذا الشعب …

كأننا في حلم من الهول والألم والصبر والشجاعة والتفاؤل … حتى أولئك الذين قبعوا في سجون الذل ينتظرون نهايتهم القريبة كانوا متفائلين . وتنزل عليهم ملائكة الصبر والبشرى … فكأن من يعذَب ويموت هو شخص آخر وليسوا هم ( فقد غادرت أرواحهم أجسادهم منذ أن هتفوا في المظاهرات وأصبحت من سكان ديار الحق ) . وكل ما وصلنا من رسائلهم تقول لنا لا تحزنوا علينا فنحن سعداء … يسقط الشهداء فتستمر المعركة ويتقدم آخرون … تدمر المدن فتعود الحياة حتى قبل أن يدفنوا الجثث ، يسقط الجريح فيطلب من رفاقه أن يتابعوا … يرفع اصبعه منتظرا الشهادة ومستبشرا بها … هل نحن في حلم أم في واقع تحول لأسطورة ؟

بالفعل يعيش الشعب السوري حالة اسطورية تفوق كل تصور … هذا الحلم الذي يحدث فقط في المنام والخيال … 

أحلى الهوى أن يطول الوجد و السقم       وأصدق الحب ما  حلت به التهم

ليت    الليالي     أحلاما     تعود   لنا      فربما قد شفى داءَ الهوى الحلمُ

إن حب هذا الشعب للتضحية  والفداء والقتال في سبيل الله الذي هو الحق ، لا يقل عن حبه للحياة والعمل والنصر ، وحلمه بمستقبل أفضل … وما قدمه ويستعد لتقديمه أكبر من أي قوة ومن أي جيش … هذا  لم يفهمه من يراهن على هزيمة هذه الثورة التي شاءها الله وهو من يسيرها … وليست من صنع سياسيين ولا من أجلهم … ولن تحرفها عن قدرها قرارات ومؤامرات الدول … ولا طموحات الانتهازيين والمجانين .

وعندما نتحدث عن تفاهة وقزامة ودناءة وفساد السياسيين ( العلمانيين أو الاسلاميين المدعين ) بالمقارنة مع تضحيات وبطولات الناس العاديين  وصبرهم … فلأننا نرى فيهم صورة نقيضة عن صورة الشعب تظهر فاقعة  في من يدعون قيادته بغير حق ولا سند … وهو العار الذي لا نستطيع السكوت عنه … على الأقل احتراما لدموع أمهات فقدوا أعز ما لديهم بل ما هو أغلى من حياتهم ذاتها، واحتراما للأمل الذي عاش به السجناء عندما كانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة على يد الجلاد مبتسمين … لأن النصر قادم من عند الله وانتقام الله قادم من كل من سولت له نفسه ، بينما الجنة والخلد لكل من قدم الغالي  في سبيل الحق …

فالنصر قادم … لكن ليس على يد هذه القيادة الفاقدة للشرف والخائنة لحلمهم … والتي تعمل على قتله بكل وسيلة وطريقة . النصر قادم وسر هذا النصر في روح الثورة وايمان هذا الشعب بالحق . ولن يتوقع أحد حجم التغيير الذي ستفرضه هذه الثورة على المنطقة بل العالم … وغدا لناظره قريب …. نحن لا نحلم بل نعيش اسطورة تفوق الخيال …

والله سبحانه وتعالى عزيزة عنده هذه التضحيات ، والتي لن تضيع مهما اشتد البلاء  ومهما تجبر الطغاة … فأشد الناس بلاء هم الأنبياء … يليهم المتقون والمتقيات … وأشد الناس سعادة هم أعضاء الائتلاف السائحون والسائحات … فمتعتهم تفوق متع أهل النظام الذين يعملون ليل نهار ويدا واحدة ويقدمون من أبناءهم ويخسرون قتلى من قياداتهم … في حين يسترخي ممثلو الثورة في الفنادق متكئين على تضحيات الشعب الذي عليه أن يهزم النظام ويحملهم لكرسي السلطة الذي يغفون عليه … ولم نسمع عن شهيد أو جريح أو مصاب من قيادة هذه المعارضة … التي لا عمل لها سوى البيانات والسياحة . 

هل تتوقعون أن ننتصر بهكذا قيادة وهكذا ادارة … وإلى متى ننتظر اصلاح الجهاز الإداري والقيادي للثورة التي هي بأمس الحاجة اليه … إنهم كالنظام يريدون الاصلاح لكن بشرط أن لا يمس امتيازاتهم وكراسيهم … فالإصلاح هو اصلاح للكرسي الذي يجلسون عليه ، وليس لسلوكهم ومؤسستهم وشخوصهم التي صارت مقززة …

منذ أن فرض على الثورة السورية قيادات هزيلة وكيلة وهي تعاني من التراجع وتتشتت قدراتها وينخرها الفساد والاهمال ، ويذهب كوادرها لسلطات وأمارات أخرى …متى نفهم أن المشكلة ليست في الدول ، بل في نظامنا السياسي المعارض الذي هو نسخة عن نظامنا الرسمي الحاكم … وهل نفهم أن مقتل الثورة هو أننا نريد اسقاط نظام فاسد بنظام فاسد آخر … سيجتمعون ويجتمعون … في مكان ولغاية ، والناس يقاتلون ويقتلون في مكان وغاية أخرى … فهل هذه هي القيادة ؟؟؟ ثلاث سنوات من الفشل تكفي لإقالة هذه الهيئة العامة واعادة تشكيلها ضمن معايير مختلفة ، أم عجزت الأمهات أن تلدن غيرهم ، وهم قدر سوريا كما هو الأسد . وبدل أن يذهبوا للقاهرة ولباريس للتوافق مع هيئة التنسيق التي ترفع علم النظام أليس عليهم الذهاب لدوما ودرعا وحمص وحلب وادلب والمخيمات … ليتعرفوا على الشعب الذي يدعون رعاية ثورته . ؟ أي مهزلة وأي بؤس … ويحكم أفلا تعقلون ؟ ألا تقيمون أداءكم ، ألا تحددون واجباتكم ، ألا تفهمون أن الذي يفشل يستقيل … لكي لا يكون عقبة في وجه مصالح الناس . أم أعمت أعينكم المنافسة على الكراسي والنفوذ والتسلط ، وهي كما قال رسول الله ( إنها مسألة ومذلة يوم القيامة ) ، فأنتم لا تعملون ولا تفسحون … بالله عليكم  فقط توقفوا عن اصدار البيانات، إما أن تقوموا بواجبكم أو فلترحلوا عن كاهل هذا الشعب الذي لم يعد يطيق سماع البيانات الملحمية التي تصدرونها …

بالسر إن باحوا تباح دمائهم        وكذا    دماء   البائحين   تباح

وإذا همُ كتموا تحدث  عنهمُ         عند الوشاة المدمع السفاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.