ائتلاف المعارضة : من الفشل إلى الخيانة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

منذ أن تشكل الائتلاف وقبله المجلس الوطني كنا في تخوف من استخدامه وسيلة للجم الثورة واجبارها على قبول ما لا ترضى به ، وانهيال الاعترافات الدولية عليه كان يزيدنا حذرا بالنظر للطريقة التي شكل بها وللجهات الوصائية التي ساهمت في تشكيله وزرعت وكلاءها فيه ، وفرضت تكوينه من مكونات خلبية لا علاقة لها بسوريا وثورتها ، ثم فرضت نظامه الداخلي الغريب العجيب الذي لا يمكن تعديله ، ثم تدخلها السافر في قراراته وانتخاباته ، وتقديمها المال والدعم الاعلامي والديبلوماسي لأشخاص محددين فيه ، لنفاجأ بعد عدة أشهر فقط من تشكيل الائتلاف بمبادرة من رئيسه للحوار مع الأسد تستبق بيوم واحد لقاء روسي أمريكي اعلن في نهايته الاتفاق على الحل السياسي في سوريا كخيار وحيد … دون التطرق  لوضع الأسد ونظامه بهذا الاعلان ( حيث بقي بندا سريا بينهما ) ، بل انتقل فورا لسلطة تنفيذية متوافق عليها بين الطرفين ( نظام الأسد والائتلاف ) ، وعندما تصدينا لهذا المشروع وصاحبه من داخل الائتلاف ، خضع بعدها هذا الائتلاف لعمليات تطويع وتغيير تطال هيئته العامة التي نشطنا فيها لمنعها من التنازل عن ثوابت الثورة .. لكن عندما اتخذ الائتلاف مجموعة من القرارات المشينة التي تناقض بيانه التأسيسي وثوابت الثورة والوطن قررت الاستقالة لكي لا أكون شريكا في هذا التحول الخطير ،  حيث لم تعد مشكلة الائتلاف تنحصر في الفشل الذريع في قيادة الثورة وبناء مؤسساتها وتحصينها ، أو بالفساد والعجز والانتهازية والأنانية والفرقة المنتشرة فيه ، أو حتى بالوكالة والتبعية لهذه الدولة العربية أو تلك ،  بل أصبحت في الشخصيات المشبوهة المدسوسة فيه ،والتي تدفعه بالتدليس والتحايل باتجاه خيانة الثورة وتبديد قضيتها وتضييع الوطن …

واليوم يعرض الدكتور خالد خوجة نيته في إصلاح هذا الائتلاف ، ونحن لا نشك في صدق نوايا الرجل ولا الدولة التي تدعمه ، لكننا نعرض أمامه وأمام المعنيين و عموم الشعب السوري مجموعة العقبات التي تعترض هذا الطريق والتي لا بد من ازالتها لكي يمكننا  الحديث عن اصلاح . و كنت قد قدمت مجموعة من النقاط بدونها لا يمكن الحديث عن اصلاح ، بل عن حاجة لاستبدال هذا الجسد التمثيلي كاملا بهيئته وتكوينه ونظامه ووثائقه .  لكن رئيس الائتلاف الحالي لم يطرح منها سوى تشكيل لجنة رقابة مالية من خارج الائتلاف … في حين يسير الائتلاف وبسرعة نحو تقديم التنازلات المصيرية بعكس ما يعلن ، ويُسرَق قراره من حيث لا يدري أعضاءه الذي يصوتون على ما لا يعلمون ، ثم يتحفظون … وما قيمة التحفظ بعد الاقرار .. والمشكلة الغريبة العجيبة  أنهم يوافقون في وثيقة المبادئ التي أعلنوها على جنيف واحد واثنان ، ببند مستقل ، ثم يضيفون بندا لا قيمة له بعدها هو تفكيك النظام … ليصبح البند اللاحق مجرد اضافة و رماد في العيون ، وتمني لا قيمة له ، بعد الموافقة على وثائق جنيف التي لا تتطرق إطلاقا لإسقاط النظام ولا محاكمة رموزه ، بل تعتبر أن الحل ببقاء هذا النظام وانضمام المعارضة له … حفاظا على مؤسسات الدولة .

مشكلتنا مع الهيئة العامة هي العته الذي يثير الحنق ، فهم لا يقرأون ، ولا يفهمون ما يقرؤون ، ثم يصوتون لما اعترضوا عليه ، ويضيفون البنود المناقضة لبعضها … كما سبق لهم وفعلوا في الوثيقة الكردية ، حيث تحدثوا عن شعب سوري واحد ، ثم عن شعب كردي في سوريا ، فمجموع شعب + شعب = شعب ، وتحدثوا عن الحقوق القومية للشعب الكردي ( وليس للأقلية الكردية ) ضمن وحدة أراضي الدولة، مع أن الحقوق القومية لشعب تعني أولا حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على أرضه ( فتعريف الشعب هو سكان تاريخيين لأرض محددة ) .

والأنكي من ذلك وجود شخصيات خبيثة متآمرة توجه العمل في الائتلاف ، وتعمل في الخفاء وبالتدليس والتزوير والتلاعب والرشوة لتمرير هكذا وثائق وهكذا قرارات ، التي تنتهي للمحافل الدولية التي تجمعها بانتظار فرض حل نهائي على سوريا … عندها سنعلم لماذا حصل كل هذا الاعتراف والتبجيل بالائتلاف ، والترحيب بمبادراته … ولماذا دس فيه من دس من عملاء المخابرات الدولية المختلفة ، بما فيها مخابرات حلفاء النظام  والنظام ذاته … ولماذا مررت مثل تلك القرارات في ليل وتحت شبح الظلام .

وثيقة الحل السياسي التي أقرت أخيرا هي ذات وثيقة القاهرة ذات العشرة بنود  التي طلبها الروس من هيئة التنسيق . لكن أضيف عليها بنود تمويهية للمزاودة والتغطية لتعطيها الطابع الثوري . مع العلم أن هذه الاضافات تناقض صراحة وجملة مضمون بنود قبلها … ومع هذا أقرت هذه الوثيقة بأغلبية 39 صوت ، فكيف صار النصف ناقص 20 أغلبية تقر بها وثائق بهذه الأهمية . مع أن هذا النوع من الوثائق يتطلب أغلبية الثلثين … أي 80 صوت . ومن بين الحضور الذي جاوز الستين عضوا بقليل ، هناك 38 متحفظ ، قسم كبير منهم صوت لصالح الوثيقة دون دراية ، عندما عرضت للتصويت ، الذي مرر على أنه تصويت غير نهائي على النص الذي سيخضع للنقاش ، ثم طُيّر نصالب الجلسة ، لمنع اعادة التصويت الذي طالب به من انتبهوا للحيلة … فكان أن ضاعت أصوات المعترضين أدراج الرياح وسرق القرار في ليل ، كما سرق من قبله قرار القبول بالذهاب لجنيف .

ذات اللعبة افتعلوها يوم اقرار القبول بجنيف ، حيث أقرت بأغلبية النصف ناقص خمسة ، مع أنها تناقض الوثيقة التأسيسية والنظام الداخلي الذي يتطلب تعديله أغلبية الثلثين ، فجأة تحال القضية للجنة القانونية التي تفتي بأن القرار عادي ولا يحتاج إلا لأغلبية الحضور …

هذه الممارسات داخل الهيئة العامة وهكذا هيئة عامة جاهلة ومستهترة وغير مرتبطة بأي مكون ومرجعية  ساياسية ثورية أو وطنية تجعل امكانية سرقة قرار الثورة وبيعه حقيقة ممارسة  ومتكررة وعندما تقتضي الحاجة …

أين نحن ؟  في جسد تمثيلي يمثل شعب ووطن وثورة دفع ما دفع وقدم ما قدم من تضحيات ، أم في شارع محمد علي ، أم في ساحة المرجة وسوق النصابين . وما هذه الصبينات والتدليس … ومن هؤلاء المدسوسين في قيادة الثورة ، من يمثلون وما تاريخهم السياسي ؟ … هم ذات الفريق الذي أدخل بالتوسعة لدعم من سبق زرعه من وكلاء في جسد الائتلاف ، ثم فاوض التنسيق التي ترفع علم النظام وتدافع عنه في كل المحافل ، وقاد مفاوضات جنيف ، ثم ذهب للقاهرة ، ودعي لموسكو ، ولم يعترض أو يبدي موقفا من دي مستورا … هم ذاتهم يسرقون اليوم قرار الائتلاف خلسة ، ويذهبون به لباريس ليتفقوا مع هيئة التنسيق على مشروع الهدن مع النظام الذي تقوده موسكو ودي مستورا بالتناغم مع النظام ، والذي تطرب له الدول التي تريد القضاء على الثورة بأي طريقة .

بينما يعلن النظام موقفه ونيته واضحة على لسان ناطقه من دمشق طالب ابراهيم :

(ياريت يقصف حلب بالنووي ||طالب ابراهيم|| يعتبر نظام الاسد مقصر في قصف حلب…  )

يُسرَق قرار الثورة والشعب ويباع في سوق المصالح الدولية التي لم نلمس منها إلا كل سوء نية تجاه الثورة السورية …. بل أصبحت  بوقاحة تعتبر الأسد جزءا من الحل . وليس مجرما وسببا لكل مصائب سوريا .

الائتلاف والجهات المتحكمة به تسير بنا نحو أحد أمرين : إما المصالحة مع نظام الأسد ، أو فرض التقسيم .

الثوار يقدمون قوافل الشهداء بكل بسالة وبطولة و المسكين رئيس الائتلاف يكافح لتشكيل لجنة رقابة مالية  يعتبرها كافية لاصلاحه …. بينما يسير الائتلاف بكله نحو الخيانة …  أي اصلاح في هكذا هيئة عامة وهكذا ائتلاف … لا أملك سوى أن أرفع صوتي عاليا :

أوقفوا هذه الخيانة قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه …

رابط مقال ذو صلة : إصلاح الائتلاف … الفرصة الأخيرة  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.