ويسألونك عن التنسيق

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

ويسألونك عن التنسيق : قل هيئة التنسيق هي مجموعات حزبية صغيرة جدا وبلا جماهير سيطر عليها أو صنعها النظام ليدعي وجود معارضة وحريات في سوريا، في حين يغطي بوجودها قمعه الوحشي للمعارضين الحقيقيين :

سبق لحافظ أسد أن اخترع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وادعى التعددية الحزبية ، فقد وزع سيارات ومكاتب على عدد من الأشخاص شكلت كل مجموعة منهم حزبا لتشاركه في الحكم !!! … ثم بعد أن شاخت هذه الكذبة ، انتقل ولده لكذبة جديدة توحي بوجود معارضة مستقلة لكنها عمليا هي قشرة فارغة لا فعالية لها تعمل بالتنسيق مع أجهزة الأمن وتتظاهر بالمعارضة ، ويتسامح معها بينما تتعرض الشخصيات والأحزاب المعارضة الحقيقية للسحق الهمجي … فهو من حيث المبدأ لا يقبل بوجود معارضة ولا معارضين ، وهو ما قاله وليد المعلم قبيل اندلاع الثورة عندما صرح : ( لا توجد في سوريا معارضة لا في الداخل ولا في الخارج ) فمن أين جاءت هذه المعارضة المعترف بها من قبل النظام بعد الثورة ؟؟؟

نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية على النظام الديكتاتوري الذي يدعي الاصلاح ، تقبل فكرة وجود معارضة شكلية لا تزعجه ، مستفيدا من تجربة حسني مبارك في هذا الاطار ، وبذلك قام باختراق وتطويع وانشاء مجموعات معارضة مرتبطة به ، لكن فكرة التنسيق بينها طرحت أول مرة عام 2005 ، ثم تجددت بعد الثورة في 2011 بطلب ورعاية من النظام أيضا ، ودورها قبل وبعد الثورة كان تجميع المعارضة ضمن وعاء واحد وتحت سقف واحد بهدف احتوائها ، ثم تنسيق عملها مع النظام بحيث تستمر المعارضة كمعارضة بيانات موجودة وموحدة شكلا ، ومتفرقة وهزيلة مضمونا ، ويستمر النظام بالسلطة والحكم والقمع فعلا.

وبذلك تقطع الطريق على كل المغامرين المطالبين بالتغيير ، بعد احتوائهم ولجمهم تحت شعار (سيروا سير أضعفكم ، الذي تكرر ذكره خاصة ممن دأبوا على مراجعة فروع الأمن المختلفة )… ولم يكن هذا العمل يعتبر بمثابة الخيانة قبل اندلاع الثورة بسبب غياب أي حراك جماهيري ، فالإبقاء على اسم معارضة كان بحد ذاته هدفا نضاليا في مواجهة شمولية النظام الذي يربح ب 99،98% ، لكن رفع سقف المطالب والحريات كان يتطلب تضحيات وسجون من أبطال حقيقيين يعرفون ما يفعلون ، أو متورطين بطريقة ما عن تهور وسوء تقدير … فقد كان من العسير فعلا التقدم في مسيرة الحرية وبشكل علني من دون القبول بوجود العديدين في الصف الثاني والثالث ممن يحاولون توقي الاعتقال بواسطة مسايرة خطوط النظام الحمراء أو التنسيق المباشر مع الأمن … لأنهم يملؤون أي هامش جديد ويستفيدون من أي رفع لسقف المطالب يقوم به المغامرون والمضحون ، وهو ما يفسح المجال أمام رموز جديدة تتقدم عليهم وتضحي من أجل الانتقال لدرجة أعلى ، بينما هم يسيرون خلفها ( وبالسليم ) …

لقد كلفنا انتزاع حق الاجتماع والتعبير من دون موافقة النظام سجننا الأول ( ربيع دمشق 2001) ، وكلفنا الانتقال من مطلب التطوير والتحديث والاصلاح لمطلب تغيير النظام سجننا الثاني ( إعلان دمشق 2005 وما بعدها) … ولم أكن أسمع من زملائي يومها كلمة أكثر من ( هدّي يا كمال لح تروحنا ) ولم يدخل السجن الا من تجاوز خطوط النظام الحمراء في لحظة حماس أو لحظة اشباك معه أو تشجيع خارجي … كما حصل مع عدد من رجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب والصحفيين والمحامين والكتاب ، الذين لم يفكروا في المعارضة قبل أن يشبح عليهم أولاد المسؤولين …

حافظ قسم واضح الفكر عريق في تاريخه السياسي من الرموز على مساره في مقدمة الحراك بعد الثورة ومنهم من تحول مع تحولاتها كلها بما فيها الكفاح المسلح ، واستطاع عدد ممن كان في الصف الثاني والثالث أيضا التقاط اللحظة وتحول لخدمة الثورة بمطالبها ( ومع ذلك ما يزال بعضهم يتهم اليوم بأنهم عملاء النظام السابقين لأنهم كانوا في الصف الثاني أو الثالث يومها ، وهذه الاتهامات تأتي من قبل من بقي ينسق مع النظام حتى الآن سرا ولم يقطع صلاته به انتقاما منهم وللتمويه على ارتباطه ، وهم من خرج من التنسيق واندس في صفوف المعارضة الخارجية ودخل الائتلاف وصار في قيادته )

أما البقية في الداخل فقد تثبت في مكانها السابق حتى بعد اندلاع الثورة وخروج الناس للشوارع وبالسلاح ، فتغير تقييم دورهم جذريا … وأصبح خيانة واضحة للثورة ولأهدافها التي أعلنتها ( اسقاط النظام )… فهم ما يزالوا كما كانوا يومها رغم تغير الظروف … فالثورة التي نقلت البعض من الصفوف الخلفية للمقدمة ، نقلتهم هي بدورها من مقدمة الحراك المعارض المسموح به في ظل النظام لمؤخرته عند اندلاع الثورة المطالبة بإسقاط النظام ، بحيث صاروا بحكم موقعهم يدافعون عن النظام وليس عن الثورة التي وصفوها كما وصفها النظام ( بالعنف والتطرف والارهاب ) ، وليشكلوا رغم كونهم قادة سابقين للمعارضة المسموح بها … طابورا خامسا راهنا يسعى لسرقة قرار الشعب ومساعدة النظام على انهاء الثورة التي لم يؤمنوا بها، ولم يسعوا اليها يوما ، وهي بدورها لفظتهم ولم تعترف بقيادتهم أو بتمثيلهم ، فصارت مصالحهم بالكامل مع بقاء النظام وليس انتصار الثورة ، وصاروا يوظفون الثورة فقط كمطية وآلة ضغط لتحصيل حصة أكبر لهم من هذا النظام على حساب الثورة والمعارضين الذين ساروا معها، وعلى حساب تضحياتها التي أضعفت النظام وأجبرته على طلب المساعدة من هؤلاء المعارضين ( وعلى هذه الأرضية نشأ الخلاف الأساسي بين معارضة الداخل والخارج أو بين المعارضة الوطنية السلمية، التي تعترف بها روسيا وايران ، والمعارضة المتطرفة المسلحة ) … فوظفهم النظام لهذه الغاية وبحدودها وقدم لهم الدعم وما يزال ( حسن عبد العظيم وهيثم مناع نموذجا ) . لكنه حرص على سحق كل من تسول له نفسه تجاوز الدور المرسوم له منهم ( عبد العزيز الخير وخليل معتوق نموذجا ) .

في التحليل :

منذ أن سعى نظام البعث الانقلابي لترسيخ حكمه الشمولي المستبد ، واحتواء أو الغاء كل صوت سياسي آخر باعتباره قائدا للدولة والمجتمع الذي اختصر بفرد واحد معبود . ومنذ أن ألغى كل صوت غير صوته وصار يحصل على بيعة 99،98% في اقتراعاته … وبعد أن فرض حالة الاذعان المحروسة بالقمع والترهيب على الجميع ، كان أمام أي عمل معارض خيارين إما العمل السري والعسكري الذي جربناه في السبعينات وسحق تماما في بداية الثمانينات بآلة الدولة الأمنية المتغولة ، أو العمل العلني بظروف شديدة الصعوبة ، وفي ظل غياب أي حراك مجتمعي وكل حياة سياسية وفكرية غير مرتبطة بالقائد الخالد ونهجه…

كانت المواجهة تتم رمزيا بين من يتحدى جدار الخوف والمنع ويوسع ساحة المسموح ، ويدنس تابو تقديس النظام ، بينما الغالبية الساحقة كانت لا تمارسا عملا سياسيا سوى المشاهدة مع التطبيل والتزمير والنفاق للنظام ، وعز فعلا وجود أصوات معارضة ، وحتى الموجودة كانت عرضة للترغيب والترهيب ، وهكذا كانت استراتيجيتنا في ربيع دمشق ، هي توسيع هامش الحريات والحراك وكسر حواجز الخوف ، وكنا نقوم به بشكل فردي ورمزي وندفع ثمنه باهظا جدا ، ليتقدم الشارع ويستفيد من السقف الجديد ، وهكذا لم نكن نعترض على وجود من يحمي نفسه بالنفاق لأجهزة الأمن ثم يتظاهر بالمعارضة ، فنحن لا يهمنا من القضية سوى العدد والمظهر الذي يفترض به أن يشجع الآخرين في حال بقي وحافظ على وجوده … حتى لو نسق البعض سرا مع ضباط النظام وجند للتجسس لصالحها ، طالما نحن قد اخترنا العمل العلني بدل السري الذي كان قد أصبح شبه مستحيل … وقد جربناه وفشل تماما وقضى زملاء لنا نحبهم أو في السجون عشرات السنين بسببه ، ثم لنحاول من خلال هذا المناخ الذي يعتمد العلنية بدل السرية ضخ دماء جديدة تخرج عن المولاة علنا وتدفع بخط التصادم نحو مساحة أوسع واحتلال درجة أعلى من الحريات .

لكن بعد اندلاع الثورة وخروج الشعب للتظاهر والفعل الثوري … تغيرت الاستراتيجيات جذريا ، وصار من الواجب الانتقال لطرق نضالية مختلفة تتعلق في تمثيل أهداف الثورة ، والسعي لتنظيمها وادارتها لكي تحقق أهدافها . وإذا كان البعض من السياسيين المخضرمين المخلصين قد فهم ذلك وتحولوا مع الثورة وتبنوا طروحاتها … لكنهم استبعدوا من القيادة والادارة بفعل وتأثير الدول الصديقة التي فضلت توظيف حزب الإخوان المسلمين المرتبط بها مع مجموعة من الوكلاء المطواعين الذين لا علاقة لهم بالثورة ولا السياسة ولا بسوريا أصلا ، والذين سيفشلون في الإدارة وفي القيادة وحتى في تمثيل أهداف الثورة ويعودوا اليوم لينسقوا مع هيئة التنسيق التي تنسق مع النظام .

في الوقائع :

في عام 2005 ونتيجة الضعف الشديد في أداء المعارضة الذي كان يقتصر على بعض الاجتماعات المحدودة التي تصدر عنها البيانات الخجولة ، وبعض الاعتصامات أمام محكمة أمن الدولة ، بررت بذلك بعض الشخصيات دعوتها للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتشكيل لجنة تنسيق العمل الوطني بداية عام2005 وحصل هذا الاجتماع في مكتب حسن عبد العظيم بمبادرة من بعض الشخصيات ( يوسف سلمان ، جاد الكريم الجباعي ، مي الرحبي ، زرادشت محمد … وآخرين من لجان احياء المجتمع المدني ) … فالمطلوب ظاهرا هو تنسيق العمل المعارض ( وباطنا الله أعلم ) … لكن هذا العمل لم يعترض عليه الأمن الذي يخترق كل المجموعات وكل مؤسساتها ومكاتبها … بل يبدو أن هذا التجميع والتوحيد تحت عينه وسمعه وبوجود من ينسقون معه خطواتهم ، يريحه ويناسبه … يومها جرى نقاش طويل حول الاسم وتقرر تحويله من هيئة للجنة لأنه حسب رأي أحد المحامين اللجان لا يطالها قانون الجمعيات الذي يوجب الترخيص شكلا .

وهكذا اجتمع ممثلون عن التجمع الديمقراطي ، وعن حزب البعث جماعة شباط ، والعمال الثوري ، ورابطة العمل ، وعن الأحزاب الكردية ال 13 يومها ، وعن منتدى الأتاسي ولجان الدفاع عن حقوق الانسان ، والمنظمة العربية ، وسواسية ، وجمعية حقوق الانسان ، ولجان إحياء المجتمع المدني … وتم وضع خطة تحرك مشتركة ، وكان على رأسها تنظيم احتجاج بمناسبة ذكرى انتفاضة الكرد في 12 آذار وذكرى انقلاب 8 آذار واعلان الطوارئ … وبعد عدة اجتماعات علنية في مكتب حسن عبد العظيم خلف القصر العدلي ، ثم في مكتب هيثم المالح في الحلبوني برامكة مقر جمعية حقوق الانسان … تقرر تنظيم اعتصام مشترك يوم 10 آذار الساعة 12 ظهرا أمام القصر العدلي 2005 ، وقد تزامن ذلك اليوم مع مسيرة الوفاء التي عقبت انسحاب الجيش السوري من لبنان ( جماعة 8 آذار في بيروت و9 آذار في دمشق ) وتبعها مسيرة 14 آذار للمعارضة اللبنانية للوجود السوري . في وقت تشهد لبنان حالة غليان اثر تصفية الحريري على يد النظام وحزب الله … وفي وقت يتعرض النظام لضغوط كبيرة … وهكذا جرى الاعتصام بحضور وكالات أنباء عالمية كانت تغطي انسحاب الجيش السوري من لبنان … وتمت الدعوة على نطاق واسع وغير مسبوق حتى في الاعلام … حيث لم يكن شائعا بعد التواصل الاجتماعي … ولم يستطع النظام قمعها كالعادة بالجيش والأمن وحفظ النظام ، بل تذاكى بارسال طلبة المدينة الجامعية بالآلاف للهجوم على المعتصمين وضربهم بعصي صور الرئيس التي كانوا يحملونها … لكن الغير مستغرب هو عدم مشاركة أغلب القوى الداعية للاعتصام فلا حضرت ولا رفعت اللافتات التي وعدوا بتحضيرها في مكتب حسن البعيد 100 متر عن ساحة التظاهر … وهكذا تم تفريق الاعتصام الذي حاول التجمع من جديد بعد ساعة في ساحة المرجة ، وحضرت لافتات ورقية على عجل ، وبالرغم من تغيب الداعين والارتجال في تنظيمها حضر عدد معقول من الناشطين ، وخرج خبر الاعتصام للإعلام العالمي وكان حدثا مهما ونجاحا حاولوا من جديد استغلاله في رصيدهم النضالي …

ثم تكرر هذا التنسيق مرة أخرى يوم اعتقال لجنة منتدى الأتاسي … وبعد أخذ ورد وافقوا على تنظيم مسيرة في ساحة يوسف العظمة بوابة الصالحية لكن بعد خمسة أيام وتحديدا يوم الاثنين وتحديدا بعد الظهر الساعة 5 .. وحشدنا الناس من حلب والمحافظات لنفاجئ بقرار إلغاء المظاهرة من قبل حسن عبد العظيم وسليمان الشمري أبو راوية ، الذي كلف رسميا بغيير مكانها إذا تعذر علينا التجمع وتبليغ الحضور بالمكان البديل ومن دون استعمال الهاتف لكي نفاجئ الأمن … والسبب الذي برروا فيه الالغاء هو أن الأمن أطلق سراح أعضاء المنتدى يوم الاثنين الساعة الثانية ، أي أن لجنة التنسيق قد نسقت موعد المظاهرة مسبقا قبل خمسة أيام مع الأمن الذي خطط لاعتقال المنتدى لمدة اسبوع واجبارهم على التوقيع على بيان يحل المنتدى ، وهذا ما حصل فعلا حيث وقعت سهير الأتاسي وحازم نهار وحسين العودات والآخرين على بيان الحل وخرجوا من السجن متفاخرين بالحوار الذي دار مع الأمن … ورفض على العبد الله الذي بقي في السجن لوحده من بين بقية الأعضاء . لذلك حددت لجنة التنسيق موعد المظاهرة بما يتناسب مع مخطط الأمن وبتوقيته هو ، فرفضنا قرار حسن وأصرينا على التظاهر وقلنا يوجد الكثير من معتقلي الرأي ، فأغلقت بوابة الصالحية تماما بقوات حفظ النظام ، فنقلنا المظاهرة تطوعيا لباب توما … وهتفنا هناك للحرية ولسوريا الحرة وسقطنا نظام القمع والسجون ، قبل أن يحضر قوات حفظ النظام التي تأخرت 45 دقيقة … ونجحت المظاهرة الثانية رغم الخيانة والتدليس . بفضل حماس الشباب الناشطين الأحرار الذي استغل الموقف… وهو ما يعبر عنه النظام عادة بالمندسين … أي الشبان الذين يخرجون عن التنسيق ويستغلون المشهد المرتب مسبقا ويخربون المسرحية الهزلية ويصنعون منها حدثا حقيقيا …. وهو دورنا يومها في ذلك الجو الكئيب . وكلكم تتذكرون هؤلاء المندسين الذين يدخلون الاجتماعات والتظاهرات المفبركة ويقلبونها … كما حدث في السمير أميس وغيرها .

وعندما كان اجتماع لجنة التنسيق يتجه لتبني ما لا يرضى عنه النظام كان حسن يعتذر ويغلق مكتبه في وجهنا ، وأحيانا مكتب الجمعية أيضا بعد التضييق على هيثم من داخل أعضاء الجمعية ذاتهم ، فنقلت عدد من الاجتماعات لمنزلي في دمشق ، و معظم الحضور كانوا يتواصلون مع أناس ملزمين بالتشاور معهم قبل التوقيع على أي بيان … ولا يصرحون عنها ، وهذا ما شهدته بأم عيني وفي منزلي في ربيع وصيف 2005 من قبل شخصيات عربية وكردية ما تزال في قيادة هيئة التنسيق والمعارضة في الداخل والخارج ، وكنت وما أزال أعتقد أنهم يتواصلون مع ضباط مكلفين من الأمن خاصة فرع الجبة ( برهان اسبل الذي شوهد عدة مرات أمام المبنى الذي كنا نجتمع فيه وهو يتبادل الحديث مع من كانوا معنا في الإجتماع ) … بمن فيهم قادة في لجان إحياء المجتمع المدني ، وفي الأحزاب الكردية ، وفي قيادة حزب العمال الثوري ، والاتحاد الاشتراكي الناصري ، ومنظمات حقوق الانسان قاطبة ، ومنتدى الأتاسي ..

وأثناء عمل اللجنة كلف أكثر من شخص من قبل الأمن بمهمة تنظيم عملها ومأسسته وجاءنا باقتراحات وأوراق معدة مسبقا، من أجل ضبطه واحتوائه ، ووضع سقف سياسي وتنظيمي وحراكي لها ضمن المسموح به … وقد كانت نسبة التواصل مع الأمن بين النشطاء المعروفين يومها لا تقل عن 80% في تلك الأيام ، وهم لم يتجاوزوا عدد 500 في أي اجتماع أو منتدى أو تظاهرة … فمراجعات الأمن وشرب القهوة شيء عادي ومتكرر ، وسماع البهدلة والتهديد أمر معتاد ممن يحاولون رفع السقف أو عدم احترام الخطوط الحمراء ، ومن يصر على ركب رأسه يدخل السجن ، وما دون ذلك هناك نفاق وتقارير ، وحتى مؤامرات ، وقبض رواتب ، ونصب أفخاخ للإيقاع بشخصيات محددة ( ومن هؤلاء من يتنطح الآن لمناصب قيادية في المعارضة السورية ) … وقد أجريب دراسة تقريبية وقاطعت معلومات عن معظم هؤلاء الناشطين ال 500 ودرجة ارتباطهم بالأمن التي تراوحت بين (الاستدعاء المتكرر لتبليغ الرسالة … أو النقاش ، أو التعاون ، أو التجسس وتنفيذ المهام ) وقدمتها للسفارة الأمريكية في عام 2005 التي دققتها بناء على اختراقهم هم للنظام ، وتبين لنا أن أقل من 20% فقط من الناشطين هم فعلا غير مرتبطين ومستقلين ولا يتلقون تعليمات ، جرت هذه الدراسة بعد عدة تجارب فاشلة لهم في التعاون مع المعارضة السورية يومها التي جهدوا لتفعيلها عندما كانت علاقتهم بالنظام في أسوأ مراحلها أيام احتلال العراق ، هؤلاء المستقلين عن الأمن هم من يتعرض للتضييق والاضطهاد والسجون ، وعليه تقرر دعمهم بفتح منابر اعلامية لهم ودفع رواتب على المساهمات للكتاب الذي يحافظون على صوت المعارضة ( ملحق النهار ، وجريدة الحياة ، وعدة مواقع الكترونية ) ثم توزيع رواتب على أسر معتقلي الرأي . مع العلم أن حملات الاعتقال قد تطال أيضا بعض المخبرين لنشر الخوف وحالة التشتت العقلي … ولاستعمالهم كجواسيس على زملائهم ، أو لتلميعهم وتمويه ارتباطهم .. وقد استمر العمل بهذا النظام من الدعم الذي اتفقنا عليه مع الأمريكيين حتى ما بعد اندلاع الثورة ، حيث أوقف نهائيا بعد التحقق من فساد الجهة المكلفة به وهي اعلان دمشق في الداخل والخارج . الذي شمل أيضا اقامة محطة تليفزيونية للمعارضة ( بردى ) لم ترى النور بسبب سرقة تمويلها …

عندما اجتمع عدد كبير من الموقعين على اعلان دمشق في منزل رياض سيف بتشجيع من الأمريكيين وبعلم المخابرات وتغطية جناح منهم مقرب من الغرب ، وجرى انتخاب هيئة قيادية للإعلان . خسر حسن عبد العظيم والشيوعيين في التصويت ولم يشاركوا في القيادة ، مما أدى لاعلانهم تجميد عضويتهم ، ثم اعتقال القيادة المنتخبة بعد صراع بين أجهزة الأمن ( بشكل خاص بين آصف شوكت الذي رعى الاجتماع ، وعلي مملوك الذي اعترض عليه ) واستمر هذا الصراع حتى جلسة الحكم عليهم والذي كان مقررا سبع سنوات خفضت صبيحة ذات اليوم لسنتين ونصف كما علمنا من القضاة الذين كانت تأتيهم الأحكام مكتوبة من مكتب الأمن القومي … ومن يومها اتجه إعلان دمشق بعد قمعه للتحالف مع الإخوان في الخارج ، بينما اتجهت جماعة حسن المرضي عنها من الأمن لتشكيل جسد مضاد تحت مسمى هيئة التنسيق .

وللعلم أن عدد أفراد ومنتسبي كل هذه القوى المنسقة ، لا يتجاوز العشرات من الناشطين فعليا … وهكذا وبعد عدة اجتماعات ومحاولات فاشلة توقفت تقريبا فكرة التنسيق وعمل المعارضة كله بما فيها اعلان دمشق الذي انسحب منه الإخوان وقرروا وقف العمل باستراتيجية اسقاط النظام لأنه نظام مقاوم ، بعد حرب غزة 2008 …. حتى عاد حسن عبد العظيم وهيثم مناع وميشيل كيلو وفايز سارة لإحيائها مع انطلاق الثورة وبذات الهدف ، أي توحيد واحتواء العمل المعارض وتنسيقه مع النظام الذي فتح لهم طاولة الحوار في صحارى .. ثم سيكرر ذلك في جنيف وموسكو والقاهرة وما يزال …. وعند تأسيس المجلس الوطني ، حاول عزمي بشارة ضم هيئة التنسيق عبر وثيقة مشتركة وقعها برهان غليون نيابة عن المجلس الوطني في القاهرة مع هيثم مناع ، ثم تراجع عنها بسبب الانتقادات الكثيرة التي وجهت له . وما تزال جهات ودول عدة تحاول ضم جميع قوى المعارضة تحت سقف هيئة التنسيق التي تنسق مع النظام ، وما تزال ترعى لقاءات الحوار معها … وما تزال هيئة التنسيق بتفرعاتها المختلفة التي منها المنبر الديمقراطي وتفرعاته واتحاد الديمقراطيين وأحزاب كثيرة جديدة … تقوم بدور لا علاقة له بالثورة ولا بالشعب السوري بل بالتنسيق مع النظام …. وهذه شهادتي والله خير الشاهدين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.