يثب

(الحل السياسي) رخصة مفتوحة للقتل

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

تبعا لمبدأ التقية الايراني الذي يمارس كذبا وخداعا فإن الشعار والعنوان يستخدم لتغطية مضمون معاكس له تماما …. يقول الاسرائيليون أن ايران اختارت طريق التفاوض لأنه أفضل وأرخص طريق للحصول على القنبلة النووية …. وهذا يعتمد على خداع الطرف الثاني وغباءه الذي يكتشف في نهاية التفاوض أن ايران قد امتلكت القنبلة فعلا …

وبذات الطريقة طرحت جنيف مشروعا للحل السياسي في سوريا بطريقة غبية تقدم للأسد فرصة ذهبية للتمادي والامعان في الحل العسكري من دون أي تبعات … فكانت النتيجة بدلا من وقف قتل السوريين أن استمر قتلهم وبدم بارد ومن دون أي خوف من عواقب.

فمبدأ الحل السياسي المطروح يقوم على التفاوض المفتوح غير المشروط على سلطة انتقالية يرضى عنها الطرفين، من دون التطرق لمصير الأسد أو اقامة العدالة ومحاسبة المجرمين … والحل السياسي هو الخيار الوحيد المطروح للملف السوري دوليا وعربيا ومعارضة ونظاما … من دون ضمانات ولا سقف زمني ولا اشتراط وقف القتال .

وبذلك يحصل الأسد من خلاله على فرصة مفتوحة لتجريب الحل العسكري ، مع كل التطمينات عن مصيره ، فهو في أسوأ الأحوال سيحظى في النهاية بملاذ آمن وحصانة ضد المحاكمة هو ورموز نظامه ، ناهيك عن ضرورة اعطاء موافقته هو على السلطة الانتقالية التي ستتسلم في ظله أو بعده …

هذا بحد ذاته يعتبر أفضا غطاء للحل العسكري ، وأكبر رخصة للقتل تسمح له بفعل ما يريد والتصرف كما يحلوا له بانتظار موافقته هو على زمان وشكل الحل … فطرح الموضوع بهذه الطريقة أعطى للأسد الوقت الكافي للغطرسة والانتقام والتشفي والتسلي بقتل الناس وتدمير المدن .. دون خوف من عقاب أو محاسبة … طالما أن أي حل غير سياسي مرفوض ، وطالما أن العدالة معطلة وحصانته مضمونة بموجب جنيف ذاته …

كانت الثورة السورية قد ثبتت مطالبها باسقاط النظام ومحاكمة رموزه قبل البدء بأي حل سياسي ، وطالبت بضرورة محاكمة ومعاقبة النظام المجرم الذي أعلن الحرب على شعبه … ووقفت المعارضة عند هذا الموقف حتى تجرأ معاذ الخطيب وحطم هذا الثابت وفتح بوابة القبول بحوار الأسد مع استمرار القتل والقصف والبراميل ، في حين كانت مبادرة الجامعة العربية تشترط تسلسل البنود المتعلقة بوقف القتال وسحب الجيش واطلاق المعتقلين قبل التفاوض …

لكن مبادرة معاذ ، ومن ثم جنيف واحد … لم تشترط وقف القتال .. ولم تضع مدة زمنية صارمة ، ولا عقوبات وتبعات في حال تم رفض المبادرة ، ولم تتطرق للعدالة والمحاسبة … بل كانت تفريطا وتسولا وحصانة مجانية للقاتل جعلته يتمادى ويتمادى بالقتل والجريمة … مع أن المبادرة سوقت تقية تحت عنوان وقف القتل …

لذلك نرى أن كل الجرائم المرتكبة منذ ربيع 2013 أي منذ مبادرة معاذ الخطيب ، ومنذ اطلاق مسار جنيف يتحمل مسؤوليتها معاذ والأمم المتحدة وكيري والائتلاف الذي قبل بهذا الطرح وخدع بهذه الخديعة … وقبِل التنازل عن مطلب محاكمة النظام ، وشرط وقف القتل قبل البدء بأي تفاوض … وهذا ما أعطى نظام بشار الوقت والغطاء والإذن والتطمينات للامعان في الجريمة محاولا كسر ارادة الشعب الذي ينتظر حلا سياسيا لن يحصل قبل هزيمة النظام عسكريا …

حاليا يستمر هذا الخداع التآمري المقصود تحت عنوان الحل السياسي وجنيف الذي يغطي التمادي في الحل العسكري … لكن ضمن المسار الروسي والمصري ، وتشترط وثائقهم المعدة مسبقا قبل التفاوض على منح بشار وعصابته كل الحصانة من الملاحقة دون تحديد وقت لرحيله ، ولا اشتراط وقف لإطلاق النار المسبق … أي تعطيه فرصة ورخصة أخرى للمزيد من تدمير سوريا وقتل شعبها وتسليمها للمحتل الايراني … وكل ذلك يحدث باسم الحل السياسي وحقن الدماء … ويقبل من المعارضة الغبية والتافهة التي تمارس السياحة على حساب دماء الشعب .

هذا الغباء السياسي والعته الذي تمتع به سياسيي المعارضة والائتلاف ، ووزراء خارجية الدول الصديقة … وهذا النقص الفظيع في علم السلوك وشروط التعامل والتفاوض … هو الذي يستغله المجرم الذي يمنح مسبقا العفو والحصانة لكي يتمادى … وهو بالضبط ما يتسبب بوقوع المزيد والمزيد من الضحايا ، ويتسبب بدفع ذويهم نحو التطرف والارهاب … عندما يرون هذا التواطؤ الدولي والتخاذل والعمى عن حقوقهم وتجاهل مشاعرهم بطريقة وقحة وبليدة وغبية…

في النهاية تضمن المعارضة والدول وفقا لبنود الحل السياسي حماية الأسد وأمواله واقامته الآمنة بدل حماية الشعب السوري … وحتى تحدث هذه النهاية أي حتى يفرغ الأسد ويمل من لعبته القاتلة ، يتعاظم الدمار ويتراكم الحقد على الطائفة العلوية الصغيرة وحلفائها التي ستبقى بعد رحيل الأسد ، وستكون عرضة للانتقام من قبل الضحايا الذين حُصّن قاتلهم … بعد أن ورطها الأسد في دماء وممتلكات ملايين السوريين … من سيضمن لهؤلاء عدم تعرضهم للانتقام وبكل الأشكال وعبر عشرات السنين … ذات الغباء والبلاهة مرة أخرى تجعلهم يستمرون في توهم أن نجاة الأسد هي نجاة لهم . و ذات الغباء مرة أخرى يجعل البعض يتوهم أن السلام ممكن من دون العدالة أو أنه يقام بتقديم الحصانة للمجرمين …

أخيرا من يسير وراء منطق الحل السياسي هو المسؤول الثاني عن استمرار قتل السوريين بعد النظام … لأن هكذا حل وهكذا طرح لا يتم بهذه الطريقة ولا بتلك الشروط … وكما يقول المثل من أمن العقاب أساء الأدب . واسقاط شرط المحاسبة والعقاب والوقف الفوري لاطلاق النار ، هو السبب الحقيقي في استمرار القتل والمذبحة ، بل في نشوء التطرف وتنامي الحقد ومشاريع الانتقام …

يا شيخ معاذ ويا هيثم مناع وبقية الجوقة الراقصة في موسكو والقاهرة وقبلها في جنيف : مسعاكم المتظاهر بالسلمية هو رخصة للقتل وفرصة لتجريب الحل العسكري ، وهو المسؤول عن مذبحة السوريين وقتلهم عبر تقديمكم الحصانة للقاتل …. لأن الله تعالى قال ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) هل تتوقعون تغير سنن الكون تبعا لعقولكم المشوهة …. عندها سيكون نتيجة مسعاكم الوحيد هو نمو وطغيان الارهاب الذي لن يرحمكم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.