يثب

الائتلاف يقصف بالمراسيم

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

أصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا ، بصفته الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري المرسوم رقم واحد … ويعتبر استخدام هذا السلاح الجديد وبشكل مفاجئ تطورا نوعيا في المعركة بينه وبين النظام ….. إنها الضربة القاضية التي احتفظ بها الائتلاف لساعة الحسم السياسي …. الائتلاف الذي لم يعد يكتف بالقرارات والبيانات والتصريحات والرقصات على المحطات ، بل انتقل فعليا لاستخدام المراسيم ، وما أدراك ما المراسيم …. رفعت الأقلام وجفت الصحف ، وبهت الذين كفروا .

وفكرة الانتقال من القرارات والبيانات للمراسيم فكرة إخوانية عبقرية جدا ( لأن أعضاء الهيئة السياسية من الإخوان هم من اقترحها ) ظننا أنها تسمح لهم بتجاوز حالة الشلل والعجز والنباح على الفاضي ، لحالة الفعل المؤثر ، فكلمة مرسوم ذات وزن ووقع مختلف عن وزن ووقع كلمة توضيح وبيان وقرار ومناشدة … مع أنه كله كلام بكلام ، وحبر بلا ورق …

لم ينتبه جهابذة السياسة أن الانتقال من القرارات نحو المراسيم يلغي الائتلاف كونه مجلسا تمثيليا ويحوله لمقام رئاسة … لأن المرسوم وفقا للعرف هو قرار رئاسي ينوب به عن الجمعية أو المجلس التمثيلي ، في فترات عدم انعقاده أو غيابه … فيصدر الرئيس المرسوم وينتظر التصديق عليه من قبل المجلس ليتحول لقانون ينفذ بالقرارات التنفيذية التي تصدرها الوزارات والهيئات والمديريات … لكن الائتلاف يخلط بين هذه المفاهيم والمسميات السياسية لأنه يحتوي على أشياء تفتقر للسياسة والثورة والشعب والدولة والعلوم والمعرفة …

وهكذا نزل الائتلاف بقوة لساحة المعركة وحارب العين بالعين والمرسوم بمرسوم ، والقرار بقرار والبيان ببيان ونسي البراميل والصواريخ والغازات … فهو مؤسسة متخصصة باطلاق القرارات والمراسيم والقوانين والدساتير والوثائق والبيانات . وهو الكل بالكل ولديه وحده كل التسميات وكل الصلاحيات ولا أحد يشكله ولا أحد يسأله ولا أحد ينتخبه أو يجدد أعضاءه أو يسأله فهو الكافي الوافي الموجود بذاته ولذاته … لذلك يصدرها هو وحده تبعا لمشيئته لأنه كل شيء فهو التشريع والرئاسة والتنفيذ وهو الممثل والقائد والموجه والمعلم والهادي والعاطي والمرجعية والخيمة … ومع ذلك لا تفقه هيأته السياسية الفارق بين القانون والمرسوم والدستور والقرار ….

باصداره مرسوما فقد الائتلاف صفته التشريعية التمثيلية ، وتحول لجهة رئاسية تنفيذية تحتاج لمن يراقبها … أي أنه قانونيا قد حل نفسه بنفسه

سابقا عندما قام انقلاب البعث ( مجلس قيادة الثورة ) في 8 آذار 1963 بحل مجلس الشعب المنتخب ، وتعطيل الدستور ، وتسريح الحكومة ، وأصدر مراسيمه التي لم تجد مجلسا تمثيليا يحولها لقوانين … بقيت هذه كمراسيم أدنى من القانون بالرغم من بطلانها دستوريا بعد انتخاب مجلس شعب يفترض به مراجعة كل المراسيم الصادرة وبيان عدم مخالفتها للدستور وعدم تناقضها مع القانون السابق ثم اقرارها إذا وجد فيها ضرورة قانونية ، لكن هذا لم يحدث بسبب دستور حافظ الذي بقي هو الآخر حبرا وورق في خرج الحمار…

وتذكر الائتلاف فجأة هذا المرسوم وحده ونسي أن الثورة تريد اسقاط كامل النظام ومراسيمه وقوانينه ومؤسساته وعقله وشخوصه … وليس فقط المرسوم 49 … لكن لماذا فعل الائتلاف هذا فقط يا ترى :

يقضي هذا المرسوم الأول الذي أصدره الائتلاف بالغاء حالة الطوارئ وتبعاتها بما فيها المرسوم الخاص باعتبار الإخوان منظمة ارهابية ، وهنا بيت القصيد و هنا الرد التركي على القاهرة التي اعتبرت تنظيم الإخوان تنظيما تكفيريا ارهابيا ، فما كان من رئاسة الائتلاف التي جاءت بالتداول بعد القطرية والسعودية … إلا أن أصدرت مرسوما يفهم منه أن سوريا تحت حكم الإخوان ، و يوجه رسالة مفادها أنه إذا أخذت الإمارات والسعودية مصر فإن تركيا قد أخذت سوريا … مع أن سوريا فعلا بيد إيران … و هذا يظهر أن النزاع صار واضحا على سرقة قرارها عبر هيئات تمثيلية تافهة هي مجرد وكالات لدول … بعد أن دمرت وشرد شعبها .

من سيصدق( الائتلاف ) إن أصدر مرسوما أو قرارا أو قانونا أو دستورا … فالائتلاف بحد ذاته شيء تافه ومنتهي وميت سريريا وشعبيا وأخلاقيا واليوم قانونيا … ولأنه لا يحكم شبرا واحدا في سوريا ، ولأنه لا يملك أجرة مقره في الفنادق السياحية … ولأنه استقال طوعا وكرامة من كل مسؤولياته وواجباته ، واحتفظ فقط بمتعه السياحية على حساب معاناة الشعب السوري..   ومارس كل أنواع الفساد والافساد … أي باختصار .. لو ان الإخوان الذين يسيطرون على قرار المعارضة منذ المجلس الوطني وعبر واجهات مختلفة كانوا أذكى قليلا وفعّلوا هذا الجسد العاطل قبل أن يتعكزوا عليه … لكانت خطوتهم يحسب حسابها … لكنهم اختاروا أن يصدقوا كذبتهم … وينخدعوا بها … ويعيشوا بالوهم الذي صنعوه وبكذبة اسمها الائتلاف والتمثيل والاعتراف لدرجة تشجعهم على حرب المراسيم المضحكة…

وقد سبق لهم بطريقة هزلية أيضا أن غيروا اسم الدولة والغوا صفة العربية، وغيروا صيغتها الدستورية وحولوها لدولة اتحادية اكراما للسفير الأمريكي … اتحادية بين من ومن ؟؟؟… دولة اتحادية فيها شعب واحد كما قالوا شعب متحد وواحد !!! .. ومع أن الدستور لا يجوز تعديله من دون استفتاء من الشعب ونسبة تصويت معينة عليه … مع ذلك سمحت شلة الائتلاف لنفسها أن تفعل فعلتها التي سبقت قوات الحرس الثوري الايراني … ومهدت لها الطريق للقضاء على سوريا العربية وازالتها من الوجود …

هذه حال الهيئة السياسية التي لا تضم سياسيين ، وكذا حال اللجنة القانونية في الائتلاف المكونة من محامين جنائيين يتوهمون أن معرفتهم بالقانون الجنائي والتجاري هي كافية ، و هي بديل عن العلوم السياسية والدستورية … وما المانع طالما كله عند العرب صابون … وكل مين إيدو الو … اربع مسلحين يسمون أنفسهم كتيبة ، وعشرة يشكلون لواء ، وخمسة عشر ملتحي جبهة ، والف مبايع يعلنون خلافة ، و ثلاث أشخاص مجلس أعلى … وهيئة عامة مؤلفة من ست وخالتها …. ومن هذا القبيل … وهكذا نعاني من التضخم في الأسماء ، مع اضمحلال في المدلول … ونترك الواقع لنعيش في الفيس بوك والبيان والبوست … وثورة البوستات هذه يرأسها ويمثلها الناشط السياحي الاعلامي الأشهر والأغنى وهو ائتلاف المتسلقين . على جسد الثورة ودماء وعذابات الشعب … الذي يقصف بالمراسيم بينما تقصف دوما وحلب بالبراميل .

… أما أن يصبحوا هيئة تشريعية ورئاسية وتنفيذية ، وهم ليسوا أكثر من شلة وكلاء ومأجورين ومنتفعين ومتنازعين على كل شيء.. وأن يصدروا سلطة وخلطة وخبصة من القرارات والمراسيم والقوانيين ، فهذا لا يعني سوى شيئ واحد هو ضياع العقل والعلم والتخبط الأعمى على غير هدى والذي يعني الفشل حتما حتى لو وضعت تركيا كل ثقلها خلفهم … لأن أي عدد يضرب بصفر ينتج عنه الصفر ذاته . وهو ما يسمونه الهالكة أو الحطمة التي أهلكت الثورة وضيعت تضحياتها وحطمت سوريا وشعبها واستقلالها وطيرت عقلها …

هداهم الله …. ماذا لو أصدروا مرسوما باقالة رئيس الدولة وتسريح ضباط الأمن والجيش قبل هذا المرسوم .. كان بشار سيضطر بسبب الشرعية والاعتراف الدولي الممنوح للائتلاف بصفته الممثل الشرعي الوحيد … أن يترك السلطة هاربا من مدفع جهنم المراسيم ( التي يدبجها رمضان والعبدة والحكيم) … ولماذا انتظروا أربع سنوات عجاف ولم يستخدموا سلاح المراسيم الحاسم هذا وصلاحياتهم الممنوحة لهم من مئة دولة كممثل شرعي وحيد ، كانوا قد وفّروا نصف مليون قتيل … لماذا لا يصدروا مرسوما باطلاق سراح كل المعتقلين ، أو بخلع البغدادي ، وخروج الايراني … طالما أن الختم والشرعية بيديهم … وهم الممثلون الشرعيون الوحيدين … ولا يملكون أجرة فندقهم أو مقراتهم … ولا يقدمون علاجا لجريح واحد أو لاجئ واحد خارج سوريا … حيث يقيمون … وماذا عن سوريا التي نسيها الجميع … وما قيمة هذه المراسيم لسكان الغوطة … صحيح من استحى قد مات …

عندما يقيل الائتلاف نفسه قانونيا وينزع صفته التمثيلية عن ذاته ، وعندما يطيح بكل المفاهيم والمصطلحات والمبادئ السياسية ، بعد أن باع وثيقته ونزاهته وثوابته وشعبه وتخلى عن كل واجباته وتمسك بكل امتيازاته فقط … فهذا يعني أنه جسد مكون من هيئة عامة ليس فيها عاقل ولا عارف ولا رشيد ولا سياسي واحد ينبههم معنى ما يكتبون …

وإذا كنتم يا جهابذة لا تعرفون الفارق بين القانون والمرسوم والوثيقة الدستورية والقرار … فكيف تدعون السياسة وتتنطحون لقيادة الدولة … أم أن الهدف هو الرزق والارتزاق واحتكار المناصب وترك الشعب والثوار لمصيرهم ؟؟؟ أخشى أن يرد النظام باطلاق مرسوم بحل الائتلاف … ونفقد هذه القيادة الحكيمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.