يثب

تأجيل مؤتمر القاهرة ؟؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

في المرحلة السابقة أصر النظام المصري الذي جاء بولادة قيصرية على دخول الملف السوري بقدمه اليسرى … فهو لم يتخذ موقفا واضحا من نظام الأسد المجرم ولا من الغزو الإيراني الهمجي والسلاح الروسي القاتل وسمح مؤخرا بمرور شحن الأسلحة لقتل الشعب السوري من قناة السويس على سفن حربية ايرانية … رغم موقفه الفاقع من كل الاسلام السياسي … لدرجة أن عداءه لهذا الاسلام أغفل عينيه عن قضايا حقوق الانسان وكرامة المواطن وحقوق الشعوب …

المصري يريد بدوره أن يمسك بالملف السوري الذي أحكمت قطر ثم السعودية والآن تركيا قبضتها عليه … حتى لو كان هذا الامساك يجعل قرار الثورة السورية بيد عملاء النظام (ممن يدعون المعارضة كالتنسيق وأخواتها ) طالما أنهم يقبلون بوصاية مصر … فمصر لا تشترط تلبية مطالب الشعب السوري في وساطتها بل تشترط على من يدعون تمثيل هذا الشعب قبول وصايتها فقط .

وبعد أن اجتذب الروس العناصر الشيوعيين من هيئة التنسيق محاولين من خلالهم القبض على قرار المعارضة ؟ اجتذب المصريون القوميين من هذه الهيئة بذات الهدف … وبدأت مصر وموسكو تتنافسان قبل أن يتحولوا للتنسيق بعد زيارة بوتن ، عندما اكتشف كل منهما أنه يخدم ذات الجهة … أقصد النظام السوري وبقاءه واسكات الشعب واعادته لدائرة الاذعان التاريخية في الشرق … كلاهما يخدم النظام السوري لأن مخابرات النظام السوري تشغل وتستثمر كامل هيئة التنسيق وفروعها وانشقاقاتها وما يسمى بالمعارضة الداخلية ( الوطنية ) لصالحها … ويريد النظام السوري لها وحدها أن تكون خصمه المفترض به حواره على بقائه ، وعلى شروط انضمام وعودة المعارضة لحضنه ، لكي تحارب معه الإرهاب … أي الشعب الذي ألصقت تهمة الارهاب بثورته عن عمد وسابق اصرار وتدبير مخابراتي سوري وإيراني و روسي ودولي …

تهربت مصر من المسؤولية عن تنظيم مؤتمر المعارضة التشاوري الأول في القاهرة الذي عقد قبل اجتماع موسكو الفاشل وخرج بوثيقة البنود العشرة التي لا لون ولا طعم لها … مع أنها هي من رتبته على أرضها وبتسهيلاتها التي قدمت لأشخاص دون غيرهم بدليل منع دخول الكثيرين ، ثم كلفت لجنة تحضيرية انتقائية ذات لون واحد تدعوا وتستبعد من تريد وتضع الفيتو على من تريد بمساعدة وزير الخارجية المصري شخصيا … بحيث تضمن أن تكون نتائج أي اجتماع مناسبة لورقتها السياسية ومشروعها الذي هو مشروع روسيا وأمريكا للابقاء على النظام … وتعهيد المنطقة للنفوذ الإيراني الحصان الأمريكي الجديد في المنطقة والذي كان حتى أمد قريب يعتبر محورا للشر .

في هذا الحال فإن مصر لا تقوم بتوحيد المعارضة ولا تسهل الحل في سوريا … بل على العكس تزيد من حدة الصراعات والانقسامات حتى داخل صفوف المعارضة والشعب ، وتزيد من التوتر بين مكونات المجتمع التي تشعر بمرارة سرقة قرارها … وهو ما يتسبب بفشل أي حل سياسي ويدفع أكثر وأكثر نحو التمسك بالحل العسكري ، لأن أي حل سياسي يحتاج لقبول ورضا الأطراف المعنية التي يجب أن تفضله عن استمرار القتال ، وهذا يشترط مشاركتها وليس استبعادها بهذه الطريقة الصبيانية التي تقوم بها لجنة تحضيرية مكونة فقط من أعضاء هيئة التنسيق السابقين والحاليين الذين اختلفوا على الزعامة واتفقوا على مهادنة النظام … بالتحالف والتعاون مع الجربا الذي يوهم المصريين أنه ناطق باسم السعودية وبتمويل من وكلاء رامي مخلوف في دبي .

مصر حتى الآن مندفعة في تنافسها ونكاياتها مع تركيا ولا تعير اهتماما للشأن السوري إلا من هذا الباب ، وتركيا مصرة على موقفها من مصر وستمعن في استبعاد من يسير في مسعى مصر وهو ما يفسر قرار الائتلاف الجديد المفاجئ بعدم المشاركة بعد مشاركة رئيسه الأول والثاني والسابق والحالي بأكثر من نشاط في القاهرة وباريس مع التنسيق التي هي فرع للمخابرات الخارجية … وهذا سيؤدي لانقسام المعارضة بشكل حاد أكثر وأكثر . وبذلك يزداد الضرر والتخريب ويعاق بهذا الشكل أي مشروع حقيقي للخروج بحل عربي دولي للوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري … ناهيك عن أن مجموعة أشخاص يتصفون بالانتهازية لن يتمكنوا من سرقة ارادة وقرار شعب حمل السلاح ، وأي وثيقة لن تكون كافية من دون قناعة البشر وقبولهم بها وهذا يتطلب درجة معقولة من شرعية وشمولية التمثيل …

فمن دون تمثيل واضح ومقبول ومتوازن لقوى المجتمع السوري ومكوناته لن يقبل أي طرف التعاون في تنفيذ أي حل يوصف بالسياسي ، وأي سياسة هذه التي تقوم على احتكار التمثيل وسرقة القرار وفرض الإرادة والاملاءات الدولية ( إنها استمرار لحرب الإلغاء والاقصاء ذاتها التي تسببت بالثورة ) …

مصر لم تقدم الكثير للثورة ولا للشعب السوري وهي لا تملك تواصل جغرافي مع سوريا بعكس تركيا ذات النفوذ الأكبر … والتنافس بينهما سينتهي بخروج المصري من الملف المعارض كليا … لذلك هي تسعى لأن تقدم نصرا ولو معنويا شكليا للنظام السوري الذي هو جزء لا يتجزأ من نظام الاستبداد العربي المتعاضد والمتساند … هذه التهمة لن تتغير من دون الكف عن اللعب والتلاعب بالملف السوري ، ومن دون التعامل معه بجدية وأخلاقية ومسؤولية ، والتي تقتضي تمكين أصحاب الشأن ومكونات الشعب الحقيقية أن تجد توافقاتها ومشروعها لمستقبل عيشها المشترك بكل أطيافها …

صحيح أن الائتلاف التركي القطري السعودي قد فقد رصيده الشعبي ومصداقيته ، لكن هذا لا يعطي الشرعية والمصداقية لهيئة التنسيق الروسية الايرانية المصرية لأنها أضرب منه ، والاعتراف الدولي لا يعني شيء من دون قبول المجتمع … واتفاق الطرفين أو أقسام منهما لا يعني تمثيل ارادة الشعب بأي حال… وأي حل سياسي لا يراعي شروط العدالة سيكون بوابة للانتقام والارهاب واستمرار الحرب الأهلية…

أي أنه من دون تحضير متأن لمؤتمر يمثل فعلا مكونات سوريا الأهلية والسياسية المدنية والعسكرية … لن تكون الأرضية التي نستند إليها ثابتة وقادرة على حمل ما يبنى عليها من حلول … فالموضوع يحتاج أولا للتشاور حول كيفية التحضير لمؤتمر وطني عام … ثم تشكيل لجنة تحضيرية متوازنة ، وبعد ذلك الانتقال لاتخاذ القرارات .

إن تواجد شلة ممولة من جهة خارجية أو مدعومة من جهاز مخابرات عربي أو سوري لا يمكنها اختصار التمثيل وفرض الحل على شعب سوريا الذي دفع أغلى الأثمان … ولجنة تحضيرية مكونة من أشخاص لا علاقة لهم بسوريا ولا بالسياسة ولا بالثورة … لن تكون قادرة على انتاج التوافقات الوطنية … ومثل هكذا محاولات محكوم عليها بالفشل سلفا أينما جرت وبغض النظر عن نوع الدولة الراعية…

النظام المصري يجب أن يكف عن لعب دور وسيط يقدم الخدمات للدول العظمى والاقليمية النافذة ، بل يجب أن يكون ضمير وقلب الأمة العربية ومرجعية كل شعب من شعوبها … هكذا تدخل مصر للملف السوري بقدمها اليمين ، وغير ذلك لن يكون دورها الا تخريبيا يزيد الزيت على النار التي ستحرق الجميع في المنطقة مهما تشاطروا وتذاكوا بعيدا عن الحق الذي لابد له أن ينتصر بقدرة قادر .

أخيرا تسرب خبر تأجيل مؤتمر القاهرة ربما بعد أن همست السعودية في أذن مصر أنني غير متشجعة لهذا المسار في هذا الوقت وهذه الشروط ، وأن الجربا لا يمثلني … وأنها متمسكة برحيل الأسد حتى لو قبلت به المعارضة … وأن أي حل سياسي لن يكون ممكنا من دون تقدم عسكري حاسم يجبر النظام على الخروج من المعادلة أو يجبر حاضنته على خلعه … وحرب اليمن مؤشر على تغير سلوك السعودية جديا ، وليس تغير مواقفها الثابتة ، والمنطقة مرشحة للمزيد من التوتر وربما تنجر بالتقسيط نحو حرب اقليمية تنتهي بتحطيم النازية الصفوية واستعادة الاستقرار في المنطقة …. وهو المخرج الوحيد المأمول لانهاء معاناة الشعب السوري وشعوب ودول أخرى في المنطقة … وهذا يتطلب تعاون وتحالف عربي تركي نأمل أن يتحقق قريبا بعد فوز حزب أردوغان المرجح في الانتخابات القادمة مطلع هذا الصيف … الذي يمكن أن يفتح باب الأمل للشعب السوري بعد سنوات عذابه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.