يثب

حكم إعدام جديد … عمر جديد

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

درس لم يتعلمه النظام ولن يتعلمه أبدا … أن الله وحده يحيي ويميت …

فقد سمعت الكثير جدا من التهديد والوعيد وصيحات التأثيم ، وحُكمت بالكثير من الأحكام وتعرضت للعديد من محاولات التصفية داخل السجون وخارجها … وها أنذا أعيش وأتنقل وأتابع عملي الذي نذرت له نفسي، وهو اسقاط نظام الفساد والافساد والجريمة والعار، الذي دمر سوريا وقتل شعبها وخرب المنطقة …

نظام الفساد والقتل في سوريا استعمل كل القدرات والمؤسسات العسكرية والأمنية لسحق الشعب السوري . دمر المدن بكل أنواع وصنوف الأسلحة، مارس أشد وأبشع عمليات التعذيب والقتل والخطف والمجازر … ولم يترك من البشاعة والاجرام بابا الا وفعله بشعبه وبمدنه وحتى بالمقربين منه … ومع ذلك يصر على التجارة بالقضية الفلسطينية التي هو أول من قتل ثوراها وسحق مخيماتها … ثم يزاود علينا بعد ذلك بالقوميات كالعاهرات الشريفات ، وينسى أن الوطنية والقومية تبدأ بالإنسان وليس بالشعار ، وأن من استباح دماء مواطنيه وسحقهم لا يُقبل منه ادعاء الحفاظ على الشعارات المخالفة للأفعال.

المعركة القاسية التي نخوضها حفاظا على وجودنا وهويتنا في سوريا … تتطلب منا البحث عن تحالفات وآفاق تغير ميزان القوى المختل لغير صالحنا بعد هذا التآمر الذي تعرض له شعب سوريا وثورته ، وبعد تنكر الصديق والشقيق ، وتكالب الأعداء وتشجيعهم الغزو الصفوي النازي الذي يشبه اجتياح هولاكو وتيمور لنك وجيوش هتلر … لكن النظام يحاول الاصطياد بالماء العكر … والتلاعب بمشاعر القوميين وتحريضهم ليظهر أنه المدافع عن القضايا القومية ، لذلك نذكّره أنه هو ذاته من سلم الجولان من دون حرب، وفتح الطريق لدمشق أمام الجيوش الاسرائيلية مرتين … وأنه هو من وقع اتفاق فصل القوات ووضع قوات حفظ سلام لتكرس الاحتلال طيلة عقود ، وأنه هو من أذل وأهان ودمر سوريا الانسان والكرامة وجوع الشعب، قبل وبعد الثورة التي واجهها بالتدمير المنهجي لسوريا كلها ، وأنه هو من اتصل وفاوض عبر قادته ووزرائه طيلة أربع عقود من الزمن وما يزال يتوسل رضى الدولة العبرية للبقاء في السلطة … وقدم لها الخدمات الجلّى في لبنان وغير لبنان … وهم لا ينكرون ذلك ويحفظون الود والجميل … لكنهم لم يعودوا قادرين على شراكة أو قبول توقيع انسان قتل وهجر نصف شعبه .

التفاوض والتآمر مع اسرائيل وغيرها سياسة ثابتة للنظام السوري الذي أسقط خيار الحرب وتمسك بخيار السلام ، ومعه كل الدول العربية ودول الممانعة والمقاومة بما فيها ايران وحزب الله وحماس … حتى عندما يتعرض للغارات والضربات فهو يجدد تمسكه بخيار السلام … والشعب الفلسطيني أيضا يخوض معركة تفاوضية طويلة وصعبة وقد استبعد خيار الحرب هو أيضا … فالحرب اليوم ليست بين سوريا واسرائيل المتوقفة تماما منذ عام 1974 ، بل بين الجيش النظامي السوري الذي يقوده الاحتلال الإيراني وبين الشعب العربي السوري على مدى أربع سنوات وفي طول البلاد وعرضها ومدنها وحاضراتها … لذلك فالخيانة الحقيقية هي الاتصال بالنظام وبالجيش وبإيران وليس باسرائيل التي لم تعد تقارن أفعالها السابقة بما يفعله الجيش والأمن بشعبهم … فهذا النظام هو من غيّر معادلات العداء وجبهات القتال ، وجعل من الأخ عدوا ومن العدو صديقا … وتهمة الخيانة والجريمة والابادة الجماعية هي تهم ستلاحق النظام السوري في كل مكان وزمان …

غالبية من الشعب السوري وقياداته تطالب ليل نهار بتدخل عسكري وحظر جوي وقصف مواقع النظام حماية للمدنيين في الغوطة وحمص وحلب وادلب ودرعا.. والمجتمع الدولي قرر غزو سوريا جوا ، وقسم هام من الشعب السوري حمل السلاح ويخوض الحرب العسكرية ضد جيش النظام وشبيحته … وهكذا .. ومع ذلك ينسى النظام كل هذا ويتاجر بالعداء لاسرائيل أمام من هم مجبرين على تصديق كذبه ، وأمام السذج الذين يستعملون العقل القومي الضدي الصدئ … الذي يقول ( السيء هو اسرائيل ، والجيد هو من يعاديها حتى لو قتل غيره وسحق شعبه … )

سبق للنظام أن اتهمني بذات التهمة عندما زرت الولايات المتحدة عام 2005 وطالبتها بدعم التغيير الديمقراطي في سوريا، التي نبهت أنها تسير نحو حرب أهلية مدمرة ستدخل المنطقة بفوضى عارمة بسبب سلوك النظام … لكن ايهود أولمرت هو من خفف الضغوط الأمريكية وعمل على حماية النظام وضمن بقاءه على أمل أن يوقع معه معاهدة السلام ( بحسب وجهة نظر أولمرت : أن أي حكومة منتخبة لن تكون قادرة أو قابلة لتوقيع السلام في المدى المنظور ، لذلك يجب توقيع الاتفاق قبل أي اصلاح ديمقراطي في سوريا )

لكن الأسد كان كما كان والده أجبن من أن يوقع … وماطل وتهرب وطالب بالضمانات لبقائه في السلطة وأولاده من بعده مقابل توقيعه … وفشل الجميع في اقناعه رغم توسط الثلاثي فرنسا وقطر و تركيا بينه وبين اسرائيل … واستمر على معاندته وخوفه حتى انفجرت الثورة فحولها لحرب أهلية طائفية اقليمية عندما احتمى بالإيراني …

فلا سلامَ وقّع ولا أمن واستقرار حدث … ومثل هذه السياسيات اللا أخلاقية الحاقدة والأنانية سرعان ما تعود على صاحبها بالضرر والخسارة … وهذا ما أردت نقله للإسرائيلي الذي عطل الديمقراطية من أجل السلام ، فحصل على التطرف والتشدد … أيضا أن الامعان في تدمير سوريا واطالة عمر الصراع فيها سيكون خرابا في كل المنطقة وسيمتد للجميع وسيتحول لفوضى عارمة في كل الشرق الأوسط الكبير …

أنا فعلا ممن اختلطت عنده حدود الأخوة والصداقة والعداء … وفقد المقاييس التقليدية المعتمدة بعد أن شاهدت المدن السورية تقصف من قبل الجيش السوري الذي يقوم بعملية قتل وتهجير منهجية أين منها حروب الدول الأخرى ، وبعد أن رأيت أخوة مفترضين لنا يتداعون لذبح أطفالنا واغتصاب نسائنا والتفنن بتعذيب أولادنا حتى الموت ، وبدوافع وشعارات وطنية ودينية وقومية لم تعد عندي تساوي شيئا … ولم أعد أعرف أيهم العدو وأيهم الصديق ، وأيهم المسلم وأيهم العربي وأيهم السوري … هل العدو هو اسرائيل أم حمص ودوما والرقة وحلب أم القرداحة واللاذقية وبيروت وقم …. لذلك بحثت عن صيغ جديدة لاعادة بناء المنطقة والنظم السياسية والعقلية على أسس ومعايير وقيم مختلفة ، ربما تمنع تجدد الحروب والمجازر والتهجير والتطهير والاضطهاد في المستقبل … مع من كان ضحية الاضطهاد والحرق والتهجير والطرد وتجمع رغما عنه في أرض عاش بها أجداده طلبا للأمن وهروبا من الانقراض ، ثم استخدمه الآخرون كما يستخدم اليوم غيره في المنطقة لإثارة نزاعات لا تنتهي رغبة في استمرار الهيمنة عليها … خاصة وأنه يتمتع بدور ونفوذ قوي ومؤثر في مسار الأحداث في المنطقة لا يخفى على أحد.

أنا أعتقد أن الثورة هي ثورة على نظم الواقع المأساوي وثورة على الأنماط الذهنية والآيديولوجية التي أوصلتنا لما نحن فيه … ومن دون تحطيم القديم وثوابته لا يمكننا بدء مرحلة جديدة … ومن هذا الدافع تحركت وأتحرك بين كل القوى والمكونات المتنوعة والدول باحثا عن امكانيات جديدة للعودة للحضارة والإنسانية في وسط كل هذه الهمجية التي نعاني منها جميعا …

فإذا وجَد النظام السوري في سلوكي هذا خيانة له … فهو قد وجد في ثورة الحرية والكرامة أيضا ارهابا وخيانة … وإذا حافظ البعض على نمط التفكير العصبوي الطائفي العنصري السابق فهم لم يفهموا الثورة الا حقدا وحربا على الآخر تريد تدميره وسحقه لمجرد كونه مختلفا … وليس على النظم السياسية والآيديولوجية والقيمية التي أوصلتنا للحروب والصراعات التي تندلع بين الأخوة والأشقاء … وتتسبب بما تتسبب به من مآسي في طول الشرق الأوسط وعرضه …

لذلك أنا أعترف (بجريمتي) التي قمت بها علنا وفي وضح النهار ، وأرحب بأي عقوبة يفرضها النظام لأن ذلك يجعلني مؤمن أنني أسير على الدرب الصحيح … الطريق الذي أعارض به الجريمة والمجرمين أيا كانوا وإلى أي نمط آيديولوجي عقيدي انتموا … فهدفي في النهاية هو اسقاط نظام الظلم والجريمة واقامة نظام الحق والعدل والعيش المشترك وفرص الحياة الكريمة للجميع … وكل أحكام النظام السابقة واللاحقة بحقي ليست سوى عمر جديد وشهادة حسن سلوك ووطنية ، أفتخر بها وأحتسبها في سجل أعمالي عند العزيز المقتدر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.