يثب

تحليل استراتيجي للاتفاق النووي مع ايران

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بعيدا عن غبار الاتهامات الايديولوجية التي تُوجّه للغرب (الذي باع العرب لإيران الشيعية كرها بالعروبة وبالطائفة السنية ) ذلك بحسب الخطاب الشعبي السائد اعلاميا ، والذي يغذي آيديولوجيا التطرف والارهاب المضاد … لا بد لنا من النظر عقلانيا في الحيثيات الاستراتيجية المترتبة عن هذا الاتفاق لكي نتحرك ضمن خطة عملية نحافظ بها على هويتنا ووجودنا في المنطقة من دون استعمال الارهاب والتطرف الذي نتهم به …

لقد سعت الدول الغربية بكل جدية لتحقيق أحسن اتفاق ممكن مع ايران على برنامجها النووي، لأنه من وجهة نظرهم أن الفشل في ابرام الاتفاق يعني الانتقال حتما للحرب مع ايران حيث لم تعد استراتيجية العقوبات قادرة على منع تقدمها ، والحرب ستكون مكلفة وقد تتطور لمواجهة اقليمية واسعة بل عالمية بسبب تحالف ايران مع روسيا والصين وتمدد استطالاتها في المنطقة … وقد وضع الإطار الزمني للتفاوض طبقا لتسارع اقترابها من انتاج القنبلة التي يتوقع أن تستخدمها للترهيب ولتوقي أي تحالف دولي عسكري ضدها …

قام الغرب بحساب احتمالات فشل أي ضربات محدودة في تحقيق أهدافها العسكرية في تدمير القدرات العسكرية النووية الايرانية ، ووجد أن أي حرب حاسمة ستتطلب اسقاط النظام الإيراني كله مع استطالاته في المنطقة ، حيث يحاول أن يخفي جزءا من برنامجه العسكري فيها ، وهذا يعني حتما حربا واسعة لا يمكن ضبط حدودها ولا تداعياتها على دول المنطقة والعالم .

لذلك فضّل الغرب توقيع اتفاق الإطار بالأمس ، مع أنه وفقا لتقديراتهم ليس أكثر من محاولة تأجيل بسبب ارتفاع احتمالات فشل تطبيقه هو الآخر ، بسبب عوامل عدة منها التلاعب الإيراني أو عجز أوباما عن تمريره في الكونغرس الذي يبدو أن غالبيته غير مستعدة للقبول باتفاق محدود وغير حاسم ، ويترك لايران القدرة على مفاجأة العالم وانتاج سلاحها الترهيبي الذي ستهدد به وجود اسرائيل وغيرها دوما والذي سيفتح باب سباق التسلح واسعا، أو في حال تم استهدافها أو عرقلة مشاريعها التوسعية في المنطقة … فالنظام الايراني يسير جديا على خطى النظام النازي ويستعمل الحرب والتهديد بها لتحقيق مشاريعه .

ومفهوم للجميع أن الطريق الأسهل إيرانيا للحصول على القنبلة هو طريق خوض المفاوضات واطالة أمدها ، والتي يهدف من خلالها لكسب الوقت وتخدير أي ردة فعل حاسمة ضده ، واستغلال الثغرات والعمل السري داخل ايران وخارجها لاستكمال المشروع ، الذي تراه ايران ضامنا لنظامها ولوجودها كقوة عظمى . وكذلك مفهوم للجميع أن الطريق الأسهل للقضاء على الخطر الإيراني غربيا هو تحجيم قدراتها النووية وتبطيء سرعتها باتجاه الحصول على القنبلة ، بانتظار نضوج الظروف الداخلية التي تتيح اسقاط نظام الملالي في ايران ، أو انتصار التيار الاصلاحي فيه . وهذا هو السبب في تسهيل حصول الاتفاق الهش. وبنفس الوقت السبب في تقاطع هذا الاتفاق عند نقطة العقوبات التي هي النقطة الأخطر في الاتفاق ، ومقتله أيضا .

سعت ايران لتوسيع نفوذها وتحريك استطالاتها في الوقت التفاوضي الضائع الذي استمر 12 سنة ، مستفيدة من مناخ التهدئة التي تشترطها حالة التفاوض ومعتمدة اسلوب التمدد والقضم … لكن اتفاق الإطار الذي وقع لا يتطرق لأي ملف آخر غير الملف النووي والعقوبات . ولا توجد عمليا أرضية لتفاهمات عامة وكبيرة في المنطقة مع طهران ، ولا تتوفر الثقة اللازمة بالنظام الايراني الذي يستمر في موقف العداء الأيديولوجي للنفوذ الغربي ، ويحاول التمسك بالمحاور المضادة له (الشرقية والاسلامية والارهابية..) وبسبب سلوك ايران الساعي لزعزعة الاستقرار في المنطقة … لذلك كله لا يتوقع أن تسير التفاهمات أبعد من توقيع الأوراق و الإجراءات المحدودة والمؤقتة ضمن الظروف الراهنة والأمد المنظور .

من هنا لا يعني تجنب ايران الضربة العسكرية لبرنامجها النووي والعسكري بواسطة توقيع اتفاقية الإطار تجنيب استطالاتها من التعرض للضغط من قبل حلفاء اقليميين ، بل بالعكس ستكون هذه الحروب الصغيرة المحدودة هي المرشحة للتصاعد كبديل سهل لتقويض مشروع ايرن العظمى الذي يهدد مصالح الغرب والعرب والكرد والترك واسرائيل معا … ولا يتوقع أن يكون هناك فيتو أمريكي أو غربي على ذلك وهو ما شاهدنا بدايته في عاصفة الحزم التي بدأت في اليمن … والتي يفترض منطقيا أن تتوسع وتمتد لسوريا وجيرانها وشمال الجزيرة العربية ضمن مسلسل مدروس لقصقصة الأجنحة الايرانية بحروب صغيرة تحت السيطرة …

في النتيجة ورغم اتفاق السلام الشكلي الذي أبرم فإن المنطقة تسير جديا نحو الحرب ، لكن هذه الحرب إما أن تكون شاملة موجهة نحو الرأس وهو ايران ، أو بالمفرق توجه نحو الأذناب والاستطالات … ولا يتوقع استقرار المنطقة من دون مفاجأة يحدثها الشعب الإيراني الذي تقع عليه مسؤولية تخليص المنطقة من نظامه وتصرفاته التي تثير النزاعات وحالة الحرب … وهو الشيء الوحيد الذي سيسمح للغرب أن يثق بعودة ايران لحظيرته .

ولا يتوقع للتنافس والصراع الغربي الشرقي المتجسد في الولايات المتحدة وأوروبا من طرف والصين وروسيا وايران من طرف آخر أن يتخامد سريعا بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة التي يحدثها ، لكن يتوقع أن تستمر حالة الصراع المتعدد الأشكال فترة من الزمن تنتهي بتقويض روسيا كقوة عسكرية والصين كقوة اقتصادية ، وتذهب ايران كفرق عملة … وستشكل لعبة تخفيض العقوبات الموجهة التي تستفيد منها ايران ، وتأمل أوروبا أيضا من الافادة منها تجاريا ، وباتجاه دعم وتعزيز الطبقة الوسطى والتيار الاصلاحي ، ستشكل لعبة جديدة وضغط من نوع مختلف على التيار العسكري المتشدد الحاكم في ايران .

بينما سيضع هذا المناخ العرب ودول المنطقة المتضررة أمام امتحان حقيقي لقدرتها على تشكيل التحالفات واستخدام قواها لتغيير الواقع الذي فرضه التمدد الايراني … دعونا نأمل بجهود عربية واقليمية أكثر فعالية في دعم الشعب السوري الذي دفع غاليا ثمن الشلل والعجز والغفوة العربية ، والتراخي الدولي الذي يجب أن يركز جهوده الآن على تقويض نفوذ واستطالات ايران تحصينا للسلم والأمن والاستقرار ، منطقيا تعتبر القضية السورية مدخلا مناسبا لكل هذه الأطراف …

فلننشط من أجل هذا ، بدل اطلاق الشتائم المعبرة عن الاحباط .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.