يثب

هل السعودية في خطر؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

يشبه الوضع في الشرق الأوسط الوضع في أوروبا في الثلاثينيات ، حيث تلعب ايران الصفوية دور المانيا النازية … وتعاني بقية الدول من ضعف وأزمات وعجز عن مواجهة التحديات الوجودية التي تواجهها … تلك الظروف التي أدت في النهاية للحرب العالمية الثانية . وهي ذات الشيء الذي نتوقع حدودثه في الشرق الأوسط الذي يتدهور سريعا نحو حرب اقليمية قابلة للتوسع .

لقد دخلت السعودية الحرب في اليمن ضد التمدد الإيراني الذي هددها من أربع جهات ، لكنها إختارت الجبهة الأسوأ والأكثر استنزافا ، فاليمن هو عبر التاريخ مستنقع رمال متحركة بسبب طبيعته وتركيبته القبلية ، وعلاوة على ذلك الجبهة الأقل خطرا على ايران التي تبدو مرتاحة جدا لاستنزاف السعودية عسكريا في اليمن تسهيلا للانقضاض عليها من الشمال وباتجاه المناطق الأسهل والأغنى ( الدمام و الاحساء ) ذات الغالبية الشيعية والغنية بالنفط … والسعودية تتعمد تخفيض اسعار النفط لكي تضعف خصمها لكنها في ذات الوقت تحرم نفسها من مورد مالي مهم ووحيد ، ولا ندري كم من المدخرات ستصرف في هذه الحرب المكلفة وكم سيتحمل شعب السعودية هذه الأزمة بعد أن ألف النعيم البذخي…

أمريكا تتخلى عن حليفتها السعودية التي قاتلت معها صدام حسين ، وتتلكأ في تقديم الذخيرة وقطع الغيار ، والطيران يحتاج لتعمير وصيانة خاصة مع استخدامه المكثف بهذه الطريقة … والدول التي تدعم السعودية رسميا هي كالدول التي تدعم الثورة السورية : ضررها أكثر من نفعها وقولها أكثر من عملها .. مصر لم تدخل عمليا الحرب ، ولو دخلت فهي تمتلك جيش هزيل لا يعمل إلا كما يعمل هاتف الحصالة الذي يجب أن يستمر مليئا بالنقود ، وباكستان فضلت عدم استعداء ايران لكل لا تصبح فريسة سهلة لخصمها الهند حيث تضع نفسها بين نارين، ناهيك عن خطر استثارة الشيعة الكثر فيها ، وتركيا فضلت الديبلوماسية مع ايران وتعتمد على توسعها الاقتصادي وليس على قوتها العسكرية التي هي أضعف كثيرا من امكانات دولة بهذا الحجم ، والصراع التاريخي فيها بين السياسيين والعسكر قد قلص نفوذ وقوة الجيش لصالح الاقتصاد والمال ، ناهيك عن تباين الآيديولوجيات بينهما و عن تكوينة المجتمع التركي المتنوعة التي لا تجعله مرتاحا في اتخاذ قرار الحرب ضد أي جهة اقليمية متداخلة سكانيا وديمغرافيا معه … لذلك فقدرة تركيا على شن الهجوم أقل بكثير من قدرتها على الدفاع ( لكون الشعب التركي شعب محارب تاريخيا ) لكنها يجب أن تكون حليف اقتصادي ولوجستي لا غنى عنه في المنطقة ، وسياسة التقارب معه لا يجب أن تعيقها عقبات شكلية .

بعكس ايران التي بنت قدراتها على شن الهجمات البعيدة وتعاني من ضعف وتفكك داخلي خطير لا يمكن اصلاحه ، ومن تناقض بين النظام والشعب وبينه وبين الحضارة ، وهي تتعمد القمع في الداخل وتحارب بعيدا عن حدودها تصديرا لأزماتها ، وتتاجر بأساطيرها التي تشبه أساطير النازيين … والنظام الإيراني يدرك أنه في النهاية سينهار إن جنح للسلم بقوى داخلية ، لذلك يفضل الحرب ، ولا أعتقد أنه سيسير بعيدا في اتفاقه السلمي مع الغرب ، ولا يستطيع التراجع أمام التيار الإصلاحي الذي سيدخل ايران في مرحلة تشبهة مرحلة غورباتشوف في روسيا ، حيث تنهار أنظمة القمع والأساطير أمام طوفان ارادة التغيير المتراكمة والمحتقنة منذ زمن طويل والتي تطيح بكل شيء عندما تبدأ … ومع ذلك قدرته على تحمل الخسائر البشرية محدودة جدا لذلك فهو يعتمد على حلفاء محليين يقاتلون بإمرته ومن أجله ويتخلى عنهم عند الخسارة ، وفي ذلك عنصر ضعف خطير .

ولكي لا تخسر السعودية الحرب ، ويخسر العرب الشاطئ الغربي للخليج العربي : خاصة الكويت والبحرين والإحساء والامارات . يجب عدم التورط في التدخل البري في اليمن والإسراع في الخروج من هذا المطب ، وتلزيم القبائل اليمنية دورها .. وهي التي بقيت حتى الآن في موقع المتفرج ، كما تفعل القبائل تاريخيا لكونها تنتمي لمرحلة تاريخية ماقبل الدولة وعلى تضاد مع مبدأ الدولة المركزية. كما أنه من الحيوي تدعيم الجيش السعودي بالمقاتلين والعتاد ( التجنيد الإلزامي ) ، ودعم وتطوير الجيش الأردني .

كذلك يجب تقديم دعم جدي للمقاتلين في العراق وسوريا الذين يستهلكون قوة ايران ويقوضون مشاريعها شمال الجزيرة العربية من دون الاعتبارات الآيديولوجية والمعايير التي يفرضها الغرب ، والتوقف عن دعم الجيش اللبناني الذي يخدم عند المشروع الإيراني ويقوده حزب الله … واقامة تحالفات أوسع مع دول المنطقة … خاصة تركيا ، وباكستان ، وكردستان و حتى اسرائيل التي تشعر بخطر وجودي من التوسع الإيراني ، و تقديم دعم خاص للمعارضة الإيرانية . وهذا يتطلب من السعودية عمل ديبلوماسي وسياسي جبار لا يتناسب مع تركيبة النظام الحالي الفاقد للمؤسسات ، وتكاليف مالية باهظة يجب أن تساهم بها كل دول الخليج … ويتطلب تعاون عسكري مع أوروبا وباكستان كمصادر للسلاح … كل هذا العمل الجبار مطلوب من المملكة و ومعها دول الخليج ، وهي إما أن تنجح بالقيام به أو تنهار كما انهارت قبلها العراق ثم سوريا وشرد شعبها الذي ينتظر من الدول تنظيمه واشراكه في معركة الوجود … فحال دول الخليج التي تركت شقيقاتها تنهار وهي متفرجة ينطبق عليها المثل الشائع ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ) …ولعنة التخلي عن الشعب السوري ستطال الجميع إلا من صحى واستغفر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.