يثب

ماذا بعد الائتلاف ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

في الأشهر الثلاثة المتبقية من عمر الائتلاف والحكومة والمجلس العسكري ، يجري التحضير لبناء جسد قيادي جديد يدير المرحلة الحالية والمرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام وتستمر صلاحيته ثلاث سنوات بعده ، والعبرة في هذا أن دول الخليج اكتشفت أنها قد أخطأت في ليبيا لأنها لم تحسم موضوع السلطة القادمة قبل اسقاط القذافي ، لذلك سارعت القمة الخليجية لاتخاذ قرار عاجل بدعم رغبة الرياض في هذا العمل الذي يسمى مؤتمر الرياض والذي من المفترض أن ينتج عنه أمانة عامة تحكم سوريا طيلة سنوات قد تصل لخمس …

والفكرة بدأت من الجربا الذي أراد صنع ائتلاف خاص به مستغلا الخلاف السعودي التركي ، ودعمته القاهرة بقوة من ذات الخلفية وعقد اجتماعا تمهيديا فيها بمشاركة هيئة التنسيق ، وتبنى ليحصل على الشرعية الدولية مطالب الغرب بالتصالح مع النظام ، وهكذا كان سقف القاهرة هو أخفض من السقف التفاوضي الذي تتبناه هيئة التنسيق المتناغم مع النظام ، والذي كان من المفروض جمع كل المعارضة تحته ، ومن لا يرضى به يعتبر ارهابيا ، والهدف منه صياغة ورقة وتشكيل وفد يفاوض النظام بهذا السقف ضمن مسعى دي مستورا وموسكو …

لكن القيادة السعودية الجديدة التي جاءت بفعل القدر ، ذهبت بها منحى آخر خاصة بعد عودة التنسيق السعودي التركي … فهي غير راضية عن جهود دي مستورا ولا راغبة في التفاوض مع الأسد ، بل تريد هيئة حكم انتقالية كاملة تتشكل عندها وبالشكل الذي ترضى عنه ، ليس للأسد ونظامه حصة فيها .

وقد جرى الحديث في الرياض أولا عن شطب الائتلاف وكل ما نتج عنه وتشكيل هيئة ثلاثينية (عشرة عسكر وعشرة سياسيين وعشرة من كبار القوم !!! ) يتم اختيارهم ويفرضون كقيادة ، فتدخلت بعض الدول الخليجية التي تشغل وكلاءها في تمثيل المعارضة ، وترغب في استمرار هيمنتها على القرار السوري عبرهم ، وقالت ندعوا لاجتماع واسع من 500 شخصية وهم ينتخبون الهيئة التي نريدها، فتظهر كهيئة منتخبة ، لكن من جسد انتخابي تحت تصرفنا تشكيلا وقرارا ، فهي ترغب فعلا بنقل وكلائها وأتباعها من الائتلاف والمجلس للجسد الجديد … بعد أن نكبنا بهم أشقاؤنا الأعزاء … لا ابتلاهم الله بشر ولا أحاجهم لصديق ولا شقيق .

فالهيئة العامة المقترح دعوتها تضم أغلب أعضاء الائتلاف ، ومثلهم من خارجه من جماعة التنسيق وموسكو والقاهرة وباريس … وهم جميعا كما نعلم من فئة واحدة هي فئة المتسلقين ، وتضم عددا أقل من العسكر في اداخل والخارج (يقصدون عمليا أمراء الحرب وشبيحة الثورة ومتمولي الدول وتجار السلاح) . وعددا من كبار القوم !!!! ( وهل ترك النظام في سوريا من لم يتلوث بالفساد والخزي والعار ، وهل ترك مؤسسة مدنية أو أهلية أو عشائرية أو دينية إلا وجعل في قيادتها صغارها وحثالتها … )

لذلك يسعى طابور من الانتهازيين لركوب الموجة الجديدة ( موجة الرياض ) ، ويخطط أعضاء الائتلاف الحاليين بالتعاون مع الدول التي عينتهم وشغلتهم أن يعودوا للقيادة حتى لو من النافذة ، عندما سيُحّل الائتلاف في الصيف القادم ، و ذلك بعد سقوطهم المريع شعبيا و خروجهم من الباب الواسع الذي هو عمليا باب الفشل الذريع والكامل الذي توج حصيلة سنوات من الخذي والعار والفساد تسببوا بها ، ولكي يستمروا في نشاطهم هذا قررت الدول التي تتبناهم وتدعمهم تقديم مساعدة شهرية ادارية لهم ( مليون ونصف دولار شهريا للائتلاف وذات القدر للحكومة ) وهي مبالغ تصرف كرواتب وأجور فقط لهم ، وليس رواتب عمل ومشاريع للشعب . والهدف من تقديم هذه الأموال هو أن يحافظوا على وجودهم ويكثفوا نشاطاتهم في هذه الفترة أملا في أن يحصلوا على حصة أكبر في التشكيل الجديد ، بحجة أنهم يملكون الشرعية والاعتراف الدولي ؟؟؟ الذي لا يساوي قشرة بصلة ( لأن الله والشعب يلعنهم ليل نهار ) ، فهم يعملون بذات الآلية التي عملوا بها يوم سُحب الاعتراف من المجلس الوطني ، يومها انتقل معظم كهنة المجلس وحاخاماته جميعا للائتلاف الجديد ، وهم ذاتهم يخططون الآن في اجتماعاتهم الرسمية وغير الرسمية لفعل ذات الشيء في ما سينتج عنه مؤتمر الرياض ، وليس لديهم هم ولا قضية سوى الاحتفاظ بالكراسي والامتيازات …

و في كل الحالات الشعب السوري هو الخاسر الأكبر وهو آخر من يعلم بهكذا مؤتمر وجهد قائم لتنفيذه ، فبعد مصيبة المجلس الوطني التي فجع بها هذا الشعب، وقعت فوق رأسه مصيبة أكبر هي الائتلاف الوطني الذي فرض كقيادة وتمثيل له من دون علمه ولا مشورته … والنتيجة كانت كما نعلم ونشاهد … في كل مرة يوكل الأمر فيها لغير أهله ، ويترك المسؤول من دون رقيب ولا حسيب .

وعليه وحتى لا نعتبر الأخوة في المملكة العربية السعودية سببا في زيادة وتكريس مصائبنا … نحن نأمل منهم ألا يتكرر ذات الخطأ ولا يرموا فوق رؤوسنا مصيبة أدهى وأمر في التشكيل الجديد المزمع في الرياض والذي ستنتج عنه أمانة عامة ( مجلس حكم ) يحكمنا ويرسم مصائرنا بعد أن خربت بيوتنا وقتل أهلنا وتشردنا واقطعت بنا السبل ، وأصبحنا في حال يستحق أن يكون في قيادتنا من يخاف الله ويحفظ الأمانة ويتحمل المسؤولية ويحفظ العهد ويقوم بواجباته ، وليس مثل هذه النماذج من المعارضة الإنتهازية السياحية الفاسدة التي عرفناها وقرفناها … الذين يتسابقون على المغنم والمكسب ، ولا يلتفتون لما عليهم من واجبات تجاه المشردين والمحاصرين والجرحى … ويهملون كل واجباتهم التنظيمية والإدارية ، ويمعنون في الفساد والإفساد . وقد أخذوا فرصتهم كاملة وجربناهم ولا نريد أن نرى أحدا منهم في مقاعد القيادة بعد هذه التجربة .

هذا يتطلب اعتماد آلية اختيار أو انتخاب منطقية ، و معايير محددة متوافق عليها ، وآليات مقنعة تحقق التمثيل المتوازن لتباينات الرأي في سوريا ( لا أن نجمع من هب ودب من عملاء الاستخبارات ودجالي السياسة الذين لا يعرفون سوريا وليس لديهم أي تمثيل فوق أرضها ، لكن الاعلام الموجه والمال السياسي هو من صنعهم وأظهرهم لسرقة قرار الشعب ) .. والذين تجهد الدول لتزرعهم في مقاعد القيادة التي يلهث السياسيون المتسلقون والعسكريون المتخاذلون والمشايخ المنافقون للحصول عليها ويتذابحون من أجل ذلك ( بعد أن أصبح الطريق نحو السلطة في قيادة المعارضة يمر عبر التذلل والخنوع وشراء الذمم والوكالة للأجنبي وخيانة الوطن وقلة الشرف والكرامة ) بسبب آلية التعيين المعتمدة حاليا . وبذلك يستبعد تلقائيا أهل الشرف والكرامة والعفة ، و تغيب ارادة الشعب السوري ويسرق قراره ، وتسلب حريته التي ثار من أجل تحقيقها ودفع ما دفع ثمنا لها . من تضحيات فاقت كل تصور وحساب .

إن الأمانة لمبادئ الثورة ولشهدائها ، يتطلب منا توجيه الرجاء للسعودية الشقيقة احترام ارادة الشعب السوري والبحث عن آلية مقنعة يتم فيها انتاج الجسد التمثيلي المقصود ، ولا تترك هذا الموضوع الهام بيد المتلاعبين وعرضة للتدخلات والمحسوبيات ، لأن النتيجة المتوقعة لفشل جديد هي انتقال الصراع من صراع مع النظام والاحتلال الإيراني والإرهاب ، لصراع داخل المعارضة ذاتها …

نرجو منها بشكل خاص أن تعفينا من رؤية هذه الوجوه السمجة التي جربناها أربع سنوات وأخذت فرصتها وأثبتت فشلها ، فتجديد أو اعادة تدوير مجالس القمامة السياسية هذه وائتلافاتها لن يفيد ، وإضافة المزيد من القاذورات إليها لن يحسنها ، وتوسيع الخطأ وتكراره لا يجعله صوابا …

المشكلة الثانية أن هذا الجسد حتى لو تم تشكيله فهو لن يحكم كل سوريا، بل فقط جزء من المناطق المحررة ولن يسمح له بدخول مناطق النظام ، ولا المناطق الكردية ، ناهيك عن داعش وكل من يتمرد عليه ، إضافة لاحتمال تجدد الإنقسامات فيه ذاته ، بفعل صراعات أمراء الحرب والانتهازيين الذين سيشكلونه ، لأن عملية تشكيله كقيادة تتم من فوق ولا يتم بناؤها من القاعدة على اسس سليمة .

فالذي سينتج إذا ليس سلطة انتقالية لوطن موحد وليس حل سياسي ، بل تقسيم ومربعات ومناطق نفوذ واحتلال متصارعة يحكمها أمراء حرب وكلاء ، وسلطة رمزية تعيش في الخارج لا قيمة ولا فعل لها ، لتدوم هذه الحالة فترة من الزمن قد يجري بعدها طائف جديد وقد لا يجري . فالفشل الثالث المتوقع في تمثيل الشعب السوري بعد فشل المجلس الوطني وفشل الائتلاف ، ستكون نتائجه موت سوريا وزوالها نهائيا … والتروي واحترام المعايير الديمقراطية هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على أمل في بقاء أو استعادة الوطن … أما التخاطف والتقاسم للمنافع والمناصب بين الانتهازيين وكلاء الدول فهو ما سيلغي كل تضحيات الشعب ويذهب به نحو الهاوية .

كما أن تدخلات الدول المجاورة والمحاور الدولية ستجعل من هذه السلطة الجديدة المفبركة ، مبررا لها للتدخل المباشر وفرض مناطق نفوذ ، خاصة روسيا التي تنتظر أي تدخل عسكري عربي أو تركي لتحتل الساحل ، بينما تحاول ايران احتلال الوسط ودمشق … لكن ترك الشعب السوري سيد نفسه هو الطريق الوحيد لقطع الطريق على كل العابثين في المنطقة ، وفتح الباب نحو اعادة توحيدها .

وبدلا من هكذا مسار استعراضي يجمع السياسيين الانتهازيين مع العسكريين أمراء الحرب … لا بد من الانخراط الفعلي في العمل التنظيمي لما هو موجود على الأرض وتطويره بالتدريج ومنطقة منطقة ، لتشكيل سلطات وقيادات محلية قادرة وفعالة تتكامل لتنتج سلطة وطنية عامة … أما البدء من القمة والخارج فهو سيزيد الانفصال والانفصام التام عن الواقع والداخل ، وسيزيد الانقسامات والصراعات ، وسيضع القرار والمال والدعم والسلاح بيد من يبدده ويضيعه ويسيء استخدامه، ولن يفيد حضور عدد ممن يدعون القيادة من الداخل ، لأن أغلب القيادات البارزة الحالية قد اشترت قيادتها بالتمويل الذي قدم لها ، وليس بقدراتها وخدماتها ، وأغلبهم مرتزقة متخاذلون وتجار همم وذمم .

مشكلة سوريا لن تحل بمجرد تشكيل مجلس في الخارج مهما كان ، ولا تشكيل قيادة معترف بها من دول ، فإعادة بناء مؤسسات الشعب السياسية والعسكرية والقانونية والخدمية في المناطق المحررة هو الطريق الصحيح … وهذا يتطلب العمل في الواقع وليس في غرف الفنادق . ورشة يشارك فيها ملايين الناس وليس أمانة عامة مأجورة ترفل بالحرير .

نعم لدينا نقص هائل في الإدارة والتنظيم والقيادة والمؤسسات بسبب اهمال الائتلاف وانشغاله في مصالحه الخاصة بالخارج ، وما نحتاج اليه هو عمل تنظيمي واداري هائل على الأرض ، وليس قيادة سياحية جديدة تعيش في الخارج على حساب عذاب الآخرين وتسرق قوتهم وتحبط عملهم ثم تبيع قضيتهم .

لذلك أحببنا التذكير والنصح والتبيان قبل تكرار الخطأ ، فنحن أصحاب القضية واختيار أي سلطة هو شأن سوري ويخصنا ، ولا نقبل أن يفرض علينا أسد جديد أو جرو .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.