في اعتصام وزارة الداخلية 16 آذار 2011 في ساحة المرجة الذي شاركت به مع ما يقارب مائة شخص جلهم من أهالي المعتقلين، والذي كان كمظاهرة الحميدية في اليوم السابق 15 آذار (والتي لم أشارك بها)، كان أحد الإرهاصات التي سبقت الثورة السورية التي انطلقت عملياً في 18 آذار بمظاهرات درعا الحاشدة مع مظاهرات صغيرة في كل من بانياس وحماه وحمص وكفرنبل ودمشق (الأموي) … ففي اعتصام الداخلية ذاك كان من مشاهداتي:
· د. الطيب تيزيني رحمه الله كان مشاركاً في الاعتصام وليس ماراً بالصدفة كما أشاع البعض، حيث كان متواجداً بصفته الشخصي وبصفته عضواً مجلس إدارة المنظمة السورية لحقوق الإنسان سواسية التي كان يرأسها المحامي مهند الحسني مؤسس ورئيس المنظمة والذي كان أحد المعتقلين الذين خرجنا من أجلهم في الاعتصام.
· المحامي مهند الحسني كان معتقلاً ومحكوماً بالسجن لسنتين ونصف بعد تنظيمه حملة دولية فعالة للإفراج عن المحامي هيثم المالح الذي كان سبقه للاعتقال وكان المحامي مهند الحسني هو محاميه .. المحامي مهند الحسني الذي تم لاحقاً تهميشه وتغيبه عمداً عن أي مشهد حقوقي أو سياسي بسبب مواقفه المبدئية جداً في الثورة السورية وعدم انخراطه في مهرجانات تقاسم المنافع برعايات إقليمية ودولية.
· أيضاً شارك في اعتصام الداخلية في 16 آذار 2011 السيدة الفاضلة الصحفية منتهى سلطان باشا الأطرش (التي تبلغ من العمر حالياً ما يقارب ثمانون عاماً) والتي كانت عضواً مجلس إدارة المنظمة السورية لحقوق الإنسان سواسية التي كان يرأسها المحامي مهند الحسني وقد كانت تحترم ما يقوم به “مهند الحسني” وتعامله وكأنه ابنٌ لها، ناهيك عن العلاقات العائلية التي تربط العائلتين (المحامي الراحل والد مهند وعائلة الأطرش).
· السيدة الصحفية “منتهى سلطان باشا الأطرش” كانت إلى جانب ذلك مناضلة جريئة بوجه الاستبداد في سوريا ومواقفها وتصريحاتها ونشاطاتها في العام الأول للثورة حاضرة في وسائل الإعلام وكانت مشاركتها في الاعتصام أيضا في هذا الإطار.
· باقي أعضاء مجلس إدارة منظمة سواسية التي رأسها المحامي الحسني، كان كل من د. صادق جلال العظم والأستاذ عاصم العظم ولم يكونا حاضرين يومها على ما أذكر.
· كان الضرب والاعتقال يجري في جانب بينما وعلى بعد أمتار يتجمع عناصر مخابرات مع تصوير تلفزيوني في مظاهرة مؤيدة في وسط ساحة المرجة.
· كان الاعتصام صامتاً مع رفع صور المعتقلين، لكن فجأة وبعد أن تم إدخال أشخاص غير معروفين باعتبارهم “أهالي معتقلين” ليتم إجراء حوار تلفزيوني مفبرك معهم، فجأة وبعد إدخالهم لمبنى وزارة الداخلية هجم عناصر المخابرات وبدأوا الضرب والاعتقال، وكان أول من تعرض للضرب المحامية “كاترين التلي” التي كانت عضواً نشيطاً تعمل مع المحامي مهند الحسني في المنظمة السورية لحقوق الإنسان، وكانت هي من بدأ يومها بإطلاق هتاف “يللي بيقتل شعبو خاين”، لتطلقه بضع مرات ويحاول آخرون ترديده قبل أن تنقطع الصوات حيث انشغل الجميع بصد الضرب الوحشي.
· هتاف “يللي بيقتل شعبو خاين”، كانت ولادته في الاعتصام/المظاهرة التي جرت في 20 شباط 2011 مقابل السفارة الليبية (حوالي خمسون مشاركاً كنت واحداً منهم) احتجاجاً على القمع الوحشي للقذافي لثوار الساحة الخضراء، حيث ألفه وأطلقه يومها بعض المشاركين من كلية الفنون الجميلة، وقد شكل الشباب الجدد يومها جل المشاركين مقابل أقل من عشرة شخصيات معارضة معروفة.
· كان الضرب والاعتقال يجري في جانب بينما وعلى بعد أمتار يتجمع عناصر مخابرات مع تصوير تلفزيوني في مظاهرة مؤيدة في وسط ساحة المرجة، مظاهرة مؤيدة لم يشارك فيها شخص واحد من تجار المنطقة كما قالت الأسطورة، واقتصر الأمر على عناصر فرع المخابرات الذين شهدت انتقالهم ما بين طرفي الشارع لاعتقال البعض وضربهم ومن ثم العودة للمظاهرة المؤيدة وبالعكس، في مشهد غير مسبوق من الكوميديا السوداء.
· عناصر وزارة الداخلية من شرطة وضباط بالزي الرسمي كانوا مجرد متفرجين، بينما كان المئات من عناصر وضباط المخابرات يقوم بكل العمل من ضرب وملاحقة واعتقال.
· كان الاعتقال انتقائياً يركز على الشبان والشابات مع استثناءات حسب الحاجة والأوامر اللحظية التي تأتي من الضباط، وكان المئات من عناصر المخابرات موجودون في الشرفات ويراقبون ما يجري لضمان عدم التصوير.
· من مشاهداتي يومها ما فعلته د. ليلى اللبواني بعد اعتقال ابنتها وابنة أخيها الأكبر إلى جانب “عمر” ابن أخيها الأصغر كمال اللبواني، حيث صعدت إلى “حافلة الاعتقال” بنفسها رافضة النزول لتبقى بجانبهم معتقلة ولا تتركهم بمفردهم .. د. ليلى التي تم عام 2012 اعتقال وتصفية زوجها د. حافظ حسن طبيب القلبية المعروف على أحد الحواجز أثناء مغادرته سوريا بعد أن قدم استقالته من منصبه في “مشفى الأسد الجامعي” لنعلم لاحقاً أنه قد تمت تصفيته تحت التعذيب بعد أسبوعين من اعتقاله وسرقة كل ما كان يحمله (وقد كان وزوجته مليئان مالياً) .. بالمناسبة، قامت د. ليلى وزوجها حافظ وعلى مدار السنوات 2001 حتى 2012 بمساعدة الكثير من السياسيين المعارضين للعلاج والعمليات الجراحية في المشفى الجامعي وبأفضل شروط القبول الخاص لكن بتعرفة القبول العام الزهيدة، فكنت واحداً منهم إلى جانب آخرين كثيرين وقد كنا نعجز عن دفع أجور العلاج الخاص بسبب الضغوط الأمنية على أعمالنا ووظائفنا.
· كانت ابنتا الناشط علي العبد الله مشاركتان في الاعتصام، حيث كان والدهما معتقلاً وكذلك أخوهما “عمر” بينما توفيت والدتهما حديثاً وغادر أخوهما محمد إلى أمريكا بعد اعتقال دام لأشهر .. فبعد بدء الضرب والاعتقال وتفرق الجمع، فسارعت الصبيتان للذهاب عبر “شارع رامي” إلى شارع النصر بعد ملاحقتهما من قبل عنصر مخابرات لاعتقالهما، قام أحد المشاركين في المظاهرة بمتابعتهما ومن ثم منع عنصر المخابرات من اعتقالهما فاستقلتا سيارة أجرة بين الزحام، فلاحق عنصر المخابرات ذلك الشاب ليراه يختفي في أحد المحلات التجارية التي يملكها صديق لعائلته، فعاد العنصر بعد دقائق مع ضابط مخبرات وعشرات والعناصر مقتحمين للمحل واعتقلوا الشاب الذي بقي بعدها شهراً ومن ثم خرج ليتابع نشاطه الثوري، ليعتقل عام 2012 مع مجموعة رائعة من ثوار دمشق ويقضي سنتين في الأمن العسكري والجوية وصيدنايا ليخرج بعدها ويغادر إلى تركيا .. كان اسمه “منير الفقير” … معلومة لم تعرفها ابنتا علي العبدالله ولا أخوتهما ولا أبيهما وكان من الصعب أن أفصح عنها في تلك الأيام وما تلاها خوفاً عليه وعلى مجموعته حتى وصوله إلى تركيا عام 2014.
· بينما كان الضرب والاعتقال يجري على قدم وساق، كانت السيدة “منتهى سلطان باشا الأطرش” تنعت كل من تراه من عناصر المخابرات حولها وقد اختلطوا بالمعتصمين، كانت تنعتهم بوجههم وبصوتٍ عالٍ بالمجرمين والقتلة مما أثارهم فاقتربوا منها مقررين اعتقالها وكان إلى جانبنا عميدٌ ونقيبٌ من الداخلية ممن كانوا يراقبون دون تدخل هم وعناصرهم، خفت عليها فحلت بينهم وبينها وقلت للعميد: “إنتبه، هذه السيدة هي منتهى سلطان باشا الطرش، لو أسأتم لها أنت تدرك من سيثور من أجلها” .. مباشرة أمر العميد عناصر المخابرات بالتراجع، وقال لي “أرجوك أن تقنعها بالابتعاد فأنت ترى ما يحصل” .. بالفعل، رجوتها بأن نغادر وبالكاد وبصعوبة استجابت لي وقد كانت تشرفني بثقة واحترام خاص، حيث أوقفت سيارة لها سيارة أجرة استقلتها ثم عدت أنا للساحة.
· غادرت أنا والصديق مروان العش الساحة متوجهين إلى منطقة “الفردوس/التجهيز” ليلاحقنا عن بعد ضابط مخابرات ومجموعة من العناصر دون الاقتراب منا .. وقفنا في محل لبيع “الساندويش” ننتظر مغادرتهم، لم يفعلوا ولم نفعل، أشار لنا الضابط فأتاه الصديق مروان العش وقد كان يعرفه بحكم اعتقاله السابق في نفس الفرع، كانت معلومات المخابرات تقول أنه من المحتمل قيام مظاهرة أخرى في منطقة “البحصة” المجاورة في حال فشل الأولى (وهو أمر غير صحيح حسب معلوماتي)، فطلبوا من الصديق مروان أن نغادر لكي يغادروا قائلاً له ” وآخرتها، ماذا تنتظرون، انتهى الأمر فارجعوا إلى بيوتكم لكي نعود إلى بيوتنا” .. وهذا ما حصل.
تلك كانت مشاهداتي الشخصية عن أيامٍ بقدر ما كانت صعبة، كانت الطهرانية والإخلاص هي الغالبة فيها .. ليسقط من سقط بعد انطلاق الثورة في فخ وهم السلطة والمال وحب الظهور والطموحات الشخصية .. ولذلك مذكرات في حينها.
فواز تللو – مركز أفاق مشرقية
مرتبط
Related Posts
-
2022/08/15
-
2021/10/11
-
2021/02/02
-
2019/12/11