عززت الولايات المتحدة الأمريكية قواعدها العسكرية في دير الزور شرقي سوريا، بموازاة تعزيزات مماثلة من الجانب الإيراني، الذي حصن قواته واستقدم تعزيزات ضخمة إلى درعا والقنيطرة جنوب البلاد، وذلك في سياق معركة 7 أكتوبر/ تشرين الأول في قطاع غزة.
وأفادت مصادر ميدانية مطلعة أن قوات التحالف الدولي أرسلت، السبت، رتلاً عسكرياً قادماً من إقليم كردستان عبر معبر الوليد الحدودي، إلى قواعدها المنتشرة في محافظة الحسكة السورية.
ضم الرتل 38 شاحنة محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية واللوجستية، وذلك غداة تعزيزات عسكرية وصلت، الخميس، قاعدة حقل العمر في ريف دير الزور الشرقي في شرق سوريا، برفقة مدرعات على الأرض وطيران مروحي.
وسبق ذلك، تعزيزات وصلت، الأربعاء، ضمت 50 شاحنة محملة بمعدات دعم عسكري ولوجستي غربي كردستان عبر نقطة الوليد الحدودية مع إقليم كردستان، كما نقلت الشاحنات المعدات إلى قواعد التحالف الدولي في رميلان وتل بيدر وقسرك في ريف الحسكة.
وتزامناً مع القافلتين البريتين، قالت مصادر لموقع “باس نيوز”، إن 3 طائرات شحن للقوات الأمريكية هبطت في تل بيدر ورميلان، تحمل جنوداً ومنظومات دفاع جوي نوع (أفينجر) المتعددة المهام منها التصدي للأهداف الجوية المنخفضة الارتفاع، كالمروحيات والطائرات بدون طيار، والصواريخ.
وفي المقابل، كثفت الميليشيات المرتبطة بإيران من تعزيزاتها خلال الأسبوع الفائت، حيث وصلت حشود عسكرية إلى محافظتي درعا والقنيطرة جنوبا، وقال المتحدث باسم شبكة “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو نقطة لـ “القدس العربي” إن ميليشيات تابعة لإيران وحزب الله اللبناني اتخذت من تل الجابية العسكري غربي مدينة نوى مقراً لتجمع عسكري كبير لها.
وحسب المصدر، فقد استقدمت إيران إلى مقر تل الجابية صواريخ وطائرات مسيرة انتحارية وأخرى قتالية، وطائرات أخرى استطلاعية يتم إطلاقها من تل الجابية بشكل يومي بغرض استطلاع مناطق الحدودية مع الجولان، وذلك وسط انتشار عناصر إيرانية وأخرى سورية تعمل لصالح ميليشيا حزب الله.
ويبعد “تل الجابية” نحو 10 كيلومترات عن الحدود مع الجولان ويتبع للواء 61 وتحيط به عدد من الثكنات العسكرية وعدة كتائب من بينها كتيبة الشيلكا وكتيبة 64.
ويعرف “تل الجابية” حسب المصدر، بتحصيناته العسكرية، ويضم بداخله أجهزة تشويش إيرانية متطورة، ومستودعات أسلحة متطورة ومحاط بأشجار عالية تساعد على إخفاء المعدات العسكرية داخله، بالإضافة إلى تعزيز جميع مداخل تل جابية بنقاط عسكرية بأسلحة ثقيلة من بينها دبابات ومضادات أرضية.
ووفقاً للمصدر، فقد وصلت تعزيزات مماثلة لميليشيات إيرانية، وبعض العناصر المنتسبين لحزب الله من السوريين إلى “تل الجموع” المقابل لتل الجابية غربي مدينة نوى، ويعتبر من المواقع العسكرية ذات الأهمية الكبيرة، خاصة أنه يطل على الحدود الإسرائيلية بالقرب من تل الفرس.
وعن الطريق الذي تسلكه تلك الميليشيات قال المصدر إن التعزيزات العسكرية التابعة للميليشيات الإيرانية وحزب الله تصل إلى اللواء 82 دفاع جوي في مدينة الشيخ مسكين ومن ثم تسلك الطريق العسكري إلى اللواء 112 ميكا شرقي مدينة نوى، ومن ثم إلى كتيبة الحجاجية (دبابات) إلى الشمال من مدينة نوى وإلى تل أم حوران شمالي مدينة نوى، ومن ثم تسلك طريقاً ترابياً محمياً بعدة نقاط عسكرية متصلة بـ “تل الجابية” العسكري ومنه إلى “تل الجموع”.
ومنتصف الشهر الجاري، رصد خروج عدد من تلك المجموعات من “تل الجابية وتل الجموع” بسيارات عسكرية وتمركزوا بالأراضي الزراعية الواصلة بين بلدتي تسيل وسحم الجولان، وجرى إطلاق صواريخ “كاتيوشا” باتجاه الجولان السوري المحتل، ما دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي للرد على مصادر القصف واستهداف سرية عابدين في حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، و”سرية المجاحيد” في ريف القنيطرة الجنوبي، وبعض الأهداف المدنية منها استهداف معصرة الزيتون على طريق تسيل – سحم من دون وقوع إصابات، وبعد انتهاء الإطلاق عادت تلك المجموعات إلى مواقعها في “تلي الجابية والجموع”.
مناورات إيرانية
وحول الهدف من هذه الحشود، تحدث الأكاديمي والمحلل السياسي الإيراني د. حسن هاشميان في تصريح لـ “القدس العربي” عن تعزيز عسكري للحدود ونفير عام لدى كل القوات الإيرانية في أنحاء إيران، حيث أعلنت الحكومة الإيرانية بشكل شبه رسمي استنفاراً عاماً لكل قواتها.
وقال إن “إيران عززت قواتها على الحدود العراقية – السورية، وأيضاً عند الحدود العراقية – الأردنية، كما نصبت صواريخ ومدفعية وعززت قواتها في منطقة القنيطرة عند الحدود السورية مع الاحتلال الإسرائيلي، ونقلت مجموعة كبيرة من ميليشياتها في السيدة زينب إلى المنطقة المحاذية للجولان”.
لكن هذا ليس بمعنى تغير الاستراتيجية الإيرانية ودخولها في الحرب، وفق المتحدث، حيث قال: “ربما ستحصل مناوشات هنا وهناك، لكن إيران عازمة على دخول الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإنما هي تقوم فقط بمناورات من أجل هدفين”.
الهدف الأول، وفق المحلل السياسي الإيراني، أن تقول للفلسطينيين إنها معهم وتتحرك في اتجاه نصرة المقاومة الفلسطينية في غزة، والهدف الثاني من أجل مساومات كبرى ومفاوضات مع الولايات المتحدة. مؤكداً أن “إيران ليس لديها نية في دخول الحرب ولا تريدها”.
وأضاف: “لو كانت إيران صادقة في ما تسميه محور المقاومة، لفتحت على الأقل جبهة الجولان، ما دام لدى الجبهة اللبنانية اعتبارات تتعلق بالشعب اللبناني وربما تريد أن تتجنب الضغط على حزب الله، لكن جبهة الجولان في سوريا هي جبهة مفتوحة، وهناك عمليات كثيرة من قبل إسرائيل داخل هذه الجبهة، ولو كانت إيران صادقة بدعم المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة كما تقول، لفتحت جبهة الجولان، وفي استطاعتها ذلك ولديها صواريخ بالستية تصل إلى تل أبيب، ولكن استراتيجية إيران مبنية على الحروب في الأراضي العربية وتستغل هذه الأمور وتستخدمها في مصالحها”.
تغيّر المعادلة
وعكساً لما كان يتوقع العربي والفلسطيني، فإن إيران -وفق المصدر- “أرسلت يوم أمس مجموعة من جنرالات الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان والجبهة الجنوبية للضغط على حزب الله وإيقاف عملياته اتجاه إسرائيل، منعاً من خروج هذه العمليات عن السيطرة وتوريط حزب الله، فهي تريد احتواء هذه القضية.
البرلماني العراقي السابق، عمر عبد الستار، اعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أن هذه الحشود للطرفين الأمريكي والإيراني، هي “انعكاس لحرب أوكرانيا وغزو بوتين لها، وهو ما قد حل في المنطقة، ودخلنا في هذا النظام الدولي القائم على القواعد التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية”.
وأضاف: “بوتين فشل في محاولة كسر قواعد هذا النظام الدولي، ولذلك معركة 7 أكتوبر عمل بوتيني وليس فقط عمل حماس وإيران، فهي معركة ثانية يقودها بوتين ضد النظام الدولي، لعلها تنجح، ولكن الرياح جاءت على عكس ما يشتهي بوتين، كما جاءت على عكس مراده يوم غزا أوكرانيا (…) الولايات المتحدة الأمريكية ربما تعمل على اتفاقية سلام بموافقة الصين وليس بموافقة روسيا، بوتين هو الخاسر، وتحريك القواعد العسكرية في دير الزور الشرقي وضرب بادية الميادين مرتين خلال 3 أيام، يدل على أن المعادلات التي احتوت حقبة 2011 تغيرت ولم تعد تنفع، وإيران قلقة من هذا التغير، لذلك تعتبر معركة 7 أكتوبر فخاً لإيران وربما حتى لروسيا، كما أن غزو بوتين لأوكرانيا فخ غربي”.
وأضاف: “المعركة دولية يقودها بادين، ولا تقودها أوكرانيا هناك ولا إسرائيل هنا. وسبب التعزيزات -وفق البرلماني العراقي- أن المعادلة تغيرت وليست مجرد مسألة مشاغلة لإيران وغيرها، لأن المعالة قد تغيرت ضد بوتين، وهو الخاسر”.
ضربات متبادلة
واستهدفت فصائل موالية لإيران،أمس الأحد، بالصواريخ قاعدة حقل العمر النفطي الذي تتموضع فيه القوات الأمريكية في محافظة دير الزور، بينما أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق”، أمس، استهداف قاعدة “الشدادي” الأمريكية في ريف الحسكة، شمال شرقي سوريا.
وأفادت في بيان لها، أنها استهدفت مساء السبت، القاعدة بطائرتين مسيّرتين “أصابتا أهدافهما بشكل مباشر” كما استهدفت مليشيات تابعة لإيران قاعدة حقل العمر النفطي، حيث ذكرت وكالة “مهر” الإيرانية أنّ أصوات انفجارات سُمعت في قاعدة حقل العمر نتيجة استهدافها بـ 6 صواريخ، أُطلقت من البادية بين مدينتي الميادين والبوكمال.
ويوم الجمعة، شنّت مقاتلات أمريكية سلسلة غارات استهدفت مواقع تابعة للميليشيات الإيرانية شرقي سوريا. وأفادت وزارة الدفاع الأمريكية بأن الجيش نفذ ضربات ضد منشأتين في شرقي سوريا يستخدمهما “الحرس الثوري” وميليشيات تابعة له، رداً على سلسلة هجمات شنتها جماعات تابعة لإيران ضد القوات الأمريكية في كل من سوريا والعراق.
وخلال الأسبوع الماضي، تعرضت مواقع تضم قوات أمريكية في العراق وسوريا لهجمات بصواريخ وطائرات مسيرة، من بينها هجوم أسفر عن إصابات طفيفة، وفق الجيش الأمريكي.
الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قال إن الضربات التي نفذها الجيش الأمريكي على منشآت تابعة لـ “الحرس الثوري” شرقي سوريا هدفها ردع إيران وميليشياتها، مؤكداً أن الولايات المتحدة “مستعدة لاتخاذ مزيد من الإجراءات للتصدي للتهديدات”.
وفي رسالة وجهها إلى مجلسي النواب والشيوخ، قال فيها إن “الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني ارتكبت سلسلة من الهجمات ضد أفراد ومنشآت الولايات المتحدة في العراق وسوريا، باستخدام أنظمة جوية مسيّرة ونيران غير مباشرة”.
تدمير مخازن أسلحة إيرانية
وذكر أن هذه الهجمات “أدت إلى إصابة العديد من أفراد الخدمة الأمريكية، بما في ذلك مقاول أمريكي تعرض لحادث قلبي مميت أثناء انتقاله إلى ملجأ خلال إحدى هذه الهجمات”، مضيفاً أنها “عرضت حياة أفراد الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي العاملة إلى جانب القوات الأمريكية لتهديد خطير”.
وأوضح أنه “بتوجيه مني، ورداً على هذه السلسلة من الهجمات والتهديدات المستمرة بشن هجمات مستقبلية، نفذت القوات الأمريكية ضربات دقيقة ضد منشآت شرقي سوريا يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والمجموعات التابعة له للقيادة والسيطرة وتخزين الذخائر وأغراض أخرى”.
وقال بايدن إن الضربات “تم تنفيذها بطريقة تحد من مخاطر التصعيد وتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وهدفها تحقيق الردع، وحماية موظفينا والدفاع عنهم، وإضعاف وتعطيل سلسلة الهجمات المستمرة ضد الولايات المتحدة وشركائها، وردع إيران والميليشيات التي تدعمها من شن أو دعم المزيد من الهجمات على القوات الأمريكية”.
وكان مسؤول عسكري أمريكي قد كشف قبل أيام تفاصيل استهداف مواقع تابعة لميليشيا الحرس الثوري الإيراني شرقي سوريا.
وقال المسؤول الأمريكي: “إن الغارات استهدفت منشأتين لـ “الحرس الثوري” كانت إحداهما مخصصة لتخزين الأسلحة، والأخرى لتخزين الذخيرة”، مشيراً إلى أن الموقعين اللذين تم اختيارهما للغارات الجوية كانا مهمين، وسيؤثران على قدرة الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المدعومة من الحرس الثوري على مواصلة مهاجمة القوات الأمريكية ومواصلة زعزعة استقرار المنطقة.
وأشار المسؤول إلى أن بصمات إيران كانت موجودة في جميع الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية في سوريا والعراق من حيث تمويلها وتجهيزها وتوجيهها وتدريبها للميليشيات، مضيفاً أن الولايات المتحدة تُحمّل إيران المسؤولية عن الهجمات الأخيرة.
وأضاف: “تحاول إيران إخفاء يدها والحفاظ على مستوى معين من الإنكار، ونحن لا نسمح بحدوث ذلك، ونحمل إيران المسؤولية عن تصرفات المجموعات التي قامت بتدريبها وتجهيزها”.
وشدد المسؤول على أن الغارات الجوية الأمريكية لم تكن مرتبطة بالصراع بين إسرائيل وحماس، وكانت تهدف إلى حماية القوات الأمريكية.
القدس العربي