تمادت السلطات السورية بعيدا في الضغط على معارضيها المقيمين في الخارج على الرغم من «نصائح روسية» قيل إنها أسديت إليها لعدم القيام بتغيير جوازات السفر السورية الرسمية، بما يعنيه ذلك من حرمان آلاف المعارضين من التجول بحرية في العالم بسبب عدم قدرتهم على استصدار جوازات سفر جديدة أو تجديد الموجود في حوزتهم، كما قد تنهي «السوق السوداء» التي يستمد منها المعارضون وثائقهم.
وعلى الرغم من أن جوازات السفر السورية هي حديثة نوعا ما، وتلائم كل متطلبات المطارات الدولية لجهة القراءة الإلكترونية، فإن السلطات السورية تسعى إلى إقرار قانون جديد للجوازات، يتضمن في أحد بنوده استبدال النسخة الموجودة من جوازات السفر بأخرى «حديثة». وتتشابه جوازات السفر السورية إلى حد كبير مع تلك المعمول بها في لبنان، مع اختلاف في الأسماء فقط، وهي كانت وضعت في التداول معا في أوائل عام 2000.
وكشف مصدر بارز في المعارضة السورية عن معلومات عن نية النظام القيام بهذا الأمر منذ نحو شهرين، لكنه عاد وسحب هذه الخطوة بطلب من الروس الذين عدوا أن هذه الخطوة «غير مبررة وتعطي رسالة سلبية للمجتمع الدولي».
وقالت صحيفة «الوطن» السورية أمس إن اللجنة المشكلة لتعديل قانون نظام جوازات السفر أنهت عملها، وسيعرض مشروع القانون الجديد على مجلس الشعب لمناقشته قريبا وإقراره قانونا نافذا. ونقلت الصحيفة عن مصدر مسؤول في «وزارة الداخلية» أن مشروع القانون «سيحد من تزوير التأشيرات وجوازات السفر». وأضاف المصدر أن مشروع القانون يتلاءم مع التطورات التكنولوجية، كما أنه نص على عقوبات لمن يخالف أحكامه، كالعمل على تسهيل الحصول على تأشيرات غير نظامية للمغادرة خارج سوريا. ولفت المصدر إلى أن مشروع القانون «وضع إجراءات صارمة للحصول على جواز السفر للحد من تزويره».
ويقول معارض سوري مقيم في الخارج إن جواز السفر، كان دائما من وسائل النظام التاريخية، للضغط على معارضيه، حيث لم يكن يمنح لأي شخص يشتبه بمعارضته النظام، وبالتالي وضعه فيما يشبه إقامة الجبرية في بلاده، فيما يهدف المشروع الحالي إلى وضع مئات آلاف السوريين في حالة مشابهة في البلدان التي يقيمون فيها حاليا.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، ازداد إلى حد كبير عدد المعارضين السوريين في الخارج. ويتجول معظم هؤلاء بوثائق السفر السورية التي انتهت صلاحية معظمها وتم تجديدها بطرق مختلفة، بعضها نظامي وبعضها الآخر يعتمد على الرشاوى والتزوير.
عمليا، لم تكن الجوازات تشكل أزمة كبيرة للقادرين على دفع ثمنها. ويقول ضابط سوري منشق إنه استطاع الحصول على جواز سفر أصلي أصدر من دمشق في عام 2013، على الرغم من أنه عسكري (والعسكر لا يمنحون جوازات سفر إلا للمهمات الخاصة) وعلى الرغم من انشقاقه وهربه من وحدته العسكرية في مدرسة المشاة في حلب. ويشير الضابط إلى أنه فر إلى تركيا ومن هناك استطاع تدبير جواز السفر بعد دفع بدل مادي.
وبينما يفقد مئات آلاف السوريين القدرة على الحصول على جوازات سفر، كحال السوريين في ليبيا الذين يقدر عددهم بنحو 600 ألف سوري، لعدم وجود قنصلية، وهذا الأمر نفسه ينطبق على الكثير من الدول الأخرى التي أقفلت سفارات النظام.
وبما أن أيا من الدول، لم يعترف بسلطة بديلة عن النظام السوري، يبقى المعارضون تحت رحمة سفارات النظام، التي تعطي بعضهم جوازات سفر وتحجبها عن آخرين. وفي تركيا التي طردت سفير النظام، وتعد ملاذا آمنا للمعارضة السورية، ما تزال الجهة الرسمية المخولة التعامل مع السوريين هي القنصلية السورية التي يحتشد مئات السوريين يوميا أمام أبوابها للحصول على جوازات سفر، أو القيام بإجراءات تتعلق بأحوالهم الشخصية.
ويقول معارض سوري مقيم في تركيا إن سفارة بلاده تطلب الوثائق من الراغبين بالحصول على جوازات السفر، على أن يعود بعدها بنحو أسبوعين إلى شهر، فإما أن يعطى جوازا جديدا، وإما أن يجري تبليغه بأنه «عليك محكمة» أي إن هناك ملاحقة قضائية بحقه تمنعه من الحصول على الجواز. ويشير المعارض إلى أن مهلة الحصول على الجواز قد تصل أحيانا إلى نحو شهرين.
وبعد سيطرة المعارضة على حلب، سيطرت بعض الجهات في المعارضة على مخزون كبير من اللصقات الخاصة بتجديد جوازات السفر، بالإضافة إلى جوازات سفر فارغة، وأخرى منجزة عليها أسماء أصحابها. وقد استفاد هؤلاء منها إلى حد كبير، فبدأت عملية تجديد جوازات السفر عبرهم بحيث يجري التجديد بمبلغ يصل إلى نحو 1500 دولار، فيما يدفع «رسم» الجواز الجديد نحو 2500 دولار. وهي عملية متقنة لجهة تأمينها كل المواصفات المطلوبة في السفارات والمطارات. كما عمد هؤلاء أيضا إلى بيع وثائق سفر بأسماء أشخاص آخرين عليها صورة الشخص الذي اشترى الجواز.
ووجد المعارضون السوريون وسائل مختلفة للحصول على وثائق سفر تمكنهم من التجول في العالم، فمنهم من حصل وثائق سورية جرى شراؤها، أو دفعت رشاوى للحصول عليها، ومنهم من حصل على وثائق أجنبية. علما أن قطر منحت الكثير من القيادات السورية وثيقة سفر لمرة واحدة سمحت لهم العام الماضي بالسفر إليها للمشاركة في اجتماعات تأسيس الائتلاف الوطني السوري.
ويمتلك الكثير من المعارضين السوريين جنسيات أجنبية تمكنهم من السفر بجوازاتهم الأجنبية، فممثل الائتلاف في الولايات المتحدة يحمل الجنسية الأميركية، ومثله رئيس بيت الخبرة السوري رضوان زيادة وكذلك رئيس المكتب الإعلامي للائتلاف السوري خالد الصالح، والمعارضة فرح الأتاسي، وأيضا سالم المسلط وجمال الورد.
ويمتلك المعارض السوري برهان غليون الجنسية الفرنسية، ومثله منذر ماخوس (ممثل الائتلاف في فرنسا) الذي يمتلك أربع جنسيات فخرية منها الروسية. ويمتلك المعارض السوري نذير الحكيم الجنسية الفرنسية بدوره، أما رئيس المجلس الوطني المعارض جورج صيرا والمعارضة سهير الأتاسي، فهما يمتلكان حق اللجوء السياسي في فرنسا ويسافران بأوراق فرنسية تثبت ذلك.
ويمتلك زعيم حركة الإخوان المسلمين السابق صدر الدين علي البيانوني جواز سفر بريطانيا، ومثله ممثل الائتلاف في لندن وليد سفور والمعارض أنس العبدة، وهما من حركة الإخوان أيضا.
أما سنحاريب ميرزا فلديه الجنسية الألمانية، وعبد الأحد أصطيفو الجنسية البلجيكية، وحسان الهاشمي الكندية، وعالية منصور اللبنانية، وخالد خوجة التركية، فيما يمتلك بدر الدين جاموس، الأمين العام السابق للائتلاف الجنسية المالدوفية.
أما رئيس الائتلاف الحالي هادي البحرة، فيحمل جواز سفر سوريا، وكذلك الرئيس السابق أحمد الجربا، وهما سيكونان في طليعة المتضررين من تغيير جوازات السفر السورية.
وينص مشروع القانون السوري الجديد على منح جوازات السفر على اختلاف أنواعها لطالبيها من المواطنين السوريين وللجهات والأشخاص، الذين يرى وزير الداخلية موجبا لمنحهم جوازات السفر. وبين مشروع القانون أنه لا يحق لوزير الداخلية سحب جوازات السفر من أي مواطن، وكان القانون الحالي قد منح هذه الميزة لوزير الداخلية. وتضمن مشروع القانون فرض عقوبات على كل من يخالف أحكام القرارات الصادرة بالحبس حتى ثلاث سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن 100 ألف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما فرض مشروع القانون العقوبات ذاتها على كل من يبدي أمام الجهات المختصة أقوالا كاذبة أو يقدم إليها أوراقا غير صحيحة مع علمه بذلك لتسهيل حصوله أو حصول غيره على تأشيرة خروج تتيح له مغادرة الأراضي العربية السورية. علما أن القانون الحالي كان قد فرض عقوبة السجن لثلاثة أشهر وغرامة مالية لا تتجاوز 500 ليرة.
الشرق الأوسط