يثب

المبادرة الإيرانية الروسية … وشرعنة الانتداب

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

يا أيها الذاهب في الصحراء     تزود قبل الربع الخالي     بقطرة ماء …

نقول لكل الذاهبين لموسكو وقبل أن يركبوا رحالهم توقفوا لحظة وفكروا بما أنتم مقدمون عليه أو تُدفعون له … أنتم تشرعنوا الانتداب الروسي الإيراني في سوريا ، بعد أن حولوها عن عمد لدولة فاشلة مدمرة ومهجر شعبها …

فالمجتمع الدولي الذي شعر بالتعب والعجز تجاه الأزمة في سوريا ، التي طال أمدها بسبب اصرار الشعب السوري على رحيل النظام ، ووقوف ايران وروسيا بكل حزم وراءه ، بعكس أصدقاء الشعب السوري الذين لا يكترثون حاليا إلا لما نتج عنها أي ظاهرة التطرف والإرهاب ، لذلك وبعد أن تفاهموا مع الرأس المدبر للأزمة في طهران ، يريدون تلزيمه بإنزال الحمار الذي صعد به ، وتخليصهم من ظاهرة الارهاب التي ساهم هو في صنعها … مع تعهده بحماية مصالحهم طبعا، وبالطبع لا أحد يهتم بمصالح الشعب السوري …. الذي سيكون هو الخاسر الأكبر من أي حل وتفاهم بين الفرقاء المتكالبة عليه.

تأتي المبادرة الإيرانية في سياق تسهيل التصديق على الاتفاق النووي معها ، وتخفيف الاعتراضات عليه خاصة من قبل دول الخليج ، وتقديم نفسها كشريك في المنطقة للغرب ورعاية مصالحه . وشريك في الحرب على الإرهاب الذي يهتم به الغرب من دون غيره ، أما جرائمها وجرائم النظام ومصيره فهي غير ملحوظة في التوافقات ، بل مطلوب التجاوز عنه … للانتقال فورا للتعاون مع النظام المجرم ( برأسه الحالي أو بغيره من شركائه في العار ) وبمشاركة أطراف المعارضة الوكيلة للدول وليس عن الشعب ، والتي اعتمدت غربيا ، وبقي عليها النجاح في الامتحان الروسي الذي سيعطيها شهادة خلو من الأمراض المتطرفة والمعدية ، قبل ضمها للتحالف الجديد برعاية وقيادة روسيا وايران ، وبحضور شريك مغفل هو الدول الخليجية التي تقايض أمنها الخاص بالتخلي عن عروبة سوريا واستقلالها … وبرضا غربي واسع عن توريط موسكو وطهران في مستنقع ومصيبة ساهموا في صناعتها كان اسمها ذات يوم سوريا .

إن تلزيم روسيا وايران بالحل في سوريا ورعايته (من دون ضرورة للشرح والنقاش ) هو عملية إعادة انتاج للنظام السوري ، مطعما ببعض رموز المعارضة المنفوخة ديبلوماسيا ، و التي لا علاقة لها لا بالثورة ولا بالشعب ، فكل هؤلاء المتطفلين الذين لا قيمة حقيقية لهم ، سيكون دورهم كما هو مرسوم ( اكساب الشرعية لأي قرار دولي ) حتى لو كان تجديد النظام وفرض الانتداب . لذلك لا أحد يخفي أن هدفه الحفاظ على مؤسسات الدولة ( الأمن والجيش والشبيحة ) ووقف الدعم العسكري للمعارضة … بينما النظام يستمر بتلقي الدعم ولديه تصنيع عسكري . ويتوقع أن يتدفق الدعم العسكري للنظام المحدّث بالحلة الجديدة من قبل المجتمع الدولي كله لحرب ( الارهاب ) أي المعارضة الحقيقية المتمثلة بالجماعات الجهادية ، كونها الجهة الوحيدة التي أثبتت قدرتها القتالية وصمودها في وجه النفوذ الإيراني ، وهكذا وبعد استباب الوضع للانتداب الإيراني الروسي ، تنقلب ايران مجددا على المعارضة السياحية التي شاركتها وتزجها في السجون ، ويرتاح المجتمع الدولي من هذا الوجع …

أي باختصار ما سيجري هو شرعنة الغرب لانتداب سوريا ووضعها تحت الوصاية الروسية الإيرانية ، مقابل تخليصهم من التطرف في المنطقة …بينما الائتلاف بصفته سارقا لتمثيل الشعب والثورة ، يستمر بعرض بضاعته المسروقة ( قرار الشعب السوري ) في كل بزار وسوق للحرامية إن كان في جنيف أو موسكو أو حتى في القاهرة … وطهران … وهو مستعد دوما للبيع لمن يدفع أكثر لشخوصه وبعملة الامتيازات والمناصب في حكومة بشار الانتقالية .

هل يجب علينا أن نتوقع من المجتمع الدولي الذي فشل في جنيف ، أن ينجح في موسكو ، ومن أفشل جنيف غير موسكو التي تنصلت من التزامها عشية ذلك الاجتماع … فهل نوكل الأمور كلها اليها وحدها … ألا يعني هذا تنفيذ كل مآربها بعد أن تمكنت من تهديد مصالح الغرب وفرض ارادتها عليهم في المنطقة ، التي حاولوا اخراجها منها بالحيلة والتدليس ، وهل يعقل أن تكون روسيا محايدة ونزيهة في صراع شاركت فيه طيلة سنوات كطرف وقاتل ، ودمرت بسلاحها وخبرائها سوريا وهجرت شعبها ، وأعلنت صراحة أنها تخشى أن يحكم سوريا العرب السنة … أم أن سوريا صارت بنظر الغرب مصيبة ، ومن الأفضل تسليمها لروسيا خلاصا منها ، وماذا ستفعل روسيا بشعب سوريا وشبابها الثائر غير ما فعلته في الشيشان وغروزني …

الوضع في سوريا أعقد من أن يحل باجتماع للمناع وجميل وخوجة والجربا ، وذهابهم لموسكو أو عدمه لا قيمة له ، لأنه لاقيمة حقيقية لهم على الأرض ، الا إذا كان المطلوب اكساب الشرعية للانتداب الروسي الجديد الذي سيحكم بقوته هو وبواسطة الأقليات … وفرض قرارات الدول على الشعب السوري عبرهم … وهنا الخطورة والمقصد من وراء الاعتراف بتمثيلهم لارادة الشعب السوري التي تمسك بها الغرب ، رغم فسادهم وفشلهم وسقوطهم شعبيا وبعدهم عمليا عن كل ما له علاقة بسوريا ومعاناة شعبها .

سيشكل الانتداب الروسي حلفا مضادا للتطرف والارهاب وسلطة محروسة من قبله ليس لها أدوات تنفيذ سوى عسكر النظام وشبيحته ومرتزقة ايران ، لأن أغلب أبناء الشعب السوري لن يقاتلوا أخوتهم ويعرفون لماذا ذهب هؤلاء لحمل رايات الجهاد وفي أي ظرف … خاصة حينما يتم القفز فوق كرامتهم وفوق العدالة التي طالبوا بها وحقوقهم كآغلبية … ولن يكون نتيجة المسعى الروسي سوى سلطة أقليات هزيلة من نمرة الشخصيات المدعوة ، وبرعاية روسية وايرانية تكرس الانتداب الإيراني الروسي ، وتضطهد وتسرق الشعب السوري إضافة لاضطهاد وسرقة الشعب الروسي والإيراني … وتتفرغ للقضاء على المعارضة السنية وسط مباركة دولية وحصار مطبق عليها لا يخرقه السعودي ولا التركي .

أي أننا نحن أمام مؤامرة ايرانية جديدة يمررها الغرب والدول العربية المرعوبة التي تبيعنا التصريحات فقط ، والتي تبحث عن الأرخص والأسهل من دون معالجات جدية تحترم القيم والمبادئ التي تستقر عليها المجتمعات … فكيف نتوقع منها أن تتعامل مع القضية السورية بطريقة أفضل من تعاملها مع القضية الفلسطينية واللبنانية والعراقية ؟؟؟ وكيف نقبل أن نسير وراءها مغمضي العينين ولا نتعلم من تجاربها السابقة . وهل روسيا وطهران أو غيرهم من الدول العربية كمصر وعمان قد حلوا مشاكلهم مع شعوبهم ، لكي يحلوا مشكلة شعب سوريا … ؟؟؟

تعلمنا في الطب أنه لا يمكن شفاء أي انتان متعفن الا بعد استخراج الجسم الأجنبي من الجرح … لذلك فالحرص على بقاء النظام يحمل ذات الدلالة ، فما سيجري ليس هدفه الشفاء طالما تم تجاهل السبب ، لذلك لن تنجح موسكو ولا غيرها … طالما لم يرحل النظام بكامل مؤسساته وشخوصه وعقليته ، ويحقق الشعب السوري طموحاته … وغدا لناظره قريب   ، وعندما ستفشل موسكو في هزيمة الشعب ( الارهاب ) وبعد مذابح جديدة … ستعود هذه الدول مرة أخرى للتشاور … ربما في جنيف 4 … لكن بعد أن يكون الارهاب قد اجتاح نجد وحضرموت وجنوب روسيا وايران ذاتها …

لذلك نحن نعيد التأكيد للعالم أجمع أن الارهاب هو رد فعل الضعيف على غطرسة القوي ، وأن معالجة الارهاب غير ممكنة بالمزيد من الغطرسة والجرائم ، وأن التعامل العسكري القمعي سيفاقمه وينشره ، ولا بد من معالجة عوامله ومسبباته الكامنة في الاستبداد والإذلال والعدوان والتبعية والفقر والجهل ، لن ينجح الطبيب الروسي المريض الذي يعتمد المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا الشعوب ، ولا الغرب الذي يتجاهل القيم والمبادئ التي تحكم المجتمعات والانسانية وترسخ السلم والاستقرار ،… وثورة الشعب السوري التي يحاول العالم الباسها ثوب الارهاب ، ويتآمر لسحقها كمرض … هي ذاتها ستغير هذا العالم لأنها على حق ، وهي العلاج الناجع لأمراضه الخلقية . لذلك سنجدها يوما في موسكو وطهران ، حتى لو ألبسوها ثوب الارهاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.