الزبداني الشهيده … والحرب حتى النهاية

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

أوقفت جبهة أحرار الشام التفاوض مع ايران بعد أن فوضها مجلس الزبداني على وقف النار بالتزامن مع الفوعة . وأوضحت في بيانها أن طهران تريد إحداث تغيير ديمغرافي رغبة منها بتقسيم سوريا والاحتفاظ بكيان تابع لها على أراضيها ، فطهران كما ابلغتهم تعتبر الزبداني مهمة بالنسبة لها وليست في وارد التخلي عنها وعرضت مبادلة سكان الفوعة بسكان الزبداني …. لذلك أهابت الجبهة بكل الفصائل تسعير نار الحرب مع هذا العدو الغازي الذي ليس له في سوريا غير المقابر … فلا الفوعة له ولا الزبداني ولا غيرها ولا العراق ولا بيروت بل هي لشعبها الذي يجب أن يعيش فيها بحرية …

فعلا وبالدليل الدامغ نحن نواجه غزوا استيطانيا جديدا يهدف لتغيير سكان سوريا وهويتها وطرد شعبها … فحزب الله الذي يدعي محاربته لإسرائيل (كونها احتلت أرض الفلسطينيين وهجرتهم ) يقوم هو باحتلال أرض السوريين وتهجيرهم … أي يفعل ما فعلته اسرائيل لكن بشكل أوسع وأبشع ، كون يهود اسرائيل طردوا من أوروبا أولا وسفروا نحو فلسطين بالاكراه ، بينما لم يطرد أحد الشيعة من ديارهم . بل هم بتحكم النظام الإيراني بهم يقومون بالعدوان وبتهجير سكان العراق ولبنان وسوريا وارتكاب المجازر بحقهم .

في عام 2011 في الشهر 11 عندما انتهت مدة سجني كان علي أن أحصل على موافقة اللجنة الأمنية العليا قبل إطلاق سراحي ، يومها قابلني علي مملوك وقال نحن ذاهبون بالحرب حتى النهاية … قلت له الحرب على من … ؟ ألا ترى أن الدماء هي من حولت العصيان المدني للعمل المسلح ، وأن المزيد من هذه الدماء يعني المزيد من العنف المضاد … بالنسبة للمعارضة تتوقف هذه الحرب عندما تستقيل السلطة وتجرى انتخابات حرة باشراف دولي ، بالنسبة لكم متى تتوقف هذه الحرب !!! …    هذه السياسة تعني أن الحرب ستستمر طالما بقي الشعب لأنه لن يقبل أن يقتل أبناؤه وهو يتفرج ويبارك ، وأي حل … وأي حوار للوصول إلى حل ، غير ممكن قبل وقف القتل والعمليات العسكرية لذلك فالموضوع بيدكم أنتم وليس عندنا .

فالحرب حتى النهاية بالنسبة للنظام تعني من حيث النتيجة قتل وتهجير الشعب … ومع تفاقم الأحداث لم يستطع النظام قهر الشعب، ولا القضاء عليه ، فاستعان بالإحتلال الإيراني الذي لا يريد هو الآخر بقاء هذا الشعب ، فهجر النصف وقتل وجرح وشوه الكثيرين وبقي من بقي يقاتل بما تيسر … لذلك فهذه الحرب أصبحت تعني بالنسبة لنا حرب وجود ، وليس مجرد ثورة على السلطة … لذلك اتجه الكثيرون من أبنائنا للآيديولوجيا الأشد والأقدر على تسعير المعارك بالرغم من الحصار وقلة السلاح .

وعندما أعلن حزب الشيطان نيته فتح معركة القلمون … تعاملنا مع القضية من خلال فهمنا لهذه المعادلة ، ووضعنا هذه الحرب في سياقها … إنها حرب تهجير وتغيير ديموغرافي تهدف لإقامة دويلة لحزب الله … وليست كما يقال لمقاتلة المتمردين أو المتطرفين .. ولا لفرض سلطة النظام … وقصدنا أن يصل هذا لكل المواطنين الذين هادنوا أو ركعوا وظنوا أن التعاون مع النظام سينجيهم ، والذين لن يسْلموا في النتيجة من التهجير رغم ذلك … فالمعركة ليست معركة مئات الثوار الذين لم يبخلوا بدمائهم، وليست لهزيمة المعارضة وفرض سلطة النظام ، بل لإبادة وتهجير شعب واستبدال السكان ، وهي معركة وجود تعني الجميع بحكم هويتهم وبغض النظر عن موقفهم السياسي ، وهي من وجهة نظر حقوقية جريمة تطهير مذهبي وعرقي ترتكب ضد الانسانية …

وقد أثبتت هذه السياسة الإعلامية نفعها ، فلمسنا قدرا من التضامن الوطني مع الزبداني في كل ربوع الوطن ، وشاهدنا فتح معارك في أكثر من مكان نصرة للزبداني ، ولفت نظرنا بشكل خاص تعاون ثوار إدلب من جيش الفتح ، ثم تتويج ذلك بتفويضهم للتفاوض مع الإيراني … باسم الزبداني … كما استشعرنا بدء تفهم دولي لهذا التطور ، وبدء تحرك عربي للوقوف في وجهه ، لكن الوصول لنتائج ملموسة لتحرك الدول لن يكون بالوقت القريب .

و عندما استشعرنا حدة الهجوم ، وقدّرنا أن الكفة العسكرية تميل لصالح المعتدين ، بسبب استمرار قطع الدعم عن دمشق وريفها وحمص وريفها بقرار أمريكي منذ سنوات ، والذي أدى لسقوط القصير ومن ثم حمص ، وتهجير أهلها ، وبعد أن حاولنا مع كل الأطراف تأمين دعم عاجل للقلمون والزبداني ، وعندما لم يستجب أحد ، واشتدت المعارك ، فكرنا بتحريك فريق ديمستورا بهدف تحقيق وقف إطلاق نار تفاديا للأسوأ ، وعندما لم يستجب النظام ، فكرنا أن نعزز من أوراقنا السياسية بفتح معركة الفوعة وربط وقف إطلاق النار هناك بوقف اطلاق النار في الزبداني ، وهكذا كان .. وتجاوب مجاهدي جيش الفتح وأعلنوها معركة من أجل الزبداني ، لكن الإيراني تدخل في المفاوضات مباشرة ، وفضح نيته التي حذرنا منها سابقا ، وهي التغيير الديموغرافي واحتلال قسم من سوريا وجعله تابعا لحزب الشيطان وولاية الفقيه … وهذا هو جوهر اقتراحهم لانهاء الحرب . ( استسلام جميع المقاتلين وخروجهم مع أهلهم نحو ادلب بالتزامن مع نقل سكان الفوعة … ) وبذات الوقت كانت المآذن التي دنسها النظام تطلب من الأهالي الاستعداد لمغادرة القرى المحيطة والتوجه نحو مكان آخر … بعد أن تعرضت للتجويع والتضييق والترهيب والخطف …

وهكذا لم يبق أمام الزبداني اليوم إلا أن تقاتل حتى النهاية وحتى آخر رجل …

فمن أصل 30 الف هم مجموع سكان الزبداني الأصليين ما عدا القرى المحيطة ، يوجد أربعة آلاف قادرين على حمل السلاح ، اعتقل واختفى في السجون المئات منهم ، وهجر عدد كبير بعد أن ضاقت بهم السبل ، وغادر المعركة عدد كبير من الجرحى الذين أصيبوا باعاقة ، استشهد حتى الآن ما يقارب 250 مجاهد من أهالي الزبداني وضعف هذا العدد من المدنيين ، ويوجد أكثر من مئة مقاتل جريح داخل الحصار عدا الجرحى من المدنيين ، وبقي يدافع عن المدينة ما يقارب الألف وهم يقاتلون من منزل لمنزل ، ويسقطون تباعا في معركة الوجود ، ويكبدون العدو رغم تفوقه العسكري والعددي واستخدامه لسلاح الجو والقصف بشكل غير مسبوق ، عددا كبيرا من القتلى يفوق كثيرا أضعاف عدد شهدائنا … مقاتلوا الزبداني اليوم هم مشروع شهادة يعلم كل واحد منهم أنه يدافع عن حق ويموت في سبيله طلبا لمرضاة الله ونعيمه . وهم يقدمون أروع صور البطولة والشهامة والفداء . ويؤمنون أن الله سيتقبل شهادتهم ويسكنهم فسيح جنانه . ويفضلون الشهادة عند بيوتهم على تركها للغزاة من مرتزقة النظام وحزب الله وأحمد جبريل وايران … هكذا تقاتل الشعوب حتى النهاية ، لكي تستحق الحياة … بدمائهم وتضحياتهم يكتبون التاريخ الذي لا يحق فيه إلا الحق .

الزبداني الشاهد والشهيد لا تبكي من قاتل ولا من استشهد ، بل تبكي من خدع وضيع دينه ودنياه … ومعركتها هي معركة دمشق عاصمة الأمويين وعنوان الوجود العربي السني في المنطقة … هنيئا لمن كان له شرف المشاركة ونصرة الحق ، وهنيئا لمن سبقنا لدار الحق يدخل نعيمها من غير حساب …

وعهدا نقطعه على أنفسنا ، لن تتوقف هذه الحرب حتى نهايتهم ، وطردهم خاسئين وملاحقتهم لعقر دارهم ، الزبداني قد انتصرت بشهادتها ، وقاتلت كما يجب القتال ، وقدمت خيرة أبنائها ، والحرب سجال ولن نسمح بتوقفها وفاء لدم شهدائنا ، هم أرادوها حرب ابادة دخلوا بيوتنا وقتلوا أبناءنا واشتروا عداوتنا التي سنذيقهم مرارتها ، وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون … وسنربي أجيالنا جيلا بعد جيل ليأخذوا بثأر أهلهم ، ونصرة القضية التي سقط من أجلها شهداءهم .

وأمام هذا الحال وهذه الحرب المستمرة على وجودنا كعرب سنة في المنطقة بشكل عام ، وفي وسط سوريا وشمالها وغربها . يتوجب علينا متابعة استراتيجيتنا لكسب هذه الحرب مع الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية :

  • 1 – علمتنا الزبداني بشهادتها أنه لا مجال أبدا للتهاون أو التسامح في معركة الوجود هذه .
  • 2 – ضرورة العمل على نقل المعركة لأرض العدو وتهديد مدنييه بذات المصير ، بما فيها العمليات السرية والاستشهادية والقصف بما تيسر (وفقا لمبدأ العين بالعين …. والبادي أظلم ) .
  • 3 – مع اصرار النظام على اقتحام الزبداني نطالب جيش الفتح باقتحام الفوعة والقضاء على الميليشيات المسلحة وقوات حزب الشيطان فيها ، والاحتفاظ بأسرى الفوعة وربط مصيرهم بعدم تهجير سكان الزبداني .
  • 4 – حتى لو خسرنا بعض الجبهات والمناطق المحررة وهذا وارد عسكريا ، يجب الحرص على استمرار المقاومة وحرب العصابات وزعزعة الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها النظام وحزب الله . وهذا مهم جدا لمنع استيطان مدنيين قادمين من البعيد ، وارباك حاضنته الاجتماعية .
  • 5 – إشراك كل سكان المنطقة من السنة في مقاومة التهجير سلميا وعسكريا ، بمن فيهم من يخضع للنظام رغما عنه أو بإرادته خاصة في دمشق وريفها والقلمون وحمص . فمعركة الوجود يجب أن يخوضها الجميع ويستطيعون تشغيل ماكينات ضغط من أجل بقائهم في موطنهم ، وهذا ما يجب التركيز عليه اعلاميا وتنظيميا .
  • 6 – التخطيط لخوض هذه الحرب على نطاق واسع في عموم البلاد وبشكل منسق ، وعلى مدى زمني طويل يهدف لطرد الإيراني واسقاط أذنابه .
  • 7 – ضرورة زعزعة استقرار النظام في العاصمة دمشق بعكس ما يفعله الذين يفضلون تجارتهم على مصير وطنهم ولا يعيروا الاهتمام لخطورة ما يحاك والذي سيطالهم هم أيضا فيذهبوا هم ومالهم .
  • 8 – فضح كل من يحتفظ بخطوط التواصل مع النظام واعتبارهم خونة إذا كانوا من العرب السنة ، لونهم مستهدفين وجوديا كهوية .
  • 9 – الاستمرار في التركيز الإعلامي على موضوع التغيير الديمغرافي ، وموضوع الاحتلال الأجنبي .
  • 10 – التحرك الديبلوماسي مع الدول لشرح أبعاد السياسة الإيرانية وتبعاتها .
  • 11 – التحرك مع المنظمات الحقوقية الدولية لتحريك موضوع جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم التهجير .
  • 12 – تنسيق وتنظيم العمليات العسكرية على نطاق محلي ووطني ،
  • 13 – إعطاء الأولوية لتأمين طرق الإمداد للمناطق المحاصرة خاصة في الوسط .
  • 14 – تأمين الموارد الثابتة للثورة المسلحة ، واحتياجاتها اللوجستية ، وهذا يتطلب نشاط مجتمعي واقتصادي في الداخل والخارج لتمويل الثورة ذاتيا وعدم تركها لتلاعب الدول .
  • 15 – تجنب الصدام بين أيّن من المجموعات السنية (مهما كانت ) قبل طرد المحتل الفارسي المجوسي . فكل من يقاتل النظام والاحتلال الإيران هو صديق عسكريا ، ومعركة وجود العرب السنة سابقة الأهمية على أي خلاف سياسي بينهم . فقد مددنا يدنا الوطنية للأقليات ولم نلق منهم سوى النكران بكل أسف .
  • 16 – اسقاط كل جهة سياسية تقبل باستمرار الإحتلال الإيراني أو النظام ، ورفض أي حل تصالحي قبل الاعتراف بحقوق الأغلبية في هذا الوطن وهويتهم وضمان عودتهم لبيوتهم .
  • 17 – سحب التفويض من القيادات الوكيلة للأجنبي والتابعة للدول ، والحرص على استقلالية القرار الوطني وتبعيته لمرجع وحيد هو الشعب ، فالدول بشكل عام تقف لصالح الأقليات وتتغاضى عما يحصل للأغلبية .
  • 18 – توفير آليات انتاج القيادات المحلية العسكرية والمدنية المرتبطة بالأرض والفعل الثوري ، وابعاد المتطفلين والمتسولين والانتهازيين والفاشلين ومعظم مؤسسات المعارضة التي أوصلتنا إلى هذا الحال من التشرذم والضعف .
  • 19 – للخلاص من التمزقات والصراعات لا بد من اعتماد آلية تفويض وتمثيل مرضي عنها لقوى الثورة والمجتمع العربي السني بشكل مستقل عن التحزبات وعن بقية المكونات في الوقت الحاضر حتى تثبيت وجودهم ، قبل الدخول في المشاريع الوطنية التشاركية مع بقية المكونات من الأقليات .
  • 20 – سحب الاعتراف بالدولة اللبنانية واعتبارها كيان معاد يباشر العدوان ضد سوريا ، حتى تسحب كل عناصر حزب الله وتصادر سلاحهم وتقدمهم للمحاكمات .
  • 21 – العمل مستقبلا على فرض عقوبات على الدولة اللبنانية وقيود عسكرية وتجارية صارمة بحقها ، ومطالبتها بتعويضات عما تسببته مليشياتها المشاركة في حكومتها من أضرار في سياق عدوانها على الشعب السوري .
  • 22 – الاستمرار في مطالبة المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته لحماية المدنيين ،
  • 23 – البحث عن تحالفات سياسية وعسكرية اقليمية وقومية ، تضمن كسب الحرب ضد العدوان الإيراني المجوسي المخرب للمنطقة، وفرض وحدة وسلامة الأراضي السورية كدولة عربية مستقلة ذات سيادة معترف بها من قبل مجلس الأمن الدولي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.