يثب

التصعيد الروسي … واحتمال الحرب الكونية في المنطقة 

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لا يخف على أحد ميل الأمريكيين لاستخدام سوريا ساحة استنزاف للأعداء ، مبررة ذلك بأن ثورة الشعب السوري ثورة متشدده وحاضنة للإرهاب … فأحد الديبلوماسيين لم يخف أن الوضع في سوريا هو وضع مثالي بالنسبة للأمريكيين عندما يرون القاعدة تقاتل حزب الله والحرس الثوري الإيراني … وجيش القومية العربية المقاوم يستخدم كل سلاحه لقتل شعبه هو ، مدمرا دولته بيديه … ولا يخفى على العارفين بالتاريخ  أن هذه السياسة الأمريكية القصيرة النظر تنشر الخراب وتضحي بكل القيم والالتزامات الإنسانية ، وفي النهاية قد تتسبب بحرب عالمية جديدة .

قد يوجد سطحيين أمريكان يرحبون ضمنا بهذا التورط الروسي ، وهذا ليس مستغربا عن عبقرية إدارة كإدارة أوباما … لكن غدا عندما تتغير هذه الإدارة ويأتي من يفهم قليلا في السياسة والتاريخ ويرى أبعد من أنفه . ويدرك قيمة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في منع الحروب والنزاعات ، ولا نقول احترام حقوق الانسان والقيم … فإن الوضع الكارثي الذي تسببت به إدارة أوباما ، سيضعهم مباشرة أمام خيار خوض الحرب في عموم الشرق الأوسط وجنوب أوروبا وشمال أفريقيا، بسبب عدم  بقاء حليف قوي في المنطقة يعتمد عليه ، فالتمادي الروسي الإيراني الذي يستغل ضعف أوباما ويتسبب في زعزعة استقرار المنطقة كلها ، سيكون حافزا كبيرا للتدخل العسكري للإدارة التي ستليه والتي تدرك مدى ضرر التراخي الاستراتيجي والتراجع في النفوذ …  أي أن المنطقة التي تعاني من حروب محلية وبالوكالة وتتحول دولها تباعا لدول فاشلة ، ستصبح أيضا ساحة حرب  كونية ، وأن دمار دمشق وطرطوس واللاذقية سيكون بالحرب العالمية بين الروس والأمريكان على أراضينا تحت راية حفظ السلام والاستقرار … التي يحملها الروسي اليوم عندما يرسل جنوده ، وغدا سيحملها الأمريكي عندما يرسل جنوده هو الآخر …

إن التصعيد الروسي الأخير الذي ينوي استخدام الجيش الروسي مباشرة في الدفاع عن النظام المجرم  في الأراضي التي بقيت له وتمتد من دمشق حتى اللاذقية  مرورا بحمص وطرطوس .. وبالتعاون مع إيران التي تحكم قبضتها على لبنان والعراق … والذي ترافق مع تصعيد آخر يزعزع استقرار بقية الدول العربية ، باستخدام المغرر بهم من الأقليات الشيعية ، وكذلك زعزعة تركيا باستخدام الماركسيين الماويين والمتعصبين القوميين الكرد من الذين تربطهم علاقات تاريخية تكوينية مع الشيوعية والشيعية السياسية … هذا التصعيد وهذا الوضع سيدفع بكل تأكيد لأن يصبح التطرف الاسلامي السني الجهادي هو السلاح الوحيد المتبقي في المواجهة ، والذي يكمل مسرحية الاستنزاف الممتعه للأمريكي  … وهم قد جربوه واستعملوه سابقا في أفغانستان ، بل هم من أسسه ودعمه هناك لهزيمة واستنزاف الروسي  … أي منطقيا وتبعا لسياسة الاستنزاف المزدوج يجب أن يغضوا النظر عن القاعدة بذات الوقت الذي يتغاضون فيه عن التدخل الروسي … وبالنتيجة وعند اكتمال المسرحية سيخسرون كامل المنطقة التي سيتقاسمها أعداؤهم ، وستنتقل وتتوسع الفوضى لمناطق أخرى ، مما سيضطرهم للتدخل متأخرين جدا بعد أن استفحل المرض ، وتقوضت كامل مصالحهم في المنطقة  وهيبتهم في العالم …

الحضارة والاجتماع الإنساني لم تقم يوما إلا على القيم والقانون والعدالة ، أما التغاضي عن الجريمة والعدوان والسكوت عن الفاشيين والنازيين فهو من تسبب في الحرب العالمية الثانية …… و التغاضي عن الفاشية الروسية الإيرانية الأسدية ستكون السبب الرئيس في نمو التطرف والإرعاب والإرهاب وانتشاره في ربوع العالم ، الذي سيشهد موجات نزوح غير مسبوقة نحو أوروبا العجوز بعد نشر الفوضى في الشرق العربي وتركيا وشمال أفريقيا … وسيشهد نمو القاعدة وداعش وتمددها ، والتي ستزيد من عمق الدمار والخراب الذي يلحق بشعوب المنطقة …

وإذا كان الروسي يتوقع من الأمريكي أن يتقاسم معه في الشرق الأوسط  سوريا لتصبح سوريتين كما حصل في كوريا وفيتنام  التي صارت كوريتين وفيتنامين خوفا من اندالع الحرب بينهما … فإن الأمريكيين بغبائهم قد خسروا كل حلفائهم،  ولم يعد بامكانهم إلا الاعتماد على أنفسهم أو الانسحاب أمام أعدائهم ، والسماح بتفوق الشرق بقيادة التحالف الروسي الصيني على العالم اقتصاديا وعسكريا ، لذلك فإن الحرب المنتظرة بين الروس و الأمريكان بعد الانتخابات الأمريكية ، والتي ستحركها المصالح أيضا ستدمر ما بقي في المنطقة …. أما الروسي فسينقل المعركة وأزمات المنطقة لدياره وستصبح روسيا جاهزة لحرب أهلية كما صارت سوريا مسرحا لها ، ولتجنب انكسار هيبته لا مانع من استخدام النووي بعد أن سُمح باستخدام الكيماوي في معارك الاستنزاف الأمريكي الذكية … فهو ككل نظام فاشي مافيوي لن يتورع من استخدام كل الأسلحة خوفا من مصيره الطبيعي ، ككل نظام تحول من الشيوعية نحو رأسمالية التشبيح والمافيات ، إن كان  في الصين أو في سوريا أو روسيا التي تشببها وتدافع عن نظامها …  فبوتن عندما يدافع عن بشار فهو يدافع عن نموذجه ونظامه ومنطقه وأخلاقه . كما أن لعنة الدم السوري البريء ستصيب كل من تسبب بها …

فهل نأمل أن يتحرك العقلاء في العالم ليمنعوا هذه الجريمة عنا وعنهم .

مقالات ذات صلة :

السياسة الروسية وأخطاء المعارضة السورية

تحليل عناصر الصراع وتطوراته في سوريا والمنطقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.