يثب

وأخيـــــرااااااا   ….  السويداء

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

خرجت السويداء بعد أربع سنوات ونصف من اندلاع الثورة ضد النظام لتهتف برحيل بشار … فطعم الدم ولؤم الغدر هو من المرارة بحيث يحرك النخوة في رؤوس الرجال ، وهذا الطعم المر الذي تذوقته حتى الثمالة معظم أرياف وحاضرات سوريا، لم يشعر بطعمه أخوة لهم يشاركونهم العيش في الوطن السوري الذي تحكمه السلطة فيها باسمهم … فالقاضي عندما يحكم فهو ينطق باسم الشعب السوري ، وعندما يظلم فهو يظلم باسمه أيضا ، وعندما تخطئ الدولة وأجهزتها فإن كل الشعب السوري يتحمل وزر هذا الخطأ ويشارك فيه … لكن ماذا نقول إذا بقيت هذه الروح الوطنية  مكبوته وخامدة طوال سنوات مريرة مرة مرت على شعبنا المعذب والمقتول والمهجر … والتي أدت ليس لرحيل بشار كما هتفنا ويهتفون، بل رحيلنا نحن مع  أكثر من نصف الشعب إلى مخيمات التشرد واللجوء … وبقي بشار وميليشيات الاحتلال ومنتفعي الحرب وعصابات التطرف والانتقام والحقد الأسود …

كان من المفروض أن يتحرك الدروز والكرد في طليعة الثورة مع فقراء وريف سوريا كلها كونهم يعانون من اضطهاد وتمييز مزدوج …. لكن موقف مشايخ العقل وزعماء الأحزاب الكردية كما هو موقف البطرك والكنيسة الأرثوذكسية ومعظم قادة المجتمع الأهلي هي من لجمت هذا التحرك وأخمدته وحرفته أحيانا بعكس مساره الطبيعي … ولم نشهد منهم ( باستثناء  شخصيات قليلة من الدروز أو المسيحيين أو الكرد أو العلويين …. نذكر منهم بالإسم شخصيات وطنية عظيمة مثل الشهيد مشعل تمو ، و السيدة منتهى سلطان الأطرش ، والدكتور عارف دليلة ) يذهبون لمجالس العزاء في درعا ودوما وحمص ويقولوا نحن نشارككم المصاب ،و لا نقبل أن يقتل أبناؤنا على يد جيشنا و أمننا ، ولو فعل القلة منهم يومها ما يعبر عن تضامنهم الوطني لكان الوطن بألف ألف خير ولرحل المجرم وسلمت سوريا … بدل أن ترحل سوريا عن الوجود وتسلّم البلاد للمجرمين ، والدخلاء والمجانين …

كما فضل الكثير من العرب السنة خاصة أغنياء المدن وشركاء الانتفاع ، وأغلب شرائح الأقليات مصالحهم الخاصة وخضعوا لجبنهم وأنانياتهم بدلا من الخضوع لوطنيتهم ، والتفوا حول النظام وأنقذوه من السقوط ، وسكتوا عن جرائمه التي ترتكب باسمهم وبمشاركة أولادهم … والنتيجة كانت قتل الوطن والروح الوطنية وموت سوريا … وشيوع  التطرف والجريمة والفوضى والتقسيم والاحتلال  وتعميم الخراب ، الخراب الذي طال كل شيء والذي أصبح  تعميمه غاية بحد ذاتها عند الضحايا الذين فقدوا الأمل في العدالة …

ولم تك معاناة أي من أبناء الشعب السوري تشكل حافزا عند نسبة كبيرة من المجتمع ، ولا عند الطبقة السياسية والقادة المجتمعيين الذين فقدوا على ما يبدو نتيجة سنوات حكم حافظ وولده كل مشاعر وطنية وأخلاقية ، كما فقدت قبلهم مؤسسة الحزب والجيش والأمن أي عقيدة وطنية وأي شعور بالواجب الأخلاقي والقيمي … بل توحشت وتغولت على شعبها … ثم قلدتها رموز المعارضة السياسية وتنظيماتها التي شكلت حالة من الانتهازية والفساد والتسلق والاستهتار غير مسبوقة …. وهكذا نتحمل جميعا كشعب ومجتمع مدني وأهلي معارضة وسلطة مسؤولية هذه الحرب الأهلية المدمرة … لأن الوطن ليس شعارات وخطابات . بل هو نصرة المظلوم واحقاق العدالة ومشاركة الأفراح والأتراح والشعور بالواجب تجاه الآخرين كما هم ومن دون أن نقيد حريتهم وخصوصيتهم …

ومع ذلك دعونا نأمل ولو بعد فوات الأوان… أن يكُ تحرك السويداء بدايةً لاستعادة الروح الوطنية والمشروع الوطني ، لتخرج سوريا من الرماد كما خرجت العنقاء في الأسطورة …

كل التحية لرجال الكرامة الذين زادوا عن وطنهم وشرفهم وأعادوا لنا بعض الأمل . الذي نأمل ألا تسرقه منا مرة أخرى داعش وأخواتها .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.