الدب الروسي في الثقب الأسود

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

يسمونه علماء النجوم والتنجيم بالثقب الأسود الذي يتمتص الضوء والكتل والنجوم والمجرات ويبتلعها ، ويشبه خبراء السياسة الأزمة السورية بالثقب الأسود الذي يبتلع كل شيء ليس بسبب الأعلام السود التي حملتها داعش ، والتي امتصت انجازات الثورة السورية وحولتها لعدم ، بل قبلها ، حيث امتصت الأزمة في سوريا النظام ومؤسساته المتغولة وحلفاءه الكثر ، وامتصت أيضا قدرات الدول الداعمة للثورة وهددتها بالفشل والانهيار، كما امتص الائتلاف قوى الثورة وحولها لشيء تافه بلاقيمة ولا احترام ولا دور … وامتص حزب الإخوان كل الدعم المادي وبدده على لا شيء … والآن جاء دور الدب الروسي ليدخل في هذا الثقب …

عادة اندلاع الحروب يحتاج لرجل متهور مجنون بقوته ، وآخر مستعد للجنون في مواجهته … أو كما قال الشاعر

ألا لايجهلن أحد علينا           فنجهل فوق جهل الجاهلينَ

والحرب التي أطلقها بوتين في المنطقة مدعيا محاربة الاسلام الجهادي ، كفيلة بأن تشعل المنطقة كلها وتتطور لحرب عالمية تنتهي بحسم الصراع بين الصين وروسيا وايران من جهة وبين الغرب الهرم المهدد بأفول نجمه  من جهة أخرى ، حيث سيشكل العالم الإسلامي والأمة العربية بيضة القبان التي سترجح أحد الطرفين ، ولهذا سكت الغرب عن التورط الروسي ، أملا في تقويض أي فرصة لتحالفه مع العالم الاسلامي ، أو على الأقل تحييد هذا العالم . في حين سيزداد التطرف الاسلامي قوة ونفوذا ويوجه قوته نحو الشرق مبتعدا عن الغرب .

قررت روسيا (بعكس أمريكا المتخوفة ) تحطيم هذا الثقب والسيطرة على الشرق الأوسط … ونزلت بقوتها العسكرية وبأفضل عتادها ، وباشرت بضربة عسكرية أرادت منها اثبات قدرتها … فأصابت المدنيين العزل … ووحدت بضربتها هذه كل القوى وراء الأعلام السوداء واستنفرتهم لامتصاص روسيا والصين أيضا في حفلة تقويض وتحطيم بينهم وبين الاسلام ، تنتهي بفشل هذه الدول لأن العالم الاسلامي قد سبقهم لهذا الفشل ولا يوجد ما يخسره ، فسقوط أي نظام في الدول الاسلامية هو تحرر من احتلال ، وفشل أي دولة مسلمة هو تحطيم لسجن ، ونتيجته انطلاق قوى الجهاد أكثر وأكثر … فالمواجهة المفتوحة اليوم ليست مع الدول التي رحب اغلبها بالتدخل الروسي ،  بل مع مجاهدين اسلاميين لا يعترفون بدول ولا حدود ولا نظم … يدهم مطلقة بفعل ما يعتبرون أنه نصرة لدينهم الذي يفهمونه كما يريدون .

وإذا وجد نصف الشعب السوري الملجأ والمأوى خارج وطنه الذي تحول لمقبرة جماعية ، فهل ستجد شعوب أخرى مثل هذا الملجأ ؟ عندما تفشل دول اقليمية كبرى مثل مصر وتركيا وايران والسعودية وباكستان والتي ستلحق بليبيا واليمن والسودان وسوريا والعراق ولبنان وأفغانستان ، وكيف إذا انهار النظام الروسي والصيني فأين سيرحل شعبهما ، وهما دولتان فاشلتان أصلا ، بسبب نظامهما الذي يجمع بين الشيوعية والفساد المافيوي…. حيث ستكون الحرب الأهلية القادمة فيهما حربا ذات مواصفات خاصة ، و تكون الحرب الأهلية الكونية الجديدة مقبرة للدول كل الدول كضرورة لانتصار العولمة ودولة العالم الواحدة ….

وردت أخبار من داخل النظام ، ومن داخل أجهزته الأمنية أن الروس قد باشروا عملية وصاية وانتداب فعلية للدولة السورية فهم لم يرسلوا الجنود والطائرات فقط بل ارسلوا الخبراء الذين توزعوا بالعشرات على الوزارات المختلفة وتسلموا إدارتها … وحصروا قيادة كل العمليات الجوية لطيران النظام بغرفة عملياتهم في مطار حميميم العسكري … وسط تخوف هذه الأجهزة من سيطرة الروس الكاملة على السلطة ، ومع دهشة الإيراني الذي احتار في فهم هدف هذا الدب من هذه المساعدة … لذلك فكل برميل ينزل على مدينة بعد الآن هو بأمر روسي وتتحمل روسيا كامل المسؤولية عنه .

بوتين توعد تركيا والسعودية بستالين غراد جديدة … لذلك تحاول حكومتيهما تلطيف هياج هذا الدب ، الذي أربك القوات الإيرانية التي عليها أن تقاتل تحت أمرة روسيا  … وأربك أيضا اسرائيل التي صارت حذرة جدا ومتخوفه من السقوط في الثقب الأسود الذي ظهر فجأة في جوارها … بينما رحبت سلطة السيسي بهذا التدخل طالما هي تريد كسب ود كل العالم إلا شعبها .

فاكتفاء الروسي حتى الآن بتوجيه ضربات للمعارضة الحليفة لتركيا في الشمال الذي يهيمن عليه الاخوان ، قد يكون مرضيا عنه من قبل دول عربية وأوروبية ، لكن فيما  لو توسعت هذه الضربات للجنوب حيث تهيمن دول عربية على مجموعات المقاتلين ، فهذا سيكون له دلالة أخرى ، وقد يغير نوع التسليح المقدم للثوار … والذي طالما منع عنهم خوفا من وقوعه في الأيدي الخطأ ، حتى نشأت الحاجة  لتسليمه لليد الخطأ مباشرة .

نحن نحتار فعلا هل الروسي يعرف الأهداف التي يضربها وهو متعمد بفعل هذا ، أم أنه أحمق يستمع لاستخبارات النظام التي تحاول توجيهه … في كلا الحالتين هو دب فعلا … عندما يدخل حربا ضد المسلمين بهذه الوقاحة … وهو  يعلم أن العالم الاسلامي بسبب تهمة الارهاب التي لبسها بارادته ومن دونها   ، قد تحول لثقب أسود يمتص كل شيء .

وهكذا نفهم لماذا تغاضى الغرب عن ولادة داعش وأخواتها ، ولماذا أيضا سعت ايران والنظام لاستثمارها  فداعش التي حظيت بالدعم الغربي والشرقي هي أيضا هدفهم الظاهري الذي يبررون به احتلالهم ، ومع ذلك هي أيضا عنصر تقويض نفوذهم التي يجب دعمها … فكيف جميعا …  إنه منطق الثقوب السوداء .

دعونا نأمل ألا تكون الحرب الكونية الثالثة نووية لأنها ستدخل الحياة البشرية قاطبة في هذا الثقب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.