يثب

كيف يتوقف مسار التنازلات والتفريط الذي فتحته فيينا وسارت به الرياض

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

دأبت في المقالات السابقة على شرح كيفية وآليات وتبعات وشخوص وأدوار من ساهموا ببيع ارادة الشعب السوري وسرقة قراره والعبث بدماء شهدائه وتضحياته ومصيره… وكيف أن قادة المعارضة بحبهم للظهور والزعامة ولحسابات شخصية تخلوا جملة وتفصيلا عن شرف الثورة ودمائها وذهبوا لمحاورة القاتل وتطمينه بل للتعاون معه في الاستمرار في سحق الثورة، بحجة واهية وكاذبة هي محاربة الارهاب الذي هو صانعه ومصدره ومنتهاه … وكيف أنهم سينتهوا لطلب الحماية من مخابراته وجيشه، والاستمرار في قمع الشعب ومنعه من العودة خوفا من انتقامه منهم بعد أن ضيعوا حقوقه، وتحالفوا مع عدوه وقاتله، وصاروا أدوات استعماره الجديد.

وكيف أن السعودية هي الأخرى من أكثر الخاسرين من بتبعات ما فعلته أيديها، بعد أن توهمت أنها زادت من أوراقها لتكتشف أن ورقة المعارضة السورية بعد أن صارت في يدها شكلا، أصبحت غير ذات قيمة ، بل باطلة جملة وتفصيلا ، حيث هذه المعارضة لم تعد معارضة، فقد اندس النظام في تمثيل المعارضة ، وأصبحت المعارضة بتركيبتها الحالية في خندق النظام وليس خندق الثورة عليه ، ناهيك عما سيُفرض اضافته من الدول كروسيا وايران والغرب …  والسبب في هذا الفشل السعودي هو عدم أهليتها للامساك بالملف السوري ، لعدم توفر المؤسسة والكادر اللازم، واستبدالها العمل المؤسسي ، بتكليف أمير من العائلة بمتابعة الملف في أوقات فراغه، مما يضطره بسبب مشاغله للاستعانة بسوريين مقربين من المملكة، وللأسف معظمهم من الانتهازيين المتطفلين المخربين للثورة، والباحثين وراء المال والانتفاع … ولتكتشف المملكة أخيرا أن تشكيل الوفد وادارة المفاوضات أصبح بيد الدول الأخرى التي كانت مجتمعة في قاعة أخرى في فندق الرياض ، والتي كانت تنتظر ولادة مثل هذا التفويض لتخطفه من يد السعودية وتذهب به حيث تشاء.

واستمرت المعارضة السورية (التي توهمت الرياض أنها قد توحدت ) في الحرب الداخلية البينية والتدمير المتبادل  حيث انبرى كل طرف للتشهير بالطرف الآخر  ودس الدسائس والافتراء ، ولا هدف له ولا مصلحة سوى ازاحته عن الوفد المفاوض … فهذا اشترى صحفيين وهذا تعامل مع مواقع مأجورة … وهكذا استعرت حرب التنافس والتخريب والتحطيم التي ستضيف خسارة جديدة ذاتية لخسارة موضوعية نجمت عن القبول بالانخراط في مسار فيينا، والذي كان يتوجب التنكر له ورفضه جملة وتفصيلا وعدم التعاون معه كونه بوابة للتفريط يقارب الموضوع بطريقة مزرية في النفاق والكذب وممعنة في انعدام الأخلاق والقيم عندما لا يفرق بين القاتل والضحية وبين الشعب والجلاد …

معظم من تزاحموا للرياض على اختلافهم أظهروا لها أنهم رجالها المخلصين (وهم عكس ذلك) ، وتسابقوا على مدح المملكة والحزم والعروبة و و و …. ممارسة لنفاقهم المعتاد … منذ أيام امتداحهم لقائد الأمة القائد الملهم ، وادعوا أنهم يثمنون وحدة الصف والعمل المشترك ( وهذا كذب أيضا لأنهم ادمنوا التناحر وافتعال المشاكل والنزاعات والتخاطف وخيانة بعضهم وقضيتهم ) … طبعا كل هذا الكذب والرياء المطرب فقط للمغفلين ، مارسوه بانتظار تكليفهم هم برئاسة أو عضوية الوفد ، كطريق مختصر ومضمون نحو السلطة الانتقالية الموعودة في سوريا.

وبعد أن بالغوا في تطيير بيانات التأييد والمدح والشكر للملكة وتدبيج المقالات الخشبية ، وبذات الوقت وقبل أن ينفض الاجتماع باشروا حملة شرسة تخريبية ضد بعضهم البعض وضد الأسماء المتوقع تكليفها … بدوافع كيدية شخصية، وليس النقد الموضوعي الذي لا يستثني أحدا من الحضور بما فيهم قادة الفصائل الذين حاولوا تقليدهم بكل أسف. فشخوص المعارضة تعلموا أن يلعبوا على أكثر من حبل مع أكثر من دولة وطرف. وهذا سلوك طبيعي معتاد للمجموعة ذاتها التي تزعمت كل مؤسسات المعارضة منذ بداية تشكيلها بتفاهم مخابراتي دولي انتهى باعتماد من يمتلك خطوط مع الدول الداعمة ومستعد لأن يكون وكيلها ، فقط واستبعد الباقون أي الوطنيين الأحرار …

وعليه ولعدم توفر امكانية اسقاط هذه المعارضة الوكيلة للدول بكل رموزها وقراراتها بما فيها فريق الرياض ، ولكي نتجنب الاستمرار في الخسارة على درب اتفاق فيينا المنحاز كليا الذي لن نتمكن من وقفه، إلا إذا اختلفت الدول ذاتها التي ابرمته وهذا متوقع … وبانتظار حصول أحد الأمرين يجب أن نذكر بالنقاط التالية :

  • – المعارضة السياسية التي أعطيت زورا تمثيل الثورة وفيها الكثير من عملاء النظام ، والكثير جدا من الانتهازيين والفاسدين والمتسلقين، والطريقة التي تم بها ذلك التفويض ، هي مرفوضة جملة وتفصيلا ولا نعتبرها شرعية ، كما أن الورقة التي صدرت عنها تنخفض كثيرا عن سقف مطالب الثورة … هذا موقف مبدئي واضح سنستمر عليه ولن نعترف بشرعية أي سلطة أو اتفاق تجريه هذه المعارضة، لبطلان الأساس الذي قامت عليه، وهو عدم تمكين الشعب من تمثيل نفسه بحرية، وفرض الدول قيادة عليه من دون ارادته ، واصراره عليها ذاتها رغم أنها قد أثبتت فشلها وانتهازيتها وفسادها وخيانتها على مدى خمس سنوات ، ومع ذلك استمرت هي ذاتها ( أن هذا هو المطلوب من قبل الدول التي تدعي صدقة سوريا ) ، والتي غيبت كل آليات انتاج قيادات جديدة منبثقة عن القواعد والشعب.
  • – استمرار الخلافات والنزاعات بينهم سيتيح المجال للمزيد من الخسائر واندساس رجال علي مملوك في الوفد المعارض بل التحكم فيه، فتكون السعودية قد أكملت معروفها ودمرت ما تبقى من أمل للشعب السوري، وسلمت الثورة مكبلة للنظام .
  • – يجب تثبيت الورقة التفاوضية كمحددات عامة لا تنازل تحتها ولا اعادة صياغة لها . وتكليف فريق تنفيذي يقوم بتنفيذها من خارج هذه المعارضة التي تتحول فقط لمرجعية سياسية، أما دخولها بتلاوينها وتمايزاتها وتناقضاتها ومحاصصاتها في عملية التفاوض فسيعطي فرصة كبيرة لخسارة المفاوضات أمام النظام رغم كل عناصر الحق المتوفرة إلى جانبهم .
  • – إذن يجب تشكيل وفد منسجم ومهني يكلف بمهمة محددة هي (الورقة التي أقرت في الرياض )، ولا يجوز أبدا فتح باب المحاصصات والتمايزات داخل العمل التنفيذي فهذا سيكون مدمرا لكل شيء حتى للتفاوض ذاته .
  • – يجب وضع الامكانات بتصرف الفريق المفاوض كي نتجنب المزيد من الخسائر في حال فشله.
  • – طالما أنهم اتخذوا قرارهم ، وسيذهبون باسم الشعب ، فلا يجب أن نزيد من حجم الخسائر باستمرارهم هم ذاتهم في تخريب كل ما يمكن تخريبه، لذلك نطلب من المملكة والجهات الراعية تكليف شخص اداري ناجح بمهمة رئاسة الوفد ، يلتزم بورقة الرياض ، لكن بشرط اعطاءه كامل الصلاحية لتشكيل فريقه التفيذي من دون تدخل من أي جهة كانت … ثم دعم هذا الفريق التنفيذي لكي يؤدي عمله بشكل احترافي . فنستطيع بهذه الطريقة الافادة من عناصر القوة التي هي في صف قضية الشعب. فنحن لا نخشى من التفاوض لأن قضيتنا منتصرة أخلاقيا ومنطقيا ، لكننا نعترض على مبدأه ذاته ، ونخشى من سوء أداء المفاوضين المتناحرين الذين سيخسرون أي قضية لذات السبب … فيضيفون عيبا على عيب .
  • – بعد كل ما تسببته من ضرر بحق الثورة والشعب السوري ، وبافتراض حسن النوايا ، هل تستمع الرياض والدوحة وأنقرة وعمان وأبوظبي للنصيحة ولو مرة واحدة ..؟ :

بدل أن تساعدوا هؤلاء وتحشروهم في كل شاردة وواردة وتصرون عليهم في كل مجلس وهيئة ليعيدوا انتاج الفشل …  ابعدوا هذه الزمرة على الأقل عن ساحة التنفيذ واتركوهم في فنادقهم ، وأسدوا الأمر لمن هو قادر على ادارته وكفؤ له  كلفوا فريقا من الخبراء والسياسيين السوريين (من غير هؤلاء الجهلة المعطلين والمخربين) باعداد ملفات التفاوض والتخطيط لادارتها بشكل احترافي ومن دون عراضات واستعراضات وشد شعر بين الضرائر . وكفانا مهازل … فسوريا تستحق غير هذا .

لأنه بامكان أي فريق متعاون ومخلص أن يحول جولات التفاوض لمحكمة عالمية للنظام والعالم العاهر على ما ارتكبه بحق شعب سوريا الجريح … فقط نطلب منكم أن تستبعدوا وكلاءكم من التنفيذ وتكفونا شر هذا الغثاء المقرف وتكفوا يدهم عن المزيد من التخريب … عسى أن يرحمنا ويرحمكم الله ،  فلم نعد نطيق ولا نحتمل.

  • – بذلك أيضا وسيلة لإغلاق باب التنزلات، فموسكو لن تقبل بوفد لا يضم جماعتها وهي إذا وضعت يدها في تشكيل وفد المعارضة فيعني أنكم الغيتوا الشعب السوري نهائيا من الطاولة … فالطريقة الوحيدة لتوقفوا هذا المسلسل الحزين هو التثبت عند الورقة ، واعتماد وفد تقني منفذ ، وترك الدول لتقبل أو لا تقبل دون فتح باب التغيير والتدخلات والمساومات .
  • – فرص نجاح انعقاد جلسات التفاوض ضئيلة بسبب الغطرسة الروسية والسورية، وفرص نجاحها شبه معدومة … والمواجهة العسكرية لا بد قادمة ، فلا تفرطوا في المرونة ولا تخذلوا شعبنا كي لا يخذلكم في المعركة المصيرية ، التي يجب أن نخوضها معا صفا واحدا … خاصة عند تصنيف المجموعات المسلحة … فالارهاب سلوك وليس شكل ذقن ، ومن يدافع عن نفسه وعرضه لا يمكن اعتباره ارهابيا لمجرد أنه متشدد في دينه . والمتنكر لكل دين وقيم لا يمكن اعتباره معتدلا وهو يمارس القتل والترهيب بحق المدنيين .

نكرر  ونحذر : إذا استمرت ادارة ملف التفاوض بهذه الطريقة التي تسمح بتقديم التنازلات اثر التنازلات ، وإذا كلفت المعارضة في ادارة التفاوض بشخوصها الهزلية المتناحرة الحالية وبمن سيضاف عليها، وبالطريقة التي عودتنا بها على ادارة بقية الملفات … فستكون كارثة جديدة أنتم تسببتم بها ، ولن نسامحكم حتى قيام الساعة … فالموضوع أصبح بيدكم وبأمركم وحدكم، وخسارة التفاوض ستتحملون أنتم تبعاته وليس نحن وحدنا … فاتقوا الله في شعبنا الجريح ، ولا تجعلوا الطعنة القاتلة تأتيه من أيديكم وعلى يد وكلائكم الذين أنتم أعلم بوضاعتهم وخستهم … لكي لا تلاحقكم لعنة هذا الدم السوري الطاهر المظلوم ، وتخرب بلدانكم وتقسم أيضا كما خربت وقسمت سوريا … فالحق منتقم ودعاء المظلوم مستجاب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.