يثب

استراتيجية المناطق الآمنة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبوانيثب

من غير المنطقي توقع نتيجة جيدة لمسارات السلام التي تتعثر منذ خمس سنوات، نظرا لاصرار النظام وحلفائه على تركيع الشعب السوري أو ابادته وتهجيره … فالخيارات المطروحة هي فقط أن يعيش هذا الشعب كعبيد عند النظام ويقاتل أخوته، أو ينتمي للتطرف ويلجأ للارهاب كوسيلة وحيدة للدفاع عن نفسه وكرامته، بعد أن أغلق أمامه طريق الهجرة والفرار تاركا ورائه كل ما يملك.  فلا يوجد ولم يقدم عمليا أي خيار آخر لشعب دفع ما دفع من أجل حريته وكرامته، ويرفض العودة لنظام بشار المجرم  أو القبول بالاحتلال الإيراني.

وبالنظر لانسحاب حلفاء الشعب السوري من المواجهة مع ايران وروسيا، وخضوعهم لتفاهمات الارادة الأمريكية معهم التي تقضي بتقليص الدعم عن المعارضة التي أصبحت غير قادرة على مواجهة جيوش دول عظمى … واتخاذ معظم الدول سياسة عدم التورط ( بالرغم من تشكيل الحلف العربي الاسلامي الذي ما يزال قيد التأسيس ) … وبالنظر لاصرار النظام وايران وموسكو على فرض الحل العسكري بطريقة همجية عبر استغلالهم للموقف الأمريكي السلبي… فقد أصبح الانسان المدني السوري مهددا بالانقراض نتيجة استمرار الهمجية التي تستهدفه في منازله ومدنه .. وأصبحت استراتيجية حماية المدنيين هي الاستراتيجية الأهم والأكثر إلحاحا والتي تفرض نفسها على السياسيين السوريين … ويمكنها أن تجد التجاوب من قبل الدول …

فسوريا عمليا دولة فاشلة والشعب السوري شعب محتل من قبل عصابات الأسد  وايران والجيوش الأجنبية ومنظمات التطرف … وأي شعب في حالة الحرب أو تحت الاحتلال له الحق بالحماية وفقا لمعاهدات جنيف الأربع ، وعندما تقوم دولة عظمى بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين فهي تخرق القانون الدولي ، لكن روسيا تستمر بذلك تحت ذريعة مساعدة النظام الشرعي التي قدمتها مقاربات جنيف وفيينا، وذريعة محاربة الارهاب التي بررها قرار مجلس الأمن … ومستغلة مفاوضات جنيف التي يراد منها أن تعيد الشرعية للأسد، وتقدم التبرير لاستمرار الهمجية الروسية التي تستكمل ما عجز عنه النظام، ولم تقم حتى الآن بأي عمل مختلف.

لذلك فإن احداث مناطق مدنية آمنة خالية من المجموعات المقاتلة، وتحت سلطة مدنية أهلية محلية تطبق القانون، تسقط كلا الذريعتين وتعيد الأمور لنصابها ، فللشعب الحق أن يحكم نفسه بنفسه وله أن يختار سلطته ولا يجوز أن يفرض عليه أي سلطة باستخدام القوة والقهر( وعلى رأسها سلطة بشار المجرم ) ، ودور المقاتلين من أبنائه هو حمايته والدفاع عنه وليس فرض أنفسهم كسلطة جديدة عليه كي لا يتحولوا هم لأمراء حرب … وعندما يقوم أبناء أي مجتمع بالدفاع عن قراهم وأهلهم وتأمين مناطق آمنة للمدنيين والسماح لهم باقامة سلطاتهم واعادة اقتصادهم فهم يقومون بواجبهم الذي يجب أن يتلقوا الدعم للقيام به في مواجهة أي همجية أو بربرية من أي طرف كان …

ونظرا لتلكؤ الدول الجارة في مساعدة الشعب السوري على استعادة حريته وأمنه، أو في المساعدة على فرض منطقة آمنة بالقرب من حدودها، بسبب مواقف الدول العظمى وتعهدها الذي لم ينفذ بايجاد حل سياسي شامل … ونظرا لاغلاق حدودها ورفضها استقبال المزيد من اللاجئين … وجب علينا اختيار الدولة الأقدر على فرض منطقة آمنة  … فالمتغيرات على الأرض تجبرها على القبول بهذا المقترح اتقاء لشرور كثير قادمة يريد حزب الله اثارتها في المناطق المحاذية لها … فالحكومة الاسرائيلية قد اتخذت مثل أمريكا قرارها بعدم التدخل في الصراع في سوريا … واعتمدت سياسة اتقاء الشر بتقديم المساعدات الانسانية للمجموعات التي تحكم الأراضي المجاورة لحدودها ، مقابل عدم استهدافها من قبلهم، بينما يحاول حزب الله جاهدا تجنيد المقاتلين ودفعهم للقيام بأعمال عدائية ضد اسرائيل كي يبرر تدخله لقتل الشعب السوري، بافتعال مشاكل أمنية وحرب دعائية مع اسرائيل تجعله قادرا على حشد المزيد من المؤدلجين الشيعة في حربه ضد الوجود العربي السني في شمال جزيرة العرب … ونظرا لأن الحكومة الاسرائيلية ترى في المعارضة السورية المعتدلة والمجتمع الأهلي السوري المجاور لها أفضل خيار بالمقارنة مع التطرف والارهاب ومع حزب الله والحرس الثوري الإيراني … لذلك هي مستمرة في تقديم الدعم للمجموعات المعتدلة كسياسة ثابتة لن تتغير. وهي ترى في تجربتها مع مصر والأردن والسلطة تجربة يمكن البناء عليها وتمديدها مع سوريا، فهي غير معنية في إحداث تغيير ديموغرافي أو سياسي في جوارها، أو باحداث فتنة درزية سنية … كما أنها تحاول تجنب أي استفزاز للروس بذات الوقت، وتفاهماتها معهم هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة نتيجة سلوك حزب الله خاصة في موضوع تطوير قدراته وأسلحته التقليدية وغير التقليدية ..

في التطورات الأخيرة قام النظام بفصل غرب حوران عن شرقها وبدأ يخطط بوجود قوات وميليشيات ايرانية ومن حزب الله للتوجه نحو الغرب مما سيدفع بمجموعات كبيرة من المدنيين للاتجاه نحو الشريط حيث سيصبح على اسرائيل أن تقدم لهم المعونة، أو أن تستقبلهم و تنقلهم للبحر ليركبوا السفن باتجاه أوروبا، فلا يعقل أن تسمح بمجازر وإبادة تحدث عند حدودها، ولا تستطيع أن تبقى صامتة بموجب القانون الدولي الذي يلزم دول الجوار بالسماح للمدنيين بعبور الحدود في حالة تعرضهم للتهديد في بلدان مجاورة …

هناك منطقة منزوعة السلاح تقع تحت الرقابة الدولية ( الأندوف ) يمكن اعلانها كمنطقة آمنة منزوعة السلاح يتم فيها استيعاب عدد كبير من اللاجئين وتقديم الخدمات الأساسية لهم عبر الشريط … ومساعدتهم على استعادة اقتصادهم وبناء سلطتهم على أرضهم …. وهناك دعم اوروبي حكومي وغير حكومي لفكرة مساعدة السوريين على البقاء على أرضهم بعد تفاقم مشكلة الهجرة … وهناك منظمات يهودية عالمية ابدت استعدادها لتقديم العون المالي والانساني للمحتاجين، كرسالة من المجتمع اليهودي للمجتمع العربي … وهناك تفهم من قبل الأمم المتحدة لهذا العمل الانساني الذي يقع ضمن واجباتها المباشرة . وهناك استعداد من قبل المجموعات المتواجدة في المنطقة للتعاون مع هكذا مشروع …وكلها عوامل تساعد على نجاح المشروع الذي يقدم منظومة معايير وقيم ومقاربات مختلفة للوضع في سوريا الذي اختزل بداعش …

يمكن في حال نجاح هذه التجربة  توسيعها نحو الحدود مع الأردن وتعميمها واقامتها في أكثر من مكان وبمساعدة أكثر من دولة جاره … لتكون الآلية العملية لاعادة بناء سوريا وبالتدريج وبقوة شعبها واراته الحرة وبمشاركة جميع مكوناته …

العقبة الأساسية هي اقناع الروس بعدم استهداف هذه المناطق … وهذا يتطلب مساعدة ديبلوماسية دولية وأوروبية وغربية وعربية، والعقبة الثانية هي اصرار النظام والمليشيات الإيرانية على اقتحامها وهذا سوف يتطلب دعم عربي عسكري صريح للمدافعين عنها … أما خطر امتداد التطرف إليها فهذا يجب أن يقوض بالاعتماد على الشعب السوري ذاته ومقاتليه ومجتمعه المدني والأهلي الذي يجب أن يتعاون معا لمنع هذا الاحتمال …

وفي حال استمرت الهمجية الروسية في استهداف المدنيين فنحن نطلب من دول الجوار أن تنقل اللاجئين عبر أراضيها ومساعدتهم لركوب البحر سعيا وراء أرض آمنة مستخدمين حقهم الانساني الملزم بالعيش الآمن …. والذي يتطلب اعطاءهم جميعا حق اللجوء الإنساني والسياسي … فالاتفاقيات الدولية تلزمهم بذلك وتلزم الدول البعيدة أيضا على احتضان حصتها من اللاجئين …

إما أن تساعدونا على العيش الآمن في وطننا، ونحن مستعدون لأي مسعى خير في هذا السبيل،  أو تستضيفونا في بلدانكم … أو ستصيب لعنة الدم السوري البريء كل من تجاهل القيم الانسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.