يثب

عام اخر يا سوريا… من يجرؤ على التفاؤل؟

في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة اعوام القى طفل من مدينة درعا حجرا في بحيرة آسنة، قوض جدار الصمت العتيق، وخط على الرمل طريقا الى حرية طال غيابها، وجعلها تبدو ممكنة.
في مثل هذا اليوم التحقت سوريا بركب الربيع العربي، مع تفتح الزهور في ربوعها الخضراء، املا في نهاية شتاء استمر لعقود تجمد فيها الامل في سورياجديدة تنتمي الى عصر جديد.
لكن النظام الذي لا يجيد الا لغة واحدة، وسياسة واحدة، وتحكمه اسرة واحدة، باجندة فيها بند واحد: البقاء في السلطة الى الابد، وبأي ثمن، ابى الا ان يفرض لون الدم على هذه الصورة المفعمة بالنبل.
ولا يتسع المجال هنا لسرد وقائع دراما هذه الثورة التي باتت رسميا حربا اهلية، بعد ان تداعى كثيرون على قصعتها، من داخل سوريا وخارجها، ففضوا براءتها، وسرقوها من اصحابها الشرعيين، لترتفع رايات سوداء، وشعارات ايديولوجية جوفاء كاذبة لا علاقة لها بدين او وطن، او ليتخذها البعض بضاعة يتاجرون فيها، فيحصدون من ورائها الملايين، فيما تؤكد الامم المتحدة ان تسعة ملايين سوري يعانون من الجوع، بعد ان تعرض نحو اربعين بالمئة من ابناء هذا الشعب الكريم الى التشرد. بينما تشير الاحصائيات الى ان عدد القتلى يحوم حول مئة وخمسين الفا، ناهيك عن العدد الهائل من المصابين وضحايا الانتهاكات بكافة اشكالها.
ومن المفارقة التي تدعو للبكاء اكثر من الدهشة، ان تحل الذكرى الثالثة للثورة السورية، فيما يواصل النظام السوري عرض المسرحية القديمة نفسها: (استفتاء على تمديد رئاسة بشار الاسد)، بينما يقر نظامه بخروج بعض المناطق عن سيطرته، فيما تتواصل ‘حفلة القتل المجاني’ بين فصائل وميلشيات وجيوش ومسلحين من كل صنف ولون في العديد من المحافظات.
وكأن هذا الاستنساخ للتراجيديا اليونانية او الجرائم النازية يجري في بلد اخر، لم ‘يستح’ اعلام النظام من عرض صور قبل يومين قال انها لمواطنين يعلنون تأييدهم لبشار في اجواء احتفالية، بعد ان قام بزيارة يفترض انها ‘انتخابية’ الى احد المراكز الاجتماعية في دمشق.
اما الجوهر الحقيقي للمأساة السورية فهو ان احدا لم يعد يجرؤ على التفاؤل، بعد ان بشرنا بعض المتاجرين بهذه المأساة بأن النظام ‘يوشك على السقوط، بل انه سيسقط حتما قبل حلول الصيف، لكن دون ان يحدد في اي عام’.
فالمعارضة، التي كانت محقة، اعتبرت بشار مجرم حرب، عادت فقبلت ان تجلس معه في جنيف، لتخسر مصداقيتها، او ما كان بقي منها، ويعود وفده باعتراف دولي ضمنيا بشرعيته، سمح له بالمضي قدما في هذا الاستفتاء الدموي على رئاسته.
اما الولايات المتحدة فتتصدر قائمة الضحايا السياسيين، اذ فضح الصراع السوري فقدانها للنفوذ التقليدي في الشرق الاوسط، بعد ان راهنت على انها يمكن ان تصل الى ‘اهداف مشتركة’ مع روسيا، تقوم على التضحية بالنظام والحفاظ على مصالحها. الا ان مؤتمر جنيف كشف مدى حمق هذه الاستراتيجية، وسذاجة الرئيس الامريكي الذي بنى عليها سياسته.
اما الامم المتحدة ومبعوثها الاخضر الابراهيمي، فاكتفى بالاعتذار للشعب السوري عن فشله، وكأن الآلاف من الذين قتلوا بسبب فشله ذلك ليسوا بشرا. واصبح واضحا انه يكتفي بتحقيق نجاحه الشخصي في الاحتفاظ بمنصبه. بينما لا تملك المنظمة الدولية الا تجديد الدعوة للمفاوضات، ولو من اجل المفاوضات فقط، او ذرا للرماد في عيون عالم لم يعد يبالي كثيرا بارقام الضحايا اصلا.
وبينما تواصل روسيا وحلفاؤها سياسة واضحة، ولا تبدو مضطرة لمراجعتها بعد ان اتت بثمارها تثبيتا للنظام، واستعادة لنفوذ اقليمي، يبدو ان اي حل سواء سياسيا او عسكريا في سوريا بات مؤجلا الى اشعار اخر.
عام اخر يا سوريا بين فكي ديكتاتورية دموية وارهاب اسود بحضور عربي هو اقرب للغياب، مع كثير من الاسف بل والبكاء ايضا.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.