يثب

سادتي قادة المعارضة

أخيرا استطاع تحالف قوات النظام وحزب الله وأبو الفضل العباس وكل القطعان المذهبية المحاربة إلى جانبهم، دخول مدينة يبرود وتدنيس أرضها.
نعم، لقد سقطت يبرود أو كادت، وثمة بقايا مقاومة في بعض أحيائها، لكنها لن تغير شيئا من الحقيقية المرة.
بعد مضي ما يقرب من خمسة أسابيع على بدء الهجوم الكاسح عليها، مستخدما فيها أكثر أنواع الأسلحة فتكا وتدميرا وهمجية، وأكثر أنواع التحريض الطائفي والمذهبي قذارة، استطاع تحالف القتلة وقطاع الطرق دخول يبرود.
خمسة أسابيع صمد فيها رجال يبرود الأحرار، وحيدين، يتامى، دون دعم أو مساندة من أحد، وبما تيسر لهم من أسلحة بسيطة وذخائر شحيحة، عوضوا عنها بشجاعتهم الفائقة وإرادتهم الصلبة وإيمانهم المطلق بقضيتهم وثورتهم… خمسة أسابيع سجل فيها رجال يبرود أروع البطولات، ومنعوا خلالها تحالف القتلة من التقدم على أي من جبهات القتال الأربع، وكبدوا قواته خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، وأصبح مشهد تشييع جثث مقاتلي حزب الله مشهدا مألوفا في الضاحية الجنوبية.
مبدئيا يبدو المشهد طبيعيا، وأن ما حصل لا يخرج عن المنطق، فهناك نظام مجرم مدعوم بحلفاء لا يقلون عنه إجراما، يضغطون بكل ثقلهم وبكل أسلحتهم الفتاكة وبكل ما أوتوا من وحشية وحقد على بلدة ثائرة، ويعملون على اقتحامها بعد أن أشبعوها تدميرا بصواريخهم وبراميلهم، وهناك بالمقابل رجال أبطال يذودون عنها بما تيسر لديهم من سلاح وذخيرة لا يتمكنون من زيادتها أو تعويض ما يستهلك منها، والنتيجة الطبيعية هي أن يتم اقتحامها وكسر صمودها…
لكن ما يخرج عن الطبيعة ويستعصي على الفهم هو أن تُترك يبرود للسقوط، ويُترك ثوارها للموت.. يتركون بدون دعم أو مساندة ممن يفترض أنهم أوصياء على هذه الثورة، ويدعون تمثيلها، ويحرصون على انتصارها، أو ممن يفترض أنهم رفاق الدرب والهم والمصير!!
لم تقدم قوى المعارضة السياسية، ومنها وعلى رأسها الائتلاف، ليبرود قرشا واحدا يعين أهلها على العيش، ولا رصاصة واحدة تعين مقاتليها على الصمود… أما قوى المعارضة المسلحة في المناطق الأخرى، فكأنها لم تسمع بيبرود ومعركة يبرود وحاجة يبرود إلى المساعدة والدعم، ولم ترسل مقاتلا واحدا إليها، ولم تفتح معركة جانبية واحدة تخفف الضغط عنها!!
تأخذ الجريمة، وأقصد جريمة المعارضة بتجاهل يبرود، بعدا إضافيا إذا أضفنا إليها ثلاثة عوامل، الأول هو معرفة الجميع المسبقة، ومنذ أشهر، بما ينتظر يبرود وما يحضر لها، والثاني أهمية يبرود الاستراتيجية والسياسية والحيوية بالنسبة للثورة، والثالث هو قدرة يبرود على هزيمة النظام وتغيير معادلة القوة على الأرض بما يعنيه ذلك من أبعاد.
فالنظام وحزب الله وباقي تحالف القذارة هذا يحضرون لحربهم على يبرود منذ أشهر، وبدأ ذلك بالظهور للعيان بعد الانتهاء من معركة القصير، ومن منا لم يسمع بأغنية “أحسم نصرك في يبرود” التي انتجها ووزعها حزب الله لهذا الغرض؟ ويبرود تحت القصف اليومي المتواصل منذ أشهر عديدة.. إنها قصة موت معلن، حيث هناك من يحضر ويستعد علنا لارتكاب جريمة، وهناك من يعرف ويدرك ويتفرج وينتظر.
أما عن العامل الثاني، أقصد أهمية يبرود ومعركتها، فالجميع يفاجئك بمعرفته الدقيقة والعميقة عن هذه المعركة، ويحدثك عن خطورتها وارتباطها سلبا أو إيجابا بمصير الثورة السورية، وعن موقع يبرود الاستراتيجي وسط سوريا وعلى حدود لبنان.. يشمل ذلك أصغر العاملين في الائتلاف والحكومة المؤقتة، ناهيك عن الضالعين في الشأن السياسي وهموم الثورة.
أما عن العامل الثالث، فقد كانت يبرود تشكل فرصة ذهبية لقوى المعارضة والثورة للانتصار على النظام وحلفائه وتمريغ أنوفهم، وتعديل ميزان القوى على الأرض لصالح الثورة مع ما لذلك من أهمية وأبعاد.. فمقومات النصر كانت متوفرة بشكل استثنائي في يبرود لو تم تعزيزها، فهناك عدد كبير من المقاتلين الميامين الأشداء المدربين الذين عاهدوا الله والوطن بأن لا يتقدم الأعداء إلا على جثثهم، وهناك الطبيعة الجغرافية الجبلية التي تمنح مقاتلي يبرود ميزة عسكرية استراتيجية هامة وحاسمة، وهناك العمق البشري المحيط بيبرود، وهناك اتصال يبرود بالأراضي اللبنانية..
الانتصار في يبرود كان ممكنا بشدة، ومقوماته لم تكن صعبة لو توفرت الإرادة وخلصت النوايا.. ليس إلا بعض الدعم المادي والعسكري، وبعض المساندة العسكرية من الفصائل القريبة، وفتح بعض الجبهات الأخرى لتخفيف العبء عن يبرود.. وسيتكفل رجال يبرود بباقي المهمة، وهم لها.
يطرح سقوط يبرود تساؤلات كبرى لابد من الإجابة عنها، فما الذي منع وأعاق مساعدة يبرود ودعمها لتتمكن من الصمود؟ وهل ضعف الإمكانيات وقلة الحيلة هو السبب؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟ وإذا كان ضعف الإمكانات هو السبب فما قصة الدعم الذي يقدم بسخاء لبعض الفصائل وبعض المناطق وبعض الجهات؟ والسؤال الأهم من كل ذلك هو هل لدى قوى المعارضة السياسية المتحكمة بالمال والدعم، وقوى المعارضة المسلحة الأخرى الرغبة الحقيقية في انتصار يبرود؟ أم أن الرغبة الحقيقية هي عكس ذلك؟
نعرف أن هناك ضعف في الإمكانات، لكنها ليست معدومة، والمال متوفر لدى الجميع بدرجة أو أخرى، وهو يقدم لبعض الجهات دون غيرها لأسباب لم تعد خافية على أحد، لكن ليس من بينها مصلحة الثورة ولا مصلحة البلد.. وليس ثمة سبب حقيقي يمنع من تقديم ما يكفي لتشغيل فرن للخبز في يبرود لسد رمق أهلها أو تقديم بعض الذخائر لسد رمق بنادقها..
وكان بإمكان الفصائل المسلحة المتواجدة في باقي المناطق مد يبرود بالسلاح والمسلحين وتعزيز مقاومتها، وكان بإمكانهم فتح جبهات أخرى لتخفيف الضغط عنها، وكان يجدر بهم فعل ذلك باعتبار أن النظام وحلفاءه هم العدو المشترك، بل كان من مصلحتهم – نظريا – فعل ذلك لكي لا يقترب الخطر منهم ولا يقوى عدوهم ويضيق الخناق عليهم..  لكنهم لم يبالوا ولم يفعلوا، وأثبتوا أنهم ليسوا أكثر من قطاع طرق وأمراء حرب؟ وقضيتهم ليست انتصار ثورة وهزيمة نظام، ومشكلتهم الحقيقية هي مع ثوار حقيقيين كرجال يبرود وليست مع النظام؟
يتحمل الائتلاف والحكومة المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم والفصائل المسلحة على الأرض مسؤولية سقوط يبرود، وإهدار فرصة حقيقية لهزيمة النظام.. وليس ثمة ما يبرر تقصيرهم وتخاذلهم.. فجميعهم وقف متفرجا على الجريمة، ولم يتحرك أحدهم لمنعها.. ولن يمر ذلك بدون حساب..
سادتي في قيادة المعارضة، وأخص منكم من يتحكم بالمال…
سادتي في قيادة الفصائل المسلحة، وأخص منكم من هو قريب من القلمون…
إن حذاء أي مقاتل من يبرود أشرف من لحية أشرفكم.
زمان الوصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.