حرب أهلية عالمية

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

البعض يصف الحرب في سوريا بأنها حرب أهلية بسبب انقسام المجتمع ودخوله في حرب ابادة وتهجير ، والبعض الآخر يصفها بأنها حرب عالمية بسبب تواجد كل جيوش ومتطوعي العالم على أرضها ، وكلا  الوصفين على حق ، فهي حرب أهلية وعالمية معا ، لذلك وبحكم تكوينها فالأزمة السورية معقدة وصعبة الحل ، بل لعنة ستصيب الجميع بعد أن داست رحاها شعب سوريا وأهلها … تشبه النار التي أضرمت لإحراق ابراهيم ، مع فارق أن المشاركين فيها لم ينقسموا بين مضرم ومطفئ ، فقد ساهم فيها الجميع ، و عبرت عن جميع أنواع الصراعات مختزلة أزمة العالم وكاشفةً لها … فلا يبدو النظام العالمي بخير أو معافى وهو يقف عاجزا عن تقديم أي مساعدة لإنهاء مأساة شعب منكوب ، بل يتدخل جماعة وكل على طريقته في تسعيرها وإطالة أمدها ويتوافق فقط على إدامتها . ليصبح استمرار النزاعات والمجازر هو الحل الوحيد التوافقي الممكن بين مصالح الدول والفرقاء الداخليين ، دون أن يظهر طرف واحد ، أو مسار فعلي يهيئ حقا لإنهائها…  ما عدا السيد ديمستورا وفريقه المكلف ، لكن بشرط واحد هو ضمان بقاء نظام الأسد أصل وعنوان وسبب المشكلة !!!.

ليست داعش أو الحشد الشيعي فقط ، حزب الله أو النصرة ، أو التشدد والإرهاب الاسلامي المعولم بشكل عام هو الظاهرة الوحيدة التي تعبر عن تداعي النظام العالمي واندلاع حرب أهلية عابرة للحدود بين الدول ، بل هناك الكثير جدا من الأزمات والظاهرات التي تدل على تداعي وانهيار النظام العالمي برمته وفي أغلب الأماكن ، إن كان بعوامل ثقافية ودينية تاريخية ، أو اقتصادية وتقنية حديثة عولمت الصراعات وجعلتها تتجاوز قدرة الدول القومية على تعليبها ، فالصراع الدائر في عموم الشرق الأوسط ليس صراعا بين دول أو ثقافات وديانات ، بقدر ما هو صراع داخلها عابر لحدودها .

دول العالم تتوزع اليوم بين دول فاشلة ودول ذاهبة نحو الفشل ودول تعاني من انقسام وصراع داخلي يهدد كيانها بما فيها أمم أوروبا العظيمة النموذجية التكوين القومي ، والتي لم تعد تستطيع الاستمرار في تحمل السياسات الاجتماعية التي يحسم التصويت فيها الأغلبية من العجزة والكسالى المتعيشين على المعونات ، في حين يتربص اليمين المحبط من النظام الديمقراطي للثورة على هذا النظام ، بل على الاتحاد الأوروبي المترهل كله، ويدخله في فوضى عارمة تطيح بهذا العته بواسطة جنون آخر كما هي الثورات عادة … أما الولايات المتحدة فتعاني من شيزوفرينيا سياسية خاصة بها جعلتها تنتقل بقدرة قادر من اختيار رئيس أسود لرئاستها نحو إلحاقه برئيس عنصري مفرط في عنصريته … مما يعبر عن مدى تدهور الحالة العقلية السياسية في المجتمع ، أو تعكس تلاعبا مضحكا فيه ، والتي تنذر بأوخم العواقب ،

أما النظام المافيوي الروسي فهو يخفي بالقمع والجريمة والفساد كل الصراعات والأزمات التي تنتظر فقط الوقت لتنفجر معلنة بدء حرب أهلية نووية في روسيا الاتحادية، وفي الصين الشيوعية هناك نظام رأسمالي غريب وعجيب ، عمال شيوعيون يرسلون للعمل (السخرة ) في شركات أجنبية تبيع سلعها بأرخص الأسعار ، لتخدم فقط في تحطيم اقتصادات العالم ، وبقاء سلطة جنرالات الحزب الشيوعي الماوي الذي تحول لأكبر وأجشع وأحقر رأسمالي نيو ليبرالي في العالم ، والمستثمرين الطماعين المجرمين شركاءه الذين يفرون من دولهم نحوه ويتجمعون حوله منذرين بغزو العالم . بينما تعمل دول النفط على الإفراط في الانتاج لتخفيص سعر النفط الذي تعيش عليه ، وتخفيض قدراتها وامكاناتها ، ليس لهدف سوى اضعاف بعضها البعض ، لتدخل أهم الدول المنتجة للنفط في المنطقة بأزمات بنيوية واجتماعية وسياسية خطيرة تهدد بتفككها .

ولا يبدو الوضع الثقافي أفضل فالصراع القومي ، والديني والمذهبي هو على أوجه ، بعد أن اضيف إليه عولمة هذا الصراع وعولمة العنف والتعصب ، واستخدام وسائل التواصل ، وتفكك المجتمعات التقليدية والأهلية ، من دون القدرة على بناء مجتمعات مدنية صحيحة مما يجعل معظم دول العالم الثالث في خطر الفشل …

يندر أن تجد في العالم منطقة هادئة ، أو تجد مجالا من المجالات لا يعاني من أزمات مهما كان نوعه : مجال بيئي صحي مالي حقوقي قيمي مجتمعي أمني تعليمي … ، أو دولة تستطيع التخطيط للبعيد ولا تنشغل في ادارة مشاكلها وأزماتها الملحة والطارئة ، ويندر أن تجد مجتمعا منسجما استقر على نظام قيمي واقتصادي قابل للاستدامة ، بسبب فرط الاستهلاك وعادات الرفاهية، وسياسات التحديث الغير عقلانية  ، ومفعول العولمة الذي يقوم بتحطيم الدول القومية وتفكيكها ويذهب فيها نحو الفشل ، بينما ينعدم في النظام العالمي المقدس المحترم المشكل على قواعد وقيم ، وينعدم الجهاز التنفيذي الذي يفرض سلطته ، وأيضا الصندوق المالي القادر على تمويل  هذا النظام أو السلطة … فنحن عمليا نعيش عولمة الفوضى التي تجرنا لحرب أهلية عالمية … وسيكتب التاريخ أن الحرب في سوريا وعليها قد كانت شرارة انطلاقها ، فالشعب السوري ليس فقط ضحية صراعات دولية ، بل هو أيضا من ساهم في تدمير سوريا بنزاعاته وخلافاته،  واستدعى القريب والغريب لممارسة هواياته وأحقاده على أرضه وضد أخوته، فهو بحق من أشعل هذه النار  ومن اكتوى بجمرها قبل غيره ، عندما جمع كل أزمات العالم ومثلها ووظفها وسعرها ، ثم أطلقها أفاعي تسعى في كل مكان وتنتشر في دول الجوار وتفككها وتسافر عبر العالم ناشرة الفوضى والحرب ….

شكرا داعش شكرا باسيج شكرا بوتين شكرا شبيحة ، شكرا أوباما وبان كي مون ولا ننسى ابن العربي وحرامية الائتلاف وأمراء الحرب وضباط التعذيب الذي سيشكلون ( كحل وحيد ) حكومة انتقالية يفترض فيها أن تنتقل بسوريا نحو النعيم !!!  لكن الأخروي …  أنتم أيها المشكورون صورة العالم القادم كإسلاميين ارهابيين أدمنوا القتل والتفجير ، ونازيون جدد وعنصريون ، وستالينيون مايون ، وقراصنة ، وتجار عبيد . ومحاكم تفتيش انتقالية … على أيديكم لن تحل مأساة سوريا فقط بقتلكم لها ، بل ستعممونها ويتقدم العالم كله على أيديكم نحو الحرب الأهلية …

بمناسبة العيد السعيد من الصعب تمني أمنيات بعيدة الاحتمال لكي أتمنى لكم العودة والاطمئنان في بلدكم سوريا ، لكنني أتوقع أن ينعاد عليكم العيد وتكون نار الحرب الأهلية العالمية قد وصلت للصين  وروسيا وأوروبا ، وليس فقط  دول الجوار التي ترقص على أكف العفاريت ، ولا عيب في ذلك التمني طالما أنه لم يبق لسوريا من أمل للأعياد القادمة سوى التمتع بمشاعر الشماتة ( بأعدقائها ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.