يثب

كيف خَذَل الجميع سوريا

بعد ثلاثة أعوام على بدء الانتفاضة، تحوّلت سوريا رماداً بالمعنى الحرفي للكلمة. وتشتّت السوريون في مشاهد ينفطر لها الفؤاد ويستحيل على أي منطق استيعابها. المعاناة والألم، غير الضروريين وغير المبرّرين على الإطلاق وغير المستحقَّين بكل تأكيد، يفوقان التصوّر.
كيف عسانا نصف الوضع في سوريا، وبأي منطق يمكننا أن نستوعب أحداث الأعوام الثلاثة الماضية؟ لا تستطيع أقوال أو أفعال في هذه المرحلة أن تخفّف ولو نزراً يسيراً من المعاناة التي عاشها السوريون والتي ستظل تطاردهم طويلاً.
الجُبن هو العنوان. الجميع جبناء ما عدا الضحايا. لنبدأ بجُبن النظام الذي يفضّل رؤية وطنه مدمّراً ومحروقاً بكامله وعقيماً ومهجوراً إلا من الأشباح. هذا النظام لا يردعه شيء من أجل البقاء في السلطة، حتى لو لم تتبقَّ له سوى السلطة على الجثث والأشلاء. كان رئيسه يملك السلطة من أجل الإصلاح، لكنه رفض استخدامها لأن إشراك الجميع ليس ضمن مخططاته. فالتغيير لم يكن يوماً وارداً على جدول أعماله. ولم يتطلّع قط إلى تحقيق الازدهار في سوريا.
الدول المجاورة وباقي المجتمع الدولي جبناء أيضاً. لم يحرّكوا ساكناً عندما كان الوقت مناسباً للتحرّك دعماً للسوريين الذين يرزحون تحت وطأة المعاناة وللمعارضة التي تتخبّط. لم تُتَّخذ أي خطوات فعلية لمنع حمام الدماء حتى عندما كانت الدماء تراق على مرأى من الجميع. وقف العالم يتفرّج على سوريا تنزلق نحو مصير كارثي فيما كان العديد من المسوخ يتقاتلون فوق جروحها وأوصالها المخلّعة.
المعارضة جبانة في انقسامها وافتقارها إلى الرؤية والقيادة والإدارة. كان الزخم موجوداً، والطاقة جيدة؛ قام الشعب بقفزة إيمانية شجاعة ووقف في وجه جلاده، لكنه سرعان ما اكتشف أنه ليست هناك خطة واضحة أو مجهود جدّي لاحتواء الوضع سريعاً وحشد الدعم في وجه نظام متعطّش الى الدماء هو وأصدقاؤه وحلفاؤه.
سوريا يائسة، وجل ما تطلبه هو الرأفة بها. من لديه قلب أو يتحلّى بالرشد لن يقول شيئاً يمكن أن يزيد الأمور سوءاً. إنه وقت الصمت، لقد قيل ما يجب قوله. كانت هناك تحذيرات وتهديدات وجهود ديبلوماسية ودموع والكثير من الدماء والجثث التي لا يجرؤ أحد على إحصائها.
الجُبن اليوم هو أن تكون موجوداً من غير أن تشعر بالأسى أو المسؤولية!

اوكتافيا نصر – النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.