خيار السلام والحل السياسي

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

دأب الأسد القابع في قبوه في جبل المزة على التمسك بخيار السلام في كل مرة يتعرض فيها لضربات اسرائيلية ، والذي سبق له واحتفظ بحق الرد على الضربات الاسرائيلية في المكان والزمان المناسبين ( المدن السورية الثائرة العميلة للصهيونية) ، كما دأب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة المقيم في أتاكوي في استانبول على التمسك بخيار الحل السياسي مع كل مجزرة يرتكبها الأسد في ربوع سوريا، وأصر على استخدام حق الرد على جرائم النظام في فنادق جنيف وعلى شوطئ بحيرتها وفي صفحته على الفيس ، وتمسك بخيار التفاوض معه على رحيله من دون شروط مسبقة تتعلق بفتح المعابر (بل بشرط ألا ينزلوا بفندق واحد )، بينما تتسللت قوارض حزب الله المقاوم الذي توعدت قيادته المستترة في أنفاق وسراديب الضاحية  اسرائيل مرارا وتكرارا برد مزلزل ، خاصة بعد تصفيتها مغنية وأولاده والقنطار ولقطاءه وبدر الدين وسماسرته ..ووو… توعدتها بالرد عليها بما بعد بعد حيفا باتجاه الجنوب ، فوصلت ردودها لما بعد بعد حلب باتجاه الشمال ، فالطريق إلى (القُدُس ) كما يلفظها الفلسطينيون تمر بحسب بوصلة الإمام المستتر من الفلوجة والراموسة باتجاه الصين وروسيا عبر رأس الرجاء الغير صالح في قم …

في حين تشعر اسرائيل بسخافة هذه الحرب المملة مع محور المقاومة والممانعة الذي تضربه فيرد عليها في حمص وحلب والقصير والزبداني وأخيرا في داريا ، فيستقيل وزير دفاعها (بوجي يعلون) لعدم وجود عدو ، وخوفا على القيم العسكرية ، بعد أن تقلص دور جيشه لأطباء عبر الحدود … بينما يشعر الشعب السوري بالقرف من كل الخيارات المطروحة عليه . ويقابلها بالصمت المطبق الذي أصبح خياره الحتمي بعد أن أقيل معنويا بتولية معارضة تافهة تمثله ، وجسديا بعد أن تشكلت تحالفات دولية لإبادته ، و زحزح عن وطنه وأسكن على عجل المقابر الجماعية الخاوية من الناصيات الشاهدات ومن التمييز الجنسي ، أو في مخيمات اللجوء التي تحمل علم منظمات الإغاثة التي تشبه أعلام المثليين لكثرة ألوانها والتي تتكلف على الإعلانات والإعلام أكثر مما تدفعه للاجئين … بينما يرفل المفاوضون ببدلاتهم وربطات عنقهم ومحظياتهم بالنعيم في أفخم الفنادق والقصور … ويبدون الاهتمام كل الإهتمام بالعملية التفاوضية، التي تحولت لمسلسل مكسيكي بدوي قرباطي في مسرح اللامعقول الداعشي الهوليودي السيبيري ، تصور مشاهده في جنيف وموسكو وروما ، ليراه الجمهور في الرقة وباب الهوى والدحاديل والزعتري ، فيستنمي وهو يشاهد فيلم اللقاء الحميمي بين أبناء الوطن المثليين ، الذي أنتجه العبقري كيري ولافروف وديمستورا ، والذين سيسجل أسماءهم أحفاد أحفاد السوريين الذين سينجبهم هذا التلاقح اللاجنسي على مسرح الحل اللاعقلي واللامنطقي واللاأخلاقي .

بعد 200 الف سجين تم اعتقالهم من قبل أجهزة الدولة وتعذيبهم حتى الموت وهم من خيرة الشباب ولكل واحد منهم أم وأخت وولد وزوجه وأب وأخ وعم وأصحاب وأقارب ، سهروا الليالي يبكون ويتحرقون وبذلوا كل جهد ليعلموا خبرا عنه ثم بحثوا طويلا في صور سيزر عن صورته واستمروا حتى الآن تنتابهم الكوابيس يسمعون نداءه واستغاثته ولا يعلمون عن مصيره شيئا ،

وبعد وقرابة مليون قتيل ذهبوا تحت القصف والقنص الهمجي ، و 14  مليون مهجر ومشرد ، ومليون جريح مشوه ، وبعد أن دمرت المدن والمزارع والشجر والحجر …  بعد كل هذه الجريمة يتحدثون عن السلام والحل السياسي والحوار كخيار وحيد للتعامل مع المجرم لكي لا يقتل أكثر ، فتتسابق المعارضة السخيفة للترحيب بهذا الجهد العبقري الدولي وتشمر عن فخذيها للخوض في غمار هذا الحل الحميم على أسرة فنادق جنيف الذي هو خيارها الوحيد أيضا… وكأن شيئا لم يحدث ، وجريمة لم تقع ، ( طبعا في جنيف وفيينا ) وليس سوريا التي لا يتذكرونها … يتعاملون مع الموضوع وكأن الذي حدث هو حرب بين دولتين تفصلهما تضاريس وخنادق وأشرطة شائكة ودبابات ، وليس داخل وطن يفترض أن فيه أمن وقانون يجب أن يطبق ضد أي جريمة . يتحدثون عن السلام  وكأن الصراع هو بين المسلمين والفرنجة في بلاط الأندلس … وليس في حواري دمشق وحمص وحماه وحلب ودرعا ياحيف. وكأن ما حدث ليس جريمة ارتكبها جيش وأمن الأسد عن عمد بحق الشعب السوري ضمن الدولة السورية التي يدعي رئاستها ، والتي فيها قانون وسلطات ونظام للحقوق منذ شريعة حمورابي … فأي منطق هذا الذي يستعملونه في التعامل مع جرائم الحرب ، ولماذا لا يفاوضون البغدادي على بقائه ويختارون الحل السياسي مع التطرف وهو أقل بشاعة من ارهاب النظام .

أي سلام  وأي عار تنقاد إليه المعارضة باسمنا من دون تفويض غير تفويض مخابرات الدول الداعمة، نحن لم نفوض أحدا بدم شهدائنا ولا بالعفو عن قاتلهم ( هل سمعتم يا هيئة التفاوض التي تصبغ شعرها لكي تلتقط الصور في الفنادق ) ….  أي سلام والمجرم ما يزال في منصبه وسط عصابته التي أصبح اسمها مؤسسات دولة يجب الحفاظ عليها لانقاذ الوطن ؟؟؟ وهي مسؤولة مباشرة عن تدمير كل شبر وبيت فيه، أي سلام وبشار سيبقى ويترشح ويفوز بأصوات الأرامل والثكالى الذين قتل أبناءهم ، المصيبة أن قادة المعارضة يتحدثون بكل ثقة بالنفس للمندوبين الدوليين عن استعدادهم للسلام  مع هذا النظام وفي ظله ، ويلتفتون للشعب فيرددوا ذرا للرماد  وبنفس الخطاب أن الأسد زائل زائل لا محالة… طبعا (ككل ما خلا الله) ، لكن قطعا ليس في المدى المنظور وليس بفعل العدالة ولا الجهد الدولي ، بل متروك للفيروسات وخلايا السرطان أو تآكل صمامات القلب … بالله عليكم (قبل أن أشتمكم)  أبعد كل هذه الجرائم التي وقعت في دولة اسمها سوريا هل تتخيلوا أن يعود السلم الاجتماعي فيها من دون تعليق المجرمين على أعمدة المشانق … ؟ ومن دون حزم في تطبيق القانون لمدة 40 عاما حتى تختفي ثقافة الجريمة ، أم أن الحزم سيطبق على الضحية الإرهابي بيد المجرم المعتدل ؟؟؟ … ويحكم ألا تلاحظوا أنهم يتعاملون مع الفريقين المتصارعين كدولتين منفصلتين ، وأن هذا هو مقصدهم من العملية التفاوضية التي يجب أن تطول وتطول ، بانتظار فرض وقائع تقسيمية على الأرض، ثم تفشل المفاوضات كما هو مصمم لها ، فيغلق باب التفاوض وتبقى الوقائع ، أي بلاهة سياسية وأي عته تضيفه المعارضة السورية لفسادها وعملالتها .

بكل غضب وازدراء يا من تسوقون للحل السياسي أقول : أن السياسة هي لغة المصالح ، والحل السياسي وارد طالما نحن في حيز المصالح ، أما التعامل مع الجريمة فيكون بتطبيق العدالة ولغتها القوة والحزم ، والخلاف في سوريا يا من هبطت معاييركم لأسفل سافلين  هو جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وكيماوي واغتصاب واحتلال إيراني وتهجير ديموغرافي، وليس تباين مصالح يمكن حلها بالسياسة … هذا العته العقلي مع النقص الأخلاقي أصبح (بطريقة تثير الأعصاب) خيار المجتمع الدولي بشرقه وغربه شماله وجنوبه يجتمعوا من أجله ويعقدوا المؤتمرات ، ويصدروا القرارات … ويسعون لفرضه كخيار وحيد ، يخيرونا الإذعان التام لبشار المجرم وشريكه الجديد بالحكم بصفة مراقب (المعارض المندوب عن حزب الإخوان الذي سينضم للحكومة لتحمل اسم حكومة وحدة وطنية) ، مع نسيان تام للعدالة والمحاسبة والحقوق بما فيها حقوق الضحايا وحق العودة … وإلا إذا لم نقبل فالويل والثبور … يهددوننا بالتقسيم … تقسيم ؟؟؟ بين من ومن؟  بين حماه وحمص ؟ دمشق وحلب؟  وهي مدن عربية سنية موحدة أبا عن جد لا وجود لسوريا من دونها … هل سنفصل السويداء لتشكل دولة ، أم قرى عفرين أن أحياء من القامشلو … أم ضياع جبلة عن جبلة … لتشكل دول … يهددونا بما هو مستحيل ونحن نصدق ونخاف … إنه تقاسم احتلالات وليس تقسيم .. إما أن يحتلونا جماعة عبر نظام بشار ، أو يحتلونا مباشرة كل على حده … الساحل لروسيا ، والشمال لأمريكا والوسط لإيران …

هذا هو خيارهم الذي يصلح كخازوق لكل المبادئ والحضارات والإنسانية ، وقيم الشهامة والحرية والكرامة الوطنية … وماذا عن خيار الشهداء والمشوهين والمهجرين والمحاصرين ؟ ماذا عن ملايين الناس أين خيارهم … أين خيار الشعب الذي قدم ما لم يقدمه شعب آخر ، وضحى بما لم يضحي به شعب آخر، ولديه من العزيمة والتصميم ما يكفي للقتال مئة سنة أخرى دفاعا عن هويته ودينه وكرامته وحريته … هل يصدقون أنهم بسوق عدد من الانتهازيين المتسولين الذي انتقوهم، وأطلقوا عليهم ما يحلوا لهم من صفات القيادة والتمثيل، قادرين بقيادة هؤلاء على فرض الرضوخ والإذعان على شعب أبي كالشعب السوري  ؟؟؟

من يقرأ التاريخ ومن لديه علم و عنده منطق يدرك أنه لا سلام اجتماعي داخل الأوطان من دون عدالة، ولا عدالة من دون حقوق محترمة ، ولا حقوق من دون منظومة قيم مقدسة ، فالمجتمعات والحضارة لا تبنى على باطل وجريمة  ومجرمين لديهم الحصانة الدائمة. إن ما تفعلونه عودة للهمجية وشرعنة لها ، وتدمير للحضارة والقيم ، وتقويض دائم للسلام والاستقرار … وتصرون على تسميته حلا سياسيا ، وتسمية من يعترض عليه بالمتطرف والإرهابي … أنتم الإرهاب الهمجي عينه  فلتذهبوا للجحيم أنتم وحلولكم ومنطقكم …

ملايين الضحايا وزويهم وأبناءهم وأحفادهم لن يقبلوا بالسلام مع النظام المجرم ، وسوف يتمسكون بخيار اسقاطه ومحاكمته بكل الوسائل ، وإذا تعطلت العدالة ينتقلون للانتقام ، ويعتبرون كل من يسير مع المجتمع الدولي ويتمسك بخياره ، هو آثم بل خائن يستحق العقاب وهدفا للثأر …

لن تقبل أغلبية الشعب المطلقة بالتقسيم مهما كانت المبررات ، فالأقليات موزعة وصغيرة ، ولا يمكنها المطالبة بوطن قومي ولا أرض تاريخية ، فهي أقليات مذهبية وثقافية وستبقى أقليات ( وحقوقها محددة باتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من حقوق الانسان ، ولا يشملها مبدأ حق تقرير المصير فهي ليست شعوبا ) … ولن تقبل أغلبية الشعب السوري أن تكون سوريا من دون هوية ، فهوية الدولة من هوية الأغلبية في القانون الدولي وفي دول العالم قاطبة … حقوق الانسان شيء ، وحقوق الأقليات شيء ، وحق تقرير المصير شيء آخر  ، وهناك حقوق للأغلبية أيضا  … ولن يكون سلام ولا استقرار في المنطقة على حساب الأغلبية من العرب السنة الذين يتعرضون لحرب ابادة ويخوضون معركة وجود ، فيقترح عليهم خيار السلام الذي يكرسهم كأقلية سياسيا وديموغرافيا في سوريا … في ظل تآكل وتهافت الموقف العربي والدول العربية التي يتوجب عليها تقديم المساعدة ، فإذا بها تتلمس رأسها بعد أن حوصرت بالصراعات من الشمال والجنوب والشرق والغرب ، بعد أن حوصرت من داخلها بفسادها واستبدادها ، والتي بدأت تخسر معاركها تباعا في بغداد وبيروت ثم اليوم  تخسر معاركها في دمشق وصنعاء لصالح ايران ، وغدا في المنامة والكويت والدمام . مع أنهم  لو وحدوا جهودهم لكانوا القوة الأكبر في المنطقة . فإيران هي حصان الغرب والشرق لتقويض الوجود العربي ، ولا حل سياسي مع الاحتلال والتهجير …

أي حل هذا الذي لا يتطرق لحرب الإبادة والتهجير والتغيير الديموغرافي الواسع التي تشن في الشرق الأوسط كله … ولا يتطرق للإحتلال والوصاية الأجنبية من قبل إيران و روسيا و غيرهما في سوريا … إنه حلهم هم الذي يريدون فرضه بالتدليس والتعاون مع شخصيات انتهازية من المعارضة جرى اختيارها في ظلمة وكواليس أجهزة المخابرات الدولية ، لإجبار الأغلبية العربية السنية على الاستسلام  للوصاية والنفوذ الأجنبي … إنه خيارهم هم الذي لا يعني الشعب السوري بأي حال أو شكل …

لذلك أدعوا من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان والعقل أن يفهم أن اللعبة هي (تقويض الوجود العربي السني في سوريا عسكريا ثم تثبيت ذلك سياسيا ولصالح ايران كحصان جديد للغرب في الشرق الأوسط بدل اسرائيل التي لا تستطيع بحجمها الصغير لعب هذا الدور مهما كانت فعالية أدائها …)  وأن الرد عليهم يجب أن يكون واضحا بوضوح أهدافهم أي برفض الهدنة ورفض وقف إطلاق النار مع النظام الذي صارا ايرانيا ، وعزل وإقالة كل من تورط وساير وقبل بالتفاوض مع القتلة ، وسار في خطة الأجنبي للوصاية والتقسيم … فدماء شهدائنا وتضحيات شعبنا ليست للبيع ولا لعقد الصفقات بين الدول ، وهوية سوريا التاريخية العربية ليست للتفاوض ، والعدالة والحرية والكرامة قيم أغلى من الحياة ذاتها… ولن نقبل بتكريس الاحتلال الإيراني تحت عنوان الحل السياسي .

وعليه أدعوا أيضا الدول المتدخلة والتي تقدم لنا مثل تلك الحلول والخيارات لأكل خياراتها ولعق حلولها والكف عن التذاكي … فالحرب لن تتوقف حتى تحترم حقوق أغلبية السوريين، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا .

{ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } (سورة يوسف 64)،

{ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } (سورة الإسراء 81)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.