إرحل.. لا شيء لك

كان أفضل رد يمكن لبشار الأسد أن يتخذه، عقب حملة ترشيح الشيخ معاذ الخطيب للرئاسة، هو ترك السلطة مباشرة والرحيل عنها. لكنه بدل أن يفعل ذلك ذهب إلى ما هو أبعد في الهمجية، وحصر المنافسة الرئاسية بشخصه! فهو لم يعتد العيش بغير «سوريا الأسد»، التي ورثها عن أبيه.

البلد تغيّر يا سيادة المرشّح، والسوريون لم يعودوا هم أنفسهم، والتاريخ لن يعود إلى ما قبل 2011 ، وعلى أجهزتك الأمنية أن لا تضحك عليك بتقاريرها الكاذبة، فلا العودة إلى الحكم، ولا استعادة السوريين إلى الحظيرة الأسدية، ولا إنهاء الثورة، أهداف يمكنك تحقيقها بعد الآن، المكابرة لن تفيدك في شيء.

فهل قتال شمشون الجبار الذي يشاهد نهايته الحزينة هو ما يريده الرئيس العتيد؟! أم أن الأمر لا يتعدى عربدة العصابات، عندما يضعها التاريخ أمام استحقاق لا بد منه؟

هل تعتقد أن استحضار الجنود الإيرانيين إلى سوريا، أو جلب مقاتلي حزب الله، أو حتى استعانتك الأخيرة بعبدة الشياطين، سيفيدك في تحقيق أيٍّ من أهدافك؟ هل تعتقد أن فتح سجونك أمام الإرهابيين الذين كنت تحتجزهم ـ لوقت الحاجة ـ أو فتح حدودك على مصراعيها للمجاهدين الإرهابيين، سيعيد الأمور إلى مجراها؟ الجرة انكسرت، وساحت دماؤها، وتشربتها أرضنا، ولا سبيل لجمعها مجدداً، كما كانت قبل آذار 2011.

لذلك، تعال لأقول لك ما لا تريد أجهزتك الأمنية أن تخبرك به. فبعيداً عن كذبة التآمر الكوني ضد البلد، وخطّها المقاوم.. ليس هناك سورياً واحداً ـ بمن فيهم مواليك ـ لا يعرف في أعماقه أن هدفك في قتلك وتدميرك للبلد، هو الحفاظ على كرسي ورثته عنوة عن أبيك، بتسهيلات لا ينساها السوريون من الحراس القدامى وبرعاية دولية وعربية ومحلية.. هذا أولاً.

وكذلك يعرف كل سوري أيضاً، أنك تحافظ على كرسيّك من منطق الذي فتح الخراب على مصراعيه ليطال الشعب والبلد، وأيضاً من منطق أن من قام بالثورة هم مجرّد رعاع، وكانوا إلى حين مجرد أشياء مكملة للمزرعة الموروثة.

قد تبرر وموالوك، بإن وجود مثل هكذا معارضة تدعو للتفكير في عودته إلى الحكم، فهي غير مهيأة لإدارة مدرسة فلمن ستترك البلاد؟ ولذلك لا يزال الأمل قائماً في إعادة تطويع الشعب، خصوصاً في ظل هذا الدعم اللامحدود من قبل روسيا وإيران، مستشهدين بتجربة حماه الدامية في ثمانينات القرن الماضي، حيث استطاع والدك إنهاء أمر المعارضة والقضاء على كل من قال لا.

الآن.. انطلقت الثورة، وحلّ بالبلد ما حل ولا يزال، من مآسٍ لن يستطيع السوريون تجاوزها قبل عقود طويلة من الزمن، وانسفكت دماء السوريين، وانفلش البلد أمام الغادي والبادي. لكن في المقابل أيضاً، فقد نظامك أكثر من نصف البلد، وأنشئت مجالس محلية بعيداً عن سلطتك المركزية، يُؤمّن من خلالها الناس احتياجاتهم اليومية.

ليكبر السؤال هنا.. على من ستطبّق حكمك فيما لو نجحت زوراً في الانتخابات المقبلة، إذا كان أكثر من نصف سكان سوريا قد خرجوا من منازلهم وأكثر من أربعة ملايين هاجروا البلد أصلاً، والعالم لم يعد قادراً على تصديق كذبة الـ 99 في المئة، فتلك الملايين مشغولة الآن بحمل نعوش أبنائها، تلوّح بأكفانهم، وتتجرع أساليب الموت تارة بالقنص، وأخرى بالجوع والمرض؟

بعد كل هذا.. هل بإمكانك وأجهزتك الأمنية ومعهم إيران، أن تتصوّروا بأن يقوم الشعب السوري من جحيمه ليعتذر عن ثورته؟ هل تتخيّل أنت وهم أن تعتذر الأمهات عن خسارة أبنائهن بطلقات قنّاصيك؟ هل تطالب أهالي ضحايا الكيماوي الاعتذار عن تلقيهم لسمومك؟ هل تريد أن يعتذر أهالي داريا والمعضمية ومخيم اليرموك وحمص القديمة عن تجويعهم أمام الملأ؟ هل تأمل أن تعتذر مدننا السورية عن عدم ابتهاجها وهي تتلقى هداياك السماوية البراميلية المتفجرة؟ هل تطالب سيف الله المسلول بأن ينفض الغبار عن جسده ليعتذر عن تدمير ضريحه بقذائفك الحاقدة؟.

هل فعلاً تتوقع أن تعتذر الطوائف السورية عن عدم استجابتها لأوامرك، في الانجرار إلى حرب أهلية، تأكل الأخضر واليابس؟هل تريد من أهالي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس لبنان أن يعتذروا عن موت أبنائهم في سبيل اللاشيء سوى الخراب والفتنة وتفتيت المجتمع؟ هل تطالب الأسر العلوية في الاعتذار عن خسارة شبابها في الدفاع عن كرسيّك؟

ماذا ستقول، في برنامجك الانتخابي، لأكثر من خمسة ملايين طفل سوري، بعد أن جعلت بلادهم الأخطر على الطفولة باعتراف اليونيسيف؟

هل يمكنك أن تتصور، بعد كل هذا الخراب، أن يعلن السوريون توبتهم النصوح، في صلاة جماعية، عن خطئهم في تمرّدهم عليك يا إمام القتل والكراهية؟هل تتصور أنك ستعود يوماً لتقرأ خطابك في مجلس الشعب، ليصيح بك أحد قطعان مجلس التصفيق، بأنه قليل عليك أن تكون ملكاً على الكون؟

بشار الأسد .. إرحل، لا شيء لك.

كاتب وإعلامي سوري
المستقبل

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.