يثب

شهادة صديق سابق لابن خال رئيس النظام السوري قد تستخدم أمام القضاء الدولي «التلغراف»: ماهر الأسد ورامي مخلوف أسسا مجموعات الشبيحة

أجرت صحيفة «التلغراف» البريطانية لقاء مع احد المنشقين عن حاشية بشار الأسد، القت من خلاله الضوء على مهام فرق «الشبيحة» التابعة للنظام السوري والهوية الاجرامية لعناصرها مع ذكر بعض الجرائم الشنيعة التي قاموا بها طوال السنوات الثلاث الماضية. واعتبرت الصحيفة الصادرة في لندن ان هذا التقرير من الممكن اضافته الى الادلة التي ستسلم الى المحكمة الجنائية الدولية في حال احالة جرائم النظام اليها. واشارت الى عدم امكان التأكد من صحة اقوال المنشق بأكملها، لكنها شددت على انها تمكنت من التأكد بأنه فعلا كان على علاقة وثيقة برامي مخلوف وبماهر الأسد وان جميع اسماء مراكز الشبيحة التي ذكرها صحيحة.

واجرى اللقاء مع «عبد السلام» (الاسم المستعار للمنشق المقرب من عائلة الأسد) كل من سلوى امور وروث شيرلوك في شرق تركيا وفي ما يلي ترجمة حرفية لتقريرهما المنشور في «التلغراف»:

اعطى العنصر السابق في الدائرة الداخلية لحاشية نظام الأسد أول شهادة مباشرة حول كيف انشأت العائلة الحاكمة في سوريا ميليشيا الشبيحة، التي يلقى باللوم عليها في بعض من أسوأ الفظائع المرتكبة في الحرب الأهلية السورية، وكيف أعطتها أوامر بقتل وتعذيب المتظاهرين المناهضين للنظام.

عبد السلام، وهو حليف وثيق سابق لرامي مخلوف (ابن خال الرئيس)، وصف كيف انه حضر الاجتماعات التي خطط خلالها السيد مخلوف وماهر الأسد (شقيق الرئيس)، انشاء الشبيحة وغيرها من المجموعات التي أمروها أن تفعل لصالحهم «العمل القذر» عن طريق اطلاق النار على نشطاء المعارضة غير المسلحة.

شهادته لـ«التلغراف»، ادلى بها في شرق تركيا، وهي توفر لمحة اولى فريدة من نوعها ومباشرة عن الأعمال الداخلية لنظام بشار الأسد. ويمكن أن تكون مفيدة للمحققين في جرائم الحرب التابعين للامم المتحدة، الذين يجمعون الأدلة حاليا لاستخدامها في حال تمت احالة القيادة السورية للمحاكمة امام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

على مدى السنوات الثلاث الماضية سيطرت ميليشيا الشبيحة بواسطة اعمال العنف والإفلات من العقاب، ودمرت قرى بأكملها عن طريق إضرام النار في المنازل أو نهبها، واغتصاب وتعذيب وقطع رقاب السكان الذين يشتبه في معارضتهم للنظام.

وعلى الرغم من أن محققي الامم المتحدة قد أشاروا إلى الحالات التي تظهر ان الميليشيا تعمل جنبا إلى جنب مع الجيش السوري، الا ان وجود حلقة مباشرة تربط الشبيحة بأوامر مباشرة من القيادة السورية امر لم يثبت قط صراحة. والآن شهادة عبد السلام تقدم لأول مرة تفاصيل الارتباط الوثيق بين الميليشيا ورأس النظام وكيف قرر كوادر القيادة السورية في بداية الانتفاضة في عام 2011 تشكيل قوة شبه عسكرية يصدرون لها الاوامر سرا لمهاجمة المحتجين المناهضين للحكومة. هذه الشهادة ايضا تتحدث عن كيف عين النظام قادة للميليشيات في جميع أنحاء البلاد وكيف افرج عن سجناء «محكوم عليهم بالإعدام» للانضمام للشبيحة، وبعد ذلك قدم لهم التمويل والأسلحة التي كانوا بحاجة اليها لأداء مهامهم.

عبد السلام كان واحدا من ثمانية أشخاص لبوا عام 2011 دعوة وجهها لهم ماهر الأسد ورامي مخلوف العقلان المدبران وراء تأسيس الشبيحة. قال «عرضوا علينا المال والأسلحة وكل ما نحتاجه لتشكيل ميليشيات». على مدى عقود، كان عبد السلام شريكا للسيد مخلوف (احد أقوى رجال الأعمال في سوريا)، وسرعان ما أصبح واحدا من أكبر تجار السلاح في سوريا. وقال انه كان جزءا من «الشبيحة» الأصليين، وهو مصطلح كان يستخدم قبل الثورة لوصف مجموعات المهربين والمبتزين التي كانت تتركز اعمالها في معقل العلويين الساحلي في اللاذقية. وكانت العين الرسمية تتعامى عمدا عن اساليب التهريب واستيراد وتصدير البضائع بصورة غير مشروعة التي كان يقوم بها هؤلاء الشبيحة في مقابل ولائهم للحكومة.

الحرب وخصومة شخصية مع صديق آخر للسيد مخلوف، سببا انهيار علاقة عبد السلام بالنظام. وهو الآن، يعيش في الخفاء وتحت الحماية المسلحة، وقدم عبد السلام شهادة نادرة عن كيف حول المقربون جدا من بشار الاسد عام 2011 الشبيحة من عصابات تهريب إلى ميليشيات مسلحة عنيفة. وعندما اندلعت احتجاجات مناهضة للحكومة في مدينة درعا الجنوبية، وانتشرت في جميع أنحاء البلاد، تدخل المتشددون في عائلة الأسد، بقيادة ماهر الأسد (الذي يقود الفرقة المدرعة الرابعة من نخبة الجيش) لأخذ زمام المبادرة من الرئيس. واوضح السيد سلام «ان ماهر هو الذي لديه السلطة الحقيقية الآن.

[ في ايار 2011 تم نشر شريط فيديو على يوتيوب يظهر فيه ماهر محاطا بمسؤولون أمنيين، يطلقون الذخيرة الحية على الاحتجاجات غير المسلحة في حي برزة في دمشق. وفي الشهر نفسه فرض الاتحاد الاوروبي عقوبات ضد ماهر، واصفا إياه بأنه «المشرف الرئيسي على العنف ضد المتظاهرين». ولكن دوره في الاعتداءات ازداد بدل ان ينحسر. وبعد ذلك بشهرين ، في تموز 2011، تلقى السيد عبد السلام مكالمة من السيد مخلوف «دعيت إلى اجتماع في دمشق. ماهر ورامي اشرفا على الاجتماع. قالوا لنا إنهم يشعرون بالقلق من ان الجيش، أمام وسائل الإعلام في العالم، لا يمكنه استخدام القوة اللازمة لوقف الاحتجاجات ولا يمكن أن يظهر امام الرأي العام المحلي والدولي انه يطلق النار على المتظاهرين». اضاف «فكرتهم كانت: دعونا نبقى أيدينا نظيفة من خلال إنشاء مجموعة شبه عسكرية للقيام بهذا العمل القذر. ارادوا تعيين كل واحد منا مسؤولا عن ميليشيا الشبيحة في منطقة مختلفة من البلاد، وطلبوا الينا أن مهمة الشبيحة ينبغي ان تكون ترويع المحتجين. وأعربوا عن اعتقادهم حقا أنه يمكن ارهاب المعارضة حتى الخضوع، وان المحتجين سرعان ما سيخافون ويعودون قريبا الى منازلهم».

ونفى المسؤولون السوريون على الدوام استخدام ميليشيات موالية للنظام لتكثيف الحملة على المحتجين وارتكاب الفظائع بالنيابة عنهم. لكن عبد السلام اكد ان التعليمات التي تلقوها من النظام في ذلك الاجتماع كانت «محددة» واوضح «امرونا بقتل المتظاهرين المسلحين أو غير المسلحين، وان نعذب بشدة من نقبض عليه». ثم انتقل الاجتماع بعد ذلك إلى تفاصيل كيفية تشكيل الميليشيات، وكيفية تجنيد المقاتلين فيها. وقال عبد السلام «قال لنا ماهر انه يمكننا ان نوظف شبيحة لوحداتنا من بين السجناء المحتجزين في حمص وطرطوس. وفجأة اطلق سراح معظم السجناء العلويين الذين كانوا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام على جرائمهم. وبمجرد إطلاق سراحهم، فإن المدانين السابقين لم يكن لديهم خيار، كانت تدفع لهم رواتب ويؤمرون بالانضمام إلى الشبيحة».

وعلى الرغم من ان التلغراف لا يمكنها التحقق بشكل مستقل من مزاعم عبد السلام عن الاجتماع، الا ان الصحيفة تلقت تأكيدات من مصادر موثوقة أن علاقة عبد السلام بالسيد مخلوف حقيقية. كما تم التأكد بشكل مستقل من تفاصيل محددة أخرى اعطاها لنا مثل مواقع قواعد الشبيحة في حلب وأسماء قادة الميليشيات المحلية.

في الأشهر التي تلت ذلك، تحولت الشبيحة من عدد قليل من الموالين المرتدين لملابس مدنية الى عصابات تجوب كل قرية وبلدة في سوريا لاصطياد أي شخص يشتبه في معارضته للرئيس الأسد. تم تزويدهم بالاسلحة، وقيل لهم ان لا قيود ولا حدود لما يمكنهم القيام به. في عام 2012، التقت التلغراف احد الشبيحة الذي وصف كيف اغتصب وقتل طالبة جامعية في حلب. كان ثملا تحت تأثير الكحول ومحصنا بشعور القدرة على الإفلات من العقاب، واوضح انه ورئيسه بكل بساطة اختطفا الفتاة من الشارع وأخذاها إلى مبنى مهجور. وبعدما اغتصباها أطلقا عليها النار.

[ في عام 2012 ، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا من 102 صفحة اتهمت فيه القوات الحكومية السورية والشبيحة بارتكاب جرائم حرب وتعذيب وارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 100 مدني، نصفهم تقريبا من الأطفال، قرب بلدة حولا السنية في ايار من ذلك العام.

عبد السلام الذي رفض خلال الاجتماع ما عرض عليه لقيادة مجموعة من الشبيحة، كان شاهدا رغم ذلك على وحشية هؤلاء عن قرب. في بدايات العام 2012 زار زميلا له يدعى علي قازاق الذي اصبح قائدا لاحدى مجموعات الشبيحة في حلب. زارهم في مقرهم في حلب الكائن في مركز رياضي سابق في حي السليمانية تم تحويله لمركز عمليات لمئات العناصر من الشبيحة. وقال عبد السلام «الى هناك كانوا يقودون الضحايا. لقد شعرت بالقرف من المشاهد التي رأيت. لقد شاهدت قازاق وصديق له يعذبان صبيا عمره 15 عاما. كان يحمل كل منهما البيرة في يد وسكينا في اليد الاخرى. لقد كانوا يطعنون الصبي المقيد ببطء وبسادية وكانا يضحكان كلما كان يصرخ من الالم». وقال عبد السلام ان «اصغر الشبيحة العاملين في المركز كان صبي عمره 16 عاما وقد تعلم صنوف التعذيب وكيف يستخدم السكاكين والعصي والصعق الكهربائي. وعندما كانت ضحايا الشبيحة تفارق الحياة كانت جثثهم تلقى في مياه نهر يبعد 300 متر عن المركز وتترك لتطفو على سطح الماء ليجرفها التيار معه». اضاف «هذه الاعمال والمهمات هي التي كان هؤلاء الشبيحة يقدمون فيها تقارير الى ماهر الاسد ورامي مخلوف. لقد كان قازاق وقادة مجموعات الشبيحة الاخرين يطيرون الى دمشق مرة كل ستة اشهر لتقديم تقاريرهم وكانوا احيانا يتلقون اوامر مع لوائح بأسماء الضحايا المطلوب التخلص منهم. وفي اغلب الاحيان يكون المستهدفون زعماء عشائر او رجال دين تجرأوا على الكلام ضد النظام. عندما رأيت قازاق يقوم بالتعذيب بهذه الطريقة، شعرت بالغثيان واعتبرت منذ ذلك الحين انه امعن كثيرا في الطغيان والاجرام». وختم عبد السلام شهادته قائلا «ارسلت مجموعة من رجالي لاختطاف علي قازاق، لكن تم القاء القبض عليهم وتعذيبهم. وبما ان قازاق علم انني انا من ارسلهم فقد تحتم علي مغادرة سوريا فورا».

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.