المتطوعون الشيعة يحرفون مسار الحرب لصالح الأسد… وإيران تعمل على تماسكهم

لندن- ‘القدس العربي’ خصصت صحيفة ‘فايننشال تايمز′ تقريرا عن المقاتلين الشيعة الذين تدفقوا إلى سوريا للقتال من أجل الأسد قائلة ‘إن المقاتلين المسلمين الشيعة الأجانب المدفوعين بهوية دينية مسيسة يحضرون إلى سورياللقتال من أجل الرئيس بشار الأسد وبأعداد يقول المراقبون إنها تماثل بل وتتفوق أحيانا على المتشددين السنة الذين يقاتلون إلى جانب المعارضة المسلحة’.
ومع أن عدد المقاتلين الشيعة في سوريا يظل محل نقاش إلا أن وصولهم وبأعداد كبيرة يظهر الكيفية التي دخلت فيها سوريا نسيج المجتمعات الشيعية في المنطقة وهو ما يقدم فائدة للنظام السوري وداعمته الرئيسية إيران وفي الوقت نفسه يشكل مخاطر عليهما.
وعليه فالتقديرات لعدد الشيعة المقاتلين في سوريا يتراوح ما بين 8.000 إلى 12.000 جاء معظمهم من لبنان والعراق، وهناك بعض التقارير تتحدث عن وصول أعداد من أذربيجان وأفغانستان. وهذا العدد يقارب عدد المقاتلين السنة الذين جاؤوا من دول مختلفة في العالم العربي والإسلامي. ولاحظت الصحيفة أن الجماعات الشيعية تستخدم الأساليب نفسها في التجنيد والتي تستخدم في مواقع المتشددين السنة. فأفلام الفيديو تحمل أغاني وموسيقى مثيرة للإنتباه تدعو للتجنيد.
ويظهر شريط مسلحين وجوههم خارجة من الصورة بطريقة تشير إلى أن آخرين سيحلون محلها وتحتها عبارة ‘حان الوقت للخروج والإنضمام للحسين’.
وتنقل الصحيفة عن لقمان سليم، وهو ناشط شيعي يعارض ويراقب حزب الله الذي دفع بآلاف من عناصره في الحرب السورية قوله إن المسألة لا تتعلق بمقاتلين اثنين يطلقان النار على بعضهما البعض، فكل مقاتل يحتاج إلى ثلاثة أو أربع أشخاص خلفه، فانت تحتاج لدعم اتصالات، وإسعاف أولي وسائقين.
وعندما يقول حزب الله إنه أرسل 5.000 مقاتل إلى سوريا فهذا يعني أنه أرسل 20.000 شخص.
وفي العادة يتم تقدير عدد المقاتلين الأجانب في سوريا على ما تقدمه وسائل التواصل الإجتماعي وإحصاء القتلى، ومن هنا لا يمكن الجزم بعددهم وما هو واضح أن أعدادا بهذه الكثرة تعمل على مفاقمة المشاعر الطائفية وزيادة حرب الوكالة التي تجري على أرض سوريا بين رعاة النظام الشيعة (إيران) ورعاة المعارضة السنة (دول الخليج).

عامل قوة 

وتشير الصحيفة إلى أن تدفق المقاتلين الشيعة يأتي في وقت حاولت فيه الولايات المتحدة وروسيا العمل على وقف إطلاق النار وتحقيق اتفاقيات هدنة محلية لفتح المجال أمام الإغاثة الإنسانية كي تصل إلى المنكوبين والمحتاجين في المدن المحاصرة والمناطق التي تحتاج إلى المساعدة الإنسانية الماسة.
وبالمقارنة مع الدور الذي يلعبه المقاتلون السنة الذين تحولوا لعامل انقسام وزادوا من فرقة الفصائل المعارضة فقد حقق المقاتلون الشيعة نجاحا وخدموا النظام بشكل إيجابي، وهذا يعود كما يقول المراقبون إلى الدور الذي تلعبه إيران والتي تشجع وتنظم وتدرب وتنقل المقاتلين إلى سوريا للقتال مع الميليشيات المؤيدة للنظام.
ويرى فيليب سميث المحلل الذي يعمل في جامعة ميريلاند الأمريكية ويراقب دور المتطوعين الشيعة في سوريا أن الفارق الأكبر هو ‘دعم الدولة’ أي بين المتطوعين السنة والشيعة.
ويقول إن دعم إيران للمقاتلين الشيعة يقوي وحدة فصائلهم مقارنة مع المقاتلين السنة الذين عادة ما يتخذون قرار السفر إلى سوريا بشكل شخصي ويسافرون على حسابهم ويختارون جماعة من جماعات المعارضة المسلحة للقتال معها وبطريقة غير مدروسة.
ونتيجة للتنظيم والتدريب الذي يتلقاه المقاتلون الشيعة فقد تركوا آثارهم على التحول في ميزان الحرب خلال الأعوام الثلاثة الماضية والذي انحرف في معظمه لصالح نظام الأسد.
واستطاع الجيش السوري استعادة المبادرة في عدد من المناطق حول دمشق ووسط سوريا إلى المناطق الساحلية.
وتنقل الصحيفة عن مسؤولة في مجموعة الأجيال الجديدة للإستشارات في بيروت قولها إن الأسد كان قبل عام 2013 قد خسر مساحات شاسعة من البلاد وعندما وصل المقاتلون حصل تحول واضح في ميزان القوة على الأرض.

فكرة قيامية

وما يدفع المقاتلين الشيعة إلى المعركة هو الفكرة التي تتحدث عن عودة المهدي المنتظر وخروجه من غيبته الطويلة بعد حصول معركة ضخمة في سوريا.
وتظهر الرواية الشيعية للمعركة الحاسمة التي سيخوضها الإمام المهدي المقاتلين السنة وجماعاتهم بأنهم الجيش العدو الذي سيقاتله الإمام. ومن هنا يدعو قادة وأئمة الشيعة أتباعهم للتحضير لهذه اللحظة.
وتنقل وما قاله جلال الدين الصغير داعيا إلى ضرورة التحضير للحظة خروج الإمام والتدرب على القتال ‘من يريد التحضير لهذه اللحظة، ما هو حظه من التدريب العسكري؟’ فإذا لم يأخذ دروسا في الحرب فماذا سيكون نفعه.
وتنقل عن حيدر الخوئي الخبير في معهد تشاتام هاوس- لندن قوله إن الشباب حتى الذين لا خبرة قتالية عندهم عبروا عن رغبة في المشاركة في القتال ويتلقون تدريبا لمدة أسبوعين في إيران.
وفي العادة تلتزم الجهات بعائلات من يسقطون في القتال حيث تتولى الجهات التي أرسلتهم تعليمهم وتوفير العلاج الصحي المجاني لهم. والتقارير التي كتبت في الآونة الأخيرة عن المقاتلين الشيعة في سوريا، أشارت إلى الدور الذي أصبحت تلعبه ‘عصائب الحق’ العراقية التي تقوم بالتجنيد والتدريب وتختار عادة الشباب العزاب للقتال في سوريا.
وتشير تقارير إلى أن رحلة المتطوعين تبدأ بالتدريب لمدة أسبوعين في إيران وينقلون منها إلى سوريا وفي حالة مقتل المتطوع فينقل لإيران ومنها للعراق حيث يدفن في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف.
وتستخدم الجماعات الشيعية التي تستهدف الشباب موضوع الدفاع عن مقام السيدة زينب في جنوب دمشق للحشد والتجنيد.
واقترحت تقارير أخرى دوافع إقتصادية غير الحماس الديني وخروج المهدي المنتظر. وفي العراق ولبنان فقد يكون الوضع الإقتصادي دافعا إن أخذنا بعين الإعتبار نسبة البطالة العالية بين الشباب 30′ في لبنان و20′ في العراق، فالتطوع في سوريا يمنح الشخص فرصة للحصول على راتب أيا كان كمقاتل أو حارس.
وينقل تقرير’فايننشال تايمز′ عن أحد سكان الضاحية الجنوبية قوله ‘بدلا من الجلوس والتدخين فهناك فرصة للحصول على راتب’، مضيفا إن عائلات الشهداء منهم تحصل على مساعدات في التعليم والصحة وكل ما تحتاجه.
ورغم كل ما قدمه المقاتلون للأسد من دعم وتقدم في ساحة المعركة فقد يتحولون إلى عبء يهدده ويضعفه تماما كما فعل المقاتلون الأجانب مع جماعات المعارضة للأسد، حيث أسهموا في تقدم قوات المعارضة وسيطرتها على مناطق واسعة ثم انتهوا طرفا في الإقتتال وأضعفوا. وفي السياق نفسه فقد يبحث الشيعة عن مصالحهم حالة افترقت مع مصلحة النظام.
وتظهر وسائل التواصل الإجتماعي خلافا في المصالح بين نظام الأسد والمتطوعين الشيعة حيث تشير أشرطة فيديو لمقاتلين شيعة وهم يرقصون بالكلاشنكوفات ويغنون ‘نحن لسنا مع بشار بل همنا هم الشيعة’.
وتتهم عصائب الحق التي تعتبر المزود الرئيسي للمقاتلين من العراق الأسد بإرسال المقاتلين السنة لقتال الأمريكيين أثناء الغزو الأمريكي. ويظل وجود إيران كراع ومسهل لعمليات نقل المتطوعين عاملا في التخفيف من حدة هذه المخاطر، على الأقل في الوقت الحالي.
ولا يخفى على المحللين العسكريين أن جيش الأسد بات يعتمد بالدرجة الأولى على مقاتلي حزب الله، وصدرت تصريحات من بعض قيادات هذا الأخير تشير إلى الدور المحوري الذي لعبه المقاتلون في القصير وحملة القلمون الأخيرة.

دعم أمريكي

وفي محاولة لتقوية ساعد المعارضة السورية وحل خلافاتها بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في السعودية ودول الخليج عملية دعم الجماعات ‘المعتدلة’ في الثورة السورية وفتح جبهة جديدة في جنوب سوريا أطلق عليها ‘الجبهة الجنوبية’ وفي تقرير لمجلة ‘فورين بوليسي’ أشار غوردون لوبولد إلى مساعدات ستصل إلى المقاتلين السوريين عبارة عن أموال بملايين الدولارات والتي هي عبارة عن رواتب للمقاتلين إضافة إلى عربات عسكرية وسيارات إسعاف وأجهزة اتصالات.
وهذه ليست أول مرة تظهر فيها تقارير عن دعم أمريكي للمعارضة فقبل مؤتمر جنيف وقادة المعارضة السياسية يقولون إنهم سيحصلون على أسلحة نوعية. وفي شباط/فبراير عاد الحديث من جديد. وكانت صحيفة ‘لوس أنجليس تايمز′ قد أشارت لوصول بعض المساعدات المالية إلى المقاتلين ولكن لم تصل الأسلحة التي وعدت بها الجماعات المسلحة وسط شكوك من قادتها.
وبدأ الحديث عن الجبهة الجنوبية في منتصف شباط/فبراير الماضي عندما نشر قادة المعارضة المسلحة بيانا وقع عليه 49 فصيلا مختلفا في جنوب سوريا تحت اسم ‘الجبهة الجنوبية’ وعبر قادة هذه المجموعات عن أنفسهم باعتبارهم صوت الإعتدال للشعب السوري.
ولاحظ آرون لوند الباحث النرويجي ومحرر ‘سوريا في أزمة’ في موقع مركز كارينغي أن ما يميز البيان أنه لم يشر إلى الدين من قريب أو بعيد على الرغم من أن معظم الجماعات المقاتلة تبنت كل واحدة منها نبرة إسلامية.
وتقول المعارضة إن عدد مقاتلي الفصائل الـ 49 (وبعض المصادر تقول إنها 56) يصل إلى 30.000 مقاتل مع أن العدد بشكل مؤكد مبالغ فيه ويتوزع هؤلاء على مناطق القنيطرة ودرعا والسويداء وخارج دمشق. ويشير لوند إلى بعض الفصائل منها كتيبة اليرموك التي يتزعمها بشار الزعبي الذي يقود أقوى فصيل في درعا.
وقال إنه يقود ما بين 3.000 4.000 مقاتل وعينه المجلس الأعلى للثورة السورية رئيسا للجبهة ويقوم بتسهيل عمليات نقل الدعم الخارجي.
وهنا جبهة ثوار سوريا التي يقودها جمال معروف الذي يعمل في الشمال لكن بعض الكتائب التابعة لها تعمل في الجنوب مثل ‘الكتيبة العمرية’ التي يقودها قيس قطاعنة.
ويعتقد الكاتب إن البيان صحيح مع أن عدد المقاتلين في التحالف مبالغ فيه إلا أنه سيظل تحالفا على الورق وسيكون قاصرا عن العمل المشترك، ويعترف بيان شباط/فبراير بهذه الحقيقة فلا حاجة للقيادة المشتركة وكل قائد سيواصل العمل بمفرده والتنسيق سيكون فقط في المعارك المشتركة.
ويواصل لوند القول إن شيئا لم يحدث منذ البيان ولم يحاولوا نشر معلومات عن مشروع الجبهة الجنوبية. ويبدو أن الإعلان عن الجبهة الجنوبية مرتبط بالحديث عن حملة الربيع التي جاءت بعد فشل محادثات جنيف وتطور الموقف الأمريكي وتسليح المعارضة بمعدات غير فتاكة.
ولم تحقق حملة الربيع سوى إنجازات متواضعة منذ ذلك الوقت والتي تمت فيها السيطرة على عدد من القرى والقواعد وسجن وهي إنجازات لم تدفع الحكومة للقيام بعمليات قصف جوي في الجنوب. وينتهي الكاتب بالقول إن التحالف الجديد أو الجبهة الجنوبية كانت لأغراض الإستهلاك الخارجي وارتبطت أيضا بالتقارير التي تحدثت عن قرب شحن أسلحة للمقاتلين وبتمويل سعودي.
ولكن شيئا من هذا لم يحدث بعد، حسب عدد من قادة الجبهة الجنوبية التي لم تظهر إلا في البيان. ومشكلة المعارضة السورية وهي عدم وجود داعمين لها مثل ما تدعم إيران وروسيا النظام في دمشق.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.