د. كمال اللبواني
عادة يكمن الشيطان في التفاصيل ، أما في اعلان جنيف فالشيطان يكمن في الشكل والتفاصيل معا .ومن يطلع على بيان مجموعة العمل من أجل سوريا الصادر يوم 30 يونيو 2012 سوف يشعر كم هو مشوش وغير واضح وغير موفق لا في شكله ولا مضمونه ، أما من يقرأه قراءة شيطانية ( باحثة عن مطبات وخفايا ومنطلقة من مبدأ سوء النية وليس حسنها ) وله الحق في هكذا قراءة ليس فقط من باب الحرص بل من باب عدم الثقة بمن يدعون صداقة سوريا نظرا للطريقة التي يتعاملون بها مع جرائم وكوارث بهذا الحجم . مما يعطي قراءتهم هذه أولوية ، على حساب القراءات الأخرى ( الطيبة النية ) التي تبدو لنا لذات السبب مجرد سذاجة وبلاهة سياسية .
منذ البداية وكما قلنا سابقا تمت مقاربة جنيف للثورة في سوريا باعتبارها أزمة ونزاع بين طرفين وليست ثورة شعب على نظام مارس الإجرام وأمعن فيه ، ولم تلحظ ارتكاب النظام لجرائم الحرب واستخدامه للسلاح الكيميائي ولم تهتم بحقوق الشعب السوري بالحماية والعدالة والغوث .
وبالتالي مجرد قبول المعارضة بجنيف يعني اعادة الاعتراف بالنظام على الأقل كطرف مقابل مساوي ، بعد أن اعتبره العالم بأغلبيته نظاما فاقدا للشرعية . ومجرد الجلوس معه او مع وفد يسميه (لا فرق ) سوف يستوجب وقف اطلاق النار ( البند الأول فقط الملزم من النقاط الست ) وبالتالي توقف الثورة المسلحة (وهنا بيت القصيد ) فالنظام الذي ما فتئ يستجدي الهدنة في كل مكان ، والذي كان على الدوام يخشى أمرين فقط هما التدخل الأجنبي وهجمات الثوار العسكرية . و الذي لا يتأثر جديا بأي ضغوط أخرى … يحقق هذا النظام فرصة البقاء بمجرد حضوره لجنيف ، ويصبح الطرف الثاني محاصرا بقطع الإمداد عنه ، بينما النظام يتابع تنكيله وحصاره وتهجيره للشعب ،لتشكل كل هذه الضغوط عاملا لصالحة في فرض الإذعان على الثورة ، أو للقبول بالحدود الحالية بين طرفين لم يتوصلوا لتوافق . ولهذا السبب تراه مستعجلا في استكمال رسم حدود دولته الطائفية . أما البنود 2-6 فيقول النص أنه يجب اتخاذ إجراءات ذات مصداقية وبادية للعيان فيها ….
أغفل البند الثاني وهو سحب الجيش لا في التفاصيل أو الجدول الزمني وكذا عودة المهجرين ، و تقلص بند المعتقلين إلى المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين تعسفا ، وبسبب نشاطاتهم السلمية ، والباقين مؤجلين لمرحله غير محددة الزمن ولا الآلية ، ولأننا تعودنا أن يوجه النظام تهما تتعلق بالعصيان المسلح وتمويل الإرهاب للمتظاهر وللممرض والطبيب وشيخ الجامع وكاتب المقال ، فهذا يعني أن أحدا لن يخرج من السجن ( مثلا سجناء ربيع دمشق عام 2001 وجهت لهم تهمة التحريض على العصيان المسلح ) ناهيك عن عدم وجود قوائم للمعتقلين معلن عنها ، و قد تبخر مئة ألف مواطن معظم موثق اعتقالهم من قبل نشطاء من الوجود كليا ، ولم تعترف السلطة باعتقالهم . ولا نعلم شيئا عن مصيرهم ، ولا نعلم إذا هم ما يزالون على قيد الحياة ، أو أنهم سيبقون في فترة التفاوض أحياء ولا تتم تصفيتهم ، بالنظر للغياب التام للوثائق المتعلقة بالاعتقال ، وتفتيش المعتقلات .
والنص يطالب بالحفاظ على مؤسسات الدولة بما فيها الأمنية وتفكيك وحدات الجيش الحر أو دمجها بالجيش النظامي ، تحت قيادة عليا …
وفي الخطوات العملية يقول( أن النزاع لن ينتهي حتى تتأكد كل الأطراف أن الحل هو فقط عبر الحوار السلمي والتفاوض حصرا ، ويعارض أعضاء المجموعة أي زيادة في عسكرة النزاع ويمارسون ضغوطا متسقة ومطردة على الأطراف للتنفيذ ، ) أي ما نراه اليوم من قطع الامداد والتموين والاغاثة ، و من وعود كاذبة ، يقع في هذا السياق ، في حين أن النظام يستمر في تلقي السلاح والمقاتلين من كل مكان وعلى عينك يا تاجر ، مع ابتسامة الغرب لدرجة الترحيب الذي يريد استنزاف كل قوى المنطقة ( الإرهابية )
أما بند العدالة فما يزال مغطى بكلمة انتقالية ( على الماشي وشلون ما كان ) وتحت مبدأ المسامحة والمصالحة ، على طريقة جنوب افريقيا والاعتراف الكنسي . لأن القتلى والجرحى والمشوهين هم أشياء وهمية افتراضية ناقصة الأهلية والحقوق ، ولا ندري لماذا لا تكون العدالة راسخة وثابتة كمبدأ لا بد منه في قيام المجتمعات واستقرار السلم ، في منطقة تعاني تاريخيا من حروب واضطرابات متواصلة وتتقلب بين الحرب والسلم .
أما وفد المعارضة فسيقسم لمكونات كردية وعربية ويضاف اليه جزء من عباءة النظام تحت مسمى معارضة الداخل ،
فالحوار المطلوب ليس بين الشعب والنظام ، ولا بين المعارضة والسلطة ، ولا بين المتحاربين ، بل بين النظام موحدا (ممثلا برئيسه المطلق الذي يبقى في مكانته ) مع أطراف أخرى مختلفة منها الثوار الذين يتوقع منهم العودة لبيت الطاعة . وكل ما نحصل عليه هو وعد بالنظر بمصير المعتقلين وامكانية اعادة النظر بالدستور ، واجراء انتخابات أفضل من السابقة ، والتعويض شكليا على المتضررين ضمن تسعيرة خاصة للرأس والقدم والاختفاء ؟؟؟؟؟
الكارثة المتوقعة بعد تقديم كل هذه التنازلات ، أن يفشل الحوار بالتوصل لحل سياسي خاصة عندما يصر بشار على الوزارات السيادية وتثبيت الدستور . بكل تأكيد يتأسف المجتمع الدولي ويعيد اطلاق المبادرة بحلة جديدة تبدأ مما وصلت اليه جنيف 2 أي من فشل الحل السياسي واستحالة العسكري بل منعه ، وبالتالي لا يبقى سوى البحث عن تلطيف الصراع بين الطرفين ، ووقف القتال وتطبيع العلاقات ، وفق صيغة تقسيمية ما مشابهة للعراق أو لبنان أو أسوأ منهما ، وهو ما قاله البيان حرفيا من أن وحدة وسلامة أراضي واستقلال سوريا يجب أن تحترم لكنها مرهونة بنجاح الحل السياسي (الذي لا أمل في تحققه وفق كل المعطيات ) ؟؟
بعد ذلك كيف سنتصرف ؟؟:
لا نرفض الذهاب لأن ذلك يجعل من النظام حمامة سلام ويقطع عنا ما تبقى من دعم .
بل نعلن أننا لا نمانع الحضور بوفد سياسي موحد ، لكننا لا نقبل وقف إطلاق النار قبل اسقاط النظام وتحقيق العدالة وطرد الأجنبي المحتل وضمان وحدة سوريا .
كما أننا ولكي نضمن جدية الأطراف الدولية في رعايتها نطلب منها أن تقوم بمسؤولياتها تجاه حماية المدنيين ، ومنع استخدام الأسلحة المحرمة ، وتحويل ملف جرائم الحرب في سوريا للمحاكم الدولية ، والطلب من المقاتلين الأجانب مغادرة سوريا تحت البند السابع . وتأكيد ضمان مجلس الأمن لوحدة واستقلال سوريا وحقوق شعبها في اختيار السلطة التي يريد . وانجاز التحول الديمقراطي برعاية دولية
ما نقوم به هو تنسيق الجهود لمتابعة الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية على النظام وحلفائه لإقناعهم بالتخلي عن السلطة ، بالتزامن مع فتح باب الحوار بين مكونات المجتمع لانضاج عقد وطني وشرعية جديدة بديلة عن هذا النظام . وهنا يجب أن يصب الجهد الدولي السلمي ، وليس لإنقاذ النظام والمصالحة مع المجرمين .
ما نقوله أن الثورة ليست دولة لكي تستسلم حفاظا على كيانها تحت ضغط ما ، الثورة تهدف أصلا لتغيير كيان الدولة وبالتالي الضغوط عليها تجعلها تغير مسارها وتعدل أيديولوجياتها ، فهي تستطيع التفاعل مع الظروف المتغيرة ، وقد فعلت ذلك وتحولت من ثورة حريات ديمقراطية لجهاد ضد مجرم وعدو ، ومن ثم لصراع قومي ومذهبي ، وقد تغيرت أيديولوجياتها و شعاراتها سابقا وتتغير تبعا للحاجة وربما تنتشر تبعا لذلك نحو مناطق أخرى وقد تتلاقى مع الثورات الأخرى في المنطقة وقد تكتشف الشعارات الجامعة لها على أرضية قومية دينية تاريخية تهتم في استعادة المقدسات واعادة رسم خريطة المنطقة كليا . نظرا لوجود العامل الصهيوني في كل التفاعلات السيئة في هذه المنطقة ، ووراء الكثير من التدخلات الدولية فيها .