يثب

شرح وتبسيط لموقف الائتلاف من جنيف

د.كمال اللبواني

بالأصل جنيف اعتمدت تشخيصا خاطئا للأزمة في سوريا ، فساوت بين المجرم والضحية، واعتبرت الصراع بين طرفين وليس بين سلطة وشعب ، وتعمدت بالتالي الغموض في المسألة الأساسية في الصراع وهي بقاء النظام أو سقوطه.

موقف الإتلاف :

الائتلاف يضم ثلاثة مجموعات ..  الأولى وهي نصف الأعضاء بعد التوسعة وتوسعة التوسعة .. لسان حالها الضمني أننا قد خسرنا المعركة ، واستمرار الصراع سوف يؤدي لفوز إما النظام أو الاسلاميين وكلاهما أعداؤنا . وبالتالي جنيف هي البوابة الوحيدة المتبقية لنا للبقاء في مواقعنا السياسية ، لذلك يجب علينا الذهاب مهما كانت الظروف  وأخذ ما يعطيه لنا حليفنا الدولي .. وهم فعلا وقولا ، قلبا وقالبا، وكلاء هذه الدول ، وهم سيذهبون في كل حال  باسم المعارضة أو باسمهم الشخصي، وهذا ما يتطابق مع موقف هيئة التنسيق،  ويراهن عليه الروس والأمريكان والغرب عموما، ووجهة النظر هذه تعبر عن أغلبية الأقليات ، و عن منتفعي النظام البائد ورجال الأعمال الذين تضرروا من الثورة ، والأحزاب اليسارية ، والليبراليين ، والديمقراطيين الذين يخافون التشدد الاسلمي .

ثلث الأعضاء يخشون موقف مضاد للشارع ومعادات الاسلاميين علنا ، فيقولون يجب القبول بمبدأ الذهاب ولكن بضمانات ومحددات لا تسمح بإعادة انتاج النظام ، وهو ما قد يرضي الشارع شكلا،  فيسمونها أمام الشارع شروط ولغيره ضمانات ، ولا يوضحون متى يجب أن تتحقق ، فيذهبون ولا يخرجوا من اللعبة ولا يسقطوا جماهيريا، بذلك وبعدم الوضوح سوف يحجزون الحصول على أغلب الكعكة، هذه الفئة تعبر عن موقف الذين تضرروا من النظام السابق وفقدوا أي امكانية للتعايش معه ،  لكنهم تعبوا من الظروف الصعبة الراهنة ويريدون الحج خلاص ، و تضم أغلب المتسلقين الذين صعدوا على أكتاف الثورة ، وزاودوا في قضاياها ، واعتبروها فرصة للوصول للسلطة والثروة .

البقية وهم قلة .. أقل من الربع : يرون أن لا قيمة لأي ضمانات ورقية، ولا بد من اجراءات فعلية يتم اتخاذها من قبيل اعلان عدم مشاركة الأسد، أو احالة ملف الجرائم لمحكمة الجنايات الدولية وصدور قرار اتهامي بحق المجرمين، واتخاذ قرار دولي يلزم الجيوش الإيرانية بالمغادرة، وتدخل فاعل لحماية المدنيين، دعم حقيقي للجيش الحر لتغير الميزان على الأرض  ..  كل هذه الاجراءات هي ما تشجع على قبول الذهاب. وهذه القلة تمثل من لديهم ثأر مع هذا النظام ، ويفضلون العدالة على مصالحهم القريبة .. وهي الفئة المرتبطة بالثوار والتي تستمع لصوت الشارع وللذين قدموا الغالي والنفيس، وتعبر عن موقف الجيش الحر والثوار والجبهة الاسلامية وقسم كبير من الشعب السوري الذي دفع الكثير ، ولا يريد الانسحاب من منتصف المعركة، رغم معاناته الشديدة ( الموت ولا المذلة )  وهم تقريبا نصف الشعب السوري وبازدياد مع امعان النظام في جرائمه ، وهم غير قلقين من صعود الاسلاميين ولا يرون في الأيديولوجيا الاسلامية ما يتناقض جديا مع أهداف الثورة .

قرار الائتلاف : تبنى قرار الائتلاف وجهة النظر الوسطى ، وقد جاء غامضا وغير محدد . ولذلك نرى التضارب بالتصريحات كل يوم .. سوف نذهب/ مستعدون للذهاب… بشروط / بضمانات .. عدم وجود الأسد .. كيف ؟؟ ليس هناك تعابير محددة ولا مواقف واضحة..  وبالتالي أوقع الائتلاف نفسه في ورطة بعد تحديد الموعد الذي لم يستطع تأجيله ، فهو يراهن على رفض النظام  للخروج رابحا بالضربة القاضية .. لكن النظام هو المستفيد من جنيف، وبمجرد انعقاد جنيف سيصبح شرعيا وشريكا في مستقبل سوريا، وليس متهما بجرائم حرب  وغير شرعي. أما وقف القتال فهو المستعجل عليه لأنه يعني وقف الثورة في وضع هو يمسك بأهم المدن والموارد. وحتى التقسيم هو بالنسبة إليه أفضل من السقوط، وهو مطمئن أن المجتمع الدولي لن يدعم خصمه الذي أخذ اللون الإسلامي الفاقع، لذلك النظام في جنيف مطمئن لبقائه، وليس لزواله كما يحلم الائتلاف، وعلى الأرض يمكنه الاعتماد على دعم ضمني من قاعدة سياسية واجتماعية ممثلة أيضا ضمن المعارضة وهي الفئة الأولى من الائتلاف ، وأي انتخابات ستجري ضمن الواقع الحالي ستنتج النظام القديم بوجوه جديدة بالنظر لتضارب وتشرذم القوى الراديكالية ..

ما سيجري من وجهة نظري هو ذهاب الائتلاف لجنيف بعد تلبية استعراضية (مسرحية جزئية) لبعض الشروط التي يمكن التراجع عنها كالمعابر وبعض السجناء الغير قادرين على القتال .. و ربما تلبية مطلب عدم حضور ايران الذي لا قيمة له، لأنها هي من يشكل وفد النظام ويقوده، وهي من تساهم في توجيه جزء من وفد المعارضة (  هيئة التنسيق ) . فهي قد تقبل عدم الحضور لإرضاء السعودية شكلا، كما يمكن للمجتمع الدولي وارضاء للشارع، وبعد تقليص مطالبه للحد الأدنى، المونة على الأسد بعدم الترشح مرة ثالثة بعد أن يكمل تسليمه للسلاح الكيمياوي، أي بعد ستة أشهر ويضمنوا له خروجا محترما وحصانة ، مقابل العمل على تجديد دماء النظام بالتوافق بين روسيا وايران والغرب وبعض الأنظمة العربية ..

كل ذلك سيمرر بالخداع والتلاعب والمراوغة عبر بوابة جنيف، وضد ارادة الشعب السوري الذي حمل السلاح وهو ماض لتحقيق أهدافه ، فهي معركة ارادات .. تذكرنا بقول الشاعر :

إذا الشعب يوما أراد الحياة     فلا بد  أن يستجيب القدر

، والسؤال الذي لا أحد يستطيع الاجابة عليه : هل ستتمكن سلطة جنيف ( التي هي صورة ملطفة ومجملة للنظام ) من حكم سوريا ؟؟.. الجواب فقط عند أولئك الأبطال الذين يقاتلون على الأرض ونحن نقف معهم ونسلمهم الراية ليقولوا كلمتهم في كل ما يجري ..  فالثورة أقصر الطرق . وكما قال الشاعر

السيف أصدق أنباءً من الكتب        في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف ف –  ي   متونهن جلاء الشك بالريب

أغلب الأطراف  يراهن على قوته وبعضهم على خبثه،  لكن المؤمن فقط يعرف أن الحق قوة وأنه المنتصر ، وأن الله غالب أمره …..  فيتوكل على الله ويعمل بتقواه ، غير آبه بما يمكرون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.