يثب

قمّة أميركية ـ سعودية حسّاسة ومهمّة

ليست زيارة الرئيس باراك أوباما للسعودية بروتوكولية. القمّة السعودية الأميركية مهمّة وحسّاسة وفاصلة. لن تقدّم القمّة الإجابات النهائية على الكثير من الأسئلة المطروحة، رغم أنّ العلاقات التي عمرها سبعون سنة، كانت دائماً مسيرة من التحالف بلا توقف. ليس من الضروري أن تكون سبعين سنة من العلاقات «شهر عسل دائم». من الطبيعي جداً أنّها شهدت العديد من حالات الخصام لكن دائماً من نوع «أحبّك أكثر في الخصام». هذه المرّة الخلافات عميقة وجدّية، لأنّ الأسباب الموجبة لها تتناول قضايا معقّدة جداً بعضها وجودي وفي العمق. لذلك من الصعب جداً تقديم التنازلات حتى لو كانت متبادلة. ما يؤكد ذلك وجود طرف ثالث هو إيران في قلبها. أيّ حلّ يشكّل اختباراً يومياً لنواياه المعقّدة، وذلك في وقت تؤكد ممارساته اليومية اندفاعاً مستمراً لتنفيذ مشروعه مهما بلغت كلفته.

الرئيس باراك أوباما لا يمكنه خلال مباحثاته مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تقديم «خريطة طريق« كاملة تتعلق بطبيعة العلاقات مع إيران، خصوصاً ما يتعلق منها بالملف النووي. يجب انتظار نهاية المفاوضات في مطلع تموز المقبل، لمساءلة أوباما عن طبيعة مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية، والصيغة النهائية للقوّة النووية الإيرانية، وكيفية ضمان عدم «عسكرة» هذه القوّة. المشكلة ليست في أن تصبح إيران قويّة فهي قويّة، ولكن حتى لا يقع سباق تسلّح نووي واسع مفتوح على تكاليف ضخمة جداً ومخاطر غير محدودة. والأهم أن لا يجعل ذلك من إيران قوّة جامحة ومندفعة تفرض ما تريد في منطقة الشرق الأوسط بمعزل عن ما يريده الآخرون، خصوصاً العرب منهم، لأنّ تركيا وإسرائيل قادرتان على حماية أنفسهما وفرض وجودهما على أي قرار إيراني.

سوريا هي الحلقة الأخطر في مسار العلاقات الأميركية السعودية. إيران في قلب هذه الحلقة لأنّها موجودة في سوريا بالقوّة العسكرية، ليس بالضرورة تحت العلم الإيراني ولا الجيش الإيراني، ولكن بما نجحت في تجييشه من قوى تحت العلم المذهبي الممتد على طول «هلال« جغرافي وسكاني يتحكّم متى قام وتثبّت بكل مفاصل المنطقة.

الملك عبدالله بن عبدالعزيز يملك أوراقاً كثيرة ومهمّة، لأخذ مواقف أكثر راديكالية وإيجابية من الرئيس أوباما. الخوف من نمو التطرّف في سوريا ليس أميركياً وغربياً فقط، فهو أيضاً عربي وإسلامي، لأنّه ناشط حتى في قلب «غرف النوم» كما يُقال. كل التفاصيل عن المعاناة الإنسانية للسوريين ومخاطرها على لبنان والأردن، لن تقلب الموقف الأميركي. ما يقلب موقفه هو اقتناعه بأنّ الرهان على تدمير التطرّف نفسه بنفسه لم يعد رابحاً، وأنّ كل يوم جديد من الحرب يرفع منسوب التطرّف. في الأصل كانت الثورة سلمية ولم يكن للتطرّف حضور. «عسكرة« الثورة وشعور السوريين أنّهم «عُراة» في مواجهة آلة القتل الأسدية فتحا حدود سوريا للمتطرّفين من «النصرة» و»داعش» وغيرهما. استمرار الحرب سيحوّل سوريا إلى «دولة فاشلة« تشكّل خطراً على منطقة الشرق الأوسط والعالم. كيفية دعم القوى المعتدلة سواء كانت من «الجيش الحرّ« أو غيرها يغيّر موازين القوى في مواجهة الأسد، وفي توسيع دائرة عزل الجماعات المتطرّفة. السوريون لجأوا إلى «النصرة» و»داعش» لأنّهم شعروا أنّ العالم يحاربهم بسلبيته في وقت يحارب الأسد بالبراميل المتفجّرة والقصف الواسع بكل الأسلحة بلا رحمة، وبدعم غير محدود من إيران وروسيا بالمال والسلاح والخبراء والمقاتلين.

لا شك أنّ صعود قوى الاعتدال عسكرياً، وتعديل موازين القوى على الأرض، يساهمان حُكماً في دفع إيران نحو إعادة حساباتها باتجاه الحل السياسي المقبول.

يبقى أنّه متى تمّ التفاهم على الملفين الإيراني والسوري، يصبح التفاهم على باقي الملفات عملية مكمّلة لأنّها ملفات متداخلة في العقد وفي النتائج.

نجاح القمّة الأميركية السعودية في هذه الفترة مهم جداً للسعودية وللولايات المتحدة الأميركية، وبطبيعة الحال لشعوب المنطقة، خصوصاً الشعب السوري المظلوم.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.