يثب

معارضة (الداخل الخارج)

د. كمال اللبواني

 

Kamal

في النظام المستبد تتمركز السلطة في يد رأس الهرم ، الذي يحتكر بذاته ممارسة الحرية بينما يحول الجميع أدواتَ تنفيذٍ لإرادته .. فالاستبداد نوع من الطاغوت والشرك والتحدي لسلطة الله وناموسه في خلق الناس أحرارا..

والسؤال هو كيف يمكن للمعارضة أن تتكون وتتواجد وتعمل في ظل النظام المستبد ، مع تنامي قدرات ووسائل أجهزة الدولة الحديثة المكلفة بالمراقبة والمحاسبة خاصة في الأنظمة الشمولية ، فالعمل السري شبه مستحيل وثالث كل معارضين اثنين مخبر وواشي ، والشخص لا يأمن أخيه . وكم من جاسوس ينام في سرير الزوجية ، وكم من ناشط ومناضل وجدناه يشهد ضد زملائه في التحقيقات .. وهكذا سرعان ما اكتشف الثوار أن تحقيق الحرية يتطلب تدمير كامل مؤسسات السلطة وطردها بالسلاح خارج المدن والقرى، وترهيب كل عواينتها ومخبريها السابقين واللاحقين بشكل مستمر ..

و عندما كانت السلطة تخضع لضغوط دولية كانت تضطر لترك هامش بسيط من الحريات لا يزعجها .. وهو ما سمح بولادة ربيع دمشق، الذي تم قطع رأسه مباشرة بعد استقرار توريث السلطة، بحجة أنه تجاوز الخطوط الحمر،  ثم سُحقَ تماما بعد حادث أيلول 2001  ودخول سوريا الحلف المضاد للإرهاب، كأستاذ ومعلم وخبير في هذا الحقل من الحروب .. لكن بعد احتلال العراق عادت الضغوط لتمارس على النظام الذي عاد لتصدير الارهاب ، مما ولد امكانية حراك معارض جديد بسقف جديد فكان اعلان دمشق .

بالإجمال كان النظام  يتعامل مع المعارضة بالطرق التالية :

1- منظمات ظاهرها معارض لكن تصنعها المخابرات : من الصفر ، أو من ادارة الانشقاقات داخل تنظيمات سابقة ، أو بزرع العملاء و من ثم السيطرة على التنظيم بإزاحة غير المرتبطين.. الهدف من وجود هذه المنظمات التظاهر بالديمقراطية، وامتصاص الضغوط الخارجية والشعبية، واحتواء المعارضين ولجمهم تحت سقف معين، وضمن مؤسسات كرتونية غير منتجة من أحزاب وجمعيات ومنديات ولجان لا تنتج أكثر من بيانات هزيلة لا يشعر بها جسد الشعب المقموع والمتبلد بنتيجة القمع …

 وقد حاولت السلطة تصنيع تيار اسلامي كرتوني معتدل بزعامات معروفة هي اليوم في قيادات المعارضة ، و تصنيع تيار آخر علماني كرتوني بزعامات معروفة أكثر وهي اليوم أيضا في قيادات المعارضة ، وتيار كردي بأحزاب كرتونية وشخصيات معروفة تم ضمها أخيرا لقيادات المعارضة .. وهكذا نستطيع القول أن من يقود المعارضة حتى الخارجية اليوم ، هم من القوى الكرتونية التي صنعها النظام …  وقد كان كبير مهندسي  هذا الاتجاه هو الصهر اللواء صديق الأمريكان والفرنسيين آصف شوكت وقبله عدوه اللدود بهجت سليمان مهندس صورة الرئيس الشاب وخطاب القسم والذي طرد سفيرا في عمان ( الأول قتل في ظروف غامضة ، والثاني يحاول المستحيل لكي يطرد من عمان كي يعود لتولي منصب رفيع في السلطة ) ،

لكن فريق آصف لم يستطع الاستمرار في حماية اعلان دمشق المدعوم غربيا (و بتوصية من الأمريكيين بالذات )، ربما لخروج اجتماع الإعلان (السري ؟؟؟؟ ) الذي عقد في دمشق 2007 والذي حضره العشرات من كل المحافظات ، وبينهم عدد لابأس به  من المرتبطين بالأمن ، ربما لخروجه  بقيادة وسقف أعلى قليلا من المسموح به والمتوافق عليه في دوائر الأمن، وربما كانت الشعرة هي خسارة من سموا أنفسهم فيما بعد (بهيئة التنسيق ) للزعامة فيه ، والذين انسحبوا منه منذ ذاك اليوم واحتموا في حضن السلطة الدافئ ، واحترموا كثيرا خطوطها الحمراء وثوابتها (الوطنية) و حتى الآن والمتمثلة برفض التدخل الأجنبي واعتماد الحوار وليس الثورة في وجه النظام ..  يومها  قامت  إدارة أمن الدولة بقطع رأس الإعلان واعتقال عدد من قادته ، وتركت ما دون السقف ليتابع حراكه المنضبط ، وهم اليوم من مؤسسي وقادة المجلس الوطني والائتلاف ، وبعد ذلك تسألون لماذا تفشل مجالس المعارضة الكرتونية المصنعة في مصانع النظام وعلى ذوقه ومزاجه.

و آصف ذاته قد استطاع حتى النهاية حماية التيار الإسلامي الذي بقي بفضل مشيخاته ورموزه الدينية تحت سقف السلطة وأخفض من هيئة التنسيق حتى اندلاع الثورة ، فأخرجوا قياداته الميدانية المدجنة للخارج ، بعد تلميعها بسجون شكلية، وبطولات دونكيشوتية، و بعد أن استوثقوا منها ما يهددونها به ، ليخرج علينا بعضهم كل فترة بمبادرات غريبة عجيبة لا يقصد منها سوى خدمة النظام توقيتا وفعلا ، و تشكيك الناس بثوابت الثورة . وكل الفرق الثلاثة أقصد ( الإعلان –والتنسيق- والاسلاميين وبينهم الطيف الكردي )  يتحالفون اليوم على قيادة المعارضة، وهم بشكل أو آخر تبع للنظام ومقلديه بإحسان ، ومن سيحافظ علي بنيته العميقة حتى لو اقصي رأسه الفارغ .

فالتوصيف الحقيقي لهذه القيادات المعارضة :الليبرالية والقومجية والاسلامية  والفيدرالية ، هو الانشقاق المشكوك به وليس المعارضة … الانشقاق ليس عن قمة السلطة بل عن أسفلها ، لذلك كان أداؤهم السياسي هو أحد أهم اسباب فشل الثورة في اسقاط النظام حتى الآن . وسبب رئيسي في اعادة انتاجه قيما وممارسات في مؤسسات الثورة .

2- النموذج الثاني معارضون زرعتهم المخابرات بين صفوف المعارضة ليتجسسوا عليهم وليقوموا بأعمال تفرقهم وتحبط برامجهم وأحيانا ليقودوهم .. ( ومثالهم كثير، س ت ، ك ر ، ب ر ، س ش ، ح ن ، رز ، ا ح ، ع ش، ن ف، م ب ،   )  وهم عادة يتهمون الآخرين بالعمالة ويزاودن و ويرفعون السقف لكن في المسائل الفارغة وأحيانا يدخلون السجن لأيام من أجل رفع الشبهات عنهم … وتلميع صورتهم .

3- النموذج الثالث  معارض ضعيف انهار أمام الترهيب والترغيب وأصبح متعاونا مع الأجهزة التي لا تثق به، بل تضعه تحت ضغط مستمر ، فهي تحرمه من السفر وتفقره وتشوه سمعته وتسجنه أحيانا إذا اضطرت .. لإعادته لدائرة الخوف وهذا الصنف درجات : منهم من يختبئ ويتوقف بمجرد التهديد ،فيتركونه ساجنا نفسه ، وهم الغالبية ممن يحاولون النشاط فيواجهون آلة القمع فينكفؤون  ، ومنهم من ينهار وينفذ كل ما يطلب منه ( ح ص ، ر ز ، ب ح ، م م ، ح س )  ومنهم من يتقي شرهم بتقديم أقل الخدمات والمعلومات ( و س ، ع غ ، ع ر ، م خ ، س ن ، ا ط ، ) ومنهم من يعاملوه كصديق وليس كعميل بهدف لجمه من باب الخجل خاصة الرموز الوطنية من قبيل (ح ع ، م ك ، ه م ، م م ، أ ب ، ج ص ، ر س ، ه م ، ج أ ، … )

فالبعض من قادة معارضة اليوم قد شارك مثلا في كتابة منطلقات حزب البعث العربي الاشتراكي عندما اقنعوه ان الحزب القائد بصدد اصلاح نفسه ؟؟؟  ، وبعضهم ارسل يشتم بوش والامريكان لانهم تضامنوا مع حريته ونددوا باعتقاله غزلا مع النظام وتضامنا مع شعب العراق الذي يقتلنا الآن!!!!. و البعض سارعوا للمعارضة عندما فرضت عليهم ضرائب كبيرة ؟!؟! ، أو عندما  سحبت الامتيازات التي اعطيت لهم …، وبعضهم اعتزل السياسة واستقال منها بحجة المرض العضال أو السن لكننا نكتشف أن نفس المرض  لم يمنعه من اصراره على تبوء المراكز القيادية دوما ، وبعضهم ورث السياسة والمعارضة عن والديه وليس له فيها باع ولا قيراط ، وبعضهم خرج بالصدفة وتحت دافع ( الشو … شوفوني ) بمظاهرة يتيمة سلمية لا تطالب بإسقاط النظام بل بحليب الرضع ، و تحول بعدها بقدرة قادر لمناضل قارع الاحتلال ، ولرمز من رموز الأمة والثورة والجيش الحر، وصار  آمر بيت مالها وسيدا على لاجئيها ومحسنا يقدم من جيبه الخاص ، ومن تركة أبيه العريان  للجوعى والعراة من الشعب السوري المتسول الممسوح الذاكرة …

ومن اولئك المعارضين من هو أقل احتراما عند الأمن  فيتعرض لبعض الشتائم والاهانات ( أ ن ، ل ح ، خ م ، ي ح  ، س أ ، ب ر ، ر ز ، ف س ، ع ك ، م ح ، ع ع ، ع م ، س ك ، ب م  ….  ) والذي يجبر على الحضور والمثول كل فترة لشرب القهوة وليمارس طقوس الطاعة ، مقابل أن يسمح له ببعض النشاط في أحد أقبية دمشق ليخرج علينا بعد ذلك ككبير المعارضين .. مع أنه في حياته كلها لم ينشر إلا في الصحف الغير محجوبة وما لا يزعج ذنب أذناب ذنب النظام ، ويتلقى الاموال لقاء عمله الفكري عبر  بنوك رامي مخلوف وابيه وبمعرفة المخابرات . ومنهم من كان يوزع المال والدعم على الثورة في دمشق علنا وبعلم المخابرات ، ولا ندري كم كان يعطي شركاءه من ضباط الأمن العسكري  من هذه الأموال ، وكم كان يخزن في جيبه وما هي النوعيات التي كان يسمح له بتمويلها للحفاظ على استمرار المصدر واستهلاكه فيما لا يضر النظام .. وهكذا.. نريد بقيادة هؤلاء  بعد أن انضم اليهم سقط الوكلاء والمتسلقين وتبع الدول الخارجية أن نسقط النظام  ولا نسقط نحن!!!. .

4- الصنف الأخير  وهو نادر ويسمونه (مجنون)  وخطر لأنه لا يقبل التعاون مع الأمن ولا يحب شرب القهوة ، والذي اعتُمد معه سياسة الإنهاك والتحطيم والتشويه ، فإذا لم تنفع معه.. أودع السجن.. ومجانين المعارضة قلة معروفين بتكرار سجونهم وهم معروفون بسجونهم الطويلة والمتكررة وأحكامهم تشهد لهم مثل “ ر ت ، أ ب ، و ب ، ح ع ،  .. “ .

 وعليه فعندما نتحدث عن معارضة الداخل ، فنحن نتحدث عن معارضة تحت قبضة النظام وبأمرته ، أي أن سلوكها في خدمته ، مهما كانت قلوب أعضائها،  فالكثير من جنود الأسد ومن عناصره يكرهونه لكنهم يقتلون أخوتهم لخدمته ، ولأننا نتحدث عن أفعال وليس نوايا كوننا نعمل في السياسة ، علينا أن نشطب من القاموس كلمة معارضة داخلية ، فهي تتناقض كليا مع كلمة نظام مستبد، فكيف يكون مستبدا ويسمح بسلوك معارض يؤذيه، الا إذا بدأ يسقط وأفلتت الأمور من يديه، وهو ما يحدث فقط في المناطق المحررة، لأن النظام  وفي هذه المرحلة بالذات لا يتسامح مع أي طفل ولا امرأة فكيف يتسامح مع من يعارضه ..  وما فعله بعبد العزيز الخير وخليل معتوق أكبر شاهد عليه ..

أما من خرج للخارج من معارضة الداخل، وانضم للمهجرين السابقين المشتتين في بقاع الأرض . ليسمي نفسه معارضة حقيقة ، وليزاود على المنشقين من قمة النظام ، فهو ليس سوى منشق لكن من أسفل النظام .. وسلوكه وأخلاقه ومواقفه في المجلس الوطني وبعدها في الإتلاف أثبتت للقاصي والداني أنه مثل النظام بل أشد ضلالا … أعوذ بالله .

وعليه فالمعارضة  ليست معارضة الداخل ولا معارضة الخارج ولا شتات المهجرين  ووكلاء الدول …هي فقط من يتصدى فعلا لهذا النظام بالموقف العلني  وبالسلوك المخالف، أو بالبندقية والرصاص.

و الآن وبعد ثلاث سنوات أعتقد أنه قد سقط القناع، حتى صارت الثورة تطالب بإسقاط رئيسها ورموزها وهيئاتها وليس  اسقاط  رئيس النظام ورموزه وهيئاته، وذلك خوفا من أن تسقط الثورة ويبقى النظام .

لن ينصر الله معارضة يقودها كذابون وفاسدون ومنافقون يحملون صفات النظام… ويقولون لا يوجد بديل عن الائتلاف الممثل الشرعي الوحيد( للنظام )…  لماذا لأن (أعداء ) سوريا قد اعترفوا به ؟؟؟

ويحكم …!!!   ألا يوجد في الثورة صادق ورشيد ؟؟؟ إذا لنسقط أنفسنا قبل أن نسقط النظام . ونبحث عن مخرج لهذا الشعب من بين فكي الكماشة .

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.