يثب

أين وصلنا بعد سبع سنوات من الثورة ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني 

نجحت الثورة في اطلاق التظاهرات في معظم المناطق ضد نظام الفساد والاستبداد رغم القمع الرهيب ، لكنها فشلت في كسب معظم عناصر النظام و قاعدته الاجتماعية ، أو تفكيك مؤسساته .

وفشلت أيضا في تشكيل قيادة موحدة ، وفي ادارة المناطق المحررة بشكل مخزي . وضيعت طاقات الشعب والقدرة الهائلة على الفعل الثوري والتضحية التي أبداها .

نتيجة ظروف الصراع العسكري غير المتوازن هيمنت المجموعات الجهادية على العمل المسلح بقدراتها المتميزة على الحشد والقتال ، مما أحدث تحولا جذريا في مواقف الدول الداعمة .

حاولت ايران ثم روسيا دعم النظام بكل الوسائل ، بينما سكت الغرب عن هزيمة قوات المعارضة وتسليم مناطقها تباعا بل ساهم في ذلك.

دخلت المجموعات الاسلامية في صراعات مريرة مع بقية الجيش الحر ثم فيما بينها ، وفشل مشروعها في تحويل سوريا لدولة اسلامية بشكل هزلي ، وخسرت هذه الفصائل الحرب والحاضنة الاجتماعية معا. طبعا سرع التآمر الدولي في حدوث هذا الأمر ، و تجلى عبر تقديم الدعم المباشر وغير مباشر لبقاء الأسد : تفاهمات جنيف 2 وبيان فيينا ثم مسار الأستانة، وتصنيع منصات للمعارضة مصممة للسير فيها .

مع تآكل المجموعات الاسلامية ظهر بشكل متزايد تناقض المصالح بين محور الغرب بما فيه أمريكا واسرائيل و محور روسيا ايران .

بسبب قرار أوباما الانسحاب من سوريا وتسليمها لإيران ، تضاربت المصالح بين اسرائيل وايران في سوريا مبكرا ، وأثر هذا التضارب على مسار الأحداث، سعت اسرائيل أولا لدى الروس لمنع ايران من الهيمنة على سوريا ، لكن من دون تحقيق نتائج جدية بحصيلة 3 سنوات من هذا التدخل . وعندما كادت أن تدخل اسرائيل في مواجهة مفتوحة مع ايران مؤخرا تدخل الروس للتهدئة ، وبدأ التفاوض الجدي معهم على مستقبل سوريا.

نجحت اسرائيل في اقناع الدول الغربية العظمى أمريكا بريطانيا فرنسا بممارسة مزيد من الضغوط التي توجت بتوجيه ضربة رمزية للنظام ، ساهمت أجواء التهديد التي سبقتها في تسريع عملية التفاوض مع الروس . والتي يرجح أن تأخذ طابعها الرسمي عبر قرار من مجلس الأمن .

الأجواء  التي تسود جولات التفاوض بحسب ما استطعت معرفته من اصدقاء مطلعين هي التالية :

  • روسيا وكذلك أمريكا ليس لديهم شهية للتورط في مواجهة مباشرة بسبب أو من أجل سوريا .
  • روسيا غير معنية بخوض حرب للدفاع عن الوجود الإيراني أو شخص بشار ، ولا تريد التورط في حرب طويلة في المنطقة لكي لا تكرر تجربة أفغانستان ، وغير قادرة على دفع تكاليف احتلال سوريا ، وهي تقبل في النهاية بتقليص اهتمامها للحفاظ على مكتسباتها في الساحل ( القواعد العسكرية وعقود النفط )
  • أمريكا ما تزال تعيش مرارة حربها في العراق وتريد الانسحاب العسكري من المنطقة بعد تسليمها لحلفاء اقليميين أصدقاء لاسرائيل .
  • كل الأطراف متفقة على اضعاف الجماعات الإسلامية ، فسياسة اضعافها مستمرة بكل الأحوال والظروف ، ويظهر بين الأطراف توافق ضمني على عدم السماح لتركيا وايران بقضم المنطقة . فروسيا التي تتعاون مع ايران وتنسق مع تركيا تستخدم ذلك كورقة للتوصل لتفاهم مع الأمريكان ، وعلاقاتها بإسرائيل أهم وأوثق من علاقاتها بإيران .
  • تقارب الدول العربية السنية (وكذلك بعض فصائل المعارضة خاصة في الجنوب ) مع اسرائيل ، دفع بالأسد للذهاب بعيدا في محور الممانعة ، مما أقنع اسرائيل بأن التخلي عن الأسد لن يأتي بأسوء منه ، فالسلام المنشود اسرائيليا لا يمكن أن يكون مع الأقليات بل مع الأغلبية ، الأقليات وسيلة اضعاف تستخدم في حالة الحرب ، لكنها غير مفيدة في تدعيم السلام الذي يتطلب موافقة الأغلبية ، وهذا ما فتح الطريق نحو تفكيك النظام الطائفي الذي يحكم سوريا .

العناوين الرئيسية للتفاهمات التي وصل إليها التفاوض:

سوريا لن تقسم وان تحولت لنظام فيدرالي ، ولا تغيير حاليا لخريطة سايكس بيكو كما يبدو .

الأسد يرحل ويحكم سوريا مجلس عسكري انتقالي ، من ضباط غير متورطين ، يرأسه ضابط سني من صلب النظام فضل الابتعاد مبكرا عن الحل العسكري .

ينظم المرحلة الانتقالية اعلان مبادئ دستورية (يتفق عليه بين الدول ويتم اخراجه عبر عملية ترعاها الأمم المتحدة)  لكنه سيكون ملزما لأي دستور يقره الشعب السوري في نهاية هذه المرحلة الانتقالية ، مكوناته : سوريا موحدة فيدرالية ، علمانية ، تلتزم بمحاربة الإرهاب والسلام مع جيرانها.

تحتفظ روسيا بامتيازاتها خاصة في الساحل وتلعب دور ضامن مع الأمريكان .

يقوم المجلس العسكري باعادة تنظيم قواته العسكرية وضم مجموعات من مقاتلي المعارضة وتنفكيك ما تبقى من بؤر خارجة عن سيطرته . ويهيئ الأرضية الأمنية لعودة اللاجئين وتشغيل الاقتصاد .

يطلب هو انسحاب الميليشيات الإيرانية أو بقرار دولي ، وقد يحتاج لمساعدة عسكرية عربية لإخرجها في حال رفضت .

تؤسس محاكم خاصة لسوريا تستخدم كآلية ضغط على كل فرد يعرقل تنفيذ هذا الاتفاق في كلا الطرفين ( النظام والمعارضة ) .

تساهم الدول المتفاهمة في اعادة اعمار سوريا وضمان عدم استعمال أراضيها وقدراتها ضد مصالح هذه الدول.

المشاكل المتبقية

  • تتعلق بأولويات مراحل التنفيذ
  • تتعلق في استعادة الثقة المتزعزعة بين الأطراف .
  • كيفية وطريقة رحيل الأسد :

هل ستتم عن طريق التفاوض عبر اكمال ولايته شكليا ، هذا الاحتمال بعيد بسبب تعنته وتورطه في جرائم حرب ، أم سيحاكم وهذا أيضا بعيد بسبب تورط دول كثيرة معه في أعمال جرمية شنيعة ، أم سيخرج للمنفى وهذا أيضا سيزيد من صعوبة حسم الموقف لصالح المجلس الانتقالي … أم سيقتل بطريقة غامضة وتطوي صفحته .

  • شكل وعدد وشخوص المجلس العسكري والسياسي في المرحلة الانتقالية
  • آلية التدخل اللازمة لإخراج الإيراني .
  • حصة كل طرف من برنامج اعادة الإعمار .
  • طريقة منع تركيا من فرض نفوذ واسع في سوريا خاصة ديموغرافي واقتصادي لكونها الدولة الجارة الأهم والأقدر على ذلك.

النتيجة:

هذا التفاهم له فرصة كبيرة في النجاح ، لكن في حال فشله أو تعرقله سيكون احتمال عودة الصراع المباشر بين الدول وارداً وإن كان عبر احتكاكات ورسائل ساخنة ، وأكثر منه احتمال عودة الصراع غير المباشر عبر وكلاء، أي العودة للمربع رقم واحد. مع احتمال أن يكون هذا الصيف ساخنا في المواجهة مع ايران في سوريا . وسط صمت روسي .

الشعب السوري لم يستطع تقرير مصيره بنفسه بسبب تخلفه وانقساماته وبسبب حجم التدخل الدولي في شؤون بلاده التي رسمت حدودها بموجب التقاسم الاستعماري . وما زال مصير سوريا  يتقرر خارجيا أكثر منه داخليا . لكن دور الشعب تزايد بشكل ملحوظ بعد ثورته ، ويرجح للتزايد أكثر بمقدار النجاح في اقامة الديموقراطية.

لم تنجح الثورة في أخذ السلطة بيدها، لكنها نجحت بإفشال النظام ، المشهد الحالي يؤكد أن الدولة السورية في حالة فشل تام ، وأن الطرفين المتصارعين مهزومان ، هذا طبعا نتيجة لسياسة الإحتواء المزدوج والاستنزاف التي اعتمدها الغرب في التعامل مع الصراع في سوريا . نهاية عام 2013 عندما وجد أن كلا الطرفين شيطان ( واحد نعرفه وآخر لا نعرفه ) .

المرحلة القادمة من الثورة هي مرحلة نضال مدني اجتماعي واقتصادي وسياسي ديموقراطي واستغلال كل فرصة لبناء نظام سياسي جديد مختلف … هذا لو تعلم الشعب من الدرس القاسي الذي مر به ، واهتم في بناء مؤسساته وحياته السياسية على أسس جديدة ، غير التي مارسها النظام وكررتها المعارضة ، وأدرك أن جزءً أساسيا من عناصر فشل ثورته كان تخلف الثقافة السياسية والدينية التي عمل بها . وركز اهتمامه في مرحلة اعادة الاعمار كي لا تتم بطريقة ترهن البلد وتبيع قدراته واستقلاله .

الحرب بين الثورة والنظام تنتهي عمليا عند تشكيل المجلس الانتقالي ، لكن يرجح حصول مواجهات عسكرية مع الميليشيات الإيرانية وحلفائها من بقايا النظام في حال رفضت التسليم ، وكذلك مواجهات مع بقية المجموعات الإسلامية المتشددة خاصة في الشمال في حال رفضت التعاون مع المجلس.

سوريا سوف تحتاج لمرحلة طويلة قبل أن تتمكن من تضميد جراحها ، وستلبس الحداد لفترة طويلة عندما تتذكر ضحاياها ، وستحتاج للكثير من الجهد الدؤوب لاستعادة عافيتها . أرض سوريا اشتاقت لعرق أبنائها بعد شبعت من دمائهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.