هل تستدرج واشنطن الرياض إلى مواجهة مع تركيا وإيران على الأراضي السورية؟

تشرع واشنطن إلى سحب قواتها من الأراضي السورية واستبدالها بأخرى عربية تحقق لها أهدافها العسكرية بدون ان تثقل اقتصادها بدفع فاتورة تواجدها في المنطقة، فقرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا ودخول قوات سعودية تتحمل الرياض نفقة تسليحها وتذخيرها ودعمها اللوجستي، مع الحفاظ على اهداف واشنطن، هو مكسب أمريكي واضح، لكن ثمة مكاسب أخرى قد تنوي الادراة الأمريكية تحقيقها عبر تقريب المسافة الجيوسياسية بين تركيا التي تدعم التيار الإخواني والسعودية التي تدعم التيار السلفي، وتقريب احتمال حدوث مواجهات عسكرية بين الطرفين، إضافة إلى الدفع في سبيل اقتراب احتمال حدوث مواجهات مماثلة بين السعودية وإيران على الاراضي السورية.
الخبير السياسي محمد العطار قال ان تركيا هدف استراتجي لواشنطن وبرز ذلك في دعم وتسليح الوحدات الكردية لتهديد الامن القومي التركي، وبالنظر إلى قرار ترامب يتضح ان البيت الأبيض قد أمّن «تقريب المسافة بين العداوة التركية والسعودية»، وجعلت المصالح الجيوسياسية تتناقض وهذا ما يؤمن مشاكل مستمرة للطرفين.
وإذا كان الهدف غير المعلن من هذا القرار تفتيت السعودية، وهو أحد مخططات واشنطن، فتكون الأخيرة قد خلقت لها محوراً جديداً يؤمن لها عداوات جديدة ويؤمن استنزافاً للخزينة الاقتصادية السعودية، فبهذا القرار يكون البيت الأبيض قد قرّب مواجهة قوات طهران من الجيش السعودي، وقرب بذلك المسافات البعيدة من أجل إحداث مواجهات مباشرة بين الطرفين. وفي هذه الحالة فإن واشنطن تكون قد حققت أهدافها المستقبلية عبر ضرب «الشعوب الإسلامية» بعضها للبعض الآخر، سواء دخلت السعودية ضمن حلف او كدولة وحيدة، ودفعت الرياض إلى الواجهة لتقود اي معركة ضد أي جهة أخرى، دون ان تسجل واشنطن أي خسارة عسكرية او مادية.

«نتكلم ولا نفعل شيئاً»

من جهة أخرى، حذر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، من خطة جيش بلاده القائمة على «نفض» واشنطن يديها من سوريا وتركها لنفوذ روسيا وإيران»، فيما ردت القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية بأنها سترد عسكرياً على أي قوة قد تدخل الأراضي السورية وذكرت حميميم أن «دخول قوات سعودية إلى سوريا يعتبر أمراً مرفوضاً، وقد يتم استخدام القوة العسكرية للحفاظ على سيادة الأراضي السورية فيما اذا حدث ذلك».
ورد السيناتور بوب كوركر على إعلان مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بالقول «إن موسكو وطهران لديهما نفوذ كبير» في البلد الذي تمزقه الحرب نظراً لدورهما الممتد فيه، فيما تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن إمكانية الانسحاب من سوريا، مشيراً إلى «سوريا باتت في يد روسيا وإيران الآن»، مضيفًا «قد نكون حول الطاولة، لكن عندما نتكلم ولا نفعل شيئاً مؤثراً على الأرض، يكون كل ما نقوم به هو مجرد كلام».
ولم يرد كوركر بشكل واضح على سؤال عما إذا كان يؤيد نشر قوات أكبر للتأثير على مجرى الأحداث في سوريا، وقال «أعتقد أن خطط الإدارة هي أن تكمل جهود محاربة تنظيم الدولة، وليس أن تكون ضالعة فيها». وكان كوركر -الذي بدا مستاء – يتحدث بعد عرض في جلسة مغلقة قدمه وزير الدفاع جيمس ماتيس وضباط كبار، شرحوا خلاله استراتيجية البنتاغون لأعضاء من الكونغرس بعد الضربات التي شاركت الولايات المتحدة في توجيهها إلى سوريا.
فيما رد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، أريك باهون، على ما كشفته صحيفة «وول ستريت جونال» حول اتصالات رسمية تجريها واشنطن لإحلال قوة عربية مكان قواتها في سوريا. وقال باهون إن الرئيس، دونالد ترامب كان صرح بأن بلاده طلبت من حلفائها «تقديم المزيد من المساهمات لجعل سوريا مكانًا مستقرًا». جاء ذلك في تصريحات أدلى بها باهون لوكالة الأناضول، الثلاثاء، تعليقاً على ادعاءات بشأن إرسال قوات عربية، لتحل محل القوة العسكرية الأمريكية في سوريا. ونقلت «وول ستريت جورنال»، الثلاثاء، عن مسؤولين أمريكيين (لم تسمّهم)، قولهم إن إدارة ترامب تسعى لتشكيل قوة عربية، لتحل محل القوة العسكرية لبلاده في سوريا.
كما وجه ديمقراطيون الانتقادات، بشأن القرار الذي اعنله ترامب حول الانسحاب من سوريا، وحذر السناتور كريس كونز من إن إدارة ترمب «أخفقت في تقديم خطة متماسكة» في سوريا. وأضاف «إذا انسحبنا بالكامل لن يكون لنا أي ثقل في أي قرار دبلوماسي أو في إعادة الإعمار وأي أمل في سوريا ما بعد الأسد».

عودة تنظيم «الدولة»

وقال الكولونيل راين ديلون الناطق باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتـحدة لمحـاربة تـنظيم الـدولة في العـراق وسوريا، إن نظام بشار الاسد وحليفته روسيا لم يتمـكنا من الاحتفاظ بكل المناطق التـي اسـتعاداها من تنظـيم «الدولة». وأضاف ديلون «عندما ننظر إلى تنظيم الدولة في المناطق التي لا نعمل فيها وحيث لا نقدم الدعم لشركائنا على الأرض، نرى عناصر من التنظيم تمكنوا من العودة والسيطرة على مناطق (بما في ذلك) في أحياء في جنوبي دمشق».
وتابع «لقد رأينا تنظيم الدولة يظهر مجدداً في مناطق إلى الغرب من نهر الفرات». ووفق البنتاغون؛ فان القوات الأمريكية تراقب عن كثب تنظيم الدولة في العراق وسوريا، حيث خسر التنظيم 98 بالمئة من الأراضي التي سيطر عليها في الماضي.

إطلاق النار على المفتشين

يجري ذلك في وقت تكثف فيه موسكو جهودها بفاعلية بغية المضي قدما في توفير الحماية اللازمة للنظام السوري، والحيلولة دون وصول مفتشي الأسلحة الكيميائية إلى مسرح الجريمة في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، حيث أجّل الخبراء الدوليون أمس الأربعاء دخولهم إلى المدينة بعد سماع اطلاق نار في الموقع، ومزاعم عن وجود مواجهات مسلحة ضد قوات النظام السوري، بالرغم من خروج جيش الإسلام وسحب جميع الاسحلة من المدينة، فيما سعى سفير موسكو لدى الأمم المتحدة إلى عرقلة اجراء تحقيق لتحديد المسؤولين عن استخدام الكيميائي، رافضاً عملها بدعوة انها آلية تحقيق عديمة الجدوى، الأمر الذي رآه البعض تكرارا واضحا لممارسات موسكو عام 2015 عندما أوصلت مجلس الأمن إلى طريق مسدود وعرقلت ثلاث مرات اجراء تحقيق يثبت مسؤولية النظام السوري باستخدام الغازات السامة، حيث أدى تجاهل المجازر السابقة بالسـلاح الكيمـيائي والقفز فوق التحقيق، وتميـيع مهـمة اللجـنة التي شكلها مجلس الأمـن، من قبل روسيا، إلى استباحة ارواح السوريين والعبث في بلادهـم من قبـل النـظامين السـوري والروسـي.
وفي هذا الاطار رفض السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا المحاولة الغربية الجديدة لإجراء تحقيق دولي لتحديد المسؤولية عن استخدام أسلحة كيميائية، بحجة أنها عملية عديمة الجدوى، وقال نيبينزيا حسب رويترز ان فكرة إنشاء آلية لتحديد المسؤولية عن استخدام أسلحة كيميائية لم تعد ذات جدوى في وقت قررت فيه واشنطن وحلفاؤها بالفعل من هو الجاني ويتصرفون فعلياً كجلادين عينوا أنفسهم بأنفسهم، وذلك بعد ان وزعت كل من واشنطن وبارس ولندن مشروع قرار جديداً بهدف إجراء تحقيق مستقل لتحديد المسؤول عن الهجمات بغاز سام في سوريا.
وحول عمل خبراء الأسلحة الكيميائية الدوليين، قال أحمد أوزومجو المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية امس الأربعاء بأن الفريق الأمني التابع للأمم المتحدة الذي كان يقوم بمهمة استطلاعية في دوما السورية تعرض لإطلاق نار في اليوم السابق، حيث اضطر للانسحاب مؤجلاً وصول مفتشي الأسلحة الكيميائية للمكان والذي كان مقرراً يوم الأربعاء.
وأبلغت روسيا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الثلاثاء أنه لا جدوى من إجراء تحقيق جديد لتحديد المسؤول عن هجمات بأسلحة كيميائية في سوريا، مطالبة بتقديم إفادة أمام المجلس يوم الثلاثاء بشأن مدينة الرقة في شمالي سوريا، حيث هزمت قوات تدعمها الولايات المتحدة تنظيم الدولة العام الماضي، وبشأن مخيم الركبان النائي للنازحين السوريين قرب الحدود مع الأردن والعراق.
فيما ردت كيلي كوري نائبة سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة أمام المجلس «دعتنا روسيا إلى هنا في إطار حملة لتوجيه رسائل في محاولة لصرف الأنظار عن الفظائع التي يرتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد».
وأضافت، ولكي تفعل ذلك، تطلب روسيا من هذا المجلس تركيز انتباهه على الجزء الذي لا يقتل فيه نظام الأسد المدنيين في سوريا بالقصف بالبراميل المتفجرة أو الأسلحة الكيميائية المحظورة.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.