العلاقة بين السعودية والإخوان المسلمين من التحالف إلى العداء

خوف المملكة من خلايا نائمة في الخليج والمفرزات الديمقراطية للثورات العربية
 
تبدل المواقف والمواقع بين الإسلاميين والقوميين وعدو الأمس صديق اليوم
 
علاقة الإخوان مع إيران و”النموذج التركي” أكبر هواجس السعودية
في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، أدرجت وزارة الداخلية السعوديّة في 7 آذار/ مارس 2014 جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية إلى جانب تنظيمات إسلامية وجهادية من مشارب فكرية وسياسية مختلفة؛ كتنظيم القاعدة وفروعه في جزيرة العرب واليمن، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة في سوريا، وحزب الله في السعودية، وجماعة الحوثيين في اليمن.
ما وراء الأكمة
استحوذ هذا القرار على اهتمام سياسيّ وإعلامي واسع، ودار نقاش وجدل كبير عن أسبابه وسياقه إضافة إلى مغزاه ورسائله الداخليّة والخارجيّة. وفي هذا السياق، ذهب بعض المعلقين والكتاب السعوديين والعرب المتعاطفين مع المملكة إلى اتهام الإخوان بمحاولة تغيير الأنظمة الخليجية والعمل على إعداد خلايا داخل السعوديّة من أجل الإطاحة بالحكم وإحداث القلاقل في السعودية وفي عدد من الدول الخليجية الأخرى.
بالمقابل تبنى آخرون رأياً مختلفاً ووضعوا القرار في خانة خشية النظام السعودي من الثورات العربية ومفرزاتها الانتخابية، وبأنه يأتي ضمن مسار سياسي بدأته قوى الثورة المضادة بانقلاب 3 يوليو في مصر.
وعلى الرغم من انزياحنا لصالح الرأي الثاني، فإن هذه المقال سيعالج إشكاليته بموضوعيّة من خلال عرض تاريخيّ للعلاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة وحركة الإخوان المسلمين معتمداً على الكتب الأكاديمية التي تصدت لهذا الموضوع ولاسيما كتاب “زمن الصحوة: الحركات الإسلاميّة المعاصرة في السعودية” للكاتب ستيفان لاكروا، والصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر. والجدير بالذكر أن منشورات الشبكة بقيت متداولة في السعوديّة بشكل قانوني حتى معرض الرياض 2014 حيث أقدمت قوات الأمن السعوديّة على إغلاق جناح الشبكة في المعرض، وصادرت جميع كتبها ومنشوراتها. وللتسهيل على القارئ سوف نقسم تاريخ العلاقات إلى مرحلتين رئيسيّتين قبل أن نعالج المرحلة الراهنة.
اندفاع إخوانيّ وصد سعوديّ 
تأسست حركة الإخون المسلمين في مصر عام 1928، أي قبل 4 سنوات (19 أيلول/ سبتمبر 2013) من الإعلان الملكي الذي أصدره عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بتوحيد البلاد تحت اسم “المملكة العربية السعودية”، وذلك بعد أن تمكن من السيطرة على مدن الحجاز (الطائف والمدينة المنورة)، ومدن تهامة (مكة وجدة). ومنذ ذلك الحين، أبدى مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا اهتماماً كبيراً بالمملكة الناشئة على أسس وأصول الشريعة. وقد كان البنا يذهب باستمرار إلى السعوديّة أثناء موسم الحج، أو يرسل تلامذته لبناء علاقات وتحالفات مع أعيان المناطق، ومع الأسرة الحاكمة. وفي منتصف الأربعينات بدأت الجماعة بتأسيس فروع قطرية كما جرى في سوريا والعراق وغيرها من الدول العربيّة. حاول البنا تأسيس فرع للجماعة في السعوديّة، وتقدم بطلب شخصي عام للملك عبد العزيز آل سعود للسماح له بإنشاء هذا الفرع. لكن الملك عبد العزيز واستناداً إلى الروايّة الشهيرة رفض ذلك، لأن قوانين المملكة تحظر الأحزاب والنشاط السياسيّ، ورد على البنا بجملة ما تزال تتكرر حتى الآن “كلنا إخوان وكلنا مسلمون”.
لقد فشلت الحركة في هذه المرحلة في أن تنشط رسميا في المملكة، لكنها نشطت بشكل محدود عبر مجموعة من منتسبيها الذين وفدوا إلى السعودية للتدريس في السلك التعليمي.
اجتذاب الإخوان واستخدامهم
مع حلول حقبة الخمسينيات، سوف تشهد الدول العربيّة تغيرات كبيرة سوف تؤثر على طريقة التعاطي السعودي مع الإخوان، فتنتقل من الصد إلى الاجتذاب والاحتضان والاستخدام. فقد تمكنت النخب القومية من الوصول إلى السلطة في عدد من الدول العربية من أبرزها مصر. كان عبد الناصر والنخبة السياسية المحيطة فيه ترى في جماعة الإخوان منافساً شعبيا لها، بالمقابل نظر الإخوان إلى عبد الناصر ونظامة الجديد بعين الريبة لأن برنامجه السياسي وطروحاته تختلف جذريا عنهم.
وفي ظل هذا الواقع حصل الصدام الأول بين عبد الناصر والإخوان عام 1954، ونتج عنه سلسلة من الإجراءات القمعية ضد الجماعة. وكنتيجة لذلك، وجد الإخوان في دول الخليج ولاسيما السعوديّة ملاذاً لهم من قمع عبد الناصر، فانتقلوا إليها وأقاموا فيها دون مزوالة النشاط السياسي والحزبي.
ومع زيادة المد القومي ووجود شريحة شعبية عربية مؤيدة له آنذاك، بدأت السعودية تشعر بالتهديد من سلوك عبد الناصر ودعمه الحركات الشعبية والاشتراكية في الدول العربيّة. ساهم ذلك في توتر العلاقات السعودية المصرية، ووصلت إلى حد القطيعة عام 1957. استفاد الإخوان من التموضعات الجيوسياسية الجديدة، وتقاطعوا مع السعوديّة في العداء لعبد الناصر ولمشروعه الذي كان يسعى إلى تشكيل كتلة عربية “تقدمية” مدعومة من الاتحاد السوفيتي. ولمواجهة هذه التغيرات بدأت السعوديّة العمل على إنشاء كتلة ” إسلاميّة” مقابلة للكتلة الاشتراكية التي اقتربت من حدودها بعد الثورة اليمنية عام 1962.
حاول الأمير فيصل بن عبد العزيز -الذي كان يساهم بشكل كبير في إدارة المملكة حتى قبل أن يتوج ملكا بشكل رسمي على 1964- إنتاج خطاب سياسيّ ودعائي مضاد للكتلة الاشتراكيّة وطروحاتها الوحدوية. يقول ستيفن لاكروا :”لم يجد فيصل بداً من جعل الإسلام، المصدر الرمزي الأول في المملكة، أيديولوجية معاكسة. لكن العلماء الوهابيين التقليديين عجزوا عن الانخراط في جدال سياسي بهذا الحجم. لذلك جرى ضمن أعضاء الإخوان المسلمين المقيمين بالمملكة إلى الجهاز الدعائي المناوئ لعبد الناصر بأعداد متزايدة إلى أن أصبحو قوامه في سنة 1962″.
لقد تحول الإخوان بحسب وصف لاكروا إلى جهة محورية فاعلة، ونشطوا في الجهاز الدعائي عبر إذاعة “صوت الإسلام” التي كانت المقابل لإذاعة صوت العرب، وفي الجامعات الدعويّة كالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والتي حاولت السعودية أن تكون الموازن الموضوع لجامعة الأزهر. وبناء عليه، تقلد الإخوان مناصب حكومية وقيادية في المملكة لاسيما في الجهاز الدعائي والدعوي والتروبوي، ومنح كثير من قياداتها الجنسية السعودية، وحصلوا على امتيازات اقتصادية وسياسية عدة.
لم يقتصر احتضان السعودية لقيادات الإخوان المسلمين على التنظيم المصريّ، بل احتضنت قيادات سورية ولاسميا بعد أحداث حماه عام 1982، وأعضاء وقيادات آخرين من دول عربية كالعراق والأدن وغيرها.
اتسمت العلاقات السعودية مع الإخوان بالتعاون والتلاقي خلال أربعة عقود، ولم يحصل الشرخ بينهما حتى حرب الخليج الثانية عند اتخذ بعض فروع وقيادات الجماعة مواقف مؤيدة للغزو العراقي للكويت.
كما أن بروز التيار الجهادي داخل المملكة والذي رفض وجود قواعد أميركية وغربية في “أراضي المسلمين” وأعلن الحرب عليها ساهم في زيادة الشرخ والتنافر بينهما. فقد توافرت قناعة لدى قيادات سعوديّة بأن وجود الإخوان ونشاطهم في السعودية في المجال التعليمي والتربوي أسهم في ولادة تيار إسلامي جهادي مسيس يمزج ما بين الوهابية التقليدية والأفكار الإخوانية، ويدعو إلى إزالة الأنظمة العربية بذريعة التعامل مع الغرب (العدو البعيد).
وبناء عليه، حاولت السعودية خلال عقد التسعينيات والثمانينات تقليص حضور الأفكار الإخوانيّة أو الإسلام الحركي والاقتصار على الفكر الوهابي باعتباره يركز على التدين التقليدي والممارسة الطقوسية دون الاهتمام بالسياسة. يضاف إلى ذلك أن النظام السعودي أرسى علاقات جيدة مع الأنظمة العربية القائمة والتي تخلت عن الأحلام والشعارات القومية وشرعت سطوتها وسيطرتها.
من يهدد من؟
جاءت الثورات العربيّة لتحدث تغيرات كبيرة ليس في بنية الأنظمة العربية فقط، بل في بنية النظام الإقليمية العربي. ومنذ انطلاقها اتخذت السعوديّة موقفاً مناوئاً لها، واعتبرت نفسها مستهدفة كسائر الأنظمة العربية ذات الحكم السلطويّ. يضاف إلى ذلك أن السعوديّة تخوفت من التغيرات الجيوستراتيجية التي أحدثتها الثورات لاسيما تراجع دورها أمام دول عربية صغيرة، وقوى إقليمية منافسة. وزاد من هذا التخوف وصول الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي إلى السلطة، فقناعة المملكة أن هذه الحركات ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران توطدت وتعززت خلال العقدين الأخيرين. وبالتالي فإن وجودها في السلطة قد يعزز نفوذ إيران ويمنحها امتدادات إقليمية في مناطق لم تكن لتحلم بها كشمال إفريقيا. في الحقيقة ساهم السلوك الانتهازي والمرتبك لقيادات الإخوان في ترسيخ هذه القناعة فالانفتاح السريع للرئيس مرسي على إيران والزيارات المتبادلة ومحاول إيجاد توافق على قضايا عربية هامة أزعج السعوديّة وعمق مخاوفها.
وفي سياق آخر، رأت السعودية في صعود الحركات الإسلامية السلطة تهديداً كبيراً لما تعتبره “نموذجها الإسلامي”. فالسعودية ترى في نفسها رافعة الإسلام السني، ونموذجاً لدولة تجسد مبادئ الإسلام. . لذلك خشيت من نماذج “إسلاميّة” وطنيّة جاذبة على غرار “النموذج التركي” تنافسها على مكانتها الدينيّة.
جميع ما سبق دفع السعودية إلى اعتبار الإسلام السياسي نموذجاً يهددها لا يقل خطراً عن النموذج الناصري. وبما أن السياسة لا تعرف المبادئ فقد أصبح حلفاء الأمس “أعداء اليوم”، وأعداء الأمس (الحركات اليسارية والعلمانية، والناصرية) حلفاء اليوم.
زمان الوصل 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.