عزيزي الكردي.. هل تعرف ذاك الشاوي!

(إلى محمد المطرود)

«اللجنة العليا لمكافحة الشوايا»، صفحة فايسبوكية عنصرية وفاشية. يبلغ عدد المعجبين بها أكثر من عشرين ألف متابع، والظاهر بوضوح أن أغلبهم من اليافعين الكرد السوريين. تنشر هذه الصفحة يومياً عشرات الصور والتعليقات حول عرب الشمال السوري، ذوي الأصول البدوية أو ما يطلق عليهم «الشوايا». تسخر جميع الصور والفيديوات والتعليقات المنشورة على هذه الصفحة، من سلوكيات الشوايا وأنماط حياتهم، من مظهرهم وأثوابهم وأفعالهم. تنشر ذلك بشكل فظ ومثير، من النص التعريفي الذي تسطره في أعلى الصفحة «الشاوي هو عبارة عن كائن جرثومي زنخ أجرب. أكثر مناطق تواجدهم حول المستنقعات والسواقي» وحتى جميع التعليقات والمشاركات، جميعها لا تنقصها سمة العنصرية المحضة، فلا تمنح أي اعتبار للحس بالآدمية المشتركة وحُسن الجوار والمواطنية والعيش.

اليافع الكردي المعجب بهذه الصفحة، يتغافل عن الكثير من التفاصيل المشتركة، التي تجمعه بهؤلاء الذين ينالون سخريته على تلك الصفحة. وهذه بعض تلك السمات المشتركة، وإلى ذلك اليافع بعض تلك التفاصيل:

هل شاهدت مثلاً فيلم «العودة إلى حمص»،؟ هل تابعت سيرة ذلك الشاب الأسمر عبد الباسط الساروت وزملائه؟ هؤلاء الذين كانوا ومازالوا يرفضون ترك مدينتهم وذويهم، المستعدون حتى لبذل أرواحهم لإيصال المعونة والأدوية وحليب الأطفال لأبناء مدينتهم، من دون أن يكونوا بالضرورة «شوايا» مثلهم. هل رأيت كم الصدق والبراءة في تلك العيون، هل شاهدت حزن أمهاتهم وقلقهن، ومدى شبههن بأمهاتكم.

الساروت الذي ترك عوالم الشهرة والأضواء والأموال، وبقي متماهياً مع البسطاء مثله، المطالبين بحقهم بشروط حياة أكثر عدالة وكرامة. الساروت وأصدقاؤه من حيّ البياضة الحمصي، هم شوايا، لا يدركون التنظيرات والتعريفات حول الديموقراطية والدولة المدينة وفصل السلطات. لكنهم ببساطتهم وشفافية حسهم، يدركون بعمق معاني حقهم الآدمي بالمساواة والطمأنينة. ألا تلاحظ عزيزي كم يشبهك هؤلاء الشجعان، فهل كانت سيرة الكردي طوال قرن كامل سوى حكاية شبيهة بذلك تماما؟ مجرد بسطاء يطالبون بحقهم في الحياة.

الأكيد أنك زرت حيّ «حارة الطي» في مدينة القامشلي، ذلك الحيّ الذي تقطنه غالبية مطلقة من العرب البدو «الشوايا». هل رأيت حديقة عامة واحدة في ذلك المكان المقفر، الأكيد أنك انتبهت أنه لا مدرسة واحدة هناك، ليس ثمة شارع واحد معبد ونظيف، لا أشجار ولا مقاهي ولا موقف للسيارات ولا ساحات عامة. الأكيد أنك رأيت تلك البيوت العشوائية التي لا تدخلها الشمس ولا ينعشها الهواء. «بيوت» تغرق في الغبار صيفاً والوحول شتاء. وسط ذلك الحي، الأكيد أنك شاهدت مستنقع نهر الجقجق، بروائحه وحشراته وأمراضه، وكذلك أطفال الحيّ الحفاة وأشباه العراة، الذين يملأ الحزن والعوز تفاصيل ما بقي من أجسادهم.

كيف لمجموع تفاصيل البؤس تلك، أن تنتج سلوكيات وأنماط وأدوات حياتية غير بائسة، أي درب للسعادة والفكاهة والتميز والإبداع وتراكم الرأسمال الإجتماعي والحياتي يمكن أن يُنتج في تلك البيئة المُعنفة بأكثر من شكل وأداة. من المسؤول والفاعل لتشكل هذا الفضاء من الكوميديا السوداء. انتبه لهذا السؤال، هل حقا أن ذلك يخص «شوايا» البلاد وحسب، كم حيّ في المدينة نفسها يشبه حيّ «الشوايا» ذاك، وهل حقا ثمة فوارق في حياة سكان هذا الحيّ، وما يشبهها من أحياء غير الشوايا، التي يسكن الكثير منها كرد المدينة، والتي منها تنحدر أيها اليافع الكردي.

شوايا البلاد هؤلاء -يا عزيزي – هم الأغلبية المطلقة من سكان البلاد، الأغلبية الأكثر بؤساً. فالـ37 في المئة من السوريين، الذين كانوا يشكلون فقراء البلاد في زمن ما قبل الثورة، كانت جغرافيا توزع «الشوايا» تستحوذ على غالبيتهم، في ريف الجزيرة السورية وامتدادات نهر الفرات، في شمال وشرق مدينة حلب، في سهول حوران وصحاري تدمر. سكان هذه المناطق حسب مشروع سوريا 2025 كانوا الأقل انتفاعاً من موارد البلاد، حيث لم تكن تزيد حصة الفرد منهم على الدولار الواحد في اليوم، على الرغم من أن أراضيهم كانت الأكثر خيراً ومساهمة في الوارد العام للدولة السورية. كانت هذه الجغرافيا الأقل استثماراً وتنمية واهتماماً بالتعليم والمؤسسات العامة. سكان هذه المناطق هم الأكثر تعرضاً للتهجير والعيش في عشوائيات المدن الكبرى، هم أكثر الذين تشردوا في شوارع المدن اللبنانية والعراقية والتركية والخليجية، هم الأقل حصولاً على خير الدولة بمنافعها المادية وثرواتها الرمزية.

الآن، ألا تجد أن بلدات وقصبات مناطق «الشوايا» هذه، هي الأكثر تعرضا لعنف وسطوة وهيمنة النظام الأرعن، منذ بدأ الثورة وحتى الأن . البراميل والتدمير والتحطيم والتهشيم، هل طالت أحدا مثلما طالتهم؟ هل رأيت دولة أو كيانا أو سياسيا دافع عنهم وخصهم بمديح أو اهتمام مثلما يُهتم بغيرهم من السوريين، هلا وجدت في مخيمات وسهوب الذل، حيث لجأ ملايين السوريين، هل ترى أحدا تلقى المهانة والقهر والحرمان والعراء مثلما تلقى هؤلاء «الشوايا».

ثم من تعرف من هؤلاء «الشوايا» سوى الذين يشبهون الصورة النمطية عنهم في مخيلتك، هل تعرف شاعر البلاد الأكثر رقة رياض صالح الحسين مثلا، وكاتبها الأكثر صدقا وعمقا ياسين الحاج صالح، ماذا تعرف عن ياسين الحافظ وعبد السلام العجيلي وحسين العودات والكثير الكثير من الفنانين والكتاب والمسرحيين والموسيقيين ومناضلي الحرية.

عزيزي اليافع الكردي، فكر في كل ذلك، هل أنت سوى واحد من شوايا البلاد، وإن كنت تتكلم بلغة أخرى.

رستم محمود – المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.