بشار.. ومضات على طريق التشيع (7 من 7)

بعيد اندلاع الثورة السورية، وبعد طول تستر وتخف، مزق الشيعة في سوريا معظم حجب “التقية”، وانطلقوا من وراء الكواليس، ليمارسوا دورهم مباشرة على مسرح الأحداث، فتواترت روايات نشطاء وأهالي حمص عن مدى الأذى الذي ألحقه شيعة الريف بسنّة المحافظة، مما يهون أمامه أذى عتاة النصيريين!
وكذا الأمر في إدلب وحلب بل وحتى في دمشق، حيث ظهر اعتماد النظام على مراكز ثقله الشيعية رغم إنها بلدات أو أحياء صغيرة تسبح في بحر سنّي، فكانت “الفوعة” و”كفريا” الشيعيتين في إدلب، كما “نبل” والزهراء” في حلب، كما “حي الأمين”، و”زين العابدين” في دمشق.
وخلافا للمتصور، فقد منح نظام بشار للقرى الشيعية -خلال الثورة- ما لم يمنحه للبلدات العلوية من امتيازات، حيث حصنها بتحصينات كبيرة ودجج أهلها بمختلف أنواع السلاح، حتى بدا إن سقوط “نبل” أو “الفوعة” لا يقل فداحة بالنسبة لبشار عن سقوط القرداحة نفسها!
لأجل هذه المعطيات وغيرها، وفي محاولة لفهم واقع الشيعة في سوريا، قررت “زمان الوصل” فتح ملف الشيعة والمتشيعين في سوريا، معتمدة على واحدة من أبرز وأحدث الدراسات التي نشرت قبل أعوام قليلة، حيث اطلعت “زمان الوصل” على النص الأصلي لدراسة ميدانية حول “دور الشيعة في سوريا” نشرها بالإنجليزية الباحث الأكاديمي المرموق خالد سنداوي.
وإليكم الجزء السابع والأخير من السلسلة، التي عرضت فيها “زمان الوصل” لأهم نقاط هذه الدراسة:
خاتمة
بعد أن قدم ما في جعبته عن التشيع في سوريا، وصل الدكتور خالد سنداوي إلى الفقرة الختامية في بحثه، معنونا إياه بـ”نظرة إلى المستقبل”، وفيها أعاد التأكيد أن الشيعة اليوم (وقت الدراسة) أكثر قليلا من 1 في المئة من مجموع سكان سوريا، البالغ 18 مليون نسمة.
ويضيف: هناك العديد من الظروف في الوقت الراهن، منها جغرافية وسياسية وتاريخية ومالية، وبدرجة أقل دينية أو مذهبية، تتضافر لتسبب زيادة في التشيع، حيث كانت نسبة الشيعة في سنة 1953، لا تزيد على 0.4 في المئة من سكان سوريا.
ويتابع: الشيعة في سوريا اليوم يمتلكون عددا كبيرا من المؤسسات والأضرحة، وأهمها مقام السيدة زينب، مقام سكينة بنت الحسين، ومسجد النقطة في حلب. ويزور كل هذه الأماكن عدد هائل من شيعة الخليج والعراق وإيران.
المهاجرون الشيعة العراقيون وكذلك الزوار الإيرانيون الذين يأتون لزيارة الأضرحة الشيعية في سوريا، يشكلون جيشا بشريا كبيرا مشبعا بالعقيدة الشيعية، ويساعدون في نشر أفكار ومبادئ المذهب الشيعي.
ويرى سنداوي أن الإغراءات المقدمة لتحفيز التشيع، شكلت نقطة جذب لأي متشيعين مفترضين، لكن السياسة هي صاحبة الدور الأبرز في تعزيز عملية التشيع؛ فبعد وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، زاد النفوذ الإيراني في سوريا كثيرا، بدعم وتشجيع من قبل نظام دمشق.
ونتيجة هذا النفوذ تم منح الجنسية السورية لإيرانيين وعراقيين، ما ساعد على زيادة زخم التشيع، وخصوصاً بين العلويين، الذين كان لديهم رغبة في الانتماء إلى “تجمع” أكبر حجما وله سند إقليمي أوسع.
وينوه سنداوي بالدور النشيط جدا للسفارة الإيرانية والمستشارية الثقافية في دمشق، اللتين تعملان على نشر الأفكار الشيعية كل محافظات البلاد، عن طريق الإغراءات المالية، والمنح الدراسية للجامعات الإيرانية، والرعاية الطبية المجانية، والرواتب الشهرية، وغير ذلك.
ويتابع: علاوة على ما سبق، عززت حرب لبنان عام 2006، المشاعر المناهضة للغرب في سوريا، التي تعارض وجود إسرائيل وتدعم حركات المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي لبنان، وهو ما أثار موجة من الإعجاب بـ”حسن نصر الله”، كانت نتيجتها تشيع العديد من السوريين، وتكثيف الأنشطة الشيعية في البلاد.
ويختم سنداوي قائلا: هذا النوع من المظاهر الموالية للشيعة (من خلال إظهار الإعجاب بحسن نصر الله) قد يكون مؤقتا ولحظيا، لأنه ناجم عن رد فعل عاطفي وليس عن قناعة متجذرة. ولكن مهما كانت طبيعة الدوافع، فالحقيقة هي أن الميل نحو التشيع في سوريا لا يزال قائما.
ملحوظات واستدراكات لـ”زمان الوصل”
منذ اطلاعها على البحث في نسخته الإنجليزية، وحتى فراغها من استعراض أهن نقاطه، لم يغب عن “زمان الوصل” أن أي بحث اجتماعي مهما امتلك من أدوات وطرائق علمية، لايمكن أن يخرج بنتائج دقيقة مئة بالمئة، لأن الأبحاث الاجتماعية تتعاطى مع معطيات دائمة الحركة والتطور، فضلا عن صعوبة رصد كل أوجهها ومظاهرها، فإذا كانت هذه الأبحاث تتعلق بالشأن الديني زادت صعوبتها، فإن كانت في مجتمعات تمتلك حساسيات عالية تجاه هذا الأمر، تحولت الصعوبات إلى ما يشبه المستحيلات، فما بالك ببحث موضوعه عقيدة دينية تتمترس وراء الغموض والتقية، قولا وعملا؟
حرصت “زمان الوصل” على أن لاتتدخل في مجريات ومعطيات البحث إلا عند الضروة القصوى، ومن هنا لم نتردد في التعقيب على بعض الأفكار تصحيحا أو توضيحا، ولم ننتظر لوضع هذه التعقيبات في نهاية البحث، مخافة أن تفقد تأثيرها، حيث سيكون القارئ قد ابتعد عنها موضعيا وذهنيا، ولذا اقتضى وضعها وراء الفقرة المراد التعقيب عليها مباشرة.
رغم قيمته وندرته، فإن بحث الدكتور سنداوي لم يخل من قصورات جزئية وأخرى عامة. أما الجزئية فقد تم التعقيب على ما استطعنا أن نتحراه منها، وأما العامة فنلخصها بنقطتين، الأولى تتعلق بالاختزال المخل جدا فيما يخص الحديث عن التشيع في حمص وطرطوس خصوصا، رغم ما لهاتين المحافظتين من “مركزية” في نشاط الشيعة والمتشيعين، والنقطة الأخرى تخص “تواضع” الخاتمة التي ختم بها البحث، حيث لم تقدم أي جديد في “نظرتها نحو المستقبل”، وكل ما حوته كان تكرارا لما سبق وقيل في متن البحث.
لا شك أن السوريين -من وجهة نظر زمان الوصل- كانوا الأحرى بتقديم دراسات مستفيضة ووافية عن الشيعة وغيرهم من المذاهب ضمن سوريا، لكن هذا التقصير من الباحثين السوريين وهم كثر، ربما يرد إلى التخويف و”الحجر” الذي فرضه النظام على تداول مثل هذه القضايا شفهيا، فما بالك بمن يدونها ويبحث في أعماقها؟
لقد شكل هذا البحث –في حينه على الأقل- قاعدة نظرية لفهم الشيعة وموقفهم في المشهد السوري، ولكن الثورة السورية بكل أحداثها وتداعياتها جاءت لتقدم دليلا عمليا وأرضية راسخة لفهم “دور” الشيعة المتشيعين في سوريا، الذين غدوا الأقلية الأسبق في الالتجاء إلى حاضناتهم خارج حدود الوطن، بدءا من إيران مرورا بالعراق ولبنان، وهو ما حول بعض البقاع في سوريا إلى “مستوطنات شيعية”، محللة لكل أحد إلا السوري غير الشيعي أو المشايع للشيعة!
تعتقد “زمان الوصل” جازمة أن الخلاصة الأهم والأكبر من استعراض هذا البحث، ومحاولة ربطه بأحداث الثورة السورية، تكشف طريقة تفضيل رأس النظام للشيعة على كل السوريين، وتقريبه لهم حتى قبل الثورة، وتجنيسه الآلاف منهم، وترقيته للشيعة والمتشيعين، و”انبطاحه” التام أمام مشيئة ملالي طهران، وتسليمه الجيش لقيادات الحرس الثوري، وبذره الحسينيات في سوريا تماما كما كان يبذر الفقر، وحرصه على “تحرير” أسرى إيران مقابل إهمال آلاف الأسرى من جنوده ومن الطائفة العلوية تحديدا، وتضحيته بعلاقاته مع ملوك ورؤساء مقابل الإبقاء على علاقته بـ”حسن نصر الله” الذي كان يعامله خلافا لأي برتوكول.. معاملة تفوق أو تعادل معاملة الرؤوساء والملوك.. وغير ذلك من المواقف، التي يصعب فهمها إلا في إطار واحد.. وهو الخلاصة الأهم والأكبر، تقول إن بشار تشيع!، بل وربما “شبع” تشيعا، ولا شك أن مثل هذا الاستخلاص المبني على ومضات سريعة يستحق بحثا مستقلا بذاته، للتعمق فيه -إثباتا أو نفيا- وتسليط الضوء على شخصية بشار وطريقة تفكيره، وسبب تشيعه على مذهب ملالي طهران، وهل كان هذا التشيع تحولا من العلوية إلى الشيعية، أم كان عودة لأصوله وأصول عائلته، كما فعلت عائلات في حلب ودمشق، عندما قررت العودة إلى “أصولها” الشيعية!!
زمان الوصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.