يثب

تطورات مقلقة على حدودنا الشمالية

عريب الرنتاوي

يبدو أننا نقترب شيئاً فشيئاً من أسوأ كوابيسنا … جبهة النصرة تلقي القبض على العقيد أحمد النعمة وعدد من قيادات المجلس التابع لهيئة اركان الجيش الحر المرتبطة بـ”الائتلاف” السوري المعارض، والذي كان موضع رهان لمحور إقليمي بأكمله (الأردن من ضمنه)، لصد النفوذ المتصاعد للجماعات “الجهادية” على مقربة من حدودنا الشمالية، والرجل يَمْثُل اليوم وصحبه، أما “القضاء الشرعي”، بتهم تراوح ما بين الخيانة ومحاربة “الفرقة الناجية” والخروج على الملّة، والأرجح أن مصيره محتوم، ما لم تتدخل “وساطات” تقنع النصرة بمقايضة الرجل بمكاسب أخرى في أماكن أخرى.
بيان النصرة، اعتبر النعمة مسؤولاً عن تشكيل ما يمكن وصفه بـ“مجالس الصحوات”، في تذكير بمجالس الصحوات العشائرية في غرب العراق (2005 – 2008)، والتي كان لها دور حاسم في ضرب القاعدة والقضاء على نفوذها في المحافظات السنية، قبل أن تتمكن في العامين الفائتين، من إعادة ترميم وجودها في هذه المناطق، بفعل سياسات الحكومة العراقية من جهة، وتداعيات الأزمة السورية من جهة ثانية.
والحقيقة أن “تشبيه” بيان النصرة في محلّه تماماً، فالذين راهنوا على النعمة و”جبهة ثوار سوريا” و”الجيش الحر” في هذه المناطق، إنما أرادوا لهذه القوى، أن تحد من انتشار القوى السلفية الجهادية، من قاعدة وغيرها، مع أن بعض العواصم الإقليمية، ذهبت بها أمنياتها، إلى حد الرهان على قدرة هذه الفصائل على فتح معركة دمشق من الجنوب، انطلاقاً من درعا، فرأيناها تغدق عليها بالمال والرجال والعتاد والتدريب، وتحت الإشراف الأمريكي المباشر، وبتمويل واحتضان من بعض عواصم المنطقة.
والمتتبع لما تشهده جبهة درعا – القنيطرة، يرى أن هذا “الرهان” قد سقط، أو هو في طريقه إلى السقوط، فالنصرة تنتشر عسكرياً في هذه المناطق، وهي تعلمت درس “الصحوات” مبكراً، وقررت أن تبادر إلى “الحسم” قبل فوات الأوان … ومن المتوقع أن تشهد هذه المناطق، سلسلة من المواجهات والمعارك، بين “الصحوات الجديدة” من جهة والنصرة وحلفائها من جهة أخرى، وقد تأخذ هذه المعارك والمواجهات، شكلاً مماثلاً لما يجري في شمال – شرق سوريا، من معارك محتدمة، بدأت بين الجيش الحر و”داعش”، وانتهت إلى حرب ضروس، بين النصرة و”داعش”، لا تبدو أوامر الظواهري ونصائحه، كافية لوضع حد لها، كما تشير إلى ذلك الكثير من المعطيات والدلائل.
في قراءتنا للسياسة الأردنية حيال سوريا، قلنا مبكراً، أن أكثر ما يخشاه “مطبخ” القرار السياسي والأمني في الأردن، هو تحوّل جنوب سوريا، إلى ما كان عليه غرب العراق في السنوات العجاف المذكورة … وذهبنا أبعد من ذلك للقول، بأن أي حديث عن “دور أردني” في الأزمة السورية، سيظل محكوماً بهذا الهدف، والذي وإن التقى تكتيكياً مع أهداف أوسع نطاقاً لسياسات بعض العواصم الخليجية، إلا أنه لن يذهب في مجاراتها ومسايرتها، فالسياسة الأردنية في سوريا، في جوهرها، دفاعية ووقائية واستباقية، لا أكثر ولا أقل.
اليوم، ثمة ما ينذر بأننا نقترب من لحظة الحقيقة والاستحقاق … فحدودنا الشمالية، باتت مع “جبهة النصرة” وليس مع “ثوار سوريا” أو “الجيش الحر”، أو هي في طريقها لأن تصبح كذلك، خصوصاً مع تراجع قوات النظام في محافظتي درعا والقنيطرة … وليس مستبعداً أبداً، أن تصب كافة “استثماراتنا” على هذه الجبهة، في طاحونة “النصرة”، وبالضد مما أردنا وخططنا.
والأرجح أن تطوراً كهذا، سينعكس على خطط إسرائيل وسياساتها حيال “جنوب سوريا”، ففكرة بناء “شريط حدودي عميل” على غرار ما كان قائماً في جنوب لبنان ما بين العامين 1978 – 2000، ستتأثر إلى حد كبير، بانقلاب موازين القوى بين الجماعات المسلحة في جنوب سوريا … فالنصرة، ومهما بلغ التقاء المصالح والأهداف موضوعياً بينها وبين إسرائيل، لا يمكنها أن تقبل بأن تكون هي المشرفة على هذا الجيب العميل، فضلاً عن إسرائيل، التي ومهما بلغ ارتياحها لأداء الجماعات المسلحة في إضعاف وتدمير سوريا وجيشها، لا يمكنها أن “تأنس” لهؤلاء أو تطمئن.
تطور جديد على حدودنا الشمالية، يدعو للقلق والاستنفار والتحسب، وربما يملي مقاربة جديدة في التعامل مع الأزمة السورية، لا تستبعد التنسيق مع النظام، ميدانياً على الأقل، سواء أكان مثل هذا التوجه، مثار ارتياح أم قلق الحلفاء والأشقاء … فالمصلحة الوطنية أولاً … الأمن الوطني في المقام الأول والأخير.

الدستور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.