انتخابات الأسد وشرعيّة الافتراس

لا توجد فكاهة دموية كافية ولا سخرية سوداء تعبّر عن فظاعة ما يسميه النظام الحاكم في دمشق «انتخابات رئاسية».

لا يوجد أيضا ما يكفي من العار ليغطّي ما يرتكبه نظام عسكري أمني لا وطنيّ يسوق نصف شعبه الى مبايعة زعيمه لمنصب رئيس في الوقت الذي يقصف من لا يقع تحت طائلة «الانتخاب»، او لم يتمكن من الهرب والنزوح، من شعبه، بالبراميل المتفجرة والصواريخ والغازات السامّة وأنواع الأسلحة المحرّمة والحصار والتجويع، ويطارد من نزحوا بالتهديد والوعيد لينتخبوه وإلا طاردهم في كوابيسهم وأحلام أطفالهم.

يتابع بشار الأسد ميراث نظام قام على انقلابات عسكرية متتالية استطاع خلالها الأب المؤسس حافظ الأسد أن يطرد أو يغتال أساتذته (أمثال ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأكرم حوراني ومنيف الرزاز) وأن يصفّي أو يسجن أو ينفي زملاءه حتى يموتوا (محمد عمران وصلاح جديد وأمين الحافظ ونور الدين الأتاسي)، وشيّد حكمه على أسس التغلّب والعصبية والقهر الوحشيّ فاستطاع البقاء على رأس السلطة ولكنه لم يتمكن أبداً من اكتساب شرعيّة.

كانت استفتاءات حافظ الأسد ذات النسبة شبه المئوية هي طريقته للتعبير عن طبيعة حكمه القائمة على فرض وجوده بالقوة واعتبار البيعة له قسراً وقهراً لإرادة الشعب لا استشارة له، فالعبيد لا يستشارون في من يكون سيدهم، وكان بذلك واضحاً وصريحاً: لا يهمّني رأيكم فسأفرضه بقوة الطائرة والدبابة والمدفع.

لا يختلف الأمر مع «انتخابات» بشار الأسد وهو شخص كانت مؤهلاته أنه ابن حافظ الأسد الذي احتاجت له العصبة الوارثة المتحكمة فاستدعته على عجل بعد وفاة أبيه، وبسبب صغر سنّه تم تعديل دستور سوريا بدقائق معدودة وجرت مراسم «قصّه» العلنية على مقاسه، وبعدها تتالت انجازاته التي تفوّق فيها، بمراحل، على أبيه: اتهامه بجرائم سياسية كبرى في العراق ولبنان، وتحويله اقتصاد البلد لمزرعة لأقاربه وأتباعه، وإدارته حربا شاملة ضد شعبه الذي حلم بالتغيير، وارتهانه في سبيل ذلك، سيادة بلاده للخارج، واستدعاؤه مرتزقة من فجاج الأرض الواسعة ليقاتلوا مواطنيه الذين يزعم تمثيلهم، وإطلاقه عنفات حرب غرائز طائفية بشعة لا يمكن أن تنتهي إلا بتدمير البلد بأكمله.

تفوّق بشار الأسد بفراسخ على أبيه الذي كان عنوانا كبيراً للظلم والطغيان، وما كان السوريون ليتخيّلوا، في أسوأ كوابيسهم، أن يصلوا إلى ما أوصلهم إياه الرئيس السوري الحالي (والمقبل بعد إعلان فوزه قريبا) فما يجري حالياً لا يمكن تفسيره بنظريات وتحليلات السياسة وحدها.

ما حصل في سوريا يدلّ على نجاح عشرات السنين من حكم النظام في تكريس أسس ثقافية عامّة للاستبداد استخدمت في معادلتها صراعات التاريخ القديمة والطوائف والمذاهب وانضافت إليها عناصر الأيديولوجيات الحديثة لتحوّلها الى كونكريت قاس غير قابل للتحوّل والتغيير والتطوير.

ثابت النظام السوري إذن هو الاستهانة بأي شرعيّة غير شرعية القتل، وعجز المستبد عن التغيّر، كما يعجز الوحش الكاسر عن الامتناع عن افتراس الضحايا، أما متحوّله فهو من قبيل تعديل تسمية استفتاءات الأسد الأب بانتخابات الأسد الإبن.

هو افتراس إذن سواء كان اسمه استفتاء او انتخابات.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.